إنقلاب في الكويت (تاريخي)

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
kuwait-MubarakI.jpg



إنقلاب في الكويت

كان الشيخ محمد الصباح حاكم الكويت ضعيفاً ضيق الصدر، يعمل جاهدا ً في جمع الأموال دون أنفاقها ، و تنقصه الخبرة في إدارة دفة الحكم ، بعكس ما كان عليه أخوه الأصغر الشيخ مبارك الصباح الذي عاش ردحا ً من الزمن في الهند حصل خلاله على خبرة واسعة جعلته موضع ثقة الأنكليز الحاكمين في الهند ، و كان الشيخ مبارك الصباح يتمتع بمواهب جمة منها حسن معشره و مراعاته لأفراد شعبه على اختلاف ميوله و نزعاته و درجاته، مما جعل أبناء الكويت يفكرون بإنتزاع الحكم من الشيخ محمد و تقديمه هبة لينه إلى أخيه مبارك، و كان الشيخ مبارك يشعر تماما ً بما يخالج أفئدة الشعب الكويتي، فاستغل الظروف المؤاتية، و دخل ذات ليلة يرافقه ابن عمه و عبد من عبيده الأشداء، غرفة الشيخ محمد و أرسله إلى دار ثانيةن و أتبعه بأخيه الثاني، حيث قضى عليه في هذه الفترة من الليل، و علم في اليوم التالي أن الشيخ محمد قد قتل بالرصاصو كذلك قضى على أخيه الثاني، و تمكن ولدا الشيخ محمد من الهرب إلى القسطنطنية.

و ما كاد الشيخ مبارك يعلن نفسه شيخا ً على الكويت حتى باشر يخفض الضرائب الفاحشة و شجع التجارةن و أهتم بكل صغيرة و كبيرة من مصالح الشعب، فأصبح قصر الأمارة محط آمال الشعب بإستثناء خال ابناء الشيخ المغدور يوسف آل ابراهيم كبير تجار اللؤلؤ.

و لم تمض أيام كثيرة على هذا الحدث العظيم في الكويت حتى كان الإمام عبدالرحمن قد وطد صداقته مع شيخ الكويت الجديد مبارك الصباح و استطاع أن يكتسب من مواهبه و خبرته قدرا ً كبيرا ً، و كان الشيخ مبارك يبادل الإمام السعودي هذا الشعور بالمودة و الصداقة و يكبر فيه إباءة و حمله المشاق و الصعابن و ما فطر عليه من تقي و ورع و دين وصلاح.

و كان الأمير الفتى عبدالعزيز آل سعود بلغ الثامنة عشرة من سني حياته و دخل في المحيط الكويتي على أوسع مدى، و كان يتحدث إلى أصدقائة و معارفه بقوة و عزم و حزم معلنا ً إقتراب ذلك اليوم الأغر الذي يتمكن فيه من إسترجاع دياره السليبه!!

دسائس و تحريض !!

وراحت دسائس آل ابراهيم، تفعل افاعيلها في التحريض على شيخ الكويت مبارك الصباح، و أوعز الشيخ يوسف بن ثاني إلى يوسف آل ابراهيم بالإلتجاء إلى ابن الرشيد، فوصل إليه و أغراه بالمال فراح يشن الغارات على الكويت تمهيدا ً للإستيلاء عليها.

و علم الشيخ مبارك بالقصد من هذه الغارات، و بتلك المؤامرات التي تحاك حوله، فأرسل رسله إلى العراق مستنجدا ً بالدولة العثمانية، و لكن يوسف آل ابراهيم كان قد سبقه إليها و أقنع الوالي بوجوب محاربة مبارك، و أرسل فعلا ً ، حملة مؤلفة من أربعة طوابير إلى الزبير لتهدده في عقر داره، و لكنها لم تصل إلى مركز هدفها، فقد ضلت في طريقها حوالي ستة أشهر و برر المسؤلون الترك ذلك بأسباب عديدة مختلفة !!

