فراس البدر
عضو فعال
«المواطنة في الكويت» .. ينزع ورقة التوت ويكشف المستور ويدعو إلى منح البدون حقوقهم
الوقيان: آن الأوان لصياغة عقد جديد للاندماج المجتمعي والمدني
الوقيان: آن الأوان لصياغة عقد جديد للاندماج المجتمعي والمدني
علام احمد
د. فارس الوقيان
ظهرت مؤخراً في ثنايا الدراسات وفضاءاتها اهتمامات عدة بابعاد قضية المواطنة كمفهوم ومعنى سعيا وراء توضيحها واثبات اهميتها، لاسيما بعد افرازات العولمة العديدة التي اخذت في طريقها اخضر الانتماءات ويابسها، وباتت تمثل خطورة على مقومات الدول وحيثيات وجودها واستمرارها في ظل سيطرة طرف واحد على من حوله وتوزيعه للأدوار وتصوراته، ما جعل مسألة المواطنة اشكالية استدعت الدراسة والبحث والاستقصاء في اكثر من مكان ولدى عديد الباحثين والكويت بحكم انفتاحها الاعلامي على العالم وتلازم ذلك الانفتاح مع ممارسة ديموقراطية على الصعد كافة ليست ببعيدة عن بروز مشكلة العولمة عقبة في طريق مسيرتها الاجتماعية والانسانية ما يديمها بشكل مباشر او غير مباشر الى الوقوف قليلاً ومراجعة بعض التعريفات وبيانها بغية تثبيت بعضها والغاء بعضها الاخر ويأتي الى جانب اشكالية العولمة كظاهرة عالمية لها تأثيراتها السلبية على صعيد علاقة الكويت مع الخارج، مسألة الغليان الداخلي التي تتوزع بين انتماء قبلي وعشائري يضاف إليها مسألة غير محددي الجنسية والبدون «حقوقهم وواجبات الدولة نحوهم» ما يؤسس في نهاية المطاف لخلاصة وعنوان عريض لتلك التداعيات وهو ارتباط المواطنة بابعاد سياسية واقتصادية وليست قانونية وحسب، في ظل تعدد الولاءات، ما يوضح نقصاً في وعي اهميتها وفهمها بشكلها الصحيح ويفضي في نهايته الى عرقلة عجلة التنمية على الصعد السياسية والحضارية والاقتصادية.
من هنا وبعد هذا التقديم تتضح اهمية كتاب «المواطنة في الكويت» مكانتها السياسية والقانونية وتحدياتها الراهنة «للدكتور والباحث السياسي فارس الوقيان، الصادر مؤخرا عن مركز الدراسات الاستراتيجية المستقل بجامعة الكويت، والذي حاول فيه الاضاءة على مفهوم المواطنة وتقديم رؤيته حوله وسط جملة الاحداث الداخلية والخارجية واصفاً استنتاجاته والحلول الكفيلة بتلافي اي عقبة قد تحول هذه المسألة الى مشكلة تعترض مسيرة التطور والتقدم للكويت، وفق تصور ان المواطنة كمفهوم لا يتصف بواقع الجمود والثبات على حال واحدة بل هو ذات طابع تحولي ديالكتيكي يتأثر بما حوله من ظروف، بناء على املاءات المناخات الدولية والاقليمية التي تمر في وضعها الطبيعي أو التي قد تأتي في سياق مستقبلي ما يعطي الكتاب هالة الحالة المعرفية والتثقيفية والتأصيل للمفاهيم الصحيحة سعيا لارساء قيمة المواطنة كمرتبة اولى من حيث الولاء الوطني تأتي بعدها باقي الولاءات او ادعاءات الانتماءات أياً كانت، وبناء عليه عمد د. الوقيان الى تقديم وتمهيد ابرز فيه مفهوم المواطنة باكثر من جانب ليكون الاساس الذي يستند اليه في تناول المواطنة الكويتية بفصلين الاول يبحث حالة تطور المواطنة السياسية منذ بداية التشكيل السياسي مروراً بمجلس 1938 والدولة الدستورية وانتهاء بقانون الانتخاب والتمثيل السياسي ثم المواطنة القانونية التي اعتمد فيها بيان الابعاد السياسية في استخدامات القانون ولاسيما المتعلقة بقانون الجنسية والاقامة ما ادى الى ولادة مواطنة مشوهة تراتبية غير متساوية واحيانا مواطنة اقصائية واصفا في النهاية التحديات الكبرى ذات الطابع المعرفي التي تواجه مفهوم المواطنة الى جانب الاستنتاجات والتوصيات.
بداية التكوين السياسي
يقدم د. الوقيان وصفاً بسيطاً وسريعاً لتركيبة السكان في الكويت مع بداية التكوين السياسي ويرى ان مكونات المواطنة الكويتية السيسوتفافية لم تكن تقوم على قواعد دينية او عرقية قومية ويصل الى استنتاج ان ابرز معاني المواطنة الكويتية في المرحلة الاولى للتشكيل السياسي تتلخص بوجود مشاعر مشتركة وحدت الجماعة البشرية المقيمة على الاراضي الكويتية وبشكل خاص في مدينة الكويت على الساحل حيث ان الفرد كان يشعر بانه جزء من منظومة القيم والعادات الثقافية والمجتمعية لذلك التجمع البسيط في احتفالية بالمناسبات المختلفة
وأسلوب التعبير عنها في القصائد والأناشيد وفنون العرضة وفرحة القفال البحري حيث عودة السفن من رحلات الغوص التي كانت تجري بمناخ حماسي يلتف حوله الافراد والعائلات وكانت عملية بناء اسوار الكويت وتشييدها من قبل الكويتيين شعورا فطريا باهمية الولاء لذلك التجمع السكاني وضرورة حمايته من التهديدات الخارجية وزرع الامن والسكنية والاستقرار في نفوس افراده وكل ذلك يبرهن على ادراك واع بهوية سكانية وطنية ولو تشكلت بطريقة بسيطة تقليدية وتلقائية.
ويرى د. الوقيان ان مفهوم التحالفات والمشاركة السياسية التي قامت عليها الكويت في بداية تكوينها قديم قدم تأسيس الدولة واصبح قاعدة جوهرية- في اسلوب الحكم السياسي في الكويت.
ويشير د. الوقيان إلى ان اشهر التجارب التي كانت وقت ذاك تجربة المجلس التشريعي عام 1938 التي تعتبر من اشهر تجارب المشاركة السياسية في تاريخ الكويت، نظرا للكثير من الاعتبارات التي فرضتها طبيعة المرحلة وقتها.
