جواهر التفسير
عضو جديد
لقد قيض الله هذه الأصوات لتنير درب الحقيقة لطلابها ، وتمزق ما نسجته الأحقاد من الافتراءات التي لم تقم على أساس من الواقع ، ضد هذه الفئة المؤمنة التي اشتهرت في أوساط المؤمنين وغيرهم بلقب الإباضية ، ونود أن أشير إلى بعض هؤلاء المنصفين لنعرض على القارئ الكريم صورا من إنصافهم لهذا المذهب ورجاله ، وإلى القارئ مشاهد من هذه الصور :
1 ـ العلامة الجليل عز الدين التنوخي : مقدمة (خلاصة الوسائل في ترتيب المسائل ) ص ح ، ط1 المطبعة العمومية بدمشق .
عضو المجمع العلمي بدمشق سابقاً ، الذي سجل بيراعه المنصف صفحات مشرقة بفضائل أهل الاستقامة ، حتى قال في متهميهم بالزيغ : ( كل من يتهم الإباضي بالزيغ والضلال فهو ممن فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، ومن الظالمين الجهَّال ) .
2 ـ العلاّمة الكبير السيد عبد الحافظ عبد ربّه : - الاباضية مذهب وسلوك ،ط1 القاهرة 18/11/85 ص 22/23
من علماء الأزهر الشريف ، جاء في كلامه عن الإباضية : ( لقد استنبطوا مذهبهم من القرآن الكريم ، واقتبسوه من السنة المطهرة ، وسلكوا في مسيرتهم إلى عبادة الله نفس الطريق التي سلكها الصحابة ، وارتضاها الإجماع ، وحرصوا كل الحرص على أن تكون خطواتهم على ذات الدرب ، وفي نفس الطريق ، وفوق " إفريز " الشارع ، ومع السبيل التي قطعها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مشواره الطويل وشوطه البعيد جيئة وذهابا ، على مدى مسيرته المباركة ، ورسالته الميمونة عبر الثلاثة والعشرين عاماً ، ومع تحريهم الصدق ، وحتمية الحق ، ومجاهدة النفس ، وريادة المعاناة ، والرياضة والترويض على المشقة والمقاساة حتى استبان لهم الأمر ، ووضح أمامهم الطريق ، وتبيَّن للعَالم أجمع - أو المخلصين المنصفين
- أن هؤلاء هم ( أهل الاستقامة ) أو هم في الواقع - وعلى الحقيقة (الفرقة الناجية )التي أخبر عنها الصادق المعصوم ، والتي أمر الله رسولَه أن يختارها وينتهجها سبيلاً يوصل إلى عبادته ومرضاته في قوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف 108 .
والمذهب الإباضي ليس عجيباً في الدنيا ولا غريباً عن الحياة ، وإنما هو العملة الصحيحة التي يجب تداولها وتناولها ، والتعامل بها في شتى الأنحاء ، وفي جميع المناخات والأجواء ، وهي بعون الله عملة لا ينالها التزييف أو التلبيس ، ولا يطولها الوضع أو التدليس ، ولا يجوز في منطقها العمل بين بين ، ولا التنكر في وجهين ، ولا المشي على الحبلين ، فالحق عندها واحد لا يتجزأ ، وكل لا يتوزع )(2) .
وقال أيضاً : ( وعموماً - وبعد استقصاء واستحصاء ، ودرس وبحث ، وتحليل وتعليل - تبيّن أن الإباضية هي الطريقة المثلى في الأداء الإسلامي ، وفي تعاطي الحياة ، وفي التعامل مع الناس ... وأئمتها ودعاتها هم الذين واجهوا مواكب النفاق ، وناهضوا أعاصير الشرك وعواصف الإلحاد ، وتحدوا - بكل صرامة وشدة وبأس - تلك الأفاعيل الهوجاء النكراء التي تتبدّى في سلوك المبطلين أو المستهترين من الحكام والباطشين سواء على المستوى الديني أو التعامل الدنيوي بين أفراد وجماعات الأمم والشعوب تمشيا مع منطق الدين ، واستجابة لدعاءاته ، ونداءاته ، ومتطلباته .
وما أحوج الدنيا اليوم إلى هذا اللون المتميز في الفقه الإسلامي .
