هل المعايير الأخلاقية عرضة للتغير
نُشر هذا الموضوع في مدونتي بتاريخ 18 - 12 - 2006
كنت أفكر في إجابة لهذا السؤال منذ زمن. هل المعايير الأخلاقية للمجتمع الواحد ذو الإستمرارية معرضة للتغير والتبدل؟ وبالتغير أقصد التغير الجذري الذي يحول المفهوم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ما جعلني أفكر في هذا السؤال هو الخلاف في مسألة زواج المتعة. انظروا إلى هذين المثالين:
المثال الأول:
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب نهي رسول الله (ص) عن نكاح المتعة آخراً، عن جابر بن عبدالله وسلمة بن الأكوع قالا: "كنا في جيش فأتانا رسولُ رسولِ الله (ص) فقال إنه قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا". وفي صحيح مسلم، كتاب النكاح، من حديث عبدالله: "فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك. ثم رخّص (أي النبي) لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل". وفي صحيح مسلم أيضاً ومن حديث عبدالله: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق، الأيامَ ... الخ". وحديث سبرة في صحيح مسلم: "أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا عليها أنفسنا. فقالت: ما تُـعطي؟ فقلتُ: ردائي. وقال صاحبي: ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنتُ أشبَّ منه (...........) ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني. فمكثتُ معها ثلاثاً ......الخ".
المثال الثاني:
فتوى الشيخ ابن عثيمين: "وأما نكاح المتعة فأشبه ما يكون به الإستتار على الزنا". المصدر.
لا يهمني هنا هل المتعة حلال أو حرام، فلكل دليله ومصادره. ويجب أن أعترف بأن آليات هذا "الزواج" كما هي عند السادة الشيعة الإثني عشرية لا أجدها مستساغة بعض الشيء. ولكن ما يهمني هنا هو تغير النظرة الجوهرية، وبالتالي المعيار الأخلاقي، إلى ذلك الزواج في المجتمع الإسلامي. النبي (ص) يسمح صراحة لصحابته وضمناً للصحابيات (وإلا بمن يستمتع الصحابة؟) بالإستمتاع (بغض النظر هل نهى عنه لاحقاً أم لا)، ثم يمارس الصحابة هذا الزواج من دون أن تكون هناك ريبة أو شك في المعيار أو المستوى الأخلاقي للصحابي المتمتع والمرأة التي مارست هذا الزواج (قد تكون صحابية كذلك). لاحظ أن ذلك في عهد النبي (ص). ولكن، وبعد ألف وأربعمائة سنة، يصبح من يمارس هذا الزواج متستراً على الزنا !!!
ما الذي حدث (أختلف) هنا؟
الإجابة على هذا السؤال، بالتأكيد، يتطلب بعض الجهد والوقت. وأعلم أن معايير "الحلال" و "الحرام" و "النص" تلعب دوراً هاماً في محاولات "التبرير" و "الإثبات" و "الإعجاز" (انظر على سبيل المثال التجارة الرائجة لمنتجات العسل والحبة السوداء في المجتمعات الإسلامية، وكمية الأخبار على شاكلة "أثبت عالم الماني..."، والكتابات الإسلامية عن لحوم الخنازير وأثرها "الصحي" و "الأخلاقي" على من يتناولها). المهم هنا أن المعايير الأخلاقية قد تغيرت (في الحقيقة هناك أمثلة أخرى في التاريخ الإسلامي). هذا واضح.
السؤال التالي هو: هل هذا التغير كان للأفضل أو للأسوأ؟
فرناس