و في هذه الأثناء تقدم سعدون باشا ابو عجيمي رئيس عشائر المنتفق إليه بحلف صريح و خرج معه بعدئذ على ابن الرشيد، و في الوقت ذاته تحالف الإمام عبدالرحمن مع الشيخ مبارك على أن يكونا يدا ً واحدة على عبدالعزيز ابن الرشيد.

و لما كانت شخصية الحاكم في البلاد العربية هي العامل الأساسي في تثبيت دعائم الملك و أذعان الرعية للحاكم، فقد كانت العروش سرعان ما تنهار تحت أصحابها، و هكذا تواترت أنباء نجد في الكويت بأن الاهلين قد سئموا حكم ابن الرشيد و انهم يتطلعون إلى ذلك اليوم الذي يستعيد فيه آل سعود ملكهم بعين رضية آمنه مطمئنة، و كانت هذه الأنباء كافية لإشعال جذوة الحماسة في نفس الأمير الشاب عبدالعزيز و جعله يقول في كل مناسبة أنه سيستعيد عرش آبائه.

و كانت فاتحة العاهد بين الإمام عبدالرحمن و شيخ الكويت مبارك الصباح ان خرج الإمام على رأس قوة من الكويت اغار فيها على عشائر قحطان في روضة سدير !

و في الوقت ذاته، أراد الشيخ مبارك أن يلعب دوره السياسي على مسرح القضية النجدية، فأرسل إلى ابن الرشيد يفاوضه بالصلح، و كتب إلى عدد من رؤساء البلاد النجدية يستحثهم على ابن الرشيد، بينما كان الإمام عبدالرحمن قد أنتهى من غزوته تلك و قفل راجعا ً، يريد الوصول إلى الكويت، و عندما علم الشيخ مبارك بأن عبدالعزيز الرشيد رفض عروضه بالصلح، جهز جنوده و خرج على رأسها يرافقه أخوه حمود و الإمام عبدالرحمن و أبنه الأمير عبدالعزيز آل سعود. و كان ابوعجيمي السعدون قد خرج بعشائره ليطارد ابن الرشيد الذي كان وصل في اغارته إلى أطراف العراق.

التزاحم الدولي على الكويت

لقد كان التزاحم الدولي على الكويت في هذه الفترة كبيراً، و أصبح أسم هذه المدينة الصغيرة الهاجعة على خليج العرب يتردد على ألسنة رجال السياسة، و تضمه وثائق الدول الكبرى، في مخابراتها السرية، إذ كانت بريطانيا وضعت منهاجاً خاصاً لبناء أمبراطوريتها، بسبب إنتصار المارشال "كتشنر" سنة 1898 ميلادية على جيش المهدي في السودان، و توطيد سيطرتها على مصر، و كانت أستولت على أعظم طريق بحرية هي قناة السويس و أصبح بإمكانها لم شعث أجزاء ممتلكاتها بعضها إلى بعض، ثم انصرفت للعمل في السيطرة على أعظم طريق بري تكون مصر جسره الطويل المتين فتعبر عليه إلى داخل فلسطين و بلاد العرب حتى الخليج العربي، و كانت فرنسا الدولة الأولى المزاحمه لها، ثم ألمانيا و روسيا القيصرية التي اخذت توسع مناطق نفوذها في إيران، ووضعت مخططا ً لمد خط حديدي من الكويت عبر البلاد العربية إلى البحر المتوسط، على أن يربط هذا الخط بخط آخر يجتاز إيران و يصل إلى قلب العاصمة الروسية، و حيال ذلك قرر الإنكليز الاستيلاء على الكويت، بعد أن استولوا على الجزر الصغيرة المنتشرة في مدخل خليج العرب، و على جزيرة البحرين نفسها، ليصبح الخليج مقفلاً بجونه الواسع و يسهل الدفاع عنه !

