إنقلاب في الكويت
كان الشيخ محمد الصباح حاكم الكويت ضعيفاً ضيق الصدر، يعمل جاهدا ً في جمع الأموال دون أنفاقها ، و تنقصه الخبرة في إدارة دفة الحكم ، بعكس ما كان عليه أخوه الأصغر الشيخ مبارك الصباح الذي عاش ردحا ً من الزمن في الهند حصل خلاله على خبرة واسعة جعلته موضع ثقة الأنكليز الحاكمين في الهند ، و كان الشيخ مبارك الصباح يتمتع بمواهب جمة منها حسن معشره و مراعاته لأفراد شعبه على اختلاف ميوله و نزعاته و درجاته، مما جعل أبناء الكويت يفكرون بإنتزاع الحكم من الشيخ محمد و تقديمه هبة لينه إلى أخيه مبارك، و كان الشيخ مبارك يشعر تماما ً بما يخالج أفئدة الشعب الكويتي، فاستغل الظروف المؤاتية، و دخل ذات ليلة يرافقه ابن عمه و عبد من عبيده الأشداء، غرفة الشيخ محمد و أرسله إلى دار ثانيةن و أتبعه بأخيه الثاني، حيث قضى عليه في هذه الفترة من الليل، و علم في اليوم التالي أن الشيخ محمد قد قتل بالرصاصو كذلك قضى على أخيه الثاني، و تمكن ولدا الشيخ محمد من الهرب إلى القسطنطنية.
و ما كاد الشيخ مبارك يعلن نفسه شيخا ً على الكويت حتى باشر يخفض الضرائب الفاحشة و شجع التجارةن و أهتم بكل صغيرة و كبيرة من مصالح الشعب، فأصبح قصر الأمارة محط آمال الشعب بإستثناء خال ابناء الشيخ المغدور يوسف آل ابراهيم كبير تجار اللؤلؤ.
و لم تمض أيام كثيرة على هذا الحدث العظيم في الكويت حتى كان الإمام عبدالرحمن قد وطد صداقته مع شيخ الكويت الجديد مبارك الصباح و استطاع أن يكتسب من مواهبه و خبرته قدرا ً كبيرا ً، و كان الشيخ مبارك يبادل الإمام السعودي هذا الشعور بالمودة و الصداقة و يكبر فيه إباءة و حمله المشاق و الصعابن و ما فطر عليه من تقي و ورع و دين وصلاح.
و كان الأمير الفتى عبدالعزيز آل سعود بلغ الثامنة عشرة من سني حياته و دخل في المحيط الكويتي على أوسع مدى، و كان يتحدث إلى أصدقائة و معارفه بقوة و عزم و حزم معلنا ً إقتراب ذلك اليوم الأغر الذي يتمكن فيه من إسترجاع دياره السليبه!!
دسائس و تحريض !!
وراحت دسائس آل ابراهيم، تفعل افاعيلها في التحريض على شيخ الكويت مبارك الصباح، و أوعز الشيخ يوسف بن ثاني إلى يوسف آل ابراهيم بالإلتجاء إلى ابن الرشيد، فوصل إليه و أغراه بالمال فراح يشن الغارات على الكويت تمهيدا ً للإستيلاء عليها.
و علم الشيخ مبارك بالقصد من هذه الغارات، و بتلك المؤامرات التي تحاك حوله، فأرسل رسله إلى العراق مستنجدا ً بالدولة العثمانية، و لكن يوسف آل ابراهيم كان قد سبقه إليها و أقنع الوالي بوجوب محاربة مبارك، و أرسل فعلا ً ، حملة مؤلفة من أربعة طوابير إلى الزبير لتهدده في عقر داره، و لكنها لم تصل إلى مركز هدفها، فقد ضلت في طريقها حوالي ستة أشهر و برر المسؤلون الترك ذلك بأسباب عديدة مختلفة !!
