أمير المؤمنين الامام علي كرم الله وجهه

بن شعطان

عضو ذهبي
(مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)

روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي بردة رضي الله عنه عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء فقال(( النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ماتوعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي مايوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي مايوعدون))

وروى مسلم أيضا عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه مرط مرحّل من شعر اسود (أي كساء منقوش) فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا)

فيارب لي خمسة أطفي بها نار الجحيم الحاطمة المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة

أيها الإخوة المؤمنون:أجمع علماء المسلمين أهل السنة والجماعة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا عدول ثقاة كرام بررة وأنهم هم المخاطبون بقول الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) وأنهم هم المخاطبون بقول الله تعالى (يوم لايخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات) وأجمع علماء المسلمين على أن أفضل الصحابة على الإطلاق الأربعة المبشرون بالجنة ثم باقي العشرة المبشرين بالجنة ثم أهل بدر ثم أهل أحد ثم أهل الخندق ثم أهل بيعة الرضوان ثم باقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جيل من المفاخر ابتعثهم الله حراسا لشريعته وأمناء على سنّة رسوله فباعوا نفوسهم لله وجاهدوا في سبيل الله تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحقوا من الله تعالى الثناء والرضوان والتكريم.ونحن اليوم على موعد مع واحد من هؤلاء القديسين العظماء نقلّب سيرته وندرس جوانب من حياته فمن هو هذا السعيد الذي سعد بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه والقرب منه ؟ إنه أحد الخلفاء الراشدين وصهر المصطفى وأحد العشرة المبشرين وأشجع الشجعان يوم الخندق وخيبر إنه الصحابي الجليل والشهيد السعيد علي بن ابي طالب رضي الله عنه وأرضاه .محمد سيد البشر ابن عمه ومربيه ووالد زوجته وجدّ بنيه. فاطمة سيدة نساء العالم والجنة زوجته وسكنه. سيدا شباب أهل الجنة ابناه الحسن والحسين. سيد الشهداء حمزة عمه. جعفر الذي يطير في الجنة بجناحين أخوه

محمد النبي أخي وصهري **** وحمزة سيد الشهداء عمي

وجعفر ذاك من يمسي ويضحي **** يطير مع الملائكة ابن أمي

بنت محمد زوجي وسكني **** منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها **** فأيّكم له سهم كسهمي


ولد سيدنا علي قبل البعثة بعشر سنين وكان من نعمة الله عزوجل عليه أن تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم وبقي عنده حتى شرفه الله بالإسلام فقد دخل علي وهو طفل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي وخلفه خديجة رضي الله عنها فقال ماهذا يامحمد؟فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((دين الله الذي ارتضاه لعباده وبعث به رسله وإني أدعوك ياعلي إلى الله وحده لاشريك له وإلى عبادته وأن تكفر باللات والعزى)) فقال علي هذا أمر لم أسمع به من قبل وما أنا بقاض امرا حتى أستشير أبا طالب فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((فإن أبيت فاكتم هذا الأمر عنا)) فعاد علي تتك الليلة يفكّر حتى هداه الله للإسلام فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهّد شهادة الحق وآمن بالله عزوجل وعاش علي رضي الله عنه في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضع من لبان الإسلام وينهل من معين الإسلام ويتغذّى بحب التضحية والشجاعة والعزة والإباء إلى أن جاء يوم الهجرة وكان أول اختبار حقيقي لفتوّة علي وثقته بالله ومحبته لرسول الله عندما نام علي تلك الليلة في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم تمويها على المشركين ولم يكن الأمر بالشي الهين أو السهل فلا يقدر على ذلك ولايعرف جفنه الكرى ولايهدأله نوم إلا من قوي إيمانه بالله تعالى وحبه لرسول الله ونام علي وطاب له النوم كما لم ينم في يوم من الأيام .وفي السنة الثانية للهجرة حظي علي رضي الله عنه بدرّة آل محمد حظي بالسيدة الطاهرة المطهّرة المصون سيدة نساء الجنة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وقال له النبي صلى الله عليه وسلم يومها((لقد أنكحتك أحب أهل بيتي إليّ)) وكان سنّها يوم تزوجها علي خمسة عشر عاما وكان عمر علي إحدى وعشرين عاما وكان مهرها درعا حطمية كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وهبها لعلي فردها علي مهرا لسيدة نساء العالم وكان جهازها خميلا وقربة ووسادة من أدم حشوها ليف فماذا يقول أهل الفخفخة والرياء والتلميع عندنا اليوم وعاش علي وفاطمة عيشة الزهد والقلة والفاقة وكانت فاطمة تخدم زوجها وأولادها وتكنس دارها وتعجن العجين بيديها تفعل ذلك راضية مطمئنة لثواب الله تعالى أما قال عزوجل(فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) وشهد علي المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان دوره فيها بارزا لايخفى ويوم الخندق تجلّت عبقريته الحربية لأول مرة في أروع مظاهرها عندما تجاوز الخندق الفارس العربي المشهور عمروبن عبد ود الذي كان يقوّم بألف فارس وجعل يتبختر بكل صلف وغرور ويقول أين جنتكم التي تزعمون؟أفلا تخرجون إليّ رجلا يبارزني فهبّ إليه علي ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ردّه وقال له إنه عمرو ياعلي ثم قام مرة أخرى فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ماقال في المرة الأولى ثم قام إليه الثالثة وقال وإن كان عمرا يارسول الله ثم خرج إليه فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير فقال له عمرو من أنت؟قال أنا علي بن أبي طالب فقال ارجع يابن أخي فو الله ماأحب أن أريق دمك قال علي ولكني والله أحب ان أريق دمك فغضب عمرو ونزل عن فرسه وضرب وجهه وعقر الفرس ثم تبارز مع علي وماهو إلا قليل حتى جندله علي وقطّعه بسيفه .وفي آخر المحرم سنة سبع للهجرة كانت غزوة خيبر وهي الغزوة التي تجلت فيها بطولة علي ومكانته عند الله ورسوله المصطفى فقد توجّه النبي واصحابه إلى خيبر وبدأوا يفتحونها حصنا وراء آخر واستعصى عليهم حصن القموص وهو أكبر حصونها وأمنعها فقام عليه الصلاة والسلام وسط الليل يقول: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله عليه،)) فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها، فلما أصبح الناس، غدوا على رسول الله كلّهم يرجوا أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب،)) فقالوا: يشتكي عينيه يا رسول الله، قال: ((فأرسلوا إليه، فأتوني به،)) فلما جاء، بصق في عينيه، ودعا له، فبرأ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال ((انفذ على رسلك، حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليه من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من أن يكون لك حمرُ النعم)) البخاري وذهب علي ودعاهم إلى الإسلام وعرّفهم بما يجب عليهم فلم يأبهوا لذلك عندئذ دقّت ساعة الصفر ونزل مرحب اليهودي الخسيس، وكان شجاعاً فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرّب

إذا الحروب أقبلت تلهب


فنزل إليه علي بن أبي طالب مردداً:

أنا الذي سمّتني أمي حيدره

كليث غابات كريه المنظره

أكيلهم بالسيف كيل السندره


فتنازل علي بن أبي طالب مع الزنديق مرحب اليهودي، فقطعّه علي بسيفه، وافتتح علي خيبر، كما أخبر بذلك الرسول: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، أو يحب الله ورسوله؛ يفتح الله عليه)).وفي سنة تسع من الهجرة تتابعت الوفود إلى المدينة من كل وجه يدخلون في دين الله أفواجا وفيها وفد الأشعريين وأهل اليمن وكانوا يرتجزون :غدا نلقى الأحبة محمدا وصحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أتاكم أهل اليمن ألين قلوبا وأرقّ أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية )) فبعث رسول الله خالد بن الوليد إلى اليمن يدعوهم للإسلام فلم يجيبوا وبقي خالد عندهم عدة أشهر ولم يصل معهم إلى شيء عند ئذ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رجل المواقف عليا فذهب غليهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همذان كلها فكتب علي بذلك لرسول الله فلما وصله الكتب خر الرسول ساجدا لله وقال ((السلام على همذان)) وهذا مظهر آخر من مظاهر العظمة في شخصية علي رضي الله عنه وهو جانب الحكمة في الدعوة إلى الله .. وعاد علي إلى المدينة ليشهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أدى الأمانة وذهب للقاء الله وغدا عند الله في أعلى منازل الجنة ونزل المصاب على الصحابة مثل الصاعقة نظرا لمحبتهم له وحاجتهم إليه وكان حظ أهل البيت وعلى رأسهم علي وفاطمة أشد وأوجع بحكم الفطرة والقرابة وماجبلوا عليه من رقة في الشعور وقوة في العاطفة ولكن احتملوه بقوة إيمانهم والرضا بقضاء الله وتولى أهل البيت تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه


من أقوال علي بن أبـي طـالـب
رضي الله عنه


إن النعمـة موصولـة بالشكــر
والشكــر متعلـق بالمزيـد
ولن ينقطـع المزيـد من الله حتى ينقطـع الشكـر من العبـد
***
و قال رضي الله عنه
راحــة الجسـم في قلّـة الطعــام
وراحــة النفـس في قلّـة الآثــام
وراحــة القلـب في قلّـة الاهتمـام
وراحــة اللسـان في قلّـة الكــلام
***
وقال رضي الله عنه
من ينصب نفسـه للنـاس إمامـاً
فليبـدأ بتعليـم نفسـه قبل تعليم غيــره ..
و ليكـن تأديبـه بسـيرته قبل تأديبـه بلسـانه
***
وقـــال
العلم خير من المال
لأن المـال يحرسـه و العلـم يحرسـك ..
والمـال تفنيـه النفقــة و العلـم يزكـو على الإنفـاق
والعلـم حاكــم و المـال محكـوم عليه
مـات خازنـو المـال وهـم أحيــاء ..
والعلمــاء باقـون مابقـي الــدهر
أعبائهم مفقودة و آثارهم في القلب موجودة
***
ربنا إن ذنوبنـا في الــورى كثــرت
وليـس لنا عمــلاً في الآخــرة ينجينا
و جئنـاك بالتوحيــد يصحبــه
حــب النبي و هـذا القــدر يكفينـا

 
أعلى