و قد كان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني يرقب هذا الصراع الدولي بعين حذره، فاستغل تقرب المانيا القيصرية منهن و عمل في تحقيق مشروع مد خطوط السكك الحديدية مخترقة أجزاء جزيرة العرب، و هدفها السياسي تغذية حركة المواصلات بين أجزاء الإمبراطورية العثمانية، و قبل الباب العالي بإقتراحات ألمانيا لتحقيق هذا المشروع، و تم إنشاء هذا الخط من أبواب استنبول غلى أبواب حلب. و قام قبصر ألمانيا غليوم الثاني بزيارة تركيا ثم دمشق ووقف على ضريح البطل الإسلامي الخالد صلاح الدين الأيوبي وقال جملته المأثورة: "فليثق جلالة السلطان و ليثق الثلاثماية مليون مسلم في مشارق الأرض و مغاربها بأن قيصر ألمانيا سيظل صديقهم في كل حين" !!

و بعد سنة من هذه الزيارة تم توقيع الإتفاقية "1899" بين تركيا و ألمانيا على إنشاء خط بغداد الحديدي، و أعطى أمتيازه إلى شركة ألمانية يشرف عليها المصرف الألماني، على أن يربط هذا الخط، خط الأناضول ببغداد مارا ً عبر الجزيرة العربية إلى خليج العرب "الفارسي" و يصبح متصلا ً بالبحر، و لما كانت البصرة القريبة من ملتقى نهري دجلة و الفرات لا تصلح لجعلها ميناء ينتهي عنده الخط فقد وقع الإختيار على الكويت لهذا الغرض.

و لقد كان والي البصرة كثير الإهتمام بما يقع في الكويت، و يرقب أميرها مبارك الصباح بدقة و عناية و يحصي عليه أنفاسه، و كان يقدم إلى السلطان تقارير سرية يومية تتضمن حركات و سكتات مبارك الصباح و منها: "أنه يعيش في حياة مترفة باذخه، و أنه يجلب الراقصات لمتعته من الهند مما يجعله دائما ً و أبدا ً في حاجة إلى المال و يسهل سقوطه بين أيدي عملاء الإستعمار البريطاني" !!

و أراد السلطان العثماني، حيال هذه الملاحظات و المحاولات، ان يثبت دعائم سلطانه على الكويت، فراح يفكر بولدي أمير الكويت القتيل محمد الصباح الذين هربا غلى القسطنطنية للإستعانة بنفوذ الباب العالي على إسترداد إمارتهما بالكويت في مؤازرتهما ضد عمهما مبارك الصباح الذي قتل وادهما، لذلك بعث السلطان العثماني إلى الأمير مبارك بفرمان شاهاني يطلب إليه فيه التخلي عن الأمارة بداعي "أنه أغتصبها بصورة غير شرعية، على أن يعامل لقاء ذلك برحمة فلايحاسب على قتل أخويه، و يوهب له قصر مذهب و يعين في منصب رفيع في الدولة، أو يخصص له راتب ضخم إذا ما رغب في الإقامة في بلد آخر، و إذا رفض ذلك فإن السلطات العثمانية المختصة ستتخذ ضدة الإجراءات الرادعة اللازمة و تحرمه من أي تعويض" !!

------

المصدر: "تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها و حاضرها" - صلاح الدين المختار - الجزء الثاني ص 19 ...


نقلت لكم مقاطع من هذا الكتاب الذي يؤرخ لتاريخ المملكة العربية السعودية الشقيقة ... و هذه المقاطع التي تتحدث عن الإنقلاب الذي حدث في الكويت في أوائل القرن الماضي ... و الدور الدولي في ذلك الإنقلاب ...

سأتبعه إن شاء الله بالمزيد عن الإستعانة بالإنجليز من قبل الشيخ مبارك كرد فعل على الدور العثماني ... و إستغلال تركيا لأبن رشيد في الحملة على الحكم الجديد (في ذلك الوقت في الكويت) .. إلى الوصول إلى معركة الصريف التي حدثت بين مبارك الصباح و ابن رشيد ...

طبعا ً .. هذه المقاطع تحتوي على وجهة نظر الكاتب في الأحداث و رويته لها تاريخيا ً ... و قد لا يكون كل ما ذكره دقيقا ً أو كاملا ً ..

تحياتي ...
 