المواطنة في مجلس 1938
يذهب د. الوقيان الى ان الممارسات والاجراءات الانتخابية التي قامت اثناء المجلس التشريعي لعام 1938 خلقت مفهوما هجينا ومشتتا للمواطنة الكويتية اذ برزت مظاهر مختلفة تعبر كل واحدة منها عن نوع من انواع المواطنة التاريخية المعروفة في التجمعات البشرية على مر التاريخ ورأى د. الوقيان في مفهومها اقترابا من مفهوم المواطنة في الفكر السياسي اليوناني القديم حيث ان نمط التصويت الذي تم لانتخاب اعضاء المجلس آنذاك لم يترك شرائح اجتماعية عدة من التجمع السكاني وقتها مثل النساء، الاجانب، ذوي الاصول الفارسية والمنتمين للمذهب الشيعي، اضافة للعبيد واصحاب المهن الدونية وقام المجلس وقتها على الشرائح التجارية والمقربين منها تصويتا وترشيحا وأكد د. الوقيان انه ليس هناك من دليل دافع على حالة المواطنة العمودية تلك اعمق من دليل نجاح المرشحين الاعضاء في المجلس من طبقة اجتماعية واحدة. ورأى د. الوقيان ان قضية المواطنة والتجنيس من القضايا المحورية التي دارت حولها السجالات بين اعضاء مجلس 1938 والحاكم. وبيّن د. الوقيان ان الاحتكار للهوية والمواطنة الناتج عن المكانة المالية والنفوذ العائلي في الكويت الذي عبرت عنه افرازات مجلس 1938 يعتبر تحولا محوريا في مفهوم المواطنة ذاته من مجتمع يقوم على المواطنة التعددية المتسامحة الخاصة بالكل في بداية تكوينه الى مجتمع يقوم على الخضوع لثقافة البعض وحتى بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية عام 1938 وبداية انتاجه وبيعه بعد الحرب العالمية الثانية 1946، والمتغيرات الجذرية التي طالت كل مجالات الدولة لم يرافق ذلك تحول في مفهوم المواطنة المدنية المتساوية بالقدر نفسه الذي تغيرت فيه المعطيات المادية، معللاً د. الوقيان ذلك بأن الثقافة والوعي يحتاجان الى فترة زمنية طويلة للتشكيل والتغيير اكثر ما تحتاجه متطلبات العمران والانشاء في التنمية. ورأى د. الوقيان انه مع صياغة دستور 1962 الذي يحتوي 183 مادة في خمسة فصول من غير المتوقع ان يتغير السلوك والوعي لدى المواطن الكويتي لينسجم بطريقة ديناميكية سريعة مع المفاهيم المدنية للمواطنة اذا لم تكن توجد آليات قانونية وثقافية فاعلة وواعية للاندماج المجتمعي الناتج عن الهجرات الوافدة الى الكويت بعد الطفرة النفطية.
يرى د. الوقيان ان عدم ورود مفهوم المواطنة بشكل نصي في دستور 1962 لا يعبر عن اشكالية قانونية او معرفية لاسيما مع وجود جميع المفاهيم والمبادئ المعبرة عنه في النصوص وكذا في المذكرة التفسيرية مثل المساواة في الحقوق، السيادة، المشاركة السياسية، الحرية، الاندماج المجتمعي، وايضا القوانين المتممة للدستور مثل قانون الجنسية، ما يؤسس بالضرورة وبناء على تلك المفاهيم الديموقراطية ان مفهوم المواطنة لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع الا تحت مظلة ديموقراطية والسيادة فيه تكون للأمة كما نص الدستور في احدى مواده وهذه الاخيرة تتشكل من مواطنيين وليسوا رعايا وجميع القوانين والتشريعات تصب في مصلحتهم وتعبر عن ارادتهم الحرة وهنا يبرز المواطن كمحور اهتمام اساسي في الدولة الديموقراطية ومن هنا ينبثق مفهوم المواطنة بوصفه اسلوبا ومنظومة قوانين تعد حجر الاساس الدولة المدنية الحديثة، ويرى د. الوقيان انه اذا كانت العلاقة بين مطلب المساواة والمواطنة بمثابة علاقة عضوية ففي هذا تأكيد على تسمية المواطنة المدنية لاسيما وان مفردة المساواة قد وردت اكثر من مرة في مواد الدستور الكويتي ومن منطلق المساواة بين المواطنين كما وردت بغض النظر عن جميع تمايزاتهم العرقية والدينية واللغوية والنوعية تتوسع وتتعدد الحقوق في المواطنة المدنية التي يشتركون فيها وتكلفها الدولة وتحميها الانظمة والقوانين وبناء عليه يذهب د. الوقيان الى ان التطبيق العادل لروح الدستور والقوانين المنظمة له والمؤكدة على معانيه تحقق شكلا من اشكال المواطنة العدالة والافقية بين المواطنين كافة واما الاختلال والتقاعس في تطبيق القوانين وسيادة امراض الفئوية والطائفية فيؤدي الى الاضرار بصورة كبيرة بقيمة المواطنة ويستشهد د. الوقيان بجملة حوادث مرت وقتها تؤكد جوهر فكرة العدالة والمساواة التي عرض لها وراى فيها سمواً بقيمة المواطنة الصحيحة.
الانتخاب والتمثيل السياسي
يؤكد د. الوقيان هنا وخلال ايراده لهذا الجانب ان هناك علاقة وثيقة بين مفهوم المواطنة والنظام الانتخابي وشكل التمثيل السياسي في الدولة ومن خلالها تتحقق الشرعية السياسية للحكم وتترجم معاني التضامن والاندماج
بين المواطنين وفقا لآليات وبرامج وطنية مشتركة وليس قوالب فئوية ومناطقية ومذهبية مفتتة للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ومن هنا يرى د. الوقيان ان الفراغ الذي خلفه غياب التنظيمات السياسية في النظام الانتخابي واطر التمثيل السياسي في الكويت فسحت المجال واسعا لتنظيمات غير شرعية وفق القانون، كما لا تعبر عن روح المواطنة المدنية في برامجها وافكارها وحرصها على المصلحة العامة بل عن وحدة التنظيم الفئوي القائم على روابط الدم والنسب (القبلية) والمذهب الديني (سنة وشيعة) والمنطقة (داخلية وخارجية) والمكانة الطبقية (الصفوة الاجتماعية) واصبحت كل التفاعلات التي تجري في الدولة والمؤسسات الرسمية وتحت قبة البرلمان والتشريعات القانونية انما هي محل تنافس وتصفية حسابات وهيمنة ثقافية الغنيمة النابعة من وحدة المصلحة الفئوية والطائفية وليست المصلحة العامة للوطن والمواطنين ومن الطبيعي في ظل وضع غير ديموقراطي ولا يعبر عن قيمة المواطنة المدنية ان تستخدم الادوات المؤسساتية والدستورية للدولة الديموقراطية في ظل غياب التنظيم الحزبي الوطني للتعبير عن المصلحة الخاصة للتجمعات الفئوية اكثر ما تستخدم للتعبير عن مصلحة الدولة والمجتمع، ومن جانب آخر، فانه وفي ظل تلك التنظيمات الفئوية التي يتفاعل افرادها وففقا لروابط الدم والنسب ووحدة المذهب الديني وعضوية المعيار التاريخي والمناطقي كما هي الحال في الكويت فانه لا يمكن الحصول على تمثيل سياسي ذي معان مدنية وديموقراطية يعزز من قيمة المواطنة الحديثة ما لم يمنع قانون تشكيل اي تنظيم يستند الى قواعد عرقية ودينية ومناطقية ويفتح المجال واسعا لتشكيل تنظيمات وطنية تقوم على وحدة القناعات والمصالح الوطنية العليا، ويضيف د. الوقيان ان هناك مفارقة مدهشة تمس المواطنة النوعية القائمة بين الرجال والنساء في الكويت اذ انه وعلى الرغم من اقرار البرلمان عام 2005 لحقوق المرأة السياسية فان ذلك لم يغير من الرؤية المجتمعية للمرأة وايضا في اوضاع وطبقة التمثيل السياسي غير العادل لشريحة كبيرة من النساء تفوق اعداد الرجال. ويرى د. الوقيان في ذلك انه وضع طبيعي ويصفه بالفهم المحافظ والتقليدي للمرأة على الصعيد السياسي والانمائي لانه انعكاسات لسياسات التهميش التي تعاني منه المرأة منذ فترة زمنية طويلة ورؤية المجتمع المتأخرة حيالها والتي مازالت تدور في تلك الموروث الذي يمنح المرأة مرتبة دونية عن الرجل، ويضيف د. الوقيان في معرض سرده هذا اشارة الى شريحة المعاقين ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تشعر انها خارج اطار المواطنة السياسية والانتخابية في الكويت نظرا لعدم وجود تشريعات وقوانين تراعي حالتها الخاصة، ويخلص د. الوقيان انه ولدى النظر الى القوانين المتعلقة بالانتخاب والتمثيل السياسي لارادة الامة فانها وبلا شك تمثل انتهاكا صارخا لقيمة المواطنة الدستورية، فهي تعبر في اشتراطاتها عن شريحة ضيقة من الامة وليست الامة باسرها مما يوقعها في شبهة التمييز في المواطنة اذ استبعدت حتى هذا الوقت شرائح عديدة من الحصول على حق الترشيح والانتخاب مثل العسكريين المنتسبين لمؤسستي الدفاع والداخلية في حين يحق لمؤسسة الحرس الوطني العسكرية ذلك وايضا استبعدت من هذا الحق شريحة من الكويتيين المقيمين في الخارج اما لاسباب دراسية او وظيفية، اضافة الى الاشكالية التي تمس قيمة المواطنة الكاملة لشريحة كبيرة من المواطنين الذين حصلوا على المواطنة عن طريق التجنيس.
