أحمد شهاب يواصل نقده للقوى السياسية

سلسلة مقالات مركزة عن واقع القوى السياسية والله روعةةةة

مقالة اليوم الاحد
القوى السياسية: جدل المعارضة أو المشاركة




Sunday, 12 أكتوبر 2008


أحمد شهاب



المعنيون بشؤون التحولات الديمقراطية في المنطقة يصوبون اهتماماتهم نحو رصد حجم تأثير القوى السياسية ودورها في عملية التطور السياسي في كل دولة على حدة، سواء عن طريق الضغط على النظام ومخاصمته أم عبر التفاهم مع الحكم ومشاركته. مشاركة السلطة أو معارضتها هو اختيار سياسي لا يجوز الاستهانة به في مسار دعم الديمقراطية وتطويرها، ولا ينبغي مقاربته بطريقة تعميمية وبمواقف مسبقة، وإنما عبر قراءة متأنية وهادئة.
فليس المطلوب المعارضة على الدوام من أجل المعارضة والصدام الدائم مع السلطة، ولا الموالاة الكاملة للنظام والتنازل عن المطالب السياسية والشعبية دون مبرر، وإنما يقاس نجاح القوى السياسية بقدرتها على الدفع في اتجاه إصلاح حقيقي يعمد إلى توزيع السلطة بين النخب الحاكمة والنخب السياسية، وإحداث توازن بين السلطات الثلاث، وتفعيل أدوات الرقابة والمتابعة، وتحرير السلطة من التمحور في خدمة المصالح الخاصة والمحدودة لنخبة الحكم.
كل مجتمع لديه جملة من المطالب ينتظر من الدولة العمل على تحقيقها، ودور القوى السياسية في جوهره يستهدف إيجاد مناخ يقبل بتنظيم تلك المطالب، وفرزها ضمن عناوين واضحة تندرج في إطار أعم هو إصلاح الدولة، وانتخاب وسائل عمل تنسجم مع ظروف الدولة الموضوعية، والتي عادة ما تتمظهر في صيغة المعارضة من داخل النظام أو من خارجه.
من خارج النظام تعمد المجموعات إلى نقد وتقييم السلطة ومراقبة أدائها باستمرار، واقتراح البدائل السياسية والإدارية الملائمة حسب معايير الكفاءة لا القرابة والمصلحة، وإحلال معيار الكفاءة محل معيار الولاء، سواء أكان الولاء للعائلة أم المحسوبية أم الحزبية الضيقة أم لتضامنيات المصالح الخاصة، بحيث تكون هي أحد تلك البدائل المعروضة عبر التداول السلمي للسلطة.
أما من داخل النظام فتتجه القوى السياسية نحو المشاركة في السلطة، ويضبطها توافر رؤية واضحة مدعمة بالبرامج عند المعارضة، فدخول القوى السياسية في السلطة من دون رؤية إصلاحية، يُفقدها تلقائيا عنوانها السياسي، وينقلها عمليا إلى عنوان آخر هو ممالأة السلطة، وهي في هذا الثوب الجديد لا تختلف كثيرا عن الأجهزة والمؤسسات التابعة للنظام، بل ربما تكون أسوأ، إذ تكتفي الأخيرة بتنفيذ الأجندة الحكومية بحذافيرها، فيما تؤدي المشاركة غير المدروسة للقوى السياسية إلى توفير غطاء ديني أو سياسي لتصرفات الحكومة وأخطائها.
وفق هذه المقدمة النظرية، كيف يمكن أن نصنف القوى السياسية في الكويت؟
أستطيع القول إن جميع القوى السياسية فقدت عنوان المعارضة السياسية تماما، وأصبح الإنجاز الوحيد في أجندتها هو تحقيق «رضا الحكومة» و«المصالح الخاصة». أما التوترات التي تشهدها البلاد طوال السنة، واضطراب العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فلا تعبر عن معارضة، أو رؤية سياسية، بقدر ما تعكس غياب الرؤية الإصلاحية عند الجميع، وتثبت أن خطوة المشاركة في السلطة لم تكن مدروسة على الإطلاق، وإنما هي نتاج الشعور بخيبة الأمل من القدرة على الإصلاح السياسي من جهة، والرغبة بتحقيق مكاسب سياسية سريعة من جهة أخرى.
فالمسوقون لفكرة المشاركة لم يقدموا خطابا يُبرر تحولهم الإستراتيجي، وهم حتى الآن يرتكزون على مقولة فضفاضة مفادها أن إبداء الاستعداد للمشاركة في السلطة هو المدخل الآمن لإثبات الولاء الوطني وتبديد الشكوك حول وطنيتها الكاملة، كما أنها الطريقة الوحيدة التي تعمل على تغيير الصورة النمطية عن المعارضة بأنها تُهدد السلم الاجتماعي والأمن الوطني، وتُثبت خلالها سلامة نواياها.
وربما أكثر الجهات التي تعتمد هذا المنطق هي «جماعات الإسلام السياسي»، بخاصة بعد ارتفاع حدة الاتهامات الموجهة لها خلال السنوات الأخيرة، والنظر إليها كجماعات إرهابية متطرفة تستهدف الاستيلاء على السلطة في المرحلة الأولى، وعلى الديمقراطية في المرحلة الثانية، فاضطرت هذه الجماعات للتحول تحت ضغط الرغبة في تغيير الصورة السابقة والظهور كأطراف معتدلة ووطنية ومسالمة، وقبلت بمبدأ المشاركة.
أما الحجة الأخرى فتتمسك بها القوى التي عانت في وقت سابق من الشعور بالغبن السياسي والاجتماعي لأسباب دينية أو فئوية أو مناطقية، وهؤلاء يعتقدون أن المشاركة تعد من جهة أولى ضرورة من أجل تخفيف حدة الضغط عليها وحمايتها من ممارسات التمييز، فعبر المشاركة تتحقق مطالبها بسهولة ويسر، ومن جهة ثانية تعتبر فرصة قد لا تتكرر كثيرا يمكن خلالها تعويض سنوات الحرمان والإقصاء والتهميش.
لاشك في أن إحداث حالة من التوازن بين البرغماتية والمبدئية أمر غاية في التعقيد والصعوبة، ويزداد الأمر تعقيدا مع تعثر المكاسب التي يطمح لها التيار، وخفوت بريق الدخول في الحكومة شيئا فشيئا نظرا لتدني الاعتقاد بأهمية، أو دقة قرار التحول السياسي عند بعض القيادات، أو عند شريحة مهمة داخل التيار بعد مرور فترة زمنية على خوض التجربة، وتقويم نتائجها وثمارها.
وقد اتضح من خلال المشاركة في السلطة خلال السنوات الأخيرة أن حصاد المشاركة لم يرق إلى ما كانت تتأمله القوى السياسية، ولم يكن بحجم التنازلات التي قدمتها ولاتزال تقدمها حتى الآن، وعجزت عن التحول إلى مشارك حقيقي في السلطة، لذلك أعتقد أن أمام أنصار المشاركة اليوم فرصة أخيرة لإيضاح مبانيهم الفكرية والسياسية التي اعتمدوا عليها في قرار المشاركة، وتحديد موقفهم بوضوح وشفافية، وإلا فعليهم انتظار الأسوأ، والأسوأ باختصار هو تشتيت إضافي لجهودهم السياسية، وانقسامات جديدة داخل التيار، وأخيرا إعلان إفلاسهم السياسي.
كاتب كويتي
ahmed.shehab@awan.com
 
أعلى