رسالة في التوحيد من الدرر السنية

من محمد بن عبد الوهاب: إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين؛ سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خصوصاً: محمد بن عبيد، وعبد القادر العديلي، وابنه وعبد الله بن سحيم، وعبد الله بن عضيب، وحميدان بن تركي؛ وعلي بن زامل، ومحمد أبا الخيل، وصالح بن عبد الله
أما بعد: فإن الله تبارك وتعالى، أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلينا على حين فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل، والشرع التام، وأعظم ذلك وأكبره وزبدته، هو: إخلاص الدين لله، بعبادته وحده لا شريك له؛ والنهي عن الشرك؛ وهو: أن لا يدعى أحد من دونه، من الملائكة، والنبيين، فضلاً عن غيرهم؛ فمن ذلك: أن لا يسجد إلا لله، ولا يركع إلا له؛ ولا يدعى لكشف الضر، إلا هو، ولا لجلب الخير إلا هو، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يذبح إلا له، وجميع العبادة: لا تصلح إلا له؛ وحده لا شريك له، وهذا معنى قول: لا إله إلا الله؛ فإن المألوه، هو المقصود، المعتمد عليه؛ وهذا أمر هين عند من لا يعرفه، كبير عظيم عند من عرفه، فمن عرف هذه المسألة، عرف: أن أكثر الخلق، قد لعب بهم الشيطان، وزين لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب، حب الصالحين، وتعظيمهم
والكلام في هذا: ينبني على قاعدتين، عظيمتين؛ الأولى: أن تعرف أن الكفار، الذين قاتلهم رسول الله يعرفون الله، ويعظمونه، ويحجون، ويعتمرون؛ ويزعمون: أنهم على دين إبراهيم الخليل؛ وأنهم يشهدون: أنه لا يخلق، ويرزق، ولا يدبر إلا الله، وحده لا شريك له؛ كما قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض) [يونس: 31]
فإذا عرفت: أن الكفار يشهدون بهذا كله؛ فاعرف:
القاعدة الثانية؛ وهي: أنهم يدعون الصالحين، مثل الملائكة، وعيسى، وعزير، وغيرهم؛ وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء، سماه إلهاً؛ ولا يعني بذلك، أنه يخلق، أو يرزق؛ بل يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله؛ ويقولون: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) [الزمر: 3] والإله في لغتهم، هو الذي يسمى في لغتنا: فيه السر؛ والذي يسمونه، الفقراء: شيخهم؛ يعنون بذلك: أنه يدعى، وينفع، ويضر؛ وإلا فهم مقرون لله بالتفرد بالخلق، والرزق؛ وليس ذلك معنى الإله، بل الإله المقصود: المدعو، المرجو .لكن: المشركين في زماننا، أضل من الكفار، الذين في زمن رسول الله ، من وجهين؛ أحدهما: أن الكفار، إنما يدعون الأنبياء، والملائكة، في الرخاء؛ وأما في الشدائد، فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه) [الإسراء: 67] 0 والثاني: أن مشركي زماننا، يدعون أناساً، لا يوازنون: عيسى، والملائكة !
إذا عرفتم هذا، فلا يخفي عليكم: ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر، عبادة الأصنام؛ هذا يأتي إلى قبر: نبي؛ وهذا إلى قبر: صحابي، كالزبير، وطلحة؛ وهذا إلى قبر: رجل صالح؛ وهذا يدعوه، في الضراء، وفي غيبته؛ وهذا ينذر له؛ وهذا يذبح: للجن؛ وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا، والآخرة؛ وهذا يسأله: خير الدنيا، والآخرة .فإن كنتم تعرفون: أن هذا الشرك , من جنس عبادة الأصنام , الذي يخرج الرجل من الإسلام , و قد ملأ البر , و البحر , و شاع , و ذاع , حتى إن كثيراً ممن يفعله , يقوم الليل , و يصوم النهار , و ينتسب إلى الصلاح , و العبادة: فما بالكم , لم تفشوه في الناس ؟ و تبينوا لهم: أن هذا كفر بالله , مخرج عن الإسلام .
