اليمن السعيد و الرقص على رؤوس الثعابين بين الخليفة المنتظر والتوريث

الملاس

عضو جديد
اليمن السعيد و الرقص على رؤوس الثعابين

بين الخليفة المنتظر والتوريث

خالد عيد العنزي*





فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري

وهل تدرين يا صنعا من المستعمر السري؟

غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري

عبدالله البردوني





-1-



عمل الرئيس علي عبد الله صالح في بداياته راعياً للأغنام وأجيراً عند أحد مشايخ منطقة سنحان التي ينتمي إليها، والتحق بالجيش الذي كان مهرباً من الفقر وسوء المعاملة، لكن كاريزما الرئيس صالح كانت طاغية فقد عرف عنه شجاعته ومشاكسته رغم تعرضه لعقوبات عسكرية لم تردعه، وكما هي الحال في بلد كاليمن يقدر فيه الشجاع فإن صالح حاز على إعجاب رؤساءه في الجيش بعدما اعتدى بالضرب على قائد معسكره في تعز وكانت الحادثة فاتحة خير عليه كما يقول إخواننا المصريين،فترقى بسرعة وتولى مسؤولية الأمن في تعز عاصمة الجمهورية العربية الثانية حينها ليصبح أحد أكثر الشخصيات نفوذاً في اليمن الشمالي سابقاً، وبعد سلسلة غامضة من الإغتيالات السياسية لرؤساء البلاد بدءاً بابراهيم الحمدي وشقيقه ومروراً بأحمد الغشمي ووصولاً لسالم ربيع، ليصبح علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية بعدما تنامى نفوذه بشكل متصاعد مع تنامي الاغتيالات!

-2-

تم تعديل الدستور عام 2003 واعتبرت ولاية الرئيس صالح الحالية هي الأولى في اليمن الموحد مما يمنحه الحق في الترشح لولاية ثانية مدتها 7 سنوات، ورغم ذلك فإن صالح أعلن مرات عدة عدم نيته الترشح للرئاسة بعد أن أدى ما عليه ووحد شطري اليمن، لكن اعلانه الأخير بعدم الترشح والذي جاء في مفارقة عربية بامتياز في الذكرى 27 لتوليه الحكم أدى إلى توتر شديد في اليمن وخروج مظاهرات شعبية وحملات لجمع التواقيع لثنيه عن قراره الذي قال عنه أنه نهائي ولا رجعة فيه، وبالمقابل خرجت التظاهرات المؤيدة لقرار عدم الترشح، لكن الإعلان عن عدم الترشح كان قد فعل فعله المطلوب منه والتأييد كان قد حشد لصالح الرئيس المرشح وغير المرشح في وقت واحد!

في المؤتمر الاستثنائي لحزب المؤتمر الحاكم أعلن صالح أن قراره ليس مسرحية سياسية وأن على حزبه ترشيح بديل عنه قائلاً " عندما أسلم السلطة رسمياً للشعب اليمني، أنا أريد أن أسلمها سلمياً، تحدثت بصراحة معكم، ليست مسرحية سياسية"، رغم كل ذلك بقي الأمر في عيون المعارضة اليمنية مسرحية سياسية بل وفيلم فاشل قاما بتمثيله على الشعب اليمني يستحق عليه الرئيس وحزبه جائزة هوليود الأولى حسب المعارض محمد قحطان .



-3-



نجح الرئيس صالح في عملية التنحي في إحداث صدمة ورعب في الشارع اليمني، فتحول الشارع من موقع انتقاد شخصه ونظامه إلى موقع الإشادة بمبادرته والمطالبة بالتراجع، فتناسى اليمنيون كل الحملات الشديدة التي كان يتعرض لها النظام اليمني من قبل المعارضة التي تأخذ عليه التضييق على الحريات واستئثار "البعض" بالسلطة والحكم في اليمن "الموحد"، إضافة لمسؤوليته عن الأزمات الإقتصادية التي يعانيها اليمن وتردي الأوضاع الأمنية وحوادث الاختطاف التي يتعرض لها الأجانب، وانتشار التطرف القاعدي والحوثي،فضلاً عن التجاوزات والاعتقالات بحق الصحفيين وأصحاب الرأي ويكفي أن نعرف أن الزميل جمال عامر رئيس تحرير صحيفة الوسط قد تعرض للاختطاف في سيارة تابعة للحرس الجمهوري وتم تهديده بالقتل إن لم يعترف بعلاقته بالسفارتين الامريكية والكويتية،أما السفارة الأمريكية فلأن الحكومة لديها قناعة بأن وراء كل صحيفة ناقدة دعماً أمريكياً، وأما السفارة الكويتية فلأن صحيفته نشرت حواراً عادياً جداً مع السفير الكويتي لدى اليمن، وهذا نموذج مما يتعرض له الصحفيون في اليمن السعيد!

