حين يأكل أمسنا غدنا

حين يأكل أمسنا غدنا

شمخي جبر
اسئلة النهضة ، وأسباب الكبوة ، وطول الغفوة وتحولها الى سبات طال كثيرا ،فكرهتنا المضاجع ، وسخر منا أبناؤنا ، وهم يغرقوننا برسائلهم عبر أجهزة النقال ،او عن طريق الانترنيت ، حتى وصلت بهم الوقاحة والشيطنة ان يقولوا لنا ، ان أجدادكم لو اطلعوا على ما في أيدينا من مخرجات حضارة ( الكفار ) لعدوه من الكبائر ولوصمونا بالكفر والضلال ،ألم نسمع هذا من بعض أسلافهم ؟
ليست هي الصدمة الأولى التي ننظر فيها لغنى الآخر فنشعر بإفلاسنا ،بل أشرت هذه الفجوة وشعرنا بهذا المأزق قبل أكثر من قرن ،لكن مشكلتنا أننا مازلنا نبحث عن الحلول ، هناك ، هذا الهناك الذي نعتقد انه يمتلك كل الحلول ، كان هذا الهناك يكمن في الماضي .
فإذا كانت الأمم تبحث عن المستقبل فإننا بقينا مأسورين في الماضي ، فلا نلتفت إلا إليه ، فكان مصدر مشاكلنا بل مصدر حاضرنا . فهل نبقى أسرى تكرار الأسئلة ، لماذا نحن متخلفون ؟ مع اهمية الاسئلة ولكن ما جدوى التكرار .
نعم أنهافترة حرجة في حياة الأمة باعتبارها اللحظة الأولىالتي اكتشفتفيها مأزقها التاريخي حيث وصلت أمم العالم المتقدم إلى ما وصلت إليه بينما بقت الأمة تجتر أمجاداكانت، فتساءل أبناء الأمة: نعم هكذا كنا ، هذا ما كان، فعلينا إن نلتفتاليه نهرب نحوه فكانت أنظار الأمة متجهة نحو الماضي بينما الأمملأخرىتنظر الى المستقبل وهكذا طرح سؤال لماذا نحن متخلفون ؟ماهو السبيل الى التقدم ؟ ماهي معوقات نهضتنا؟ كيف ندخل التاريخ كفاعلين وليس كتابعينان معضلتنا تتمثل في البحث عن ألذات المأزومة في مجتمع كوني تتلاطم فية أمواج الثقافات وتتصارع.
إنها اللحظةالأولى لاكتشاف الأخر ،الاصطدام بهوكيف تطاول البارود على السيف الأحدب ؟ ومن ثم اكتشاف الهوة التي تفصلنا عن الأخر، والتي تتمثل بتخلفنا وتقدمة؛ والتساؤلالذي مازال قائما وسيبقى قائما مادامت هذه ألهوه التي تتسع يوما بعد آخر مادمنا نحمل هذا العبء الهائل الذي يرهق كواهلنا بغثة وسمينهوكل هذه الإكسسوارات الفكرية التي ضاق الزمان والمكان منها ذرعا ؛ يدعونا البعض ان نضعها في متاحف تستحقها للاستذكار والالتفات ، لا ان نحملها على ظهورنا أنى سرنا .
الا اننا مازلنا نتقنفذ داخل فكرنا الذي يتغذى من النزعة التعظيميه للذات التي شيدت الحضارة في زمن ما ، لنجري مساءلة للتراث ،ماذا يستطيع ان يقدم لنا الآن ؟ يقف بإزاء التمدن الغربي الجارف فكيف يرى نفسه ، وهو اذ ينظر الى الغرب نظرة الإعجاب والانبهار بعقلانيته وتحرره وحداثتهوتقدمة العلمي سرعان ما تتضخم لدية صورة الغرب المتسلط الاستعماريالنازع الى تهميش الثقافات الأخرى وتفكيك لبنياتها التقليدية وخصوصيتها الثقافية.