أرأيتم: لو أن بعض الناس , أو أهل بلدة , تزوجوا أخواتهم , أو عماتهم , جهلاً منهم، أفيحل لمن يؤمن بالله , و اليوم الآخر , أن يتركهم ؟ لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات , و العمات ؟ فإن كنتم تعتقدون: أن نكاحهن أعظم مما يفعله الناس اليوم , عند قبور الأولياء , و الصحابة , و في غيبتهم عنها , فاعلموا: أنكم لم تعرفوا دين الإسلام , و لا شهادة أن لا إله إلا الله , و دليل هذا مما تقدم من الآيات , التي بينها الله في كتابه , و إن عرفتم ذلك , فكيف: يحل لكم كتمان ذلك , و الإعراض عنه ؟ و قد: (أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه)، ] آل عمران: 187 [
فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم: هزوا , و جهلا , كما هي عادتكم , و لا تقبلونه , فانظروا في: الإقناع, في باب حكم المرتد، و ما ذكر فيه من الأمور الهائلة , التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها , فقد ارتد , و حل دمه , مثل: الاعتقاد في الأنبياء , و الصالحين , و جعلهم: وسائط بينه , و بين الله , ومثل: الطيران في الهوى , و المشي في الماء , فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم , مثل: السائح , الأعرج , و نحوه , تعتقدون: صلاحه , وولايته , و قد صرح في: الإقناع , بكفره؛ فاعلموا: أنكم لم تعرفوا معنى شهادة: أن لا إله إلا الله
فإن بان في كلامي هذا شيء من الغلو , من أن هذه الأفاعيل , لو كانت حراماً، فلا تخرج من الإسلام، وأن فعل أهل زماننا في الشدائد، في البر، والبحر، وعند قبور الأنبياء، والصالحين: ليس من هذه؛ بينوا لنا الصواب، وأرشدونا إليه
و إن تبين لكم: أن هذا هو الحق , الذي لا ريب فيه؛ و أن الواجب , إشاعته في الناس , و تعليمه النساء , و الرجال؛ فرحم الله: من أدى الواجب عليه , و تاب إلى الله , و أقر على نفسه؛ فإن التائب عن الذنب , كمن لا ذنب له؛ و عسى الله: أن يهدينا و إياكم , و إخواننا , لما يجب و يرضى , و السلام.
و قال أيضاً: رحمه الله تعالى , بعد كلام له:
و أما النوع: الثاني؛ فهو: الكلام في الشرك , و التوحيد؛ و هو: المصيبة العظمى , و الداهية الصما؛ و الكلام على هذا النوع , و الرد على هذا الجاهل: يتحمل مجلداً , و كلامه فيه , كما قال ابن القيم رحمه الله: إذا قرأه المؤمن تارة يبكي , و تارة يضحك !!.
و لكن: أنبهك منه على كلمتين؛ الأولى , قوله: إنهما , نسبا من قبلهما , إلى الخروج من الإسلام , و الشرك الأكبر؛ أفيظن: أن قوم موسى , لما قالوا: اجعل لنا إلهاً , كما لهم آلهة , خرجوا من الإسلام ؟ أفيظن: أن أصحاب رسول الله لما قالوا: اجعل لنا ذات أنواط؛ فحلف لهم: أن هذا مثل قول قوم موسى: اجعل لنا إلهاً , أنهم خرجوا من الإسلام ؟ أيظن: أن النبي لما سمعهم يحلفون بآبائهم , فنهاهم و قال: ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) أنهم: خرجوا من الإسلام ؟ إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تحصر , فلم يفرق بين الشرك , المخرج عن الملة , من غيره , و لم يفرق بين الجاهل , و المعاند .و الكلمة الثانية , قوله: إن المشرك لا يقول: لا إله إلا الله؛ فيا عجباً من رجل يدعى العلم , و جاء من الشام بحمل كتب , فلما تكلم: إذا أنه لا يعرف الإسلام من الكفر؛ و لا يعرف الفرق: بين أبي بكر الصديق , رضي الله عنه , و بين: مسيلمة الكذاب.