أداة سياسية
يفتتح د. الوقيان رؤيته للقانون كأداة سياسية بالقول: اعتاد الباحثون والمعنيون بقانون الجنسية والتعديلات التي طرأت عليه في الكويت ان يخضعوا النقاشات المتعلقة بهذا الشأن الحيوي المتعلق بالمواطنة القانونية لاعتبارات وقواعد قانونية صرفة دون تقديم تفسيرات عميقة عن الدور السياسي المؤثر فيها عارضا للمناخ الاجتماعي الذي كان يسود الكويت، حيث تحضر عوامل المصلحة السياسية والمكانة الاقتصادية بقوة في تحديد اطر المواطنة وافرازات ذاك المناخ لقانون الجنسية الكويتي رقم 15 لسنة 1959 الذي قسم الكويتيين بصفة اصلية الى مجموعتين: الكويتيون بصفة اصلية بالتأسيس والكويتيون بصفة اصلية بالميلاد خالصا الى نتيجة هنا وهي ان اول ما انتهجه المفهوم الكويتي ذات الطابع السياسي لتحديد معايير الجنسية وتأكيدها هو معيار التوطين والوجود التاريخي في الكويت للفترة ما قبل 1920 مبينا حجم القدر الذي بدا في المادة الاولى والثانية من ذاك القانون والذي خلفه العامل السياسي في تحديد معايير الجنسية بما ينعكس سلبا على مفهوم المواطنة والاندماج المجتمعي.
تضييق المواطنة
يذهب د. الوقيان في عرضه للقانون كأداة لتضييق المواطنة الى تسجيل جملة من الملاحظات بخصوص التعديلات التي طرأت على مواد القانون الخاص بالجنسية ورأى في هذه التعديلات تفريغا للقانون من محتواه وتوجهاته الاصلية وبدت تلك الملاحظات ان تلك التعديلات قامت في اوضاع سياسية داخلية وخارجية مليئة بالتوترات والاحتقانات نتيجة لتعطيل الحياة السياسية (1976 - 1985) وجملة الحروب الاقليمية التي حدثت وقت ذاك مثل الحرب العراقية - الايرانية، اضافة الى حالة التشنج التي حدثت بين السلطتين وتغيير مراكز القوى في تركيبة العمل السياسي وبروز التيار الاسلامي على حساب التيار التقدمي. ورأى د. الوقيان في جملة التعديلات التي حصلت على القانون الاساسي الذي ظهر لاول مرة انها لا تعبر عن طريقة مؤسساتية ثابتة ومستمرة في التعامل مع مفهوم المواطنة وآليات الاندماج المجتمعي ولعل ابرز الملاحظات بشأن تلك التعديلات التي طرأت مع مرور الزمن على قانون الجنسية انها قادت لأبعد حد لتضييق المواطنة المدنية وتحويلها الى مواطنة دينية باستبعاد اي فرد ينتمي لاديان اخرى من الحصول عليها. ورأى د. الوقيان ايضا ان
هناك علاقة مباشرة ما بين المواطنة كمفهوم في الدولة وحق السلطات في تحديد حالات سحب الجنسية التي تعني بصفة أو بأخرى تجريد الشخص من صفة المواطنة ورأى ان الحالات العديدة التي حددها المشرع لسحب الجنسية غير مبررة وتبعاتها قاسية جداً وتحتاج الى معالجة قانونية وتوضيح مفصلي وشخّص د. الوقيان الاشكالية الكبرى في الكويت التي أدت لتشابك مسائل الجنسية وتعقيدها لابعد حد هو استبعاد منازعات الجنسية عن سلطة القضاء.
المواطنة والاتفاقات الدولية
رأى د. الوقيان ان الموقف الرسمي الكويتي من الاتفاقيات الدولية بسبب التشدد الحازم على قضايا منح الجنسية بوصفها حقاً سيادياً انقسم الى قسمين، اما ان يكون موقعاً للاتفاقيات الدولية مع تحفظه على المواد المتعلقة بضمان حق الجنسية، واما ان يكون ممتنعاً عن التوقيع على المعاهدات التي تمكن الأفراد من الاندماج في المجتمع والحصول على جنسيتها مثل «اتفاقية اللاجئين واتفاقية عديمي الجنسية»، ولو جاء هذا مبرراً لها حيث ان القانون العام «مواد اتفاقية لاهاي 1930»، قد اطلقت يد الدولة لممارسة سيادتها في صياغة قوانينها وتشريعاتها الخاصة بالجنسية، لكنها من ناحية أخرى جزء من منظومة المجتمع الدولي ولا يمكن ان تعزل نفسها عن الالتزامات التي تقررها الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومن هنا تأتي نقطة الالتقاء بين قوانين الجنسية والقانون الدولي الذي يعتبر الجنسية حقاً من حقوق الانسان وهي في أبسط تعريفاتها «علاقة قانونية وسياسية تربط المواطن بالدولة ذات السيادة».
