الملحدون.. وعقلنة اللا معقول!

بوسند

عضو ذهبي
r3lye33mkh.jpg

عندما كنت أقرأ بعض الأوصاف التي يطلقها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على الملاحدة مثل : الجنون .. الغباء .. المرض النفسي .. كنت أعتقد أن في ذلك قسوة و نوع من المبالغة في الأوصاف البعيدة عن العلمية ..


ولكن لما أتيح لي الاطلاع على شيئ من الفلسفة و إن كان بسيطا أدركت أن الغزالي كان معذورا بإطلاق هذه الأوصاف ،وأنها ليس ببعيدة عن الواقع ..


لقد حاول الكثير ممن انتهج الإلحاد طريقا أن يضفي عن نهجه صبغة العقلانية و حب الفلسفة حتى صارت الفلسفة عند الكثير هي قرينة الإلحاد، وأصبح كل من يطلق لسانه في التشكيك هو الفيلسوف وهو المتحرر من أسر التقليد وثقافة المجتمع بينما الفلاسفة الكبار على اختلاف مشاربهم وذهابهم، اعتبروا وجود قوة عليا وخارقة من القواطع عقلية والأمور البدهية والقضايا اليقينية التي لا يستطيع العقل تصور عدمها، وإن اختلفوا في تصورهم لهذه القوة، إلا أنهم اتتفقوا على أصل وجودها، قد أسهب نديم الجسر في كتابه ( قصة الإيمان ) في إثبات هذا الأمر بالشواهد و الأدلة الكثيرة .


إن الشك و التشكيك يحصل من أقوام تعلقوا بقشور العلم و الفلسفة، ولم يَلِجوا بعقولهم إلى أعماقها، لذلك فإن الذي يتعمّق في الفلسفة على أسس صحيحة فإنه يشعر بأنها بحر كبير، و لكنه يختلف عن باقي البحور، لأن راكبه يجد الخطر و الزيغ على ساحله وشاطئه ، بينما يجد الأمان و الإيمان في أعماقه ..


الشك هو أول مراحل الفلسفة و ليس منتهاها.. لكن الكثيرين يظن أنه الغاية و النهاية، فيقف عند هذه المرحلة ،ويرى أنه هو الفيلسوف صاحب العقل الفلسفي الحر، ثم يبدأ في محاولة لفت انتباه من حوله عبر أسئلته التشكيكية لكي يحاول أن يثبت لنفسه و للآخرين أنه صاحب تفكير حر .. و لا يعلم أنه يسيء للعقل باسم العقل ..


من مواضيع الفلسفة البحث عن أصل هذا العالم وما قبله وما بعده ومُوجده و صفات الموجد حقيقة صفاته، والبحث عن الإنسان وحقيقته، وماهية عقله، وكيف إدراكه للأمور، و ما هي دلالة ما يصل إليه من حيث الظنية و القطعية، وكذلك البحث في الجمال ونسبيته، والخير و الشر وماهيتهما، و الحق وحقيقته ... و غيرها من مواضيع و أسئلة

.

و بذلك يمكن ان نلخص القول بأن الفلسفة قد استقرت على ثلاث مجالات رئيسية :

1- فلسفة الوجود : و هي تبحث في الكون و علته، و سائر الموجودات وحقائقها وأصلها وعلتها وخالقها وصفاته ..

2- فلسفة المعرفة:
وهي تبحث في العقل و كنهه، وقدرته، وكيفية حصول المعرفة، ووسائلها، وكيفية تشكلها ،و ما يصاحبها من مكدرات وعوائق تحول بين عقل الإنسان وبين وصوله إلى الحقيقة.

3- فلسفة القيم:
وهي تبحث في حقيقة الخير و الشر و الجمال و القبح و ما إلى ذلك


إن صنفا كبيرا من الذين يخوضون في الفلسفة و يصلون إلى الإلحاد – في الغالب – يخوضون فيما يتعلق بمبحث ( فلسفة الوجود ) و لا يخرجون عنه، فيشككون بالخالق وبكل ما وراء العالم المحسوس، وسبب هذه الحالة التي يصلون إليها هي: أنهم خاضوا في بحار ( فلسفة الوجود ) بعيدا عن مبحث ( فلسفة المعرفة ) التي تعرّف الإنسان بعقله وحدوده، والتفكير وآلياته، وما هو قطعي عنده وما يستحيل عنده ، فمبحث ( المعرفة ) يعتبر خادما لمبحث ( الوجود ) لا ينفصل عنه و لا ينبغي يُخاض في الثاني قبل إستيعاب الأول، و إلا فإن المصير المحتم هو التيه و الضياع ومن هنا نفهم قول الرازي :


نهاية إقدام العقول عقال *** و أكثر سعي العالمين ضلال

و لم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل و قالوا


فالبداية العوجاء في الولوج من هذا الباب ستكون نتيجتها الحتمية ضلال و ضياع و حيرة .. تنتهي بالإنسان إلى الإلحاد


يقول الشهرستاني :

لعمري لقد طفت المعاهد كلها *** و سيّرت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعا كف حائر *** على ذقن أو قارعا سن نادم


