نقلا من موقع الان اقدم لكم تيب بعنوان (نحو صياغة الخطاب المدني ـ محاولة لتعزيز ادبيات التيار المدني ...
في الحقيقة اننا افتقدنا تلك الرسائل من فاطحلة الفكر المدني وهذا التغييب المتعمد من قبل المهيمنين على الفكر المدني قد طالبناهم يتوجيه الشباب الذي تم اختطافه من قبل التيارات الدينية بشقيها السنية والشيعية ... نشد على يد الدكتور سعد بن طفلة ونبارك له هذه الاصدارات ... ولي وقفه لا حقه وتعليق على حيثيات الموضوع ...
بن طفله يكتب هدية للشباب
'نحو صياغة الخطاب المدني' محاولة لتعزيز أدبيات التيار المدني
'نحو صياغة الخطاب المدني' محاولة لتعزيز أدبيات التيار المدني
06:06:09 م
30/01/2009
الآن-ثقافة
أصدر الدكتور سعد بن طفله كتيبا عنوانه 'نحو صياغة الخطاب المدني: ورقة مقدمة للشباب'. الكتيب الذي سماه الدكتور سعد ورقة يتكون من حوالي ثلاثين صفحة قال في مقدمتها أنه تعمد قصره من أجل الشباب، وذكر بأنه سيكون باكورة سلسلة من الأوراق التي تناقش القضايا العصرية بلغة موجهة للشباب حول أهمية الخطاب المدني.
الكتاب يناقش فكرة الدولة المدنية ويتعرض لمصطلحات مثل العلمانية والليبرالية والدكتاتورية، ويجادل حول مسألة 'تسييس الدين وتدين السياسة'.
كما يناقش الكتاب فكرة الدفاع عن الدين من منظور مدني وذلك بالنأي به عن السياسة والاعيبها، ويجادل برفض عزل الدين عن السياسة وفصلهما على اعتبار أنها ليسا ملتصقان، ولكن المطلوب-كما يكتب بن طفله- هو السمو بالدين فوق السياسة، والترفع بالدين عن السياسة والمصالح السياسية الدنيوية.
في مقدمة الكتاب يطرح الكاتب أهمية هذه اللغة المدنية التي يمكن أن تقدم للشباب زادا في ساحة الحوار الديمقراطي بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة المدنية. ولعل أهمية ما كتبه بن طفله تكمن في إضافته لمثل هذا الحوار الحضاري.
وفيما يلي الورقة:
الجزء الاول :
نحو صياغة الخطاب المدني:
ورقة مقدمة للشباب
سعد بن طفله
المحتويات
1- مقدمة.
2- لماذا هذا الكتيب؟
3- نعوت ومصطلحات.
3-1 تحديد
3-2 الاختلاط نموذج التلاعب اللغوي
3-3 لا للاختلاط، لا لفرض التعليم المشترك.
4- المدنية في مواجهة التطرف والإرهاب.
5- ثقافة الإلغاء.
6- احتكار الإسلام والدفاع عنه.
7- تسييس الدين وتدين السياسة.
7-1 الدولة المسلمة، والأمة الإسلامية.
7-2 استغلال الدين واستغلال المدنية.
8- لا لعزل الدين عن السياسة! لا لفصل الدين عن السياسة!
9- التفاؤل زاد البقاء.
10- لا تكن بموقع الدفاع.
11- خاتمة.
1. مقدمة
يأتي هذا الكتاب كمحاولة لحصر المصطلحات السياسية التي تدور وتمور في لغة السياسة من حولنا، وهو يهدف إلى تحديد بعض معان ومفاهيم ومدلولات هذه المصطلحات السياسية، كما تأتي الحاجة لمثل هذا الكتاب موجها إلى الكثيرين ممن اختلطت عليهم المفاهيم، وتقطعت بهم سبل العبارات، ووجد صعوبة في استيضاح الصور في عالمنا الذي يمر بمتغيرات كبيرة وتاريخية وغير مسبوقة.