الإقصاء
يطرح د. الوقيان سؤالاً مهماً وجوهرياً وهو لماذا تشكل قضية «البدون» في الكويت أزمة مواطنة واندماجاً مجتمعياً؟ ويجيب د. الوقيان، لأن أفراد «البدون» ليسوا مواطنين يتمتعون بجميع حقوقهم المدنية والقانونية في الدولة، كما انهم ليسوا رعايا أو أجانب كأفراد في دولة ليسوا من رعاياها، كما انهم ليسوا لاجئين موجودين خارج البلد الذي يحملون جنسيته بسبب تخوفهم من التعرض للاضطهاد بسبب أعراقهم أو دينهم أو جنسيتهم أو انتمائهم لفئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائهم السياسية، ويجري د. الوقيان خلال شرحه عن حال البدون مقارنة بينهم وبين فئة الأكراد في سورية الذين حرموا من الجنسية لأسباب قومية، حيث يعيشون وسط غالبية عرقية عربية، اضافة لأنهم ليسوا اشكالية مذهبية «سنة شيعة» مرتبط بالتوازن السكاني الديموغرافي مثلما هي الحال في البحرين بل هم «البدون» ينتمون لنفس النسيج الاثني والثقافي الذي ينتمي له المواطنون الكويتيون والقضية جملة وتفصيلاً في النهاية مسألة مواطنة ووعي انساني واندماج تتجاذبها مراكز قوى اجتماعية ذات مصالح مختلفة عن بعض، كما تطرق د. الوقيان الى قانون اقامة الأجانب رقم 17 عام 1959 لدوره في نشأة ظاهرة عديمي الجنسية وتشكيلها في الكويت، وخلص د. الوقيان الى ان طبيعة العلاقة بين «البدون» والسلطات الرسمية قد تغيرت بشكل راديكالي، وأصبحت تقوم على مبدأ الرفض والاقصاء نتيجة لعوامل داخلية مجتمعية وخارجية اقليمية أفرزتها الأجواء السياسية مثل الاحتقان الناجم عن حل مجلس الأمة عام 1985 وأيضاً التشنج الايديولوجي والمذهبي الذي ساد الحرب العراقية الايرانية بعد ان كانت تعامل كفئات كويتية تتمتع بجميع الحقوق ما عدا الجنسية، وذلك لحاجة الدولة وقتها الى مساهماتها، ورأى د. الوقيان انه ووصولاً للوقت الراهن ومع تشكيل اللجنة المركزية لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (المسمى الرسمي للبدون) عام 1993 التي تحولت الى اسم اللجنة التنفيذية عام 1996 فان سياسات اللجنتين هي انعكاس لتقرير «الصادر من لجنة وزارية سابقاً على مستوى عال من المسؤولية والذي حذر بشكل مباشر الى ما انتهت اليه أوضاع المقيمين من فئة «بدون جنسية» على المستويين الكمي والنوعي الهادف الى اقصاء البدون من فلسفة الاندماج المجتمعي والوطني، الأمر الذي أدى في المحصلة الى خلق أزمة مواطنة خلفت تداعيات كارثية تتعارض مع مفاهيم دولة القانون وتتعارض مع ما نصت عليه بنود الدستور ونصوص الاتفاقيات الدولية التي استقر عليها المجتمع الدولي. وبيّن د. الوقيان انه من الانعكاسات السلبية التي خلفتها مسألة اقصاء شريحة كبيرة من البشر في حق المواطنة انها أحدثت انقساماً كبيراً في أوساط المجتمع الكويتي ما بين مؤيد ومعارض، كما زادت من حدة الخلافات والخصومة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول أسبابها واطر حلها وأيضاً أدت الى تعرض النموذج الكويتي للمواطنة لانتقادات دولية حادة اللهجة ولا يكاد يظهر تقرير تابع للمنظمات الدولية المعنية بشؤون حقوق الإنسان الا ويتضمن سلسلة من الانتقادات التي تندد بعدم منح شريحة البدون حقوقها الانسانية والمدنية المختلفة.
يختم د. الوقيان كتابه «المواطنة في الكويت» بالاشارة الى انه يتبين وفقاً للمسار التاريخي والحديث السياسي والقانوني الذي اختبرنا فيه مفهوم المواطنة الكويتية بانه يعاني من اشكاليات عديدة بمكوناته النظرية وبتطبيقاته الفعلية على أرض الواقع ولذلك والكلام لـ د. الوقيان: «تحتم الضرورة تسجيل بعض التحديات والاستنتاجات بخصوصه حتى يتسنى لنا سبل اصلاحه وعلاجه ببعض التوصيات التي نرى أهميتها». ويعرض د. الوقيان للتحديات قائلاً: ان مستقبل المواطنة في الكويت على المستوى الواقعي في ظل غياب مشروع مدني واضح المعالم لمفهوم المواطنة سيرتبط بتبني واحد من نموذجين شهيرين في المجتمعات الديموقراطية ما سيشكل تحدياً فعلياً للمؤسسات الرسمية ولجميع الفعاليات المدنية النموذج الأول: هو التنظيم التعددي المطبق في التجربة الانكليزية، حيث تفهم قيمة الحرية بابتعادها عن تأثيرات السلطة المركزية في الدولة والنموذج الثاني: فرنسي ذو طابع عضوي موحد يقوم على انه ليس هناك من العوامل التي تقيد حرية الفرد في علاقته مع الدولة أكثر من وجود مؤسسات وتضامينات «عرقية
دينية ثقافية، بينهما فالمصلحة الخاصة للفرد تجسدها المصلحة العامة وبالتالي المواطنة لا تضمنها المؤسسات الوسطية بل الدولة. ويسجل د. الوقيان ايضا لتحد اخر يجب مراعاته والانتباه اليه وهو القدرة على فهم المتغيرات الكبرى الحاصلة في العالم من جهة ان مفهوم المواطنة بشكله المدني الفاعل في الديموقراطيات العريقة يعاني من اختلالات هيكلية لمواجهة قيم العولمة وما أفرزته من «مواطنة عالية» فكيف بالنموذج الكويتي الذي لم يصل بعد لمرحلته الحديثة، فالمواطن لم يعد له دور فاعل في مواطنة الدولة بل متلق للثقافة الاستهلاكية للمواطنة العالمية التي سحبت البساط من الدولة، وأضعفت دورها ووظيفتها في ممارسة السيادة وفي التعليم والاقتصاد، وتحول كل هذا كأدوات في يد سلطة العولمة بما تحققه من تجانس وتوحد في الثقافات وانماط السلوك كافة، مما يعنى في النهاية فقدان الدولة لامكاناتها في تشكيل الوعي وتعزيز الانتماء والولاء لقيمها.
الاستنتاجات
يخلص د. الوقيان الى جملة من الاستنتاجات أهمها لا يوجد في الكويت مفهوم مدني وديموقراطي متماسك واحد للمواطنة، بل هناك اشكال عديدة منها تتجسد على هيئة ثنائيات الواحدة منها أعلى مرتبة والاخرى اقل مرتبة، نجدها بالتالي، مواطنة نوعية تمنح للرجل حقوقاً اكثر من المرأة، مواطنة قانونية تمنح لكويتي التأسيس حقوقا اكثر من كويتي التجنيس، مواطنة دينية تفتح ابواب التجنيس للمسلمين وتغلق الابواب بوجه المنتمين لاديان اخرى، وايضا مواطنة مدنية اقصائية تعترف بحقوق الكويتيين في حين تجرد شريحة البدون المستحقة للتجنيس والمقيمة منذ عقود طويلة من ابسط حقوقها المدنية والقانونية.
كما يبدو لنا ان المكون القيمي التاريخي الذي حكم العلاقات المجتمعية بالكويت والذي كان يمنح من هم من الاعلى حقوقا وامتيازات اكبر ممن هم في الاسفل، مازال موجوداً في الوعي والمخيلة الكويتية في الوقت الراهن.
نراه حديثا في الدولة الديموقراطية يتجسد في طريقة التعاطي مع شريحة كبيرة من البشر (البدون وايضا في طريقة التعاطي مع العمالة الموجودة في الكويت وفقا لنظام الكفيل وتجارة الاقامات).
كما يظهر لنا ان هذا التمييز غير الديمقراطي في المواطنة ما بين الافراد الذين يعيشون على الاراضي الكويتية انما حدث نتيجة لاستخدام مجالات التشريع وسلطة القانون كأداة سياسية لتحقيق مصالح سياسية ومجتمعية واقتصادية لمراكز القوى الفاعلة والمتنفذة في الوظائف القيادية.
يضاف لذلك انه ليس هناك رؤية مؤسساتية واستراتيجية لما يعرف بالاندماج المجتمعي والوطني في الكويت مؤكدا ان الحصول على المواطنة الكاملة لا يرتبط بمفهوم الانتماء للامة والوعي بتاريخها وثقافتها، كما انها غير مرتبطة بالتضحية لاجل الوطن او باحترام القانون وقيم المجتمع الدستورية بل تبنى على روابط علائقية ومصلحية صرفة في اطار سياسي محض كما لا توجد في الكويت مؤسسات ووسائل فاعلة «اعلامية، تربوية، تشريعية» لتكريس مفهوم الاندماج المجتمعي على ارض الواقع.