إن الكثيرين يخوضون في شكوكهم حول الذات الإلهية – مثلا – و يملؤون الأرض بضجيج أسئلتهم وصخب أفكارهم و يُطيلون الجدال و النقاش حول هذا الموضوع، وربما تمتد بهم الأعمار و هم لا يزالون في حيرتهم، بينما لو اطلعوا على ( فلسفة المعرفة ) و عرفوا ماهية العقل وكيف يقوم بأداء وظيفته لانزاحت عنهم تلك التشويشات؛ لأنهم سيعرفون ماهية العقل و حدوده، فيتعاملون معه على وفق تلك الحدود و لا يزجون به في غير مجاله


المفارقة العجيبة في هذا الموضوع أن أغلب هذه النوعية قد أقنعت نفسها أبنها هي صاحبة العقل الكبير، و لفهم الراجح و يصفون أنفسهم ( بالعقلانيين ) وربما (التنويريين) و يُطالبون مخالفيهم بأن يكونوا ( عقلانيين ) و أن يحترموا ( العقل ) .. لكن ذلك كله تمويه يدحضه أدنى تنبيه، و ما هي إلا دعوات عريضة هم أبعد الناس عنها، حيث أنهم لم يعرفوا العقل و لم يتعرفوا عليه إلا من خلال بعض الأسئلة التي ترِد في خواطرهم و لا يجدون إجابة عليها ، فجعلوا من هذه التساؤلات علامة على العقل الذي هم أجهل الناس به ..


و كثيرا ما يرِد على ألسنتهم عبارة ( هذا مخالف للعقل ) و يجعلون من عقولهم القاصرة و التي حُجب نورها بكثرة الدخائل عليها حَكَما على إثبات القضايا و نفيها، في المقابل لا تجد أكثرهم يعرف ما معنى ( الاستحالة العقلية ) و الفرق بينهما وبين (الاستحالة العادية)؟ ، و ماذا يعني ( الإمكان العقلي )، وما هو الفرق بين التعقّل والتصوّر؟ و إنما تصوروا العقل صورة على خلاف ماهو عليه، وحكموا من خلاله بأحكام هزيلة لا تصمد أمام أي برهان عقلي صحيح .


إن الولوج الحقيقي إلى مبحث المعرفة يكون في البداية عن طريق علم المنطق الذي ينظّم شئون التفكير، ويحدد مساراته الصحيحة، يقول الاخضري في منظومته المعروفة في علم المنطق و المسماة ( السلم المنورنق ) :


و بـعـد ، فـالمنطق للجنان *** نـسـبـتـه كالنحو للسان

فيعصم الأفكار عن غي الخطا *** و عن دقيق الفهم يكشف الغطا


و قد خُدم هذا العلم خدمة جليلة و اهتم العلماء به تصنيفا و تأليفا ، و تنقيحا و تحقيقا، ولم يوضع هذا العلم إلا ليضبط حركة العقل، و يحدد مساراته الصحيحة، ويحميه من الانحراف عن جادة الصواب، بعد أن أساء البعض إليه مثل السفسطائيين الذي لا يختلفون على ملاحدة العصر الحديث في الاستخفاف بالعقل باسم العقل.. فلا العقل نصروا .. و لا الحق كسروا


خلاصة القول
.. إن القفز إلى مباحث الوجود دون المرور على مباحث المعرفة هو قفز نحو الهاوية ...



وعذرا على الإطالة :)


تحياتي


بوسند​
 
الملحد تافه ومضيع للوقت من يكلمه

لأن معرفة الله مغروسة في الفطر ويؤمن بها الكافر والمشرك والمسلم

حتى فرعون الذي أنكر ربوبية الله كان يقرها في قلبه قال الله تعالى {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ

هَـؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُوراً }الإسراء102

وصدق الله تعالى في قوله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ

بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }فصلت53

مشكوووووووووووووووووور أخي الكريم على كلماتك
 

Aragon

عضو ذهبي
علينا في البداية أن نفهم ما الذي أدّى لهؤلاء الملحدين بعدم الإيمان بالدين..

هناك ثغرات في الدين نطلق عليها الغيبيات.. هي التي كان لها الدور الأول في فتح هذا المجال..

فحينما تكون بذهنك بعض الأسئلة.. ودينك يحثك على عدم السؤال أو عدم محاولة البحث عن إجابة فهنا ستجد أن الدين لايجيب عن عقلك.. فتبدأ بالبحث عن إجابات تجدها على الأقل منطقية

أيضا العلم به قصور.. ولا ننسى أنه في تطوّر.. فتطوّر عقول الملحدين يعتمد على العلم.. يتطوّرون معه.. ويخطئون معه

ناهيك عن عدم رؤيتهم للصورة الكاملة و الإيقان بأن المسألة ليست فقط عقلية !!

قرأت هذه العبارة في كتاب ما "لا يحضرني اسمه" ولكنها تنطبق على الملحدين على أية حال:
"القليل من الفلسفة ينزع بعقل الإنسان إلى الإلحاد، ولكن التعمق فيها ينتهي بعقول الناس إلى الإيمان"

شكرا
 
أعلى