في إحدى الأيام الندية وبينما كنت منشغلا ببعض الإصلاحات المنزلية ،، جائتني رسالة من إحدى البلدان الأعجمية بها مئات الأسئلة حول القرآن الكريم و آياته البهية ،، والظاهر أن صاحبها من أصحاب الرؤوس الغبية التي لا تفقه شيئا لا في الأمور الأخروية ولا الدنيوية ،، هذا الملحد يتبع الأساليب التدليسية وأيضا ناقل لبعض الشبهات النصرانية ،، والمضحك المبكي أنه اعتمد في بعض أسئلته على مصادر استشراقية ليثبت أن بالقرآن أخطاء نحوية ،، ونسي بأن هذا الأخير منه وُضعت واستُنبطت قواعد اللغة العربية ،، والأدهى من ذلك أنه اعتمد على المستشرقين من أصحاب اللكنة الأوروبية ، والذين وقعوا بدورهم في أخطاء لا يقع فيها تلميذ بالإبتدائية..
وأنا أجيب عن أسئلته لم تفارق وجهي ابتسامة ،، مرة ابتسامة سخرية ومرة ابتسامة شفقة على الأسئلة التي أرى من منظوري أنها ساذجة ،، وأقول في نفسي لو أن كل ضال في العالم تجرد من التعصب والعناد والهوى ،، واستخدم عقله وقلبه في تدبر الإسلام لوصل إلى الحقيقة ولاقتنع بالإسلام جملة وتفصيلا ،، ولكن دواوين الوحي تجيبني قائلة {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُور} ... نعم يا ربي تعمى القلوب التي في الصدور ،،
وأنـت إلـه الخلـق ربي وخالقي*** بذلك ما عُمرتُ في الناس أشهدُ
تعاليت رب الناس عن قول من دع*** سواك إلها أنـت أعلى وأمجد
لك الخلق والنعماء والأمـر كلـه*** فإيـاك نستعيـن وإيـاك نعبد
والأمر الآخر أني وجدت نفس التساؤلات بنفس الصيغة في إحدى المواقع التنصيرية ، والتي كنت قد أجبت على نفس مقالهم سابقا، فقام الملحد بنسخ الأسئلة من ذاك الموقع ، لكي نظن أنه بحث واستخرج وتعب ... ولكنه في الحقيقة لا هو ولا المنصر قد قاما بشيء فقط نسخ الشبهات عن أسيادهم المستشرقين ،، لهذا ارتأيت أن أقتصر على ردودي الأولى على المنصر نظرا لأنه صاحب الشبه الأصلية ،، وفي نفس الوقت الرد على الملحد .. وقد استأذنت الاخ المراقب في ذلك فوافق حفظه الله على ذلك ،، فمنكم إخوتي من سبق له ان صادف هذه الشبهات ،، ومنكم من يراها لأول مرة ،، ومنكم من سوف يراها مستقبلا ،، وفي كل الحالات فائدة جلية ،، ونظرا لطول الأسئلة ارتأيت تقسيم الردود إلى أجزاء ،، كلما أتيح لي الوقت وضعت جزءا جديدا على هذا المنتدى المبارك ،،
ولكي لا أطيل ،، سوف أدخل في كتابة الأجوبة على بعض أسئلته ،،.حتى يشفى غليل من في قلبه شبهة ،، ويستفيد إخواني من طلاب العلم ممن لديه في وقته فسحة ...
وينبغي الإشارة إلى أن المصادر التي اعتمدتها سوف أذكرها عند انتهاء السلسلة ،، وقد اعتمدت في الردود أيضا على إيراد كل أقوال أهل العلم حول الآيات المعنية ،، حتى نقضي على تهم التناقض من كل الاوجه التي يتحملها تفسير الآية... كما اعتمدت على الأسلوب البسيط في التحرير لأننا نعرف ضعف الملاحدة والمنصرين في اللغة العربية...
يقول أصحابنا :
س: هل اسلم فرعون أم لا:-
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ){28/40} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ {28/41} القصص .
تناقضها سورة يونس .
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) {10/90}يونس .