وما أحوج الدنيا إلى دعاة الإباضية وأئمتها الذين من مهمتهم - ومن أولى وظائفهم إصلاح المسار الديني ، ومؤاخذة التسيّب والقبض بشدة على خناق الاستهتار والانحراف واللا أخلاقيات ، وإعادة الانضباط في شتى السلوكيات إلى هذه الحياة )(3).
وقال أيضاً : ( فالإباضية أصبحوا في الواقع - وفي نفس الأمر - وعلى الحقيقة هم اللغة الصحيحة - الفصيحة ، والصيغة المشرقة الوضاءة بين الله والناس ، والغُدَّةِ النشطة السليمة التي تُفرز للدنيا ماهيات الدين ، وتُقدم على موائد الإنسانية ما لذ وطاب من طعوم الحق ، وطيّبات اليقين ، فهم الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه ومروياته ، وكان وجود هذا الصِّنف - أو النوع - من البشر ضرورة ملحة أو حتمية مقتضية استقطبت رحمة الله بعباده ، واستوجبت منهم مقابلة هذه الرحمة بألوان شتى من العبادات والقربات ، وأولها الشكر الخاص ، والعبودية الصافية ، والاحتفاء بنعم الله ، والاحتفال بآلائه ، وترجمة ذلك كله إلى السلوك الذي يحبه الله ورسوله ، وكان من مظاهر رحمة الله الفياَضة الحانية إنه لم يترك عباده هكذا - في هذه الدنيا - ضياعاً أوزاعاً ، أو هملاً ، أو كميات هابطة ساقطة تحت ركامات الشك ، وأنقاض الفتنة ، وخرائب التيه ، وأطلال الحيرة والقلق ، والتخبط والاضطراب.
ولما كان من حتمية الوجود الإنساني - لتتأكد فاعليته وينمو وجوده وتستمر معه الحياة - أن يعبر الطريق ، ويجتاز الجسر من الحاضر إلى الماضي ، ويصاحب التاريخ ، ويرافقه في كل خطواته ، ومع أبرز العناصر التي أثرت في الإيجاب والسلب ، والثبوت والنفي ، كان حتما مقضيا أن يصطحب الإنسان مع التاريخ تلك الفئة الهادئة المهدية التي حملت أرواحها على راحاتها ، وحياتها على أسلحتها ، وهبّت وقت الفزع والروع مطالبة بإنسانية الإنسان ، وكينونته البشرية في نطاق ما شرع الله ، وفي الإطار الذي خطته يد القدرة ، وحبك نسيجه الشرع ، وتكفلت به عناية الإسلام ، وعمل على ترجمته وتطبيقه سلوك محمد - عليه الصلاة والسلام - .
وهل هناك من هو أتقى وأنقى ، وأبرّ وأوفى ، في تأدية هذا الدور العظيم ، والقيام بهذه الرسالة الكبيرة الخطيرة غير الإباضيين ؟ .
وهل هناك مذهب يتلاحم في هذا الترقي الروحي أو يتلائم مع ذلك السمو التشريعي الفقهي غير المذهب الإباضي ، والإباضية عموماً ؟ .
وهل هناك فوق ظهر الأرض وفي جيوب وبين طيَّات وطبقات الحياة من يمكنه أن يستوعب هذه التعاليم الإلهية ، أو يستطيع أن يستقطب تلك المواجيد الكونية السماوية غير الإنسان الإباضي - صادق الإباضية - مصدره من الله ومورده إلى الله ، وحياته بين المصدر والمورد ، ودائما مع الله؟)(4).
الكاتب المنصف العالم الزيتوني الأستاذ عبد العزيز المجذوب :الصراع المذهبي بافريقية إلى قيام الدولة الزبيرية ص 104 ، الدار التونسية للنشر .
جاء في كلامه عن الإباضية : ( وأبرز ما يتصف به الإباضيون تمسكهم الشديد بالدين ، بأداء فروضه وتجنب نواهيه - إلى حد الغلو - وبُغظهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد ، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا ، ومجداً سياسيًّا ، خلَّد ذكرهم في التاريخ ).