أما علم: أن مسيلمة يشهد أن لا إله إلا الله , و أن محمداً رسول الله , و يصلي و يصوم ؟! أما علم: أن غلاة الرافضة , الذين حرقهم علي , رضي الله عنه , يقولونها ؟! و كذلك الذين: يقذفون عائشة , و يكذبون القرآن؛ و كذلك: الذين يزعمون أن جبرائيل غلط؛ و غير هؤلاء , ممن أجمع أهل العلم على كفرهم؛ منهم: من ينتسب إلى الإسلام ,ومنهم: من لا ينتسب إليه , كاليهود , و كلهم يقولون: لا إله إلا الله؛ و هذا بين عند من له أقل معرفة بالإسلام , من أن يحتاج إلى تبيان .و إذا كان المشركون , لا يقولونها , فما معنى: باب حكم المرتد ؟! الذي ذكر الفقهاء من كل مذهب ؟ هل الذين ذكرهم الفقهاء، وجعلوهم مرتدين، لا يقولونها ؟ هل الذي ذكر أهل العلم: أنه أكفر من اليهود، والنصارى ؟ وقال بعضهم: من شك في كفر أتباعه، فهو كافر؛ وذكرهم في الإقناع، في: باب حكم المرتد؛ وإمامهم: ابن عربي، أيظنهم لا يقولون: لا إله إلا الله ؟! لكن: هو أتى من الشام، وهم يعبدون: ابن عربي؛ جاعلين على قبره صنماً يعبدونه، ولست أعني أهل الشام كلهم، حاشا وكلا؛ بل لا تزال طائفة على الحق، وإن قلَّت، واغتربت .لكن: العجب العجاب؛ استدلاله: أن رسول الله دعى الناس إلى قول: لا إله إلا الله؛ ولم يطالبهم بمعناها، وكذلك أصحاب رسول الله، فتحوا بلاد الأعاجم، وقنعوا منهم بلفظها، إلى آخر كلامه؛ فهل يقول هذا الكلام: من يتصور ما يقول ؟!
فنقول، أولاً: هو الذي نقض كلامه، وكذبه، بقوله: دعاهم إلى ترك عباده الأوثان، فإذا كان لم يقنع منهم إلا بترك عبادة الأوثان، تبين أن النطق بها لا ينفع، إلا بالعمل بمقتضاها، وهو: ترك الشرك، وهذا هو المطلوب؛ ونحن
إنما نهينا عن الأوثان، المجعولة على قبر الزبير، وطلحة، وغيرهما، في الشام، وغيره .فإن قلتم: ليس هذا من الأوثان، وإن دعاء أهل القبور، والاستغاثة بهم في الشدائد، ليست من الشرك، مع كون المشركين الذين في عهد رسول الله : يخلصون لله في الشدائد، ولا يدعون أوثانهم، فهذا: كفر؛ وبيننا وبينكم: كلام العلماء، من الأولين، والآخرين، الحنابلة وغيرهم
وإن أقررتم: أن ذلك كفر، وشرك، وتبين أن قول: لا إله إلا الله، لا ينفع إلا مع ترك الشرك، فهذا هو المطلوب، وهو الذي نقول، وهو الذي أكثرتم النكير فيه، وزعمتم أنه لا يخرج إلا من: خراسان؛ وهذا القول، كما في أمثال العامة: لا وجه سمح، ولا بنت رجال؛ لا أقول صواب، بل خطأ ظاهر، وسب لدين الله؛ وهو أيضاً: متناقض، يكذب بعضه بعضاً، لا يصدر إلا ممن هو أجهل الناس .