كيف يكون موقفنا اتجاه الأخر واتجاه واقعنا ؟ فكرنا محاصر، من جانب انه غير واقعي، ومن جانب لا يستطيع أن يجري حوارا مع الأخر.
هل هي عدم ثقة بالفكر؛ ام الخوف على الفكر من أن يهزم ؟ تعبير عن هشاشة الفكر ومن ثم عدم الثقة بالنفس؟كيف يتم التعامل مع المنجز الثقافي للآخر؟ هل يتم التعامل معه في ظل تبعية مطلقه؟ ونحن مازلنا نعيش هوس الهوية المستهدفة ،اذن لابد من التحرر من هذه التبعية سواء أكانت للتراث او للآخر،والتحرر من التبعية للاخر يعني التعامل معه بروح نقدية ، بعيدة عن الاستسلام والاندراج .والتحرر من التراث يعني ترك مسافة نسبية بيننا وبينه ،لابد ان تملأ بقدر من الروح العقلانية والنقدية ، من خلال مسح الذاكرة من كل خربشات الماضين التي مارست الفوقية والقسوة على عقولنا ؟نحن لا نؤسس هنا للدعوة لقتل الأب ( التراث) بل دعوه للانفلات ، للتمرد على السلطة ، أية سلطه تهمش العقل ، الانفلات من سلطة الأب (التراث) حتى يثبت صلاحيته ؛ يثبت انه مازال يمتلك فعلا ايجابيا يستطيع به أن يخطو إلى الأمام .
لكن ان نتخلى عنه نهائيا ؛ فنرميه جانبا !!! يعني تسليم أنفسنا لسلطه أخرى ؛ وبهذا نكون قد خسرنا كل شيء (الحاضر المشوه ) والمستقبل المجهول . إننا لا نستطيع ان نتخلص من متوفانا بانتهاء مراسيم الجنازة ؛كلا لا يمكن الخلاص منه لأنه مازال يمسك بتلابيبنا؛ ولأننا لا نستطيع ان نعيد الحياة لميت فلكل كائن عمر محدود لا نملك له إلا الاحترام ، ولنكن له صدقة جاريةــ ان صح التعبيرـــ من خلال ترحم الآخرين عليه لحسن أفعالنا التي كان للميت دورا كبيرا في أن نقوم بها باعتباره مربيا وملهما . اما ان ندير الظهر لواقعنا؛ لحاضرنا ، عاكفين على متوفانا فهذا ما يضيع علينا مستقبلنا ويجعلنا غرباء في حاضرنا ، فنحن محاصرون بواقعنا وبكل تحدياته شئنا أم أبينا .
واذا كان قد قيل اذكروا محاسن موتاكم ، فنحن نقول ان القصائد العصماء وغير العصماء لا تحي ميتا لأننا نعلم ان الميت ينقطع عملة بموتة إلا مايتركة مما يحي ذكرهمن خلف صالح مثلا فلا التمجيد يحي ميتا ولا الهجاء يميت حيا . فان مات أبانا فعلينا ان لا نقضي العمر عويلا وبكاء أمامضريحه ، بل الأولى بنا ان ننظر ، ماذا ترك لنا ؟ وان لم يترك سوانا فكفاه، فهو ليس بميت لأنة حي فينا ، لان العرب اتفقوا على أن من ترك خلفا ليس بميت. وما تركة تراثنا فينا ولنا أكثر مما تركة آباؤنا الذين رحلوا لأنة ترك فينا عقلا وفكرا وسلوكا بل هوية تميزنا عن غيرنا . لكن كيف نتعامل مع ما ترك لنا وفينا هل نتخندق داخلة فنتقوقع عازلين أنفسنا عن الآخر ولا نلتفت إلا الى الوراء (الماضي ) أم نتفاعل مع حاضرنا من اجل بناء مستقبلنا ؟ هل ننزع هذه الهوية ونرمي بهاجانبا أو نركلها حنقا وسخرية؟ كيف نعيش الحاضر ونبني المستقبل بدون ان نتخلى عن هويتنا ؟ أنة مأزقنا التاريخي الذي نعيشة.
