وقف حمد صباح أحد الأيام يتطلع من شرفة قصره الفسيح ، المطلة على شاطىء البحر ، مستذكرا طفولته ، وكيف كان الأطفال يتصايحون باسمه في المدارس في كل صباح مدرسي "مع حمد قلم" ، وتذكر كيف أنه في طفولته ، اعترض على وضعه ، واحتج عى القلم الوحيد الذي يمتلكه ، فاستولى على جميع مساطر وأقلام ومحايات ودفاتر زملاءه التلاميذ وجمعها في درج واحد ، ثم بكى وأبكى والده حتى وافق الأخير على احتكار تجارة المساطر والأقلام والمحايات والدفاتر وكل قرطاسية المدارس ، مما أوقع التلاميذ وإدارات المدارس في ورطة حقيقية ، وحرج كبير أمام الأهالي ، الذين اضطروا لشراء مستلزمات أبناءهم المدرسية من شركة التلميذ حمد .
كان حمد صباح ذلك اليوم ، يضحك وهو يستعيد ذكريات تلك المرحلة ، وتذكر الناظر عبد الحميد الذي وقف معارضا لذلك الاحتكار ، ثم قيامه بمراسلة الوزارة والمنطقة التعليمية ، وحشده للرأي العام لكسر احتكار التلميذ حمد لقرطاسية المدارس .
واستعاد حمد صباح ذلك اليوم نفسه ذكرياته ، حين تذكر الناظر عبد الحميد وهو يهرول بين نواب مجلس الأمة ، يشرح لهم قضيته ، وقضية كل أهالي الكوويتمنى منهم تحقيق العدالة ، وتنفيذ ما جاء في الدستور الكويتي الذي يرفض الاحتكار ، فوعده النواب خيرا ، ثم تناسوا الأمر ، وانشغلوا بقضية أخرى ذات أهمية قصوى ، وهي كم شعرة يحملها الحمار على ظهره .
كان حمد صباح ذلك اليوم ذاته ، صافي الذهن ، فتذكر أمورا كثيرة أيام طفولته ، وضحك وقهقه كثيرا حين تذكر كيف ان درجه المدرسي الذي احتكر به قرطاسية زملاءه التلاميذ قد كبر ونما ، وتحول لشركات وعقارات ومزارع وأموال سائلة .
استنشق حمد صباح ذلك اليوم نسيم البحر ، من خلال شرفته المطلة على شاطىء الخليج العربي ، واستعاد أيام الناظر عبد الحميد ونضاله الوطني ومحاربته للفساد ، وشعاراته الوطنية المفعمة بالحماس ، حتى أنه رشح نفسه لانتخابات مجلس الأمة لعدة دورات ، وفشل فيها جميعها .
وبينما حمد صباح ذلك اليوم ، يسترجع ذكرياته تلك ، دخل عليه مدير مكتبه وسكرتيره الشخصي ، يذكره بمواعيده لهذا اليوم .
فجفل حمد صباح ذلك اليوم من هذا الدخول المفاجىء لمديره الشخصي ، وصاح به :
- ألم تتعلم القرع على الأبواب يا عبد الحميد ؟ كيف تتصرف هكذا وأنت ناظر قديم ومتقاعد ؟
طأطأ الناظر السابق عبد الحميد برأسه متأسفا ، وقال كلاما كثيرا ، وصرخ بأعلى صوته ، ولكنه لم يجرؤ على اخراج ما قاله من فمه ، بل ظل ذلك الكلام مكتوما ، يتردد صداه في رأسه :
- لو كان "معك القلم فقط" لهان الأمر ، ولتكلمت معك ... لكنك امتلكت كل الأقلام ... وكل المدارس .. فحق لي أن اصمت ...
فارتجف الناظر المناضل السابق ، وانكسر وخضع لتلميذه السابق وسيده الحالي ، واعتذر منه ، وبالغ في الاعتذار ، حتى تساقطت دموعه ساخنة ، كالينبوع الحار ، على أرضية الصالة الرخام ، فمسحها بقدمه خفية ، كي لا يُفسد مزاج العم حمد صباح ذلك اليوم .