وأما دعواه: أن الصحابة لم يطلبوا من الأعاجم، إلا مجرد هذه الكلمة، ولم يعرفوهم بمعناها، فهذا قول: من لا يفرق بين دين المرسلين، ودين المنافقين، الذين هم في الدرك الأسفل من النار؛ فإن المؤمنين: يقولونها، والمنافقين يقولونها، لكن المؤمنين: يقولونها، مع معرفة قلوبهم بمعناها، وعمل جوارحهم، بمقتضاها، والمنافقون، يقولونها، من غير فهم لمعناها، ولا عمل بمقتضاها؛ فمن أعظم المصائب، وأكبر الجهل: من لا يعرف الفرق، بين الصحابة، والمنافقين
لكن هذا: لا يعرف النفاق، ولا يظنه في أهل زماننا؛ بل يظنه: في زمان رسول الله ، وأصحابه، وأما زمانه: فصلح بعد ذلك ! وإذا كان زمانه، وبلدانه: ينزهون عن البدع، ومخرجها من أهل خراسان، فكيف بالشرك والنفاق ؟! ويا ويح هذا القائل، ما أجرأه على الله ! وما أجهله بقدر الصحابة وعلمهم ! حيث ظن أنهم: لا يعلمون الناس معنى لا إله إلا الله .أما علم هذا الجاهل: أنهم يستدلون بها على مسائل الفقه، فضلاً عن مسائل الشرك؛ ففي الصحيحين: أن عمر رضي الله عنه، لما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة، لأجل قوله : " أمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها " قال أبو بكر: فإن الزكاة من حقها؛ فإذا كان منع الزكاة، من منع حق: لا إله إلا الله، فكيف بعبادة القبور ؟ والذبح للجن ؟ ودعاء الأولياء ؟ وغيرهم، مما هو دين المشركين ؟!
وصرح الشيخ تقي الدين، في: اقتضاء الصراط المستقيم، بأن من ذبح للجن، فالذبيحة حرام، من جهتين؛ من جهة: أنها مما أهل لغير الله به؛ ومن جهة: أنها ذبيحة مرتد، فهي: كخنزير مات، من غير ذكاة؛ ويقول؛ ولو سمى الله عند ذبحها، إذا كانت نيته ذبحها للجن، ورد على من قال: إنه إن ذكر اسم الله، حل الأكل منها مع التحريم وأما: ما سألت عنه، من قوله: اللهم صلِّ على محمد إلى آخره؛ فهذه؛ المحامل التي ذكر، غير بعيدة، لو كان الإنكار على الرجل الميت، الذي صنفها؛ والإنكار إنما هو على الخطباء، والعامة، الذين يسمعون؛ فإن كان يزعم: أن عامة أهل هذه القرى، كل رجل منهم يفهم هذا التأويل، فهذا مكابرة؛ وإن كان يعرف: أنهم ما قصدوا إلا المعاني، التي لا تصلح إلا لله، لم يمنع من الإنكار عليهم، ولو تبين أنه شرك؛ لكون الذي قالها أولاً، قصد معنى صحيحاً
كما لو أن رجلاً من أهل العلم؛ كتب إلى عامية، أن نكاح الأخوات حلال؛ ففهموا منه ظاهره؛ وجعلوا يتزوجون أخواتهم، خاصتهم، وعامتهم؛ لم يمنع من الإنكار عليهم، ولو تبين أن الله حرم نكاح الأخوات، لكون القائل أراد الأخوات في الدين، كما قال إبراهيم – عليه السلام – لسارة: هي أختي؛ وهذا واضح بحمد الله، ولكن: من انفتح له تحريف الكلم عن مواضعه، انفتح له باب طويل عريض
.
 

المقوع

عضو فعال
الأخ أحمد الدوسري ؟؟؟
الشيخ محمد بن عبدالوهاب (كفربن سحيم)
وستجدها موجوده فى الدرر السنيه
؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
ملاحظة هل يوافق الشيخ ربيع بن هادي تكفير الشيخ محمد لأبن سحيم
 
أعلى