ج: لا تناقض في القرآن بحمد الله لأن الآيات السابقات يذكرن أن فرعون طاغية متجبر متكبر عن الحق كان ظالما لنفسه لأنه لم يؤمن قبل أن يصيبه العذاب ،، والآية في سورة يونس تقول
{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }
العلماء ذكروا فيه وجوهاً:
الوجه الأول: أن فرعون إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول، لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى:
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }
[غافر: 85].
الوجه الثاني: هو أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة والمحنة الناجزة، فما كان مقصوده من هذه الكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف بعزة الربوبية وذلة العبودية، وعلى هذا التقدير فما كان ذكر هذه الكلمة مقروناً بالإخلاص، فلهذا السبب ما كان مقبولاً.
الوجه الثالث: هو أن ذلك الإقرار كان مبنياً على محض التقليد، ألا ترى أنه قال: { لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ } فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله، إلا أنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلهاً، فهو أقر بذلك الإله الذي سمع من بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده، فكان هذا محض التقليد، فلهذا السبب لم تصر الكلمة مقبولة منه، ومزيد التحقيق فيه أن فرعون على ما بيناه في سورة طه كان من الدهرية، وكان من المنكرين لوجود الصانع تعالى، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته، إلا بنور الحجج القطعية، والدلائل اليقينية، وأما بالتقليد المحض فهو لا يفيد، لأنه يكون ضماً لظلمة التقليد إلى ظلمة الجهل السابق.
الوجه الرابع: رأى الرازي في بعض الكتب أن بعض أقوام من بني إسرائيل لما جاوزوا البحر اشتغلوا بعبادة العجل، فلما قال فرعون { آمنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى آمنتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ } انصرف ذلك إلى العجل الذي آمنوا بعبادته في ذلك الوقت، فكانت هذه الكلمة في حقه سبباً لزيادة الكفر.
الوجه الخامس: أن اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ولهذا السبب اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسد ذلك العجل ونزل فيه، فلما كان الأمر كذلك وقال فرعون { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } فكإنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية والحلول والنزول، وكل من اعتقد ذلك كان كافراً فلهذا السبب ما صح إيمان فرعون.
الوجه السادس: لعل الإيمان إنما كان يتم بالإقرار بوحدانية الله تعالى، والإقرار بنبوة موسى عليه السلام. فههنا لما أقر فرعون بالوحدانية ولم يقر بالنبوة لا جرم لم يصح إيمانه. ونظيره أن الواحد من الكفار لو قال ألف مرة أشهد أن لا إله إلا الله فإنه لا يصح إيمان إلا إذا قال معه وأشهد أن محمداً رسول الله، فكذا ههنا.
وقد حكى - سبحانه - ما قاله فرعون عندما نزل به قضاء الله الذى لا يرد فقال - تعالى -: { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.
أى: لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا، فانطبق عليه البحر، ولفه تحت أمواجه ولججه، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه، قال آمنت وصدقت. بأنه لا معبود بحق سوى الإِله الذى آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته.
ولما كان هذا القول قد جاء فى غير أوانه، وأن هذا الإِيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت، فقد رد الله - تعالى - على فرعون بقوله - سبحانه - { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }.
أى: آلآن تدعى الإِيمان حين يئست من الحياة، وأيقنت بالموت، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين فى الأرض، المصرين على تكذيب الحق الذى جاءكم به رسولنا موسى - عليه السلام - والظرف " آلآن " متعلق بمحذوف متأخر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار.
فلا تناقض بحمد الله بين الآيات لأن فرعون ظل كافرا وقد بينا هذا الأمر اعلاه.
----------------------------------------
س: هل قتل فرعون نسل بني اسرائيل واستحيا نسائهم عندما كان موسى طفلاً ام عندما اصبح بالغاً؟
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {40/ 23} إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {40/ 24} فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {40/ 25} وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ
فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {40/ 26}غافر .
تناقضها سوره طه .
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى {20/38} أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {20/39} إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى {20/40} طة .