و في هذه الأثناء تقدم سعدون باشا ابو عجيمي رئيس عشائر المنتفق إليه بحلف صريح و خرج معه بعدئذ على ابن الرشيد، و في الوقت ذاته تحالف الإمام عبدالرحمن مع الشيخ مبارك على أن يكونا يدا ً واحدة على عبدالعزيز ابن الرشيد.
و لما كانت شخصية الحاكم في البلاد العربية هي العامل الأساسي في تثبيت دعائم الملك و أذعان الرعية للحاكم، فقد كانت العروش سرعان ما تنهار تحت أصحابها، و هكذا تواترت أنباء نجد في الكويت بأن الاهلين قد سئموا حكم ابن الرشيد و انهم يتطلعون إلى ذلك اليوم الذي يستعيد فيه آل سعود ملكهم بعين رضية آمنه مطمئنة، و كانت هذه الأنباء كافية لإشعال جذوة الحماسة في نفس الأمير الشاب عبدالعزيز و جعله يقول في كل مناسبة أنه سيستعيد عرش آبائه.
و كانت فاتحة العاهد بين الإمام عبدالرحمن و شيخ الكويت مبارك الصباح ان خرج الإمام على رأس قوة من الكويت اغار فيها على عشائر قحطان في روضة سدير !
و في الوقت ذاته، أراد الشيخ مبارك أن يلعب دوره السياسي على مسرح القضية النجدية، فأرسل إلى ابن الرشيد يفاوضه بالصلح، و كتب إلى عدد من رؤساء البلاد النجدية يستحثهم على ابن الرشيد، بينما كان الإمام عبدالرحمن قد أنتهى من غزوته تلك و قفل راجعا ً، يريد الوصول إلى الكويت، و عندما علم الشيخ مبارك بأن عبدالعزيز الرشيد رفض عروضه بالصلح، جهز جنوده و خرج على رأسها يرافقه أخوه حمود و الإمام عبدالرحمن و أبنه الأمير عبدالعزيز آل سعود. و كان ابوعجيمي السعدون قد خرج بعشائره ليطارد ابن الرشيد الذي كان وصل في اغارته إلى أطراف العراق.
التزاحم الدولي على الكويت
لقد كان التزاحم الدولي على الكويت في هذه الفترة كبيراً، و أصبح أسم هذه المدينة الصغيرة الهاجعة على خليج العرب يتردد على ألسنة رجال السياسة، و تضمه وثائق الدول الكبرى، في مخابراتها السرية، إذ كانت بريطانيا وضعت منهاجاً خاصاً لبناء أمبراطوريتها، بسبب إنتصار المارشال "كتشنر" سنة 1898 ميلادية على جيش المهدي في السودان، و توطيد سيطرتها على مصر، و كانت أستولت على أعظم طريق بحرية هي قناة السويس و أصبح بإمكانها لم شعث أجزاء ممتلكاتها بعضها إلى بعض، ثم انصرفت للعمل في السيطرة على أعظم طريق بري تكون مصر جسره الطويل المتين فتعبر عليه إلى داخل فلسطين و بلاد العرب حتى الخليج العربي، و كانت فرنسا الدولة الأولى المزاحمه لها، ثم ألمانيا و روسيا القيصرية التي اخذت توسع مناطق نفوذها في إيران، ووضعت مخططا ً لمد خط حديدي من الكويت عبر البلاد العربية إلى البحر المتوسط، على أن يربط هذا الخط بخط آخر يجتاز إيران و يصل إلى قلب العاصمة الروسية، و حيال ذلك قرر الإنكليز الاستيلاء على الكويت، بعد أن استولوا على الجزر الصغيرة المنتشرة في مدخل خليج العرب، و على جزيرة البحرين نفسها، ليصبح الخليج مقفلاً بجونه الواسع و يسهل الدفاع عنه !