التعديل الأخير:

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
الإستعانة بالإنكليز

لقد أدرك الشيخ مبارك الصباح من هذه التطورات أن الخطر يكتنفه من كل ناحية و صوب، و قرر الإستعانة بالأنكليز للتخلص من هذا الخطر الجاثم على أبواب الكويت يحمل بين فكيه حرب عثمانية حادة و مسمومة، فأوفد رسولا ً خاصا ً إلى أحد أصدقائه الانكليز في مدينة "بوشير" بإيران يستدعيه إلى الكويت فحضر حالا ً، و أسفرت هذه الزياة عن توقيع إتفاقية سرية بين مبارك الصباح و الحكومة البريطانية تعهد مبارك بموجبها: أن لا يتعاقد أو يمنح إمتيازات لدولة أجنبية اخرى و لقاء ذلك تقدم بريطانيا له كل ما يحتاجه من مال و سلاح، و تخلع عليه "رداء الحماية البريطانية" و هكذا كان، ووضعت صيغة هذه الإتفاقية بشكل مبهم مطاط، و عرفت بريطانيا كيف تخفي الأغراض الحقيقية من هذه الإتفاقية !!

و أراد والي البصرة أن ينفذ نص الفرمان الشاهاني في عزل الشيخ مبارك الصباح، و ذلك بإرسال زورق مسلح إلى الكويت، و ما أن وصل هذا الزورق إلى مينائها حتى وجد قطع الأسطول البريطاني قد سبقته إليها، و دارت مفاوضات لم توصل إلى نتيجة، فعاد الزورق العثماني إلى البصرة.

تركيا تستغل ابن الرشيد

لقد هلل السطان العثماني عبدالحميد الثاني أن يستعين شيخ الكويت مبارك الصباح بالانكليز، فعمد إلى الإستعانة بعدوه عبدالعزيز الرشيد و أخبره الباب العالي: بأن الحكومة العثمانية لاتمانع في إستيلائه على الكويت و ضمها إلى مملكته "طالما آل الرشيد من أتباع الدولة المخلصين" !!

و استقبل ابن الرشيد هذه البادرة العثمانية بسرور لايوصف، إذ كان يطمع دائما ً و أبدا ً في الإستيلاء فعلا ً على هذا الميناء الكويتي لإعتقاده (بأنه) دعامه قوية لإستدامة هذا الملك الرحيب في حيازة آل الرشيد، وراح عبدالعزيز الرشيد يعد العدة لعملية الهجوم الأكبر على الكويت، وفي سنة 1900 ميلادية حشد قواته من عشائر شمر، و هي عشائر حرب وقتال، في أماكن معينه ، وأدرك الشيخ مبارك الصباح أنه أصبح بين أمرين لا ثالث لهما ، أما الحياة و أما الموت، و اختار الأولى بالطبع، و لكن ليس لديه من القوات ما يكفي لصد هجمات ابن الرشيدن فأعتمد على خزائنه المتخومه بالذهب الوهاج، و أشترى به عشائر "العجمان" و "الضفير" و "المنتفق" و لبت هذه العشائر دعوته للقتالن و عمل للإستفادة من العشائر النجدية التي تكره ابن الرشيد كما تكره حكمه، ووجد ان الحاجة تدعو للإستعانة بآل سعود، فقرر شد آزرهم في إستعادة إمارتهم على الرياض، و أطلع الأمير عبدالعزيز آل سعود على غاياته و أهدافه، و كان والده الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود لا يهضم في نفسه تصرفات أبن الصباح، و عقد إجتماع حضره ابن الصباح و الإمام عبدالرحمن و ولده الأمير عبدالعزيزن بعد أن تمكن الأبن من إقناع أبيه بالعزوف عن هذه الجفوة الطارئة لصاحب الكويت، و في هذا الإجتماع وضعت الخطط و المناهج للقضاء على عبدالعزيز الرشيد و حكم آل الرشيد نهائيا ً.

معركة الصريف

يتضح من مجرى الوقائع أن السعدون الذي خرج بعشائره يطارد قوات ابن الرشيد التي وصلت في غاراتها إلى أطراف العراق، قد مني بالفشل فراح يطلب النجدة من أمير الكويت مبارك الصباح الذي كان يومئذن في موقع الجهري، و بادر بنجدته حالاً.