ومن الطبيعي ان واقعاً مشوهاً لالتفاف المواطنين وفقا لتشكيلات تقوم على روابط الدم والنسب والتمترس حول تجمعات دينية ومناطقية وطبقية، ينعكس مخاضها الاجتماعي على آليات عمل المؤسسات الرسمية والبرلمانية بما يؤدي الى استخدام الادوات القانونية والدستورية كوسيلة تعبر عن مصالح هذه التقسيمة الفئوية وليس مصلحة الوطن العليا.
ولقد قادت الاختلالات العضوية والهيكلية في مفهوم المواطنة الديموقراطية ادت الى ضعف قيم الولاء والانتماء والدولة وقيمها الدستورية وايضا دفعت ببروز ظواهر الفساد والمحسوبية والشللية والفئوية، وتهميش قيمة احترام القانون كحكم في فصل المنازعات واقرار الحقوق واصبحت هيئات ومؤسسات الدولة تجسيدا للتركيبة الفئوية القائمة.
وامام ما سلف ذكره فإن اي جهود من اجل مواطنة مدنية ومتساوية وفاعلة في الكويت لن يكتب لها النجاح ما لم تعمل على توحيد وتلاحم التشريعات والانظمة والقوانين
.
من هنا وبعد هذا التقديم تتضح اهمية كتاب «المواطنة في الكويت» مكانتها السياسية والقانونية وتحدياتها الراهنة «للدكتور والباحث السياسي فارس الوقيان، الصادر مؤخرا عن مركز الدراسات الاستراتيجية المستقل بجامعة الكويت، والذي حاول فيه الاضاءة على مفهوم المواطنة وتقديم رؤيته حوله وسط جملة الاحداث الداخلية والخارجية واصفاً استنتاجاته والحلول الكفيلة بتلافي اي عقبة قد تحول هذه المسألة الى مشكلة تعترض مسيرة التطور والتقدم للكويت، وفق تصور ان المواطنة كمفهوم لا يتصف بواقع الجمود والثبات على حال واحدة بل هو ذات طابع تحولي ديالكتيكي يتأثر بما حوله من ظروف، بناء على املاءات المناخات الدولية والاقليمية التي تمر في وضعها الطبيعي أو التي قد تأتي في سياق مستقبلي ما يعطي الكتاب هالة الحالة المعرفية والتثقيفية والتأصيل للمفاهيم الصحيحة سعيا لارساء قيمة المواطنة كمرتبة اولى من حيث الولاء الوطني تأتي بعدها باقي الولاءات او ادعاءات الانتماءات أياً كانت، وبناء عليه عمد د. الوقيان الى تقديم وتمهيد ابرز فيه مفهوم المواطنة باكثر من جانب ليكون الاساس الذي يستند اليه في تناول المواطنة الكويتية بفصلين الاول يبحث حالة تطور المواطنة السياسية منذ بداية التشكيل السياسي مروراً بمجلس 1938 والدولة الدستورية وانتهاء بقانون الانتخاب والتمثيل السياسي ثم المواطنة القانونية التي اعتمد فيها بيان الابعاد السياسية في استخدامات القانون ولاسيما المتعلقة بقانون الجنسية والاقامة ما ادى الى ولادة مواطنة مشوهة تراتبية غير متساوية واحيانا مواطنة اقصائية واصفا في النهاية التحديات الكبرى ذات الطابع المعرفي التي تواجه مفهوم المواطنة الى جانب الاستنتاجات والتوصيات.
بداية التكوين السياسي
يقدم د. الوقيان وصفاً بسيطاً وسريعاً لتركيبة السكان في الكويت مع بداية التكوين السياسي ويرى ان مكونات المواطنة الكويتية السيسوتفافية لم تكن تقوم على قواعد دينية او عرقية قومية ويصل الى استنتاج ان ابرز معاني المواطنة الكويتية في المرحلة الاولى للتشكيل السياسي تتلخص بوجود مشاعر مشتركة وحدت الجماعة البشرية المقيمة على الاراضي الكويتية وبشكل خاص في مدينة الكويت على الساحل حيث ان الفرد كان يشعر بانه جزء من منظومة القيم والعادات الثقافية والمجتمعية لذلك التجمع البسيط في احتفالية بالمناسبات المختلفة
وأسلوب التعبير عنها في القصائد والأناشيد وفنون العرضة وفرحة القفال البحري حيث عودة السفن من رحلات الغوص التي كانت تجري بمناخ حماسي يلتف حوله الافراد والعائلات وكانت عملية بناء اسوار الكويت وتشييدها من قبل الكويتيين شعورا فطريا باهمية الولاء لذلك التجمع السكاني وضرورة حمايته من التهديدات الخارجية وزرع الامن والسكنية والاستقرار في نفوس افراده وكل ذلك يبرهن على ادراك واع بهوية سكانية وطنية ولو تشكلت بطريقة بسيطة تقليدية وتلقائية.
ويرى د. الوقيان ان مفهوم التحالفات والمشاركة السياسية التي قامت عليها الكويت في بداية تكوينها قديم قدم تأسيس الدولة واصبح قاعدة جوهرية- في اسلوب الحكم السياسي في الكويت.
ويشير د. الوقيان إلى ان اشهر التجارب التي كانت وقت ذاك تجربة المجلس التشريعي عام 1938 التي تعتبر من اشهر تجارب المشاركة السياسية في تاريخ الكويت، نظرا للكثير من الاعتبارات التي فرضتها طبيعة المرحلة وقتها.
المواطنة في مجلس 1938
يذهب د. الوقيان الى ان الممارسات والاجراءات الانتخابية التي قامت اثناء المجلس التشريعي لعام 1938 خلقت مفهوما هجينا ومشتتا للمواطنة الكويتية اذ برزت مظاهر مختلفة تعبر كل واحدة منها عن نوع من انواع المواطنة التاريخية المعروفة في التجمعات البشرية على مر التاريخ ورأى د. الوقيان في مفهومها اقترابا من مفهوم المواطنة في الفكر السياسي اليوناني القديم حيث ان نمط التصويت الذي تم لانتخاب اعضاء المجلس آنذاك لم يترك شرائح اجتماعية عدة من التجمع السكاني وقتها مثل النساء، الاجانب، ذوي الاصول الفارسية والمنتمين للمذهب الشيعي، اضافة للعبيد واصحاب المهن الدونية وقام المجلس وقتها على الشرائح التجارية والمقربين منها تصويتا وترشيحا وأكد د. الوقيان انه ليس هناك من دليل دافع على حالة المواطنة العمودية تلك اعمق من دليل نجاح المرشحين الاعضاء في المجلس من طبقة اجتماعية واحدة. ورأى د. الوقيان ان قضية المواطنة والتجنيس من القضايا المحورية التي دارت حولها السجالات بين اعضاء مجلس 1938 والحاكم. وبيّن د. الوقيان ان الاحتكار للهوية والمواطنة الناتج عن المكانة المالية والنفوذ العائلي في الكويت الذي عبرت عنه افرازات مجلس 1938 يعتبر تحولا محوريا في مفهوم المواطنة ذاته من مجتمع يقوم على المواطنة التعددية المتسامحة الخاصة بالكل في بداية تكوينه الى مجتمع يقوم على الخضوع لثقافة البعض وحتى بعد اكتشاف النفط بكميات تجارية عام 1938 وبداية انتاجه وبيعه بعد الحرب العالمية الثانية 1946، والمتغيرات الجذرية التي طالت كل مجالات الدولة لم يرافق ذلك تحول في مفهوم المواطنة المدنية المتساوية بالقدر نفسه الذي تغيرت فيه المعطيات المادية، معللاً د. الوقيان ذلك بأن الثقافة والوعي يحتاجان الى فترة زمنية طويلة للتشكيل والتغيير اكثر ما تحتاجه متطلبات العمران والانشاء في التنمية. ورأى د. الوقيان انه مع صياغة دستور 1962 الذي يحتوي 183 مادة في خمسة فصول من غير المتوقع ان يتغير السلوك والوعي لدى المواطن الكويتي لينسجم بطريقة ديناميكية سريعة مع المفاهيم المدنية للمواطنة اذا لم تكن توجد آليات قانونية وثقافية فاعلة وواعية للاندماج المجتمعي الناتج عن الهجرات الوافدة الى الكويت بعد الطفرة النفطية.