ج: لا تناقض بحمد الله تعالى ،، لأن هناك حادثتان.. الحادثة الأولى ذكرتها سورة طه حيث أن فرعون أمر بقتل الأطفال واستحياء النساء حينما كان موسى عليه السلام طفلا صغيرا رضيعا
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت القدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسون.
والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون مقيمات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته.
أما الحادثة الثانية فهي التي تتحدث عنها الآيات في سورة غافر
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } *
{ ٱقْتُلُواْ أَبْنَاء ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَاءهُمْ } والصحيح أن هذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى عليه السلام، لأن في ذلك الوقت أخبره المنجمون بولادة عدو له يظهر عليه، فأمر بقتل الأولاد في ذلك الوقت، وأما في هذا الوقت فموسى عليه السلام قد جاءه وأظهر المعجزات الظاهرة، فعند هذا أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه لئلا ينشئوا على دين موسى فيقوى بهم، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات، فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء.
فلا تناقض بحمد الله تعالى لأن الآيتان تتحدثان عن حادثتان ،، الاولى حدثت حينما كان موسى عليه السلام طفلا رضيعا ،، والثانية وقعت حينما أصبح موسى عليه السلام نبيا.
--------------------------------
س: هل المسيح توفي ام لا:_
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا {4/157} النساء.
تناقضها ثلاث سور! ؟ انظر كيف يعترف القران بأن المسيح توفي!!!:_
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {19/33}مريم .
لاحظ النص : ولد ومات ورفع حيا بعد القيامه من الاموات ولم يقل انه رفع حياً قبل الموت !!!؟.قارن سورة الزمر 39 : 42 ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا).
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {3/55} ال عمران .
لاحظ النص الكتابي: (إني متوفيك ورافعك إلي)
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {5/117}المائدة .
فلما توفيتني فعل ماضي تأيداً للحدث.
ج : كل هذا ناتج عن جهلك باللغة العربية ... قول الله تعالى
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }.
التوفى هنا ليس التوفي بالموت وإنما : التوفى فى اللغة معناه أخذ الشىء تاما وافيا. فمعنى { مُتَوَفِّيكَ } آخذك وافيا بروحك وجسدك ومعنى { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } ورافعك إلى محل كرامتى فى السماء فالعطف للتفسير. يقال: وفيت فلانا حقه أى أعطيته إياه وافيا فاستوفاه وتوفاه أى أخذه وافيا كاملا.
قال القرطبي: " قال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالى من فلان أى قبضته ".
وهذا القول هو الصحيح والسليم لأمور:
أولها: أن قوله - تعالى - فى سورة النساء
{ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ }
يفيد أن الرفع كان بجسم عيسى وروحه لأن الإِضراب مقابل للقتل والصلب الذى أرادوه وزعموا حصوله، ولا يصح مقابلا لهما رفعه بالروح لأن الرفع بالروح يجوز أن يجتمع معهما ومادام الرفع بالروح لا يصح مقابلا لهما إذن يكون المتعين أن المقابل لهما هو الرفع بالجسد والروح.
ثانيها: أن هناك أحاديث متعددة، بلغت فى قوتها مبلغ التواتر المعنوى - كما يقول ابن كثير - قد وردت فى شأن نزول عيسى إلى الأرض فى آخر الزمان ليملأها عدلا كما ملئت جوار، وليكون حاكما بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، يقتل الدجال ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ".
وظاهر هذا الحديث وما يشابهه من الأحاديث الصحيحة فى شأن نزول عيسى، يفيد أن نزوله يكون بروحه وجسده كما رفعه الله إليه بروحه وجسده.
ثالثا: أن هذا القول هو قول جمهور العلماء، وهو القول الذى يتناسب مع ما أكرم الله - تعالى - به عيسى - عليه السلام - من كرامات ومعجزات.
قال بعض العلماء ما ملخصه: وجمهور العلماء على أن عيسى رفع حيا من غير موت ولا غفوة بجسده وروحه إلى السماء. والخصوصية له - عليه السلام - هى فى رفعه بجسده، وبقاؤه فيها إلى الأمد المقدر له ولا يصح أن يحمل التوفى على الإِماتة لأن إماتة عيسى فى وقت حصار أعدائه ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول. وقد نزه الله السماء أن تكون قبورا لجثث الموتى. وإن كان الرفع بالروح فقط فأى مزية لعيسى فى ذلك على سائر الأنبياء، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة. فالحق أنه - عليه السلام - رفع إلى السماء حيا بجسده. وكما كان - عليه السلام - فى مبدأ خلقه آية للناس ومعجزة ظاهرة، كان فى نهاية أمره آية ومعجزة باهرة والمعجزات بأسرها فوق قدرة البشرة ومدارك العقول، وهى من متعلقات القدرة الإِلهية ومن الأدلة على صدق الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ".
ومعنى الآية الكريمة: واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ وقت أن قال الله - تعالى - لنبيه عيسى: { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } أى آخذك وافياً بروحك وجسدك من الأرض { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } أى ورافعك إلى محل كرامتى فى السماء لتستوفى حظك من الحياة هناك إلى أن آذن لك بالنزول إلى الأرض.
أما قول الله سبحانه وتعالى على لسان عيسى عليه السلام
{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }
هنا معناه الموت الحقيقي أي بعد نزول عيسى عليه السلام وكسره للصليب وقتله للدجال والخنزير ... سوف يمكث عليه السلام وقتا من الزمن بين المسلمين –كما تدل الاحاديث الصحيحة- ثم يموت عليه السلام كما مات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وكما يموت كل البشر.
فلا تناقض بين الآيات.
ويطلق التوفّي على النوم مجازاً بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى:
{ وهو الذي يَتَوَفَّاكم بالليل }
[الأنعام: 60] - وقوله -
{ الله يتوفَّى الأنفسَ حينَ موتها والتي لم تَمُتْ في منامها فيُمْسِك التي قضى عليها الموتَ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى }
وقال الربيع حول مسألة توفي عيسى عليه السلام: هي وفاة نوم رفعه الله في منامه.
وقوله: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } بيان لانتهاء مهمته بعد فراقه لقومه.
أى: أنت تعلم يا إلهى بأنى ما أمرتهم إلا بعبادتك وبأنى ما قصرت فى حملهم على طاعتك مدة وجودى معهم، { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } يا إلهى أى: قبضتنى بالرفع إلى السماء حيا، كنت أنت الرقيب عليهم. أى: كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم المراقب لأحوالهم، العليم بتصرفاتهم الخبير بمن أحسن منهم وبمن أساء وأنت - يا إلهى - على كل شىء شهيد، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك.
هذا. وما ذهبنا إليه من أن معنى { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } أى: قبضتنى بالرفع إلى السماء حيا قول جمهور العلماء.
قال بعض العلماء مؤيدا ما ذهب أليه الجمهور قوله: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } أى فلما أخذتنى وافيا بالرفع إلى السماء حيا، إنجاء لى مما دبروه من قتلى، من التوفى وهو أخذ الشىء وافيا أى كاملا. وقد جاء التوفى بهذا المعنى فى قوله - تعالى -
{ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }
ولا يصح أن يحمل التوفى على الإِماتة، لأن إماتة عيسى فى وقت حصار أعدائه له ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها، ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول، وقد نزه الله السماء أن تكون قبرا لجثث الموتى، وإن كان الرفع بالروح فقط، فأى مزية لعيسى فى ذلك على سائر الأنبياء، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة فالحق أنه - عليه السلام - رفع إلى السماء حيا بجسده وروحه وقد جعله الله آية، والله على كل شىء قدير ".
فلا تناقض بين الآيات .
-----------------------------------
يتبع
وأنا أجيب عن أسئلته لم تفارق وجهي ابتسامة ،، مرة ابتسامة سخرية ومرة ابتسامة شفقة على الأسئلة التي أرى من منظوري أنها ساذجة ،، وأقول في نفسي لو أن كل ضال في العالم تجرد من التعصب والعناد والهوى ،، واستخدم عقله وقلبه في تدبر الإسلام لوصل إلى الحقيقة ولاقتنع بالإسلام جملة وتفصيلا ،، ولكن دواوين الوحي تجيبني قائلة {فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُور} ... نعم يا ربي تعمى القلوب التي في الصدور ،،
وأنـت إلـه الخلـق ربي وخالقي*** بذلك ما عُمرتُ في الناس أشهدُ
تعاليت رب الناس عن قول من دع*** سواك إلها أنـت أعلى وأمجد
لك الخلق والنعماء والأمـر كلـه*** فإيـاك نستعيـن وإيـاك نعبد
والأمر الآخر أني وجدت نفس التساؤلات بنفس الصيغة في إحدى المواقع التنصيرية ، والتي كنت قد أجبت على نفس مقالهم سابقا، فقام الملحد بنسخ الأسئلة من ذاك الموقع ، لكي نظن أنه بحث واستخرج وتعب ... ولكنه في الحقيقة لا هو ولا المنصر قد قاما بشيء فقط نسخ الشبهات عن أسيادهم المستشرقين ،، لهذا ارتأيت أن أقتصر على ردودي الأولى على المنصر نظرا لأنه صاحب الشبه الأصلية ،، وفي نفس الوقت الرد على الملحد .. وقد استأذنت الاخ المراقب في ذلك فوافق حفظه الله على ذلك ،، فمنكم إخوتي من سبق له ان صادف هذه الشبهات ،، ومنكم من يراها لأول مرة ،، ومنكم من سوف يراها مستقبلا ،، وفي كل الحالات فائدة جلية ،، ونظرا لطول الأسئلة ارتأيت تقسيم الردود إلى أجزاء ،، كلما أتيح لي الوقت وضعت جزءا جديدا على هذا المنتدى المبارك ،،
ولكي لا أطيل ،، سوف أدخل في كتابة الأجوبة على بعض أسئلته ،،.حتى يشفى غليل من في قلبه شبهة ،، ويستفيد إخواني من طلاب العلم ممن لديه في وقته فسحة ...
وينبغي الإشارة إلى أن المصادر التي اعتمدتها سوف أذكرها عند انتهاء السلسلة ،، وقد اعتمدت في الردود أيضا على إيراد كل أقوال أهل العلم حول الآيات المعنية ،، حتى نقضي على تهم التناقض من كل الاوجه التي يتحملها تفسير الآية... كما اعتمدت على الأسلوب البسيط في التحرير لأننا نعرف ضعف الملاحدة والمنصرين في اللغة العربية...
يقول أصحابنا :
س: هل اسلم فرعون أم لا:-
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ){28/40} وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ {28/41} القصص .
تناقضها سورة يونس .
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) {10/90}يونس .
ج: لا تناقض في القرآن بحمد الله لأن الآيات السابقات يذكرن أن فرعون طاغية متجبر متكبر عن الحق كان ظالما لنفسه لأنه لم يؤمن قبل أن يصيبه العذاب ،، والآية في سورة يونس تقول
{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }
العلماء ذكروا فيه وجوهاً:
الوجه الأول: أن فرعون إنما آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول، لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذا الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى:
{ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا }
[غافر: 85].
الوجه الثاني: هو أنه إنما ذكر هذه الكلمة ليتوسل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة والمحنة الناجزة، فما كان مقصوده من هذه الكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، والاعتراف بعزة الربوبية وذلة العبودية، وعلى هذا التقدير فما كان ذكر هذه الكلمة مقروناً بالإخلاص، فلهذا السبب ما كان مقبولاً.
الوجه الثالث: هو أن ذلك الإقرار كان مبنياً على محض التقليد، ألا ترى أنه قال: { لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ } فكأنه اعترف بأنه لا يعرف الله، إلا أنه سمع من بني إسرائيل أن للعالم إلهاً، فهو أقر بذلك الإله الذي سمع من بني إسرائيل أنهم أقروا بوجوده، فكان هذا محض التقليد، فلهذا السبب لم تصر الكلمة مقبولة منه، ومزيد التحقيق فيه أن فرعون على ما بيناه في سورة طه كان من الدهرية، وكان من المنكرين لوجود الصانع تعالى، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا تزول ظلمته، إلا بنور الحجج القطعية، والدلائل اليقينية، وأما بالتقليد المحض فهو لا يفيد، لأنه يكون ضماً لظلمة التقليد إلى ظلمة الجهل السابق.
الوجه الرابع: رأى الرازي في بعض الكتب أن بعض أقوام من بني إسرائيل لما جاوزوا البحر اشتغلوا بعبادة العجل، فلما قال فرعون { آمنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى آمنتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ } انصرف ذلك إلى العجل الذي آمنوا بعبادته في ذلك الوقت، فكانت هذه الكلمة في حقه سبباً لزيادة الكفر.
الوجه الخامس: أن اليهود كانت قلوبهم مائلة إلى التشبيه والتجسيم ولهذا السبب اشتغلوا بعبادة العجل لظنهم أنه تعالى حل في جسد ذلك العجل ونزل فيه، فلما كان الأمر كذلك وقال فرعون { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل } فكإنه آمن بالإله الموصوف بالجسمية والحلول والنزول، وكل من اعتقد ذلك كان كافراً فلهذا السبب ما صح إيمان فرعون.
الوجه السادس: لعل الإيمان إنما كان يتم بالإقرار بوحدانية الله تعالى، والإقرار بنبوة موسى عليه السلام. فههنا لما أقر فرعون بالوحدانية ولم يقر بالنبوة لا جرم لم يصح إيمانه. ونظيره أن الواحد من الكفار لو قال ألف مرة أشهد أن لا إله إلا الله فإنه لا يصح إيمان إلا إذا قال معه وأشهد أن محمداً رسول الله، فكذا ههنا.
وقد حكى - سبحانه - ما قاله فرعون عندما نزل به قضاء الله الذى لا يرد فقال - تعالى -: { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }.
أى: لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا، فانطبق عليه البحر، ولفه تحت أمواجه ولججه، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه، قال آمنت وصدقت. بأنه لا معبود بحق سوى الإِله الذى آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته.
ولما كان هذا القول قد جاء فى غير أوانه، وأن هذا الإِيمان لا ينفع لأنه جاء عند معاينة الموت، فقد رد الله - تعالى - على فرعون بقوله - سبحانه - { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ }.
أى: آلآن تدعى الإِيمان حين يئست من الحياة، وأيقنت بالموت، والحال أنك كنت قبل ذلك من العصاة المفسدين فى الأرض، المصرين على تكذيب الحق الذى جاءكم به رسولنا موسى - عليه السلام - والظرف " آلآن " متعلق بمحذوف متأخر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار.
فلا تناقض بحمد الله بين الآيات لأن فرعون ظل كافرا وقد بينا هذا الأمر اعلاه.
----------------------------------------
س: هل قتل فرعون نسل بني اسرائيل واستحيا نسائهم عندما كان موسى طفلاً ام عندما اصبح بالغاً؟
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ {40/ 23} إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ {40/ 24} فَلَمَّا جَاءهُم بِالْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاء الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ {40/ 25} وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ
فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {40/ 26}غافر .
تناقضها سوره طه .
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى {20/38} أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي {20/39} إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى {20/40} طة .
ج: لا تناقض بحمد الله تعالى ،، لأن هناك حادثتان.. الحادثة الأولى ذكرتها سورة طه حيث أن فرعون أمر بقتل الأطفال واستحياء النساء حينما كان موسى عليه السلام طفلا صغيرا رضيعا
وذكر السدي عن أبي صالح وأبي مالك، عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن أناس من الصحابة: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت من نحو بيت القدس، فأحرقت دور مصر وجميع القبط، ولم تضر بني إسرائيل، فلما استيقظ هاله ذلك، فجمع الكهنة والحذقة والسحرة، وسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا غلام يولد من هؤلاء، يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه، فلهذا أمر بقتل الغلمان وترك النسون.
والمقصود أن فرعون احترز كل الاحتراز ألا يوجد موسى، حتى جعل رجالاً وقوابل يدورون على الحبالى، ويعلمون مقيمات وضعهن، فلا تلد امرأة ذكراً إلا ذبحه أولئك الذباحون من ساعته.
أما الحادثة الثانية فهي التي تتحدث عنها الآيات في سورة غافر
{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } *
{ ٱقْتُلُواْ أَبْنَاء ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَاءهُمْ } والصحيح أن هذا القتل غير القتل الذي وقع في وقت ولادة موسى عليه السلام، لأن في ذلك الوقت أخبره المنجمون بولادة عدو له يظهر عليه، فأمر بقتل الأولاد في ذلك الوقت، وأما في هذا الوقت فموسى عليه السلام قد جاءه وأظهر المعجزات الظاهرة، فعند هذا أمر بقتل أبناء الذين آمنوا معه لئلا ينشئوا على دين موسى فيقوى بهم، وهذه العلة مختصة بالبنين دون البنات، فلهذا السبب أمر بقتل الأبناء.
فلا تناقض بحمد الله تعالى لأن الآيتان تتحدثان عن حادثتان ،، الاولى حدثت حينما كان موسى عليه السلام طفلا رضيعا ،، والثانية وقعت حينما أصبح موسى عليه السلام نبيا.
--------------------------------
س: هل المسيح توفي ام لا:_
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا {4/157} النساء.
تناقضها ثلاث سور! ؟ انظر كيف يعترف القران بأن المسيح توفي!!!:_
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا {19/33}مريم .
لاحظ النص : ولد ومات ورفع حيا بعد القيامه من الاموات ولم يقل انه رفع حياً قبل الموت !!!؟.قارن سورة الزمر 39 : 42 ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا).
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {3/55} ال عمران .
لاحظ النص الكتابي: (إني متوفيك ورافعك إلي)
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {5/117}المائدة .
فلما توفيتني فعل ماضي تأيداً للحدث.
ج : كل هذا ناتج عن جهلك باللغة العربية ... قول الله تعالى
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }.
التوفى هنا ليس التوفي بالموت وإنما : التوفى فى اللغة معناه أخذ الشىء تاما وافيا. فمعنى { مُتَوَفِّيكَ } آخذك وافيا بروحك وجسدك ومعنى { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } ورافعك إلى محل كرامتى فى السماء فالعطف للتفسير. يقال: وفيت فلانا حقه أى أعطيته إياه وافيا فاستوفاه وتوفاه أى أخذه وافيا كاملا.
قال القرطبي: " قال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك قابضك ورافعك إلى السماء من غير موت، مثل توفيت مالى من فلان أى قبضته ".
وهذا القول هو الصحيح والسليم لأمور:
أولها: أن قوله - تعالى - فى سورة النساء
{ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ }
يفيد أن الرفع كان بجسم عيسى وروحه لأن الإِضراب مقابل للقتل والصلب الذى أرادوه وزعموا حصوله، ولا يصح مقابلا لهما رفعه بالروح لأن الرفع بالروح يجوز أن يجتمع معهما ومادام الرفع بالروح لا يصح مقابلا لهما إذن يكون المتعين أن المقابل لهما هو الرفع بالجسد والروح.
ثانيها: أن هناك أحاديث متعددة، بلغت فى قوتها مبلغ التواتر المعنوى - كما يقول ابن كثير - قد وردت فى شأن نزول عيسى إلى الأرض فى آخر الزمان ليملأها عدلا كما ملئت جوار، وليكون حاكما بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأحاديث ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، يقتل الدجال ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، ويفيض المال، وتكون السجدة واحدة لله رب العالمين ".
وظاهر هذا الحديث وما يشابهه من الأحاديث الصحيحة فى شأن نزول عيسى، يفيد أن نزوله يكون بروحه وجسده كما رفعه الله إليه بروحه وجسده.
ثالثا: أن هذا القول هو قول جمهور العلماء، وهو القول الذى يتناسب مع ما أكرم الله - تعالى - به عيسى - عليه السلام - من كرامات ومعجزات.
قال بعض العلماء ما ملخصه: وجمهور العلماء على أن عيسى رفع حيا من غير موت ولا غفوة بجسده وروحه إلى السماء. والخصوصية له - عليه السلام - هى فى رفعه بجسده، وبقاؤه فيها إلى الأمد المقدر له ولا يصح أن يحمل التوفى على الإِماتة لأن إماتة عيسى فى وقت حصار أعدائه ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول. وقد نزه الله السماء أن تكون قبورا لجثث الموتى. وإن كان الرفع بالروح فقط فأى مزية لعيسى فى ذلك على سائر الأنبياء، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة. فالحق أنه - عليه السلام - رفع إلى السماء حيا بجسده. وكما كان - عليه السلام - فى مبدأ خلقه آية للناس ومعجزة ظاهرة، كان فى نهاية أمره آية ومعجزة باهرة والمعجزات بأسرها فوق قدرة البشرة ومدارك العقول، وهى من متعلقات القدرة الإِلهية ومن الأدلة على صدق الرسل - عليهم الصلاة والسلام - ".
ومعنى الآية الكريمة: واذكر أيها المخاطب لتعتبر وتتعظ وقت أن قال الله - تعالى - لنبيه عيسى: { إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } أى آخذك وافياً بروحك وجسدك من الأرض { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } أى ورافعك إلى محل كرامتى فى السماء لتستوفى حظك من الحياة هناك إلى أن آذن لك بالنزول إلى الأرض.
أما قول الله سبحانه وتعالى على لسان عيسى عليه السلام
{ وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }
هنا معناه الموت الحقيقي أي بعد نزول عيسى عليه السلام وكسره للصليب وقتله للدجال والخنزير ... سوف يمكث عليه السلام وقتا من الزمن بين المسلمين –كما تدل الاحاديث الصحيحة- ثم يموت عليه السلام كما مات الأنبياء والمرسلين عليهم السلام وكما يموت كل البشر.
فلا تناقض بين الآيات.
ويطلق التوفّي على النوم مجازاً بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى:
{ وهو الذي يَتَوَفَّاكم بالليل }
[الأنعام: 60] - وقوله -
{ الله يتوفَّى الأنفسَ حينَ موتها والتي لم تَمُتْ في منامها فيُمْسِك التي قضى عليها الموتَ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى }
وقال الربيع حول مسألة توفي عيسى عليه السلام: هي وفاة نوم رفعه الله في منامه.
وقوله: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } بيان لانتهاء مهمته بعد فراقه لقومه.
أى: أنت تعلم يا إلهى بأنى ما أمرتهم إلا بعبادتك وبأنى ما قصرت فى حملهم على طاعتك مدة وجودى معهم، { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } يا إلهى أى: قبضتنى بالرفع إلى السماء حيا، كنت أنت الرقيب عليهم. أى: كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم المراقب لأحوالهم، العليم بتصرفاتهم الخبير بمن أحسن منهم وبمن أساء وأنت - يا إلهى - على كل شىء شهيد، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك.
هذا. وما ذهبنا إليه من أن معنى { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } أى: قبضتنى بالرفع إلى السماء حيا قول جمهور العلماء.
قال بعض العلماء مؤيدا ما ذهب أليه الجمهور قوله: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } أى فلما أخذتنى وافيا بالرفع إلى السماء حيا، إنجاء لى مما دبروه من قتلى، من التوفى وهو أخذ الشىء وافيا أى كاملا. وقد جاء التوفى بهذا المعنى فى قوله - تعالى -
{ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... }
ولا يصح أن يحمل التوفى على الإِماتة، لأن إماتة عيسى فى وقت حصار أعدائه له ليس فيها ما يسوغ الامتنان بها، ورفعه إلى السماء جثة هامدة سخف من القول، وقد نزه الله السماء أن تكون قبرا لجثث الموتى، وإن كان الرفع بالروح فقط، فأى مزية لعيسى فى ذلك على سائر الأنبياء، والسماء مستقر أرواحهم الطاهرة فالحق أنه - عليه السلام - رفع إلى السماء حيا بجسده وروحه وقد جعله الله آية، والله على كل شىء قدير ".
فلا تناقض بين الآيات .
-----------------------------------
يتبع