وقال أيضاً : ( حافَظوا على صفاء الرسالة المحمدية في أصول مذهبهم ، ولم ينحرفوا عن النهج القويم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته البررة في سلوكهم وأمور معاشهم ، ولا اقترف ولاتهم إثماً ، ولا مارسوا في قيادتهم ظلماً ، ولا أي لون من ألوان العسف التي لم يبرأ منها إلا القليل من الولاة سواهم .
بل إن الظلم في حقهم كان مستحيلاً ، لا لكونهم معصومين ، بل لأن رجل الدين عندهم ورجل السياسة واحد ، والقائم بأمر الناس فيهم هو الإمام نفسه ، وتلك هي قاعدة الإسلام في الحكم التي سار عليها الخلفاء الراشدون ، وعليها حافظوا ودونها نافحوا ، فمن الطبيعي أن ينتشر مذهب هذا شأنه ، وأن يُقبل على أتباعه الناس ببلاد المغرب ليجدوا في أكنافه الأمن والكرامة ، وهم من سئموا حياة الاضطراب والظلم على أيدي الكثير من عمَّال بني أمية وبني العبَّاس )
ثم قال : ( ولعلَّ أولَّ داعية إباضي قدِم هذه البلاد .. هو سلمة بن سعد الذي عَرف كيف ينتقل بالبلاد وأي الشعاب يسلك حتى يأمن ظلم الظالمين ، ويضمن لعمله التوفيق ولرسالته الانتشار، فاختار الطرق الجبلية البعيدة عن الصحراء القاحلة وأهوالها ، وعن المناطق الساحلية الخاضعة لسلطة الولاة ، وبجبال نفوسة ودمّر ، نفزاوة وما والاها من المرتفعات والجبال ، وكلها مناطق آهلة بالسكان كثيرة العمران ، أمكن له أن يستقر ، ويقوم في صفوف البربر بالدعوة ، موضحاً للأذهان الصورة الصحيحة للإسلام في الاعتقاد والعبادة والمعاملة ، وهي غير الصورة التي شاهدها الناس في الحاكمين وأتباعهم في ذلك الوقت ، فالتف من حوله الناس مستجيبين لدعوته ، وراح يتنقَّل من مكان إلى آخر ، وما ارتحل من موضع إلا خلَّف فيه أتباعاً تكاثروا مع مرور الأيام والأعوام ، حتى صار لهم شأن ، وأضحوا يمثلون قوة يقرأ لها ألف حساب .
1 ـ العلامة الجليل عز الدين التنوخي : مقدمة (خلاصة الوسائل في ترتيب المسائل ) ص ح ، ط1 المطبعة العمومية بدمشق .
عضو المجمع العلمي بدمشق سابقاً ، الذي سجل بيراعه المنصف صفحات مشرقة بفضائل أهل الاستقامة ، حتى قال في متهميهم بالزيغ : ( كل من يتهم الإباضي بالزيغ والضلال فهو ممن فرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً ، ومن الظالمين الجهَّال ) .
2 ـ العلاّمة الكبير السيد عبد الحافظ عبد ربّه : - الاباضية مذهب وسلوك ،ط1 القاهرة 18/11/85 ص 22/23
من علماء الأزهر الشريف ، جاء في كلامه عن الإباضية : ( لقد استنبطوا مذهبهم من القرآن الكريم ، واقتبسوه من السنة المطهرة ، وسلكوا في مسيرتهم إلى عبادة الله نفس الطريق التي سلكها الصحابة ، وارتضاها الإجماع ، وحرصوا كل الحرص على أن تكون خطواتهم على ذات الدرب ، وفي نفس الطريق ، وفوق " إفريز " الشارع ، ومع السبيل التي قطعها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مشواره الطويل وشوطه البعيد جيئة وذهابا ، على مدى مسيرته المباركة ، ورسالته الميمونة عبر الثلاثة والعشرين عاماً ، ومع تحريهم الصدق ، وحتمية الحق ، ومجاهدة النفس ، وريادة المعاناة ، والرياضة والترويض على المشقة والمقاساة حتى استبان لهم الأمر ، ووضح أمامهم الطريق ، وتبيَّن للعَالم أجمع - أو المخلصين المنصفين
- أن هؤلاء هم ( أهل الاستقامة ) أو هم في الواقع - وعلى الحقيقة (الفرقة الناجية )التي أخبر عنها الصادق المعصوم ، والتي أمر الله رسولَه أن يختارها وينتهجها سبيلاً يوصل إلى عبادته ومرضاته في قوله تعالى : ( قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) يوسف 108 .