يرى د. الوقيان ان عدم ورود مفهوم المواطنة بشكل نصي في دستور 1962 لا يعبر عن اشكالية قانونية او معرفية لاسيما مع وجود جميع المفاهيم والمبادئ المعبرة عنه في النصوص وكذا في المذكرة التفسيرية مثل المساواة في الحقوق، السيادة، المشاركة السياسية، الحرية، الاندماج المجتمعي، وايضا القوانين المتممة للدستور مثل قانون الجنسية، ما يؤسس بالضرورة وبناء على تلك المفاهيم الديموقراطية ان مفهوم المواطنة لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع الا تحت مظلة ديموقراطية والسيادة فيه تكون للأمة كما نص الدستور في احدى مواده وهذه الاخيرة تتشكل من مواطنيين وليسوا رعايا وجميع القوانين والتشريعات تصب في مصلحتهم وتعبر عن ارادتهم الحرة وهنا يبرز المواطن كمحور اهتمام اساسي في الدولة الديموقراطية ومن هنا ينبثق مفهوم المواطنة بوصفه اسلوبا ومنظومة قوانين تعد حجر الاساس الدولة المدنية الحديثة، ويرى د. الوقيان انه اذا كانت العلاقة بين مطلب المساواة والمواطنة بمثابة علاقة عضوية ففي هذا تأكيد على تسمية المواطنة المدنية لاسيما وان مفردة المساواة قد وردت اكثر من مرة في مواد الدستور الكويتي ومن منطلق المساواة بين المواطنين كما وردت بغض النظر عن جميع تمايزاتهم العرقية والدينية واللغوية والنوعية تتوسع وتتعدد الحقوق في المواطنة المدنية التي يشتركون فيها وتكلفها الدولة وتحميها الانظمة والقوانين وبناء عليه يذهب د. الوقيان الى ان التطبيق العادل لروح الدستور والقوانين المنظمة له والمؤكدة على معانيه تحقق شكلا من اشكال المواطنة العدالة والافقية بين المواطنين كافة واما الاختلال والتقاعس في تطبيق القوانين وسيادة امراض الفئوية والطائفية فيؤدي الى الاضرار بصورة كبيرة بقيمة المواطنة ويستشهد د. الوقيان بجملة حوادث مرت وقتها تؤكد جوهر فكرة العدالة والمساواة التي عرض لها وراى فيها سمواً بقيمة المواطنة الصحيحة.
الانتخاب والتمثيل السياسي
يؤكد د. الوقيان هنا وخلال ايراده لهذا الجانب ان هناك علاقة وثيقة بين مفهوم المواطنة والنظام الانتخابي وشكل التمثيل السياسي في الدولة ومن خلالها تتحقق الشرعية السياسية للحكم وتترجم معاني التضامن والاندماج
بين المواطنين وفقا لآليات وبرامج وطنية مشتركة وليس قوالب فئوية ومناطقية ومذهبية مفتتة للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ومن هنا يرى د. الوقيان ان الفراغ الذي خلفه غياب التنظيمات السياسية في النظام الانتخابي واطر التمثيل السياسي في الكويت فسحت المجال واسعا لتنظيمات غير شرعية وفق القانون، كما لا تعبر عن روح المواطنة المدنية في برامجها وافكارها وحرصها على المصلحة العامة بل عن وحدة التنظيم الفئوي القائم على روابط الدم والنسب (القبلية) والمذهب الديني (سنة وشيعة) والمنطقة (داخلية وخارجية) والمكانة الطبقية (الصفوة الاجتماعية) واصبحت كل التفاعلات التي تجري في الدولة والمؤسسات الرسمية وتحت قبة البرلمان والتشريعات القانونية انما هي محل تنافس وتصفية حسابات وهيمنة ثقافية الغنيمة النابعة من وحدة المصلحة الفئوية والطائفية وليست المصلحة العامة للوطن والمواطنين ومن الطبيعي في ظل وضع غير ديموقراطي ولا يعبر عن قيمة المواطنة المدنية ان تستخدم الادوات المؤسساتية والدستورية للدولة الديموقراطية في ظل غياب التنظيم الحزبي الوطني للتعبير عن المصلحة الخاصة للتجمعات الفئوية اكثر ما تستخدم للتعبير عن مصلحة الدولة والمجتمع، ومن جانب آخر، فانه وفي ظل تلك التنظيمات الفئوية التي يتفاعل افرادها وففقا لروابط الدم والنسب ووحدة المذهب الديني وعضوية المعيار التاريخي والمناطقي كما هي الحال في الكويت فانه لا يمكن الحصول على تمثيل سياسي ذي معان مدنية وديموقراطية يعزز من قيمة المواطنة الحديثة ما لم يمنع قانون تشكيل اي تنظيم يستند الى قواعد عرقية ودينية ومناطقية ويفتح المجال واسعا لتشكيل تنظيمات وطنية تقوم على وحدة القناعات والمصالح الوطنية العليا، ويضيف د. الوقيان ان هناك مفارقة مدهشة تمس المواطنة النوعية القائمة بين الرجال والنساء في الكويت اذ انه وعلى الرغم من اقرار البرلمان عام 2005 لحقوق المرأة السياسية فان ذلك لم يغير من الرؤية المجتمعية للمرأة وايضا في اوضاع وطبقة التمثيل السياسي غير العادل لشريحة كبيرة من النساء تفوق اعداد الرجال. ويرى د. الوقيان في ذلك انه وضع طبيعي ويصفه بالفهم المحافظ والتقليدي للمرأة على الصعيد السياسي والانمائي لانه انعكاسات لسياسات التهميش التي تعاني منه المرأة منذ فترة زمنية طويلة ورؤية المجتمع المتأخرة حيالها والتي مازالت تدور في تلك الموروث الذي يمنح المرأة مرتبة دونية عن الرجل، ويضيف د. الوقيان في معرض سرده هذا اشارة الى شريحة المعاقين ذوي الاحتياجات الخاصة والتي تشعر انها خارج اطار المواطنة السياسية والانتخابية في الكويت نظرا لعدم وجود تشريعات وقوانين تراعي حالتها الخاصة، ويخلص د. الوقيان انه ولدى النظر الى القوانين المتعلقة بالانتخاب والتمثيل السياسي لارادة الامة فانها وبلا شك تمثل انتهاكا صارخا لقيمة المواطنة الدستورية، فهي تعبر في اشتراطاتها عن شريحة ضيقة من الامة وليست الامة باسرها مما يوقعها في شبهة التمييز في المواطنة اذ استبعدت حتى هذا الوقت شرائح عديدة من الحصول على حق الترشيح والانتخاب مثل العسكريين المنتسبين لمؤسستي الدفاع والداخلية في حين يحق لمؤسسة الحرس الوطني العسكرية ذلك وايضا استبعدت من هذا الحق شريحة من الكويتيين المقيمين في الخارج اما لاسباب دراسية او وظيفية، اضافة الى الاشكالية التي تمس قيمة المواطنة الكاملة لشريحة كبيرة من المواطنين الذين حصلوا على المواطنة عن طريق التجنيس.