و كان ابن الرشيد قد جمع حشوده و اتجه شرقاً بإتجاه الشاطئ، و أما ابن الصباح فقد أراد منازلة ابن الرشيد في ساحة مكشوفة فقسم قواته المؤلفة من عشرة آلاف مقاتل إلى فريقين، الاول بقيادته المباشرة و الثاني بقيادة الإمام عبدالرحمن الفيصلن و اما ولده الأمير الشبل عبدالعزيز فقد عهد إليه بقيادة جماعة من الأبطال راكبي النوق السريعة و الذهاب لإثارة أهل نجد بذاتهم و الإستيلاء على الرياض إذا أمكن فيهدد ابن الرشيد من الخلف، فأسرع الأمير عبدالعزيز مع رفاق جهاده لتلبية هذه الرغبة السعيدة بالنسبة إليه و أنطلق في عرض الصحراء !

زحف الجيش الكويتي، فقطع الصمّان ثم الدهناء ونزل على ماء دونها يعرف بأسم "الشوكة" بينما قصد الأمير عبدالعزيز بجماعته الجنوب بغرب متجها ً نحو عاصمة آبائه و أجداده "الرياض".

و في شباط من سنة 1901 التحم الجيشان في "الصريف" عند منتصف الطريق بين الكويت و حائل، في سهل تكسوه طبقة من الملح و قاتل الفريقان بعناد و إصرار أمل كسب المعركة بسرعة، بينما كانت السماء تمطر مدرارا ً، و تحول ماء المطر إلى دم أحمر، و كان ابن الرشيد يستحث رجاله الشمريين على الثبات و الهجوم بقسوة على أعدائهم، فراحت صفوف ابن مبارك تتلاشى شيئا ً فشيئا ً، و أنهارت أعصاب رجال عشائر و عبثا ً حاول الإمام عبدالرحمن آل سعود تفادي الهزيمة، و انسحب العجمان من المعركة مخلفين وراءهم جماجم عديدة من رجالهم، فانكشف جناح ابن الصباح، و بعد جهد جهيد تمكن الإمام عبدالرحمن و الامير مبارك الصباح من الإنسحاب إلى الكويت تصحبه بقايا ذلك الجيش الجرار، بعد أن خسر كميات كبيرة من العتاد و الذخيرة و عددا ً من قومه الغزاة الصناديد.

أما ابن الرشيد، فقد أخذته نشوة الظفر فأمر بقتل جميع الأسرى ثم زحف نحو البلدان النجدية التي كانت صادقت مبارك الصباح، فنكل برؤسائها و جرد أهلها من السلاح وفرض عليهم الضرائب الفادحة. و في وراية أخرى أنه أحرق بعض القرى التي انتفضت عليه، ثم أقترب من مدينة الكويت و أسوارها مهدمة بسبب الإهمال، و أصبح ابن الصباح لا يملك جيشا ً للدفاع عنها، و اعتقد ابن الرشيد أن خصمه قد فقد كل شيئ، و ان الإمام عبدالرحمن آل سعود لم يبق أمامه إلا الرحيل مع عائلته من الكويت ليعود إلى حياة التشرد في مختلف أنحاء الجزيرة، ولو تمكن ابن الرشيد من إحتلال الكويت فعلا ص لتبدل وجه التاريخ رأساً على عقبن و لكنه عاد و تقهقر عن أبواب الكويت، و ذلك لأن الانكليز قد وقفوا في طريقه، فأرسلوا طرادا ً بحريا ً نحو ميناء الكويتن ينشر الذعر و الويل، فشعر مبارك بالفرج يقترب منه على مهل، و نصح الانكليز ابن الرشيد بالإقلاع عن مهاجمة المدينة و إلا مزقوا جيشه شر ممزق بنيران مدافع الطراد الثقيلة، و أراد ابن الرشيد أن يحتمي بالباب العالين و لكن مفاوضات سريعة جرت بينه و بين حكومة لندن أرغمت الدولة العثمانية على الرضوخ لمشيئة الانكليز بالإحجام عن مساعدة ابن الرشيد، فأنسحب إلى دياره دون أن يفوز بأمنيته.