والمذهب الإباضي ليس عجيباً في الدنيا ولا غريباً عن الحياة ، وإنما هو العملة الصحيحة التي يجب تداولها وتناولها ، والتعامل بها في شتى الأنحاء ، وفي جميع المناخات والأجواء ، وهي بعون الله عملة لا ينالها التزييف أو التلبيس ، ولا يطولها الوضع أو التدليس ، ولا يجوز في منطقها العمل بين بين ، ولا التنكر في وجهين ، ولا المشي على الحبلين ، فالحق عندها واحد لا يتجزأ ، وكل لا يتوزع )(2) .
وقال أيضاً : ( وعموماً - وبعد استقصاء واستحصاء ، ودرس وبحث ، وتحليل وتعليل - تبيّن أن الإباضية هي الطريقة المثلى في الأداء الإسلامي ، وفي تعاطي الحياة ، وفي التعامل مع الناس ... وأئمتها ودعاتها هم الذين واجهوا مواكب النفاق ، وناهضوا أعاصير الشرك وعواصف الإلحاد ، وتحدوا - بكل صرامة وشدة وبأس - تلك الأفاعيل الهوجاء النكراء التي تتبدّى في سلوك المبطلين أو المستهترين من الحكام والباطشين سواء على المستوى الديني أو التعامل الدنيوي بين أفراد وجماعات الأمم والشعوب تمشيا مع منطق الدين ، واستجابة لدعاءاته ، ونداءاته ، ومتطلباته .
وما أحوج الدنيا اليوم إلى هذا اللون المتميز في الفقه الإسلامي .
وما أحوج الدنيا إلى دعاة الإباضية وأئمتها الذين من مهمتهم - ومن أولى وظائفهم إصلاح المسار الديني ، ومؤاخذة التسيّب والقبض بشدة على خناق الاستهتار والانحراف واللا أخلاقيات ، وإعادة الانضباط في شتى السلوكيات إلى هذه الحياة )(3).
وقال أيضاً : ( فالإباضية أصبحوا في الواقع - وفي نفس الأمر - وعلى الحقيقة هم اللغة الصحيحة - الفصيحة ، والصيغة المشرقة الوضاءة بين الله والناس ، والغُدَّةِ النشطة السليمة التي تُفرز للدنيا ماهيات الدين ، وتُقدم على موائد الإنسانية ما لذ وطاب من طعوم الحق ، وطيّبات اليقين ، فهم الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحاديثه ومروياته ، وكان وجود هذا الصِّنف - أو النوع - من البشر ضرورة ملحة أو حتمية مقتضية استقطبت رحمة الله بعباده ، واستوجبت منهم مقابلة هذه الرحمة بألوان شتى من العبادات والقربات ، وأولها الشكر الخاص ، والعبودية الصافية ، والاحتفاء بنعم الله ، والاحتفال بآلائه ، وترجمة ذلك كله إلى السلوك الذي يحبه الله ورسوله ، وكان من مظاهر رحمة الله الفياَضة الحانية إنه لم يترك عباده هكذا - في هذه الدنيا - ضياعاً أوزاعاً ، أو هملاً ، أو كميات هابطة ساقطة تحت ركامات الشك ، وأنقاض الفتنة ، وخرائب التيه ، وأطلال الحيرة والقلق ، والتخبط والاضطراب.
ولما كان من حتمية الوجود الإنساني - لتتأكد فاعليته وينمو وجوده وتستمر معه الحياة - أن يعبر الطريق ، ويجتاز الجسر من الحاضر إلى الماضي ، ويصاحب التاريخ ، ويرافقه في كل خطواته ، ومع أبرز العناصر التي أثرت في الإيجاب والسلب ، والثبوت والنفي ، كان حتما مقضيا أن يصطحب الإنسان مع التاريخ تلك الفئة الهادئة المهدية التي حملت أرواحها على راحاتها ، وحياتها على أسلحتها ، وهبّت وقت الفزع والروع مطالبة بإنسانية الإنسان ، وكينونته البشرية في نطاق ما شرع الله ، وفي الإطار الذي خطته يد القدرة ، وحبك نسيجه الشرع ، وتكفلت به عناية الإسلام ، وعمل على ترجمته وتطبيقه سلوك محمد - عليه الصلاة والسلام - .