هذه الورقة موجه للشباب بالدرجة الأولى، أو هي موجهة للباحث عن حصر التغيرات وتوصيفها، ولمن ينشد تحديد المفاهيم ومعانيها. وهي تهدف أن تربط كل من يتفكر من هؤلاء الشباب- وهم الغالبية العظمى- فيما يجري من حوله من ضوضاء السياسة، وأعاجيب المصطلحات، وفوضى التسميات، التي تذهب بالشباب شرقا وغربا، والتي تسببت بضياع البوصلة الفكرية التي يمكن أن يجتمع عليها معظم الشباب في مرحلة تتطلب تجمع الجهود وتظافرها، لتجاوز محن نشهدها كل يوم، وتتفاقم كل ساعة.
ولقد حاولت الورقة الاختصار قدر الإمكان، فالقراءة ليست من عاداتنا العربية بشكل عام، وعصر السرعة والتكنولوجيا يجعل من الممل للشباب أن يقرءوا كتابا يضم المئات من الصفحات من التنظير الممل، فخير الكلام ما قل ودل في هذا العصر الذي يتصفح فيه الشباب الانترنت أكثر مما يقلبون صفحات الكتب.
والحق بأن هذه الأوراق نتاج تجربة شخصية في عالم الحوار والجدل والنقاش السياسي، انصب في غالبه على الحوار مع التيار الديني، طيلة أكثر من ربع قرن من العمل السياسي، وأنا هنا لا أكتب مذكرات خاصة، ولا أكتب جديدا، أو أضيف جديدا سوى أنني أقوم بعملية حصر لمواضيع تراكمت دون ترتيب، وجرى عمل منظم لتشتيتها، وتم عن عمد رش الغموض حولها.
وهذا الكتيب موجه بالدرجة الأولى للشباب الكويتي، ولكن يمكن أن ينسحب في طروحاته على الحوار المدني-الديني في أي مكان في عالمنا العربي والإسلامي، وبالذات في دول الخليج العربية، ولذلك لأن الهم مشترك، ولأن القوى المعادية للدولة المدنية هي واحدة وموحدة في خطابها في كل أنحاء المنطقة.
2. لماذا هذه الورقة الآن؟
يأتي توقيت هذا الكتيب في مرحلة هامة من تاريخ التطور السياسي العربي عموما، والخليجي-الكويتي تحديدا، فلقد كانت المسائل في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي محددة المعاني والمفاهيم السياسية بشكل حاد وقاطع، وكانت الأيدولوجيات الجامدة هي سيدة الموقف، فأنت إما أن تكون شيوعيا، أو قوميا أو بعثيا، ولاحقا ناصريا، وإما أن تكون مع المتدينين الذي لم يصيغوا خطابا سياسيا حتى جاء بين الإخوان السملمين سيد قطب وحدد مفاهيم الحاكمية السياسية واندفع في تحديد مسألة الدولة الإسلامية وضرورة تحقيقها والعمل على إنشائها ولو بالقوة.
ثم انتهت تلك المرحلة، بما لها وما عليها، وسقطت الأيديوجيات الجامدة، فانتهت الناصرية بهزيمة العام 1967م، ثم يموت عبدالناصر نفسه، ووصلت القومية الشوفينية مداها بالسيطرة على العراق وسوريا، لتثبت فشلا ذريعا في إدارة الدولة، وتحقيق الوحدة العربية المنشودة، وإنجازات النظرية الاشتراكية الموعودة وأوهام الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
ثم جاءت مرحلة يمكن نعتها بالمرحلة 'الأفغانية'، والتي رصدت فيها الأموال وحشدت الجهود وجند 'المجاهدون' للتصدي للاتحاد السوفييتي السابق بعد غزو أفغانستان العام 1979م، وقد تم تشجيع الحركات الدينية الجهادية في تلك الفترة، وتم تقديم كافة التسهيلات وأموال فلكية الأرقام، وتزامنت تلك المرحلة مع المرحلة الريغانية الأمريكية التي آلت على نفسها تدمير 'امبراطورية الشر'، المتمثلة بالاتحاد السوفييتي السابق، كما تزامنت تلك المرحلة مع الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه، واستمرت في زخمها الثوري الذي ترافق مع حرب شنها الرئيس العراقي صدام حسين على إيران عام 1980م، ولتستمر الحرب لمدة ثمان سنوات انتهت في العام 1988م بعد أن أتت على الأخضر واليابس، وأنهكت المنطقة عسكريا وماديا وبشريا، وزادت من احتقانات قومية وطائفية في المنطقة.
رافقت هذه المرحلة التي اتسمت بتراجعات الخطاب العلماني في مجمله، والفشل الذريع الذي اتسمت به الأنظمة التي رددته من القوميين والبعثيين، مرحلة الثورة الإيرانية التي قدمت الوجه الآخر لعملة الخطاب الديني السياسي في المنطقة بوجهه الشيعي، وقد تبلور الموقف السياسي لهذا الخطاب حول 'ولاية الفقيه' الذي طور فكرته وصاغه ونظر له قائد الثورة آنئذ الإمام الخميني.
كانت نهاية الحلم الفاشي الوحدوي العربي بغزو العراق للكويت عام 1990، وهو الحدث الجلل الذي أحدث زلزالا لا تقل آثاره حجما عن آثار النكسة.
يؤسس هذا الكتاب للشباب كي لا يظنوا أن من يعادي الدولة الدينية إنما يعادونها لأهواء خاصة، أو لأنهم ملاحدة لا يؤمنون بالله- مثلما يروج خصومهم، بل يعزز مسيرة المطالبات بالدولة المدنية وبمؤسسات المجتمع المدني، ويثري تراث هذه المطالبات الصادقة التي تنشد الخير والتعايش والتقدم والتطور والسلام الاجتماعي.
إن المتغيرات التي تعيشها المنطقة، وما واكبها من تشتت في الخطاب المدني، يستدعي التركيز على نقاط محورية وجوهرية في صياغة هذا الخطاب، وأن يتوجه مباشرة للقضايا التي تشغل شباب التيار المدني بشكل عام.
3 نعوت ومصطلحات:
3-1 تحديد:
عشنا ردحا من الزمن نعيش تحت المسميات الأيديولوجية المختلفة، وكان بعضنا يقبل تلك التسميات لأنه كان فاقدا للهوية أحيانا، أو لأنه يعتقد بأن معاندة الفكر الديني هو الحل الوحيد للتصدي له، ولقد ثبت خطأ كلا الموقفين، فلا التهكم على رجعية الخطاب الديني نجح في تفنيده، ولا قبول إلصاق الصفات الأيديولوجية التي يطلقها التيار الديني هو التعبير الحقيقي عن ماهية الموقف المدني.
ولقد كان التيار الديني يدرك أهمية اللغة وقدرتها على تقريب المؤيدين له، وعزل التيار المدني بكافة توجهاته، وكانت المعادلة بسيطة وسهلة: نحن إسلاميون وغيرنا ليسوا كذلك، وهذه تكفي – كما سنبين- لعزل خصومهم عن الناس وانحسار تأثيرهم في المجتمع.
تنادي هذه الورقة بمفاهيم ومصطلحات جديدة تتعامل مع 'الدين السياسي'، مع ضرورة التفريق بين الدين كعقيدة وإيمان خاص بالفرد، وبين من يمارس السياسة ويمتهن العمل السياسي تحت شعارات دينية. ويمكن اشتقاق الكثير من مصطلح 'الدين السياسي'، مفرقين بين الدين كعقيدة، وبين السياسة التي لا عقيدة ربانية لها، والتركيز على من يحاول أن يضفي على موقفه السياسي لغة دينية، أو أنه يغلف آرائه السياسية بغلاف ديني من حيث لغته ودعوته لآرائه.
الموقف الواضح من الدولة الدينية التي يحاول البعض أن يفرضها في مناطق كثيرة من العالم، ولعل واحدة من أشدها وضوحا هي الدعوات الصريحة والصارخة والواضحة التي يطرحها دعاة هذا الفكر في الكويت.
مع تحديد مفهوم الدول المدنية التي تطالب بالقوانين المكتوبة التي يتساوى أمامها جميع المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم العرقية أو الدينية أو الطائفية أو اللغوية.
ولقد حارب الخطاب الديني كل القوى المدنية بحجج مختلفة على امتداد العصور، فالمفكرون كانوا زنادقة في العصور السحيقة، والمخالفون لهم كانوا ملاحدة وشيوعيين، وبعد سقوط الشيوعية، تغيرت النغمة إلى اليسار مع إبقاء صفة الإلحاد، ومنها إلى العلمانية، وبعدها بالليبرالية، ويسود هذه الأيام (أي مرحلة كتابة هذه الورقة) تسمية جديدة هي التغريبية. ولا شك بأن جعبة جهابذة الدين السياسي لن تفرغ في المستقبل من ابتداع تسمية جديدة لخصومهم.
وكان المبدأ والفلسفة المحورية في هذه التسميات من قبل قوى 'الدين السياسي'، هو ألا يكون هناك إسلاميون غيرهم، والإسلامي كلمة لها مدلول سياسي تختلف عن المسلم، فالإسلامي هو من يمارس السياسة بشعارات دينية-إسلامية، وهو بذلك لا يختلف –كسياسي- عن أي سياسي آخر يمارس السياسة بشعارات دينية- وإن كان مسيحيا أو يهوديا، فالمبدأ واحد، وبالنسبة للإسلامي فالمهم عنده أن خصومه غير إسلاميين، وهنا مربط الفرس.
فكلمة إسلامي مشتقة من الإسلام، وبالتالي فإن نعت السياسي بالدين وربطه به باحتكار هذه الكلمة، لها وقع السحر على كل ما عداها، فيكفي أن تستمع لمن يقدم على أنه إسلامي في مناظرة ما، كي تعلن نتيجة الفوز له بغض النظر عن فحوى ما يمكن أن يقوله خصمه السياسي الآخر.
ولقد أخطأت كثير من القوى المدنية بوقوعهم في هذا الفخ اللغوي، الذي له تداعيات نفسية على مراقب الصراع بين ما هو 'إسلامي' وما هو غير ذلك، لتعلن النتيجة قبل بدء النزال أصلا، لصالح من يمارس السياسة باسم الدين، وبين من قبل –سذاجة- أن يعطي خصمه السياسي حق احتكار الدين، ثم يقبل منازلته.
إن من السذاجة أن تعطي المتابع الانطباع أن الصراع هو بين الدين والسياسة، لا بل إن هذا ما ينشده من يمارس السياسة بشعارات دينية، إن من يقع في هذا الفخ قد أحرق أوراقه ودمر جسوره مع الناس. الواجب فهم أن كل هذه الفرق والجماعات تمارس سياسة، وأنه في ميدان السياسة تتساوى جميع الفرق، والحكم عليهم يكون من خلال برامجهم وما يمكن أن يطبقونه من هذه البرامج على أرض الواقع بما يفيد الناس، ولا يجب بأي حال من الأحوال الوقوع في هذا الفخ، والتفريق الواضح بين فريقين أساسيين ممن يمارسون السياسة: الفريق الديني والفريق المدني. وأن يعلن الواحد منا انحيازه وانتمائه، إن كان يريد الخوض في بحر السياسة: أمدني هو أم ديني.
إن من الغباء الوقوع في فخ أن الإسلام يقابله الليبرالية، فالليبرالية تقابلها المحافظة (LIBERALISM VS CONSERVATISM )، أو أن الإسلام يقابله الاشتراكية، فعكس الاشتراكية هو الرأسمالية (SOCIALISM VS CAPITALISM). تم خلط متعمد بأن الإسلام عدو الإلحاد، فالإلحاد نقيضه الإيمان بالله بغيض عن الدين الذي يمكن أن يعتنقه المؤمن (ATHEISM vs BELIEF)، وتم تعمد إشاعة أن الإسلام مناهض للعلمانية بينما نقيض العلمانية هو الدولة الدينية بأشكالها (SECULARISM VS THEOCRACY)، أو أن الإسلام يعاكس الديمقراطية، وهي مفهوم سائد وخاطئ، فالديمقراطية نقيضها الدكتاتورية (DEMOCRACY vs DICTATORSHIP)، والإسلام رسالة لم تأت لمحاربة اليمين ولا اليسار، فالمصطلحان سياسيان جاءا من البرلمان الفرنسي في القرن التاسع عشر لوثف المعارضة التي كان تجلس يسار القاعة، والحزب الحاكم الذي كان يجلس يمين القاعة (RIGHT vs LEFT) وهكذا.
يحاول دعاة الدولة الدينية أن يضعوا الإسلام في مصاف الأيديولوجيات والمفاهيم الإنسانية، بينما يناضل المدنيون بالرقي بالإسلام فوق كل هذه المصطلحات والسمو به، فالإسلام ليس كمثله شيء في نظر التيار المدني، ولا يجب لأي حال من الأحوال أن يقارن بشيء دنيوي وإنساني. وأولئك الذي يستخدمون الإسلام للترويج لسياستهم ولوصولهم للسلطة والمال والنفوذ، إنما يحاولون أن يوازوا بين الإسلام وبين مفاهيم دنيوية وإنسانية، وفي ذلك استغلال للإسلام يمارسه دعاة الدفاع عنه ومن يقولون أنهم حماته.
إن تسمية دعاة الدين السياسي ب(الإسلاميين) خطأ كبير، لأن ذلك يلغي 'الإسلامية' عمن سواهم، وفي هذا ظلم للآخرين وتقديم هدية مجانية لهم باحتكار الدين، كما أنه مغالطة في تعريف الخطاب المدني الذي تنبع مطالبه من جوهر الدين، ويتمحور خطابه حول القيم الأساسية للدين، لكن دعاة المدنية يرفضون استخدام الدين شعارا لأهدافهم السياسية، ولذا فإن عليهم رفض تسمية خصومهم بالإسلاميين، لأنهم ليسوا في نقيض مع الإسلام، وليسوا في صراع مع الدين، بل على العكس من ذلك- فإنهم حماة الدين الحقيقيين كما سنبين لاحقا.
3-2: الاختلاط نموذج التلاعب اللغوي:
شكلت حرب القوى الدينية السياسية على التعليم المشترك نموذجا لقدرة هذه التنظيمات على التلاعب اللغوي الذي له تأثير السحر على مشاعر الناس، وكانت حربهم- ولا تزال- بلا هوادة على التعليم المشترك الذي تخرجوا منه وأبناؤهم وبناتهم وزوجاتهم- سواء داخل الكويت أو خارجها، ومع هذا فقد شنوا حربا ضروسا لم تتوقف حتى سن قانون في مجلس الأمة يمنع ما أسموه 'زورا' بالاختلاط. فكلمة الاختلاط توحي بالخلط، ولها وقع الفوضى، فيقال 'اختلط الحابل بالنابل'، ويقال عن المكسرات المخلوطة ببعضها باللهجة الكويتية 'حب مخلط'، وتوحي الكلمة بنوع من الفوضى التي لا نظام ولا تنظيم ولا ترتيب فيها. وللكلمة وقعها وإيحاءاتها الجنسية التي لم يتردد الخطاب الديني السياسي عن ترديده في مناسبات مختلفة، فربط التعليم المشترك (الاختلاط) بالمواليد الغير شرعيين وأصدر بيانات تدين كل من يطالب بحرية التعليم المشترك، بل وراح يطعن كل من ينادي بحرية التعليم في أخلاقه وسلوكه. إن إقرار القانون الذي سمي قانون 'الاختلاط' هو إدانة لجيل بأكمله، وهو عمليا يعني أن كل من درسوا في جامعة الكويت وكافة الأماكن التعليمية المشتركة، هم أناس -في أقل الأحوال- مشكوك في سلوكهم وأخلاقهم. إن نواب الدين السياسي الذين أقروا قانون 'الاختلاط' لم يكونوا في موقع يؤهلهم بفرض ذلك القانون، لأنهم جيل المرحلة التي كان التعليم فيها مشتركا، وبالتالي فإن ما ينسحب من التشكيك في سلوك وأخلاق ذلك الجيل، ينسحب على سلوك وأخلاق النواب أنفسهم.
والحق أن بعضا من القوى التي تدعي الليبرالية حادت عن الطريق من هدف حرية التعليم المشترك كأحد مبادئ خيارات الناس الحرة أولا، ولقيمته التعليمية التي يمكن أن تنعكس على التحصيل التعليمي والإدراكي للتلاميذ والطلاب. وراح دعاة الليبرالية- بكل غباء- يدافعون عن 'الاختلاط' مرددين لغة الدين السياسي ليقعوا في فخ التلاعب اللفظي الذي جرهم إليه خصومهم بكل ذكاء وخبث. وتحول الجدل من الدفاع عن الحرية كمبدأ، وعن التعليم المشترك كقيمة وكمحفز، إلى الدفاع عن 'الاختلاط' أو محاربته، وهي معركة محسومة سلفا للتيار الديني السياسي.
....
يتبع ...