دخول الرياض ثم إخلائها

أما الأمير عبدالعزيز آل سعود و جماعته، فقد وصلوا إلى الرياض بعد يومين من إنفصالهم عن جيش ابن الصباح، و تمكن الأمير البطل من احتلالها ماعدا الحصن فقد امتنعت فيه حامية ابن الرشيد، فأراد أن يحفر خندقاً يعبر و رجاله منه إلى داخل الحصن، و في هذه الأثناء وصلته أنباء انهزام القوات الكويتية أمام قوات ابن الرشيد، فغادر الرياض مصحوباً بجماعته إلى الكويت، و كان أهل البلاد رحبوا بقدومه، و لما علموا بنتائج الموقعة انصرفوا عنه خشية من إنتقام ابن الرشيد، و كانت هذه الموقعة في 26 ذي القعدة سنة 1318 هـ و 16 فبراير "شباط" 1901 و انتهت لمصلحة الانكليز دون سواهم فقد ثبتوا أقدامهم على صعيد الكويت العربي و أصبحوا "سادة" الخليج وهو رأس الجسر في طريق الهند. و من جهة أخرى فقد أصبح ابن الصباح أمينا ً على إمارته من أي تدخل مسلح، و أما الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود فقد عاد إلى عزلته المنزلية وهو يعتقد بأن للقدر مشيئة لابد من تحقيقها !!


----------

نقس المصدر السابق ..
 

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
الله يعافيك أختي الكريمة ...

بالنسبة للإنقلاب على الحكم في أوائل القرن الماضي ... فهذه نهايته ... و نهاية حروب الشيخ مبارك ... و الذي لو كتب الله له النصر في معركة الصريف ... لتغير وجه التاريخ فعلا ً ... في المنطقة ...

سأفرد موضوعا ً كاملا ً عن حرب الصريف إن شاء الله في وقت قريب ...

تحياتي ...
 
شكراً أخانا الكبير / الحساوي على هذه الموضوع !!

وبالفعل نحن بحاجة إلى التوثيق التاريخي والمحايد لمؤسسة الحكم في الكويت !!
 

عتيج الصوف

عضو مميز
استزادة رائعة و قراءة ممتعه للتاريخ سردها لنا الزميل الحساوي.
اشكرك على نقلك لهذه المعلومات و ننتظر معلومات اكثر عن معركة الصريف.
تساؤل يطرح نفسه..اليس يوسف الابراهيم احد رجال الخير في الكويت ؟
اتمنى من الزملاء وضع معلومات اكثر عنه بحيادية و بصدق توضح لنا زهد هذا الرجل ووقفته مع ابناء الكويت و الاسباب الحقيقية التي ادت الى خروجه من الكويت و تنقله مابين الهند و العراق.
 
اتمنى من الزملاء وضع معلومات اكثر عنه بحيادية و بصدق توضح لنا زهد هذا الرجل ووقفته مع ابناء الكويت و الاسباب الحقيقية التي ادت الى خروجه من الكويت و تنقله مابين الهند و العراق.
الأخالحساوي
استعان بالمصدر الموجود لديه و هذا جهد يشكر عليه
مع الأسف المصادر عن تاريخ الجزيرة قليلة جدا و القليل منها محايد
ولكنها لا ييمنع من اتوائها على معلومات هامة
 

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
شكرا ً للأخوة على الردود ...

الأخ المحترم عتيج الصوف ...

مشكلتنا مع الكتب التاريخية هي تضاربها في النقل ... حيث أن كل طرف يؤرخ على حسب وجهة نظره أو ما يعتقد أنه يفيده ... و المصادر الحيادية التي تنقل التاريخ بتجرد تعتبر نادرة في منطقتنا العربية ... أعدك أن أبحث عن المزيد من المعلومات عن يوسف آل ابراهيم ... لأضيفها إلى هذا الموضوع.

تحياتي
 

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
الأخ الكريم ذو الفقار الحيدري ...