وهل هناك من هو أتقى وأنقى ، وأبرّ وأوفى ، في تأدية هذا الدور العظيم ، والقيام بهذه الرسالة الكبيرة الخطيرة غير الإباضيين ؟ .
وهل هناك مذهب يتلاحم في هذا الترقي الروحي أو يتلائم مع ذلك السمو التشريعي الفقهي غير المذهب الإباضي ، والإباضية عموماً ؟ .
وهل هناك فوق ظهر الأرض وفي جيوب وبين طيَّات وطبقات الحياة من يمكنه أن يستوعب هذه التعاليم الإلهية ، أو يستطيع أن يستقطب تلك المواجيد الكونية السماوية غير الإنسان الإباضي - صادق الإباضية - مصدره من الله ومورده إلى الله ، وحياته بين المصدر والمورد ، ودائما مع الله؟)(4).
الكاتب المنصف العالم الزيتوني الأستاذ عبد العزيز المجذوب :الصراع المذهبي بافريقية إلى قيام الدولة الزبيرية ص 104 ، الدار التونسية للنشر .
جاء في كلامه عن الإباضية : ( وأبرز ما يتصف به الإباضيون تمسكهم الشديد بالدين ، بأداء فروضه وتجنب نواهيه - إلى حد الغلو - وبُغظهم المفرط لأصحاب الظلم والفساد ، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يحققوا لأنفسهم عزًّا دينيا ، ومجداً سياسيًّا ، خلَّد ذكرهم في التاريخ ).
وقال أيضاً : ( حافَظوا على صفاء الرسالة المحمدية في أصول مذهبهم ، ولم ينحرفوا عن النهج القويم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته البررة في سلوكهم وأمور معاشهم ، ولا اقترف ولاتهم إثماً ، ولا مارسوا في قيادتهم ظلماً ، ولا أي لون من ألوان العسف التي لم يبرأ منها إلا القليل من الولاة سواهم .
بل إن الظلم في حقهم كان مستحيلاً ، لا لكونهم معصومين ، بل لأن رجل الدين عندهم ورجل السياسة واحد ، والقائم بأمر الناس فيهم هو الإمام نفسه ، وتلك هي قاعدة الإسلام في الحكم التي سار عليها الخلفاء الراشدون ، وعليها حافظوا ودونها نافحوا ، فمن الطبيعي أن ينتشر مذهب هذا شأنه ، وأن يُقبل على أتباعه الناس ببلاد المغرب ليجدوا في أكنافه الأمن والكرامة ، وهم من سئموا حياة الاضطراب والظلم على أيدي الكثير من عمَّال بني أمية وبني العبَّاس )
ثم قال : ( ولعلَّ أولَّ داعية إباضي قدِم هذه البلاد .. هو سلمة بن سعد الذي عَرف كيف ينتقل بالبلاد وأي الشعاب يسلك حتى يأمن ظلم الظالمين ، ويضمن لعمله التوفيق ولرسالته الانتشار، فاختار الطرق الجبلية البعيدة عن الصحراء القاحلة وأهوالها ، وعن المناطق الساحلية الخاضعة لسلطة الولاة ، وبجبال نفوسة ودمّر ، نفزاوة وما والاها من المرتفعات والجبال ، وكلها مناطق آهلة بالسكان كثيرة العمران ، أمكن له أن يستقر ، ويقوم في صفوف البربر بالدعوة ، موضحاً للأذهان الصورة الصحيحة للإسلام في الاعتقاد والعبادة والمعاملة ، وهي غير الصورة التي شاهدها الناس في الحاكمين وأتباعهم في ذلك الوقت ، فالتف من حوله الناس مستجيبين لدعوته ، وراح يتنقَّل من مكان إلى آخر ، وما ارتحل من موضع إلا خلَّف فيه أتباعاً تكاثروا مع مرور الأيام والأعوام ، حتى صار لهم شأن ، وأضحوا يمثلون قوة يقرأ لها ألف حساب .