أداة سياسية
يفتتح د. الوقيان رؤيته للقانون كأداة سياسية بالقول: اعتاد الباحثون والمعنيون بقانون الجنسية والتعديلات التي طرأت عليه في الكويت ان يخضعوا النقاشات المتعلقة بهذا الشأن الحيوي المتعلق بالمواطنة القانونية لاعتبارات وقواعد قانونية صرفة دون تقديم تفسيرات عميقة عن الدور السياسي المؤثر فيها عارضا للمناخ الاجتماعي الذي كان يسود الكويت، حيث تحضر عوامل المصلحة السياسية والمكانة الاقتصادية بقوة في تحديد اطر المواطنة وافرازات ذاك المناخ لقانون الجنسية الكويتي رقم 15 لسنة 1959 الذي قسم الكويتيين بصفة اصلية الى مجموعتين: الكويتيون بصفة اصلية بالتأسيس والكويتيون بصفة اصلية بالميلاد خالصا الى نتيجة هنا وهي ان اول ما انتهجه المفهوم الكويتي ذات الطابع السياسي لتحديد معايير الجنسية وتأكيدها هو معيار التوطين والوجود التاريخي في الكويت للفترة ما قبل 1920 مبينا حجم القدر الذي بدا في المادة الاولى والثانية من ذاك القانون والذي خلفه العامل السياسي في تحديد معايير الجنسية بما ينعكس سلبا على مفهوم المواطنة والاندماج المجتمعي.
تضييق المواطنة
يذهب د. الوقيان في عرضه للقانون كأداة لتضييق المواطنة الى تسجيل جملة من الملاحظات بخصوص التعديلات التي طرأت على مواد القانون الخاص بالجنسية ورأى في هذه التعديلات تفريغا للقانون من محتواه وتوجهاته الاصلية وبدت تلك الملاحظات ان تلك التعديلات قامت في اوضاع سياسية داخلية وخارجية مليئة بالتوترات والاحتقانات نتيجة لتعطيل الحياة السياسية (1976 - 1985) وجملة الحروب الاقليمية التي حدثت وقت ذاك مثل الحرب العراقية - الايرانية، اضافة الى حالة التشنج التي حدثت بين السلطتين وتغيير مراكز القوى في تركيبة العمل السياسي وبروز التيار الاسلامي على حساب التيار التقدمي. ورأى د. الوقيان في جملة التعديلات التي حصلت على القانون الاساسي الذي ظهر لاول مرة انها لا تعبر عن طريقة مؤسساتية ثابتة ومستمرة في التعامل مع مفهوم المواطنة وآليات الاندماج المجتمعي ولعل ابرز الملاحظات بشأن تلك التعديلات التي طرأت مع مرور الزمن على قانون الجنسية انها قادت لأبعد حد لتضييق المواطنة المدنية وتحويلها الى مواطنة دينية باستبعاد اي فرد ينتمي لاديان اخرى من الحصول عليها. ورأى د. الوقيان ايضا ان
هناك علاقة مباشرة ما بين المواطنة كمفهوم في الدولة وحق السلطات في تحديد حالات سحب الجنسية التي تعني بصفة أو بأخرى تجريد الشخص من صفة المواطنة ورأى ان الحالات العديدة التي حددها المشرع لسحب الجنسية غير مبررة وتبعاتها قاسية جداً وتحتاج الى معالجة قانونية وتوضيح مفصلي وشخّص د. الوقيان الاشكالية الكبرى في الكويت التي أدت لتشابك مسائل الجنسية وتعقيدها لابعد حد هو استبعاد منازعات الجنسية عن سلطة القضاء.
المواطنة والاتفاقات الدولية
رأى د. الوقيان ان الموقف الرسمي الكويتي من الاتفاقيات الدولية بسبب التشدد الحازم على قضايا منح الجنسية بوصفها حقاً سيادياً انقسم الى قسمين، اما ان يكون موقعاً للاتفاقيات الدولية مع تحفظه على المواد المتعلقة بضمان حق الجنسية، واما ان يكون ممتنعاً عن التوقيع على المعاهدات التي تمكن الأفراد من الاندماج في المجتمع والحصول على جنسيتها مثل «اتفاقية اللاجئين واتفاقية عديمي الجنسية»، ولو جاء هذا مبرراً لها حيث ان القانون العام «مواد اتفاقية لاهاي 1930»، قد اطلقت يد الدولة لممارسة سيادتها في صياغة قوانينها وتشريعاتها الخاصة بالجنسية، لكنها من ناحية أخرى جزء من منظومة المجتمع الدولي ولا يمكن ان تعزل نفسها عن الالتزامات التي تقررها الاتفاقات والمعاهدات الدولية ومن هنا تأتي نقطة الالتقاء بين قوانين الجنسية والقانون الدولي الذي يعتبر الجنسية حقاً من حقوق الانسان وهي في أبسط تعريفاتها «علاقة قانونية وسياسية تربط المواطن بالدولة ذات السيادة».
الإقصاء
يطرح د. الوقيان سؤالاً مهماً وجوهرياً وهو لماذا تشكل قضية «البدون» في الكويت أزمة مواطنة واندماجاً مجتمعياً؟ ويجيب د. الوقيان، لأن أفراد «البدون» ليسوا مواطنين يتمتعون بجميع حقوقهم المدنية والقانونية في الدولة، كما انهم ليسوا رعايا أو أجانب كأفراد في دولة ليسوا من رعاياها، كما انهم ليسوا لاجئين موجودين خارج البلد الذي يحملون جنسيته بسبب تخوفهم من التعرض للاضطهاد بسبب أعراقهم أو دينهم أو جنسيتهم أو انتمائهم لفئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائهم السياسية، ويجري د. الوقيان خلال شرحه عن حال البدون مقارنة بينهم وبين فئة الأكراد في سورية الذين حرموا من الجنسية لأسباب قومية، حيث يعيشون وسط غالبية عرقية عربية، اضافة لأنهم ليسوا اشكالية مذهبية «سنة شيعة» مرتبط بالتوازن السكاني الديموغرافي مثلما هي الحال في البحرين بل هم «البدون» ينتمون لنفس النسيج الاثني والثقافي الذي ينتمي له المواطنون الكويتيون والقضية جملة وتفصيلاً في النهاية مسألة مواطنة ووعي انساني واندماج تتجاذبها مراكز قوى اجتماعية ذات مصالح مختلفة عن بعض، كما تطرق د. الوقيان الى قانون اقامة الأجانب رقم 17 عام 1959 لدوره في نشأة ظاهرة عديمي الجنسية وتشكيلها في الكويت، وخلص د. الوقيان الى ان طبيعة العلاقة بين «البدون» والسلطات الرسمية قد تغيرت بشكل راديكالي، وأصبحت تقوم على مبدأ الرفض والاقصاء نتيجة لعوامل داخلية مجتمعية وخارجية اقليمية أفرزتها الأجواء السياسية مثل الاحتقان الناجم عن حل مجلس الأمة عام 1985 وأيضاً التشنج الايديولوجي والمذهبي الذي ساد الحرب العراقية الايرانية بعد ان كانت تعامل كفئات كويتية تتمتع بجميع الحقوق ما عدا الجنسية، وذلك لحاجة الدولة وقتها الى مساهماتها، ورأى د. الوقيان انه ووصولاً للوقت الراهن ومع تشكيل اللجنة المركزية لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية (المسمى الرسمي للبدون) عام 1993 التي تحولت الى اسم اللجنة التنفيذية عام 1996 فان سياسات اللجنتين هي انعكاس لتقرير «الصادر من لجنة وزارية سابقاً على مستوى عال من المسؤولية والذي حذر بشكل مباشر الى ما انتهت اليه أوضاع المقيمين من فئة «بدون جنسية» على المستويين الكمي والنوعي الهادف الى اقصاء البدون من فلسفة الاندماج المجتمعي والوطني، الأمر الذي أدى في المحصلة الى خلق أزمة مواطنة خلفت تداعيات كارثية تتعارض مع مفاهيم دولة القانون وتتعارض مع ما نصت عليه بنود الدستور ونصوص الاتفاقيات الدولية التي استقر عليها المجتمع الدولي. وبيّن د. الوقيان انه من الانعكاسات السلبية التي خلفتها مسألة اقصاء شريحة كبيرة من البشر في حق المواطنة انها أحدثت انقساماً كبيراً في أوساط المجتمع الكويتي ما بين مؤيد ومعارض، كما زادت من حدة الخلافات والخصومة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول أسبابها واطر حلها وأيضاً أدت الى تعرض النموذج الكويتي للمواطنة لانتقادات دولية حادة اللهجة ولا يكاد يظهر تقرير تابع للمنظمات الدولية المعنية بشؤون حقوق الإنسان الا ويتضمن سلسلة من الانتقادات التي تندد بعدم منح شريحة البدون حقوقها الانسانية والمدنية المختلفة.