ما يميز كتاب صلاح الدين المختار أنه كتب من طرف لا علاقه له بأي من أطراف النزاع في الكويت في ذلك الوقت ... طبعا ً كتابه يميل أكثر إلى تبني وجهة نظر العائلة السعودية في أحداث تلك الفترة .. و لكن في قضية مثل قضية الشيخ مبارك مع أخوانه أو مع الدولة العثمانية ... فأعتقد أنه طرح قصة من زاوية تختلف بعض الشيئ عما أعتدنا أن نقرأه في كتب التاريخ الكويتية التأليف.

تحياتي ..
 

المشرف العام

مراقب
طاقم الإدارة
مصدر آخر للحادثة ينقلها بصورة أكثر تفصيلا ً و إن كان التعريف بالشيخ محمد يختلف عن المصدر السابق في الوصف.


محمد بن صباح

لا أكون مبالغاً إذا قلت أن محمداً بن صباح هو الرجل الوحيد في زمنه بالعفة والنزاهة، ولم يذكر عنه في شبابه ولا في كهولته ما يدنس شرفه أو يحط من قدره، وقد حبب لعموم الكويتيين حتى صار كما قال الشاعر :

كأنك من كل النفوس مركب فأنت إلى كل الأنام حبيب

ألبسته عفته مهابة ووقاراً، مع تواضعه ولطفه، وكان كثير الصمت قليل الكلام، متديناً يحب العلماء ويسمع كلامهم، محباً لجماعته، وحريصاً على التآلف والتوادد بينهم فلهذا أحبته الجماعة حباً جماً.

قتل مظلوماً في 25 من ذي القعدة سنة 1313هجرية.

السبب في قتل محمد وجراح

بعد وفاة عبدالله بن صباح اشتد الخلاف بين الأشقاء ولا أرى لها سبباً سوى الدراهم، لأن مباركاً حاكم ويريد أن يظهر بمظهر حكام العرب من البذل، سواء كان البذل في محله أم لا، وجراح يخالفه في ذلك، ويقتر عليه، لأنه يرى المؤسس الوحيد للمال، ولا يرى ما يراه مبارك من البذل، ومحمد عليه الرحمة ينصاع لما يراه جراح ولما بلغ الخلاف أشده جاء سالم البدر من البصرة سنة 1310 هجرية، وأصلح بين الأخوة، وجعل لمبارك راتباً سنوياً عشرة آلاف روبية، ولا أدري هل جاء سالم بدعوة من آل الصباح أم بنفسه لأنه صديق حميم لآل الصباح.

ولما توفي سالم سنة 1312 هجرية عاد الخلاف بينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً .

وإليك صفة الحادثة نقلاً عن المرحوم جابر بن مبارك فهو يقول: "رأيت مبادئ الحركة عند خدم الوالد تلك الليلة ولكني لم أجزم بأن المراد به هو القتل، فبت في بيتي، ولما مضى أغلب الليل خرجت إلى محل الوالد فإذا هو وسالم وجميع الخدم على أهبة الهجوم، فأمرت خادمي أن يأتي بسلاحي من البيت ولما طلع الفجر خرج صباح بن محمد للمسجد، وصار البيت مفتوحاً فحينئذ دخلنا البيت والكل نيام، فأمرني الوالد أن أتوجه لجراح وتوجه الوالد إلى جهة محمد ووقف سالم بالباب كيلا يدخل علينا احد ولما صعدت على سطح البيت وتوجهت إلى عمي جراح رأيت باباً صغيراً مغلقاً بين سطحين فحركته فانفتح ودخلت عليه فإذا هو قاعد على سريره وزوجته واقفة بقربه، فصوبت عليه البندقية فلم تصدق، فتأخرت إلى الخلف وأمرت الفداوية، فصوبوا إليه بنادقهم وهو يقول: عمك عمك -أي اتق الله في عمك-".

وقتل الأخوان في ذلك اليوم النحس الذي لم تشهد الكويت منذ تأسست مثله، فما ترى إلا أعيناً دامعة وقلوباً خاشعة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

----

المصدر: كتاب صفحات من تاريخ الكويت للمؤلف يوسف بن عيسى القناعي
 
أعلى