و قد كان السلطان العثماني عبدالحميد الثاني يرقب هذا الصراع الدولي بعين حذره، فاستغل تقرب المانيا القيصرية منهن و عمل في تحقيق مشروع مد خطوط السكك الحديدية مخترقة أجزاء جزيرة العرب، و هدفها السياسي تغذية حركة المواصلات بين أجزاء الإمبراطورية العثمانية، و قبل الباب العالي بإقتراحات ألمانيا لتحقيق هذا المشروع، و تم إنشاء هذا الخط من أبواب استنبول غلى أبواب حلب. و قام قبصر ألمانيا غليوم الثاني بزيارة تركيا ثم دمشق ووقف على ضريح البطل الإسلامي الخالد صلاح الدين الأيوبي وقال جملته المأثورة: "فليثق جلالة السلطان و ليثق الثلاثماية مليون مسلم في مشارق الأرض و مغاربها بأن قيصر ألمانيا سيظل صديقهم في كل حين" !!
و بعد سنة من هذه الزيارة تم توقيع الإتفاقية "1899" بين تركيا و ألمانيا على إنشاء خط بغداد الحديدي، و أعطى أمتيازه إلى شركة ألمانية يشرف عليها المصرف الألماني، على أن يربط هذا الخط، خط الأناضول ببغداد مارا ً عبر الجزيرة العربية إلى خليج العرب "الفارسي" و يصبح متصلا ً بالبحر، و لما كانت البصرة القريبة من ملتقى نهري دجلة و الفرات لا تصلح لجعلها ميناء ينتهي عنده الخط فقد وقع الإختيار على الكويت لهذا الغرض.
و لقد كان والي البصرة كثير الإهتمام بما يقع في الكويت، و يرقب أميرها مبارك الصباح بدقة و عناية و يحصي عليه أنفاسه، و كان يقدم إلى السلطان تقارير سرية يومية تتضمن حركات و سكتات مبارك الصباح و منها: "أنه يعيش في حياة مترفة باذخه، و أنه يجلب الراقصات لمتعته من الهند مما يجعله دائما ً و أبدا ً في حاجة إلى المال و يسهل سقوطه بين أيدي عملاء الإستعمار البريطاني" !!
و أراد السلطان العثماني، حيال هذه الملاحظات و المحاولات، ان يثبت دعائم سلطانه على الكويت، فراح يفكر بولدي أمير الكويت القتيل محمد الصباح الذين هربا غلى القسطنطنية للإستعانة بنفوذ الباب العالي على إسترداد إمارتهما بالكويت في مؤازرتهما ضد عمهما مبارك الصباح الذي قتل وادهما، لذلك بعث السلطان العثماني إلى الأمير مبارك بفرمان شاهاني يطلب إليه فيه التخلي عن الأمارة بداعي "أنه أغتصبها بصورة غير شرعية، على أن يعامل لقاء ذلك برحمة فلايحاسب على قتل أخويه، و يوهب له قصر مذهب و يعين في منصب رفيع في الدولة، أو يخصص له راتب ضخم إذا ما رغب في الإقامة في بلد آخر، و إذا رفض ذلك فإن السلطات العثمانية المختصة ستتخذ ضدة الإجراءات الرادعة اللازمة و تحرمه من أي تعويض" !!
------
المصدر: "تاريخ المملكة العربية السعودية في ماضيها و حاضرها" - صلاح الدين المختار - الجزء الثاني ص 19 ...
نقلت لكم مقاطع من هذا الكتاب الذي يؤرخ لتاريخ المملكة العربية السعودية الشقيقة ... و هذه المقاطع التي تتحدث عن الإنقلاب الذي حدث في الكويت في أوائل القرن الماضي ... و الدور الدولي في ذلك الإنقلاب ...
سأتبعه إن شاء الله بالمزيد عن الإستعانة بالإنجليز من قبل الشيخ مبارك كرد فعل على الدور العثماني ... و إستغلال تركيا لأبن رشيد في الحملة على الحكم الجديد (في ذلك الوقت في الكويت) .. إلى الوصول إلى معركة الصريف التي حدثت بين مبارك الصباح و ابن رشيد ...
طبعا ً .. هذه المقاطع تحتوي على وجهة نظر الكاتب في الأحداث و رويته لها تاريخيا ً ... و قد لا يكون كل ما ذكره دقيقا ً أو كاملا ً ..
تحياتي ...
التعديل الأخير: