كما أن لبطارية السيارة سالب و موجب ... ومثلما للمغناطيس قطب ضد الاَخر...
فالذكريات مثل اليد اليمنى و اليد اليسرى ... متلازماتان و لكل منهما دوره.
ذكريات بيضاء و سوداء.
1
كان هناك طفل صغير يعيش في مدينة لاتخلو من القتل و الاجرام و تصفية الحسابات.
فالصراع محتدم و مستمر و متجدد!
إنتقل هذا الطفل مع والدته إلى مدينة أخرى بعد أن قتل والده أمامه من قبل عصابة قتلت كل
من كان متواجداً في ذلك الشارع وكان والده من ضمن المارة و فارق الحياة بعيار طائش.
شاهد هذا الطفل ماجرى من أمر والده ورضخ لقرار والدته بالإنتقال إلى مدينة أخرى و بعد أن
إستقرا مع بقية أفراد العائلة في المدينة التي يغلبها الهدؤ و السلام و المحبة و الحياة
الإجتماعية المتناسقة و المتاَلفة بدأت الصراعات تحدث له وتتجدد.
2
كبر و تخرج من المدرسة و الجامعة و في كل يوم يتجدد الصراع بينه وبين نفسه بما حدث في
مسقط رأسه، في تلك المدينة التي لم يأخذ منها إلا الذكريات المؤلمة.
مازاده ألماً هو تمثل صورة قاتل والدة أمامة بشكل واضح فهو يحفظ تفاصيل ملامح القاتل جيداً.
هذه الصورة يجدها في كل لحظة أمامة، في شروده، في رسوماته، في ثنايا وجدانه وتفكيره.
بل أصبح يحدق بكل شخص يصادفه ويحمل من صفات و ملامح القاتل وينظر له بنظره توعد
وإمتعاض لاتذهب من وجدانه إلا بإبتسامة تبدأ من الشخص الذي يحدق بتفاصيل ملامحه.
كان على المستوى الأكاديمي من أفضل الخريجين و الكل يرى لهذا الشاب مستقبلاً باهراً
لذكائه و إبداعه. وأيضاً كانت والدته ترى فيه الأمل بأن يجعل من حياتها الباقية أكثر سعادة بعد
أن ذهب بقية أفراد العائلة كل إلى سبيلة ولم يبقى معها إلا هو.
3
في سن الـ 23 و في سوق العمل بدأ هذا الشاب يأخذ وضعه مهنياً و هو محل ثقة كل من
تعامل معه... وفي مكان العمل كانت هناك إمرأة زميلة له تكبره سناً و كان التفاهم بينهما
ملحوظاً و إن كانت هي أعلى منه في السلم الوظيفي في العمل إلا أن هذا لم يكن حاجزاً قط.
4
الجميع أحب هذا الشاب وبنفس الوقت الجميع لايعلم من أمره شيئاً.
5
في كل تقدم يحرزه في عمله يزداد توتراً لإرتباط تفكيره بالذكريات العالقة. وكلما مرت الأيام
يتصاعد القلق لديه ويصبح أكثر جدية في التخطيط للوصول إلى القاتل الذي لاتختفي ملامحه
عن تفكيره.
يرقى في العمل و يصبح أكثر نفوذاً و يعيش المعضلة الأخلاقية بين أن يخلص
في العمل و في نفس الوقت أن ينتقم لوالده ومايترت على ذلك من إخلال بينهما.
6
والدته من جهة أخرى، لم تكن إلا إمرأة كبيرة بالكاد تقدر على متابعة الأحداث اليومية ولولا
الصداقات التي كونتها في البيئة الجديدة لعاشت أصعب لحظات عمرها لشعورها المخيف
بالوحدة. على رغم ذلك إلا أنها تعرف مايدور في بال إبنها. و هي التي تردد دائماً له : كن معي.
7
تعلق هو بزميلته في العمل تعلقاً شديداً، رغم فارق السن بينهما فهي تكبره بسنوات.
و بدأ يخطط بالوصول إليها فتارة عن طريق مصادفات العمل و تارة عن طريق ترصدها في حياتها
اليومية و عمل دراسة مستفيضة عن ماتحب و تكره و أين تتواجد و معرفة كل مايمكن عنها.
وكان له ما أراد و بدأت العلاقة بينهما وكل منهما لديه هدف محدد من هذه العلاقة:
هي، كانت ترى أن بقية عمرها لايمكن عيشه إلا معه.
وهي مستعدة لأن تهب كل ماتملك لهذا الرجل الذي أحبت.
هو، كان لديه هدف محدد.
هذه المرأة باختصار أكثر واحده تستطيع أن تساعده في التخلص من الماضي.
رغم أنها إمرأة إلا أنها تذكره بملامح قاتل والده أو بالاحرى قاتله هو شخصياً. ولولا كونها إمرأة
لقتلها للتشابه الغريب و الشديد بينها وبين قاتل والده، على الأقل في محكم إعتقاده في هذا
التشابه الغريب.
8
هي بالطبع لم تكن تعلم بمايدور في ذهنه... ولكنها تعرف بأن هناك تعميماً خاطئاً في ذهن
هذا الرجل و عن بعض الملامح التي يحملها عن أوصاف وأشباه معينة من الرجال و النساء.
مع الوقت، أيقنت بأن هذا الشاب الرائع لايعيش إلا مقيداً بذكريات الماضي التي تنغص
كل لحظات السعادة التي يمر بها. وفي كل مرة يكون من المفروض أن تكون لحظات سعادة
إلا أنها لا تكتمل ولا تتم إلا بمنغصة يكون فيها الضجر سيد الموقف... و هكذا.
9
هي تحدث نفسها، لماذا كل لحظة فرح تنقلب إلى مأتم. لماذا لاتتحقق السعادة وتكتمل معه؟
لماذا نحن في تذبذب في علاقتنا؟ لماذا في كل مره يكون قريباً ومرات أخرى يبتعد؟
لماذا نحن في تقلب في علاقتنا؟ و السؤال الأهم لماذا لايتقرب إلى جسدياً ويرفض الإرتباط
زواجياً؟
وللاجابة على السؤال الأخير، أنا لست أول واحدة تتزوج من يصغرها... ولست أول واحدة
من تتزوج بنفس الظروف التي نحن فيها؟
وأيضاً، و الأهم هو الذي - أبدى - أعلن - عمل - و - حرص - على أن نكون مع بعض؟!
أسئلة ليس لها إجابة ...
10
بعد مرور السنوات تعزز لديه الشعور بالحذر والخوف من اللحظات التي تمر عليه دون التخلص
من الذكريات المؤلمة... وفي لحظة مكاشفة صرح لـ ( من تحبه ) بالسر الذي كان مخفياً عنها.
وقال بالحرف الواحد : أنا أعيش في حالة رعب و خوف لايمكن أن أتخلص منها إلا بقتل من
قتل والدي ... وهذا القاتل مسيطر على تفكيري ولا استطيع أن أتخلص منه إلا بطريقتين:
الأولى ... أن أصل إليه و أقتله
الثانية ... أن يصل إلي ويقتلني...
11
ردت عليه بعد أن أيقنت بأنها لم تكن إلا وسيلة للتخلص من الأشباح التي في باله...
حسناً: سوف تتخلص من هذه الأفكار فلاتخف.
12
... لاحظت هي أنه يعيش في تناقضات شديدة... فهو يصر على أنه يكره التواجد في الأماكن
العامة مثل الشوارع، الأسواق، المطاعم، و هو مدمن لهذه الأماكن بشكل ملحوظ...
ولاحظت أيضاً بأنه يصر على كرهه للجنس الاَخر بسبب تعرضه في الصغر لمضايقات من بعضهن
إلا أنه لايكف عن التلطف إذا صادف أحداهن فعلياً أو وهمياً. ويتلذذ بأن يكون محبوباً من
الجميع!
أيضاًَ لاحظت أنه يقر بهذه التناقضات و يستنكرها و ماهي إلا لحظات ويعود إليها بإصرار..!
وفي كل مرة يحدث النقاش بينهما ينتهي بالإنسحاب المفاجيء بدون تفسير أو تبرير ...!
وفي كل مره لاتجد نفسها إلا في حيرة من أمر هذا التناقض العجيب!!
تقول: لم تكن إلا أنانية مفرطة ريما تعززت مع الأيام بحجة العيش في عالم وهمي...!
13
قالت له بعد سنوات من التعامل مع حالته المزاجية المتذبذبة: قاتل والدك الذي تريد أن تقتله
لم يكن إلا قاتلك أنت ... فهو وصل إليك و قتلك ... و من أفعالك و تصرفاتك أرى بأنك تبالغ في
تأثير الأمر عليك ... فأنت تتدعي بأن الأمر وقعه كبيراً عليك و أنت لايوجد مكاناً إلا و تواجدت
فيه رغم قولك بكره مثل هذه الأماكن...
و أنت يامن تتدعي التنغيص في حياتك أدخلت السعادة لكثيرين من حولك أنت شخصياً
لاتستطيع إلا أن تتواصل معهم و تتفاعل معهم بشكل مستمر ويومي.
14
أيضاً قالت له: دع عنك ذكرياتك القديمة السوداء - الذي تتدعي - و عش حياتك صفحة جديدة...
لاتجعل الأمر مقيد لك و أكسر هذا الطوق الذي صنعته من نفسك.
تحرر من ذلك و أنطلق إلى رحاب أوسع. و كف عما أدعيت و كن كما ينبغي أن تكون حراً من
قيود أرتضيتها لنفسك...
فيالك من ( مدعي ) !
الأمر لم يكن كما بينت! فأنت بلاشك تجيد حبك الامور و الافلام و حياتك ماهي إلا كذلك!
15
.... قال لها: أنتِ تريدين تحطيمي ولن أدع لكِ الفرصة فأنا أقوى مما تتصورين.
دعيني وشأني و أتركيني و ( لاتعترضي ) طريقي مرة أخرى و لن أسمح لكِ ( بدخول حياتي!)
مرة أخرى!
الاَن أستطيع أن أقول لك بكل شجاعة، أنتِ أسوأ من قابلت بحياتي و سأطوي صفحتك ...
وسأنتصر لإرادتي فأنت (ذكريات سوداء ) لاأريد أن أعيشها و سأفتح صفحة جديدة بعيداً
عنك وعن إستغلالك لي ... ومحاولتك لتحطيمي و تقييدي ... وسوف أعلنها بكل شجاعة :
أنتِ و الإعصار الذي قتل والدي واحد ...
16
هي: إذاً هو الإعصار الذي قتل والدك... ولم يكن القاتل إنساناً.
17
كم إعصاراً لديك ؟!!
18
تتهنابه...
:وردة::وردة::وردة:
- - -