زد على ذلك ما تقول به المعارضة من ممارسات خاطئة لأبناء قبيلة سنحان والشيوخ المدعومين من القادة العسكريين النافذين، وفضائح الفساد التي تعج بها الصحف والمواقع الالكترونية المعارضة، وليس بغريب في بلد كاليمن أن يكون أغلب المستثمرين النفطيين خاصة والمتنفذين اقتصادياً بشكل عام هم من أصحاب المناصب الحكومية الرفيعة إلى جانب الاستثمارات التجارية الكبيرة طبعاً.

أضف إلى ذلك تكرار أبناء الشطر الجنوبي لتظلماتهم وانتقاداتهم لما جرته الوحدة عليهم من ظلم وتعسف طالهم حوله إلى مغبونين بدل أن يكونوا شركاء، وهم يتحدثون كثيراً عن تردي أوضاع الجنوب وانعدام العدالة والمساواة في توزيع المناصب وفي العملية التنموية، وذلك في الوقت الذي جنى فيه الشماليون ثمار الوحدة، ولسان حالهم يقول عن الوحدة خيرك لغيري والشقا والعنا لي!



-4-



الغريب أن الرئيس صالح وبعد إعلانه العزوف عن الترشح قد أبدى دعمه لأكثر من مرشح، فالمعارض نجيب قحطان الشعبي ذكر أن الرئيس عرض عليه الترشح كبديل عنه ولم يعرض عليه منافسته كما في السابق مؤكداً أن الرئيس طرح عليه الموضوع بشكل واضح وجاد مبدياً دعمه له!

وفي الوقت نفسه اتصل الرئيس صالح بالسياسي اليمني البارز عبد الرحمن الحمدي وحثه على تبني برنامج خاص به أو اتخاذ برنامج المعارضة، ونقل الحمدي عن الرئيس أنه وعده بأن صوته سيكون أول صوت لصالحه في صندوق الانتخابات، وأنه عرض عليه دعماً مادياً أيضاً وهو ما رفضه الحمدي مكتفياً بالدعم المقرر في الدستور!

والحمدي نفسه يفسر إيهام الرئيس لأكثر من مرشح بدعمه وتصويته لصالحه قائلاً "أن هذا أكبر دليل على ما يمارسه النظام من تضليل خلال الـ28 عاماً".



-5-



يربط بعض المعارضين اليمنيين بين "مسرحية عدم الترشح" وبين نظرية الوراثة، وذلك بالقول أن فشل التوريث استوجب اعادة الترشيح لكون المرشح للتوريث يحتاج لسنتين ليحقق شرط العمر الدستوري مما أجبر المتراجع عن الترشيح للعودة عن قراره، فالعقيد أحمد بن الرئيس لم يبلغ الأربعين بعد (عمره 38 سنة)، ومسألة تعديل السن القانوني المنصوص عليه في الدستور غير وارد وغير مقبول يمنياً، ومعروف أن العقيد أحمد يتمتع بنفوذ قوي جداً في الدولة كما بين القبائل وهو قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة الذين يشكلان القوة العسكرية الحقيقية في اليمن، مما يطرحه كرجل اليمن القوي القادم.

وكلنا يذكر أنه منذ سنوات قليلة تعرضت بيوت مواطنين يمنيين للهدم لقربها من إحدى بوابات قصر العقيد أحمد أو "الخليفة المنتظر" كما اسمته صحيفة الثوري اليمنية!



-6-



ربما يكون أحد أفدح الأخطاء التي ارتكبها الرئيس صالح خلال حكمه هو موقف اليمن المؤيد لاحتلال صدام للكويت، وهو المسألة الحساسة لدينا ككويتيين وكخليجيين، فوقفة اليمن مع صدام في غزوه للكويت وقفة غريبة وعجيبة وغير مفهومة، رغم العلاقات المتميزة التي طالما ربطت اليمن بدول الخليج وخصوصاً الكويت والسعودية اللتان دعمتا الاقتصاد اليمني ومولتا عملية التنمية، هذا الموقف كلف اليمن الكثير بدءاً برفع الدعم عن الريال اليمني وصولاً لعودة أكثر من 800 ألف يمني لبلدهم من دول الخليج بعد فقدانهم للمعاملة المتميزة التي كانوا يحظون بها.

فتعرض الاقتصاد اليمني لانتكاسة كبيرة، واختلف شريكي الوحدة اليمنية حينها الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي على طريقة معالجتها، وبينما كان الرئيس صالح يبحث عن مانحين جدد بدل الخليجيين، كان علي سالم البيض يرى أن ترشيد الانفاق وحل الأزمة جذرياً هو السبيل لمعالجة الوضع الاقتصادي، وتفجرت الأزمة بين الشريكين بشكل فاضح عندما خصص الرئيس صالح 25% من إيرادات النفط اليمني لرئاسة الجمهورية، وهو ما قال عنه البيض في أحد خطاباته " مجلس رئاسة الجمهورية أصبح مجلس حوالات"!

ويكفي لمعرفة بعض مما يجري في يمن العقيد صالح قراءة ما قاله السياسي اليمني البارز عبد الله النعمان في حديث لموقع كفاية اليمن من أنه "سعيد جداً لعدم رؤية الرئيس صالح وسيكون أسعد حالاً لرؤيته متقدماً الصفوف مع زملائه من جلادي ومصاصي دماء الشعوب الباقين على قيد الحياة مثل صدام حسين العراق وتشارلز تايلور ليبيريا"، ويضيف النعمان واصفاً الوضع في اليمن "أننا نعيش أمام واقعاً مريراً أصبح الشرفاء يبيعون أعراضهم مقابل كسرة الخبز"



-7-



يُقال في اليمن أن صنعاء لا تحكم إلا بطريقة واحدة أترك لهم كل شئ يتركون لك كرسيك، وهي الطريقة التي اتبعها الرئيس علي عبدالله صالح والمعروفة بين المعارضين اليمنيين بطريقة الشاويش، والاستثمارات النفطية في اليمن محصورة في عائلتين فقط، ومع تعدد الشركات النفطية فإن القاسم المشترك الوحيد بينها هو كونها حاشدية أو سنحانية أي من قبيلة الرئيس أو قبيلة رئيس مجلس النواب.

وفي لقاء مع منتهى الرمحي التي تعتبره آخر زعيم عربي قومي يفسر الرئيس الرئيس صالح سبب تراجعه فيقول "أنا استجبت مش لأني أنا اشتهي السلطة، السلطة عندي 28 سنة ما أريد أشوفها، السلطة استغنيت عنها وعارفها وعارف الحكم باليمن، اليمن وضعه صعب جداً، الحكم في اليمن كما يرقص الواحد مع رؤوس الثعابين، ثعابين إذا ما تكون حذر فتلدغك"!

وكان الرئيس صالح وصف الرؤساء العرب بأنهم كالجمال لا بد من جرهم نحو الإصلاح في مؤتمر المحامين العرب الذي عقد في صنعاء عام 2005 ، حين قال :" الحاكم مفروض أن نجره للإصلاح، لأن العرب في حقيقتهم بدو، ومثل الجمال إذا هاج يصعب السيطرة عليه، ولكنه إذا كان هادئاً فإن طفلاً بإمكانه أن يقوده والحكام يريدون أن يطمئنوا على كراسيهم"!

ويكفينا هذين النموذجين من أقوال الرئيس صالح كي نفهم نظرية الشاويش التي يمارسها في حكم اليمن، أعان الله اليمن وأهله!



* كاتب كويتي

al_malaas@yahoo.com
 
أعلى