يختم د. الوقيان كتابه «المواطنة في الكويت» بالاشارة الى انه يتبين وفقاً للمسار التاريخي والحديث السياسي والقانوني الذي اختبرنا فيه مفهوم المواطنة الكويتية بانه يعاني من اشكاليات عديدة بمكوناته النظرية وبتطبيقاته الفعلية على أرض الواقع ولذلك والكلام لـ د. الوقيان: «تحتم الضرورة تسجيل بعض التحديات والاستنتاجات بخصوصه حتى يتسنى لنا سبل اصلاحه وعلاجه ببعض التوصيات التي نرى أهميتها». ويعرض د. الوقيان للتحديات قائلاً: ان مستقبل المواطنة في الكويت على المستوى الواقعي في ظل غياب مشروع مدني واضح المعالم لمفهوم المواطنة سيرتبط بتبني واحد من نموذجين شهيرين في المجتمعات الديموقراطية ما سيشكل تحدياً فعلياً للمؤسسات الرسمية ولجميع الفعاليات المدنية النموذج الأول: هو التنظيم التعددي المطبق في التجربة الانكليزية، حيث تفهم قيمة الحرية بابتعادها عن تأثيرات السلطة المركزية في الدولة والنموذج الثاني: فرنسي ذو طابع عضوي موحد يقوم على انه ليس هناك من العوامل التي تقيد حرية الفرد في علاقته مع الدولة أكثر من وجود مؤسسات وتضامينات «عرقية
دينية ثقافية، بينهما فالمصلحة الخاصة للفرد تجسدها المصلحة العامة وبالتالي المواطنة لا تضمنها المؤسسات الوسطية بل الدولة. ويسجل د. الوقيان ايضا لتحد اخر يجب مراعاته والانتباه اليه وهو القدرة على فهم المتغيرات الكبرى الحاصلة في العالم من جهة ان مفهوم المواطنة بشكله المدني الفاعل في الديموقراطيات العريقة يعاني من اختلالات هيكلية لمواجهة قيم العولمة وما أفرزته من «مواطنة عالية» فكيف بالنموذج الكويتي الذي لم يصل بعد لمرحلته الحديثة، فالمواطن لم يعد له دور فاعل في مواطنة الدولة بل متلق للثقافة الاستهلاكية للمواطنة العالمية التي سحبت البساط من الدولة، وأضعفت دورها ووظيفتها في ممارسة السيادة وفي التعليم والاقتصاد، وتحول كل هذا كأدوات في يد سلطة العولمة بما تحققه من تجانس وتوحد في الثقافات وانماط السلوك كافة، مما يعنى في النهاية فقدان الدولة لامكاناتها في تشكيل الوعي وتعزيز الانتماء والولاء لقيمها.
الاستنتاجات
يخلص د. الوقيان الى جملة من الاستنتاجات أهمها لا يوجد في الكويت مفهوم مدني وديموقراطي متماسك واحد للمواطنة، بل هناك اشكال عديدة منها تتجسد على هيئة ثنائيات الواحدة منها أعلى مرتبة والاخرى اقل مرتبة، نجدها بالتالي، مواطنة نوعية تمنح للرجل حقوقاً اكثر من المرأة، مواطنة قانونية تمنح لكويتي التأسيس حقوقا اكثر من كويتي التجنيس، مواطنة دينية تفتح ابواب التجنيس للمسلمين وتغلق الابواب بوجه المنتمين لاديان اخرى، وايضا مواطنة مدنية اقصائية تعترف بحقوق الكويتيين في حين تجرد شريحة البدون المستحقة للتجنيس والمقيمة منذ عقود طويلة من ابسط حقوقها المدنية والقانونية.
كما يبدو لنا ان المكون القيمي التاريخي الذي حكم العلاقات المجتمعية بالكويت والذي كان يمنح من هم من الاعلى حقوقا وامتيازات اكبر ممن هم في الاسفل، مازال موجوداً في الوعي والمخيلة الكويتية في الوقت الراهن.
نراه حديثا في الدولة الديموقراطية يتجسد في طريقة التعاطي مع شريحة كبيرة من البشر (البدون وايضا في طريقة التعاطي مع العمالة الموجودة في الكويت وفقا لنظام الكفيل وتجارة الاقامات).
كما يظهر لنا ان هذا التمييز غير الديمقراطي في المواطنة ما بين الافراد الذين يعيشون على الاراضي الكويتية انما حدث نتيجة لاستخدام مجالات التشريع وسلطة القانون كأداة سياسية لتحقيق مصالح سياسية ومجتمعية واقتصادية لمراكز القوى الفاعلة والمتنفذة في الوظائف القيادية.
يضاف لذلك انه ليس هناك رؤية مؤسساتية واستراتيجية لما يعرف بالاندماج المجتمعي والوطني في الكويت مؤكدا ان الحصول على المواطنة الكاملة لا يرتبط بمفهوم الانتماء للامة والوعي بتاريخها وثقافتها، كما انها غير مرتبطة بالتضحية لاجل الوطن او باحترام القانون وقيم المجتمع الدستورية بل تبنى على روابط علائقية ومصلحية صرفة في اطار سياسي محض كما لا توجد في الكويت مؤسسات ووسائل فاعلة «اعلامية، تربوية، تشريعية» لتكريس مفهوم الاندماج المجتمعي على ارض الواقع.
ومن الطبيعي ان واقعاً مشوهاً لالتفاف المواطنين وفقا لتشكيلات تقوم على روابط الدم والنسب والتمترس حول تجمعات دينية ومناطقية وطبقية، ينعكس مخاضها الاجتماعي على آليات عمل المؤسسات الرسمية والبرلمانية بما يؤدي الى استخدام الادوات القانونية والدستورية كوسيلة تعبر عن مصالح هذه التقسيمة الفئوية وليس مصلحة الوطن العليا.
ولقد قادت الاختلالات العضوية والهيكلية في مفهوم المواطنة الديموقراطية ادت الى ضعف قيم الولاء والانتماء والدولة وقيمها الدستورية وايضا دفعت ببروز ظواهر الفساد والمحسوبية والشللية والفئوية، وتهميش قيمة احترام القانون كحكم في فصل المنازعات واقرار الحقوق واصبحت هيئات ومؤسسات الدولة تجسيدا للتركيبة الفئوية القائمة.
وامام ما سلف ذكره فإن اي جهود من اجل مواطنة مدنية ومتساوية وفاعلة في الكويت لن يكتب لها النجاح ما لم تعمل على توحيد وتلاحم التشريعات والانظمة والقوانين
.
غلاف الكتاب
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=153272&searchText=بدون