لقد وقع فكرنا في مأزق الرؤية الماضوية لمسألة التراث والهوية ؛ في الوقت الذي اكتسح فيه الغرب حياتنا المعاصرة على جميع الصعد ؛ وظهرت أمامنا صورتان للغرب الأولىذات الوجه الليبرالي والعقلاني والثانية الاستعمار والقمع وإسناد الأنظمة الاستبدادية؛وكان فعل الصورة الثانية أكثر حضورا . من هنا نقول ان الندب والصراخ ورجم الآخر بالكفر والانحلال لن يغير من حقيقة أن الغرب استولى على المعرفة والاقتصاد وبالتالي فهو قد استولى على العالم . وان مقارعته لا تتم بالهروب الى الماضي القريب منه أو البعيد كما أنها لا تتم بالدعوة للخروج من التاريخ وإنما مواجهتة . كل ذلك يتم بالقبول بالتحدي والقبول بحتمية التغيير الذي أصاب غيرنا وهو في ذلك مصيب لنا بقدر ما نكون نحن لا بقدر ما يكون الآخرين كما يقول مالك ابن نبي.
ان القبول بحقيقة حتمية التغيير والاستعداد له أفضل بكثير من الجري فيما بعد وراء مصالحة مصاحباته واقتراح المعالجات الترقيعيه هنا أو هناك .
يقول( الطيب تزيني) (من خلال قراءة سريعة للنتاج الفكري العربي الذييطرح نفسه كمشروع نهضويأنه في الكثير منه ينظر الى الإسلام على أنة بنية تبقى كما هي منذ إنتاجها او نشأتها ، نصوص تبقى كما هي دون أن تمس اعتقادا بان مسها سيكون بمنزلة تشكيك بمصدريتها التي هي هنا مصدرية إلهية) ،فوقعنا في خانق التقديس الذي جعلنا ننشغل بالهوامش والحواشي .
مأزق التقديس جعلنا نرى ( أن النص فوق الواقع وان الواقع إذا وجدنفسه في علاقة غير متسقة بينة وبين النص فعلى الواقع أن يعاد النظر فية ) ما قادنا الى إرغام الواقع للتكيف مع النص .وغربة الفكر ووحشته داخل الواقع ، دعت البعض للدعوة لقراءة جديدة تكون بمثابة إعادة إنتاج للفكر.
ان مفهوم القراءة هو مفهوم منطلق من الواقع ؛من احتمالاته . الواقع المشخص هو الذي يملي نفسه على أنماط القراءة الإسلاميةلذلك نجد قراءاتمتعددة تعدد المستويات المعرفية والاحتمالات الاديولوجية ؛ وبذا فان كل واقع يستنبطنصه الخاص .
ان تجاهل الواقع ؛ هو المأزقالحقيقي الذي تضعنفسها فيه اية أيديولوجيا تحاول إصلاح هذا الواقع حيث ترى هذه الايدولوجياحسبد ؛ فالح عبد الجبار ( ان الجهل هو المعرفة الوحيدة الممكنةوالمسموحهوان الالتفات الى الماضيهو أحسن الطرق لرؤية الحاضر ؛ )وبهذا تجعل هذه الايديولوجيا من التراث يشكل ثنائيهمع التخلف (التراث - التخلف ) وحين يجعل السلفيون التراث عبء على الواقع يعطون المبرر لمن يقول ؛( اذا كان لابد من تطور وتغيرفانهذا التطور والتغيير لا يتم إلا بانتزاعهذا التراث من عقل الامةورميهجانبا باعتباره العبء الذي يثقل كاهل الأمةويمنعتقدمها وتطورها ؛ وهو الذي يسحبها الى الخلف ؛ومادام معلقافي رقبتها فهي لا تستطيع النهوض)السكونية والالتفات الى الماضي بقصد العمل لمحاولة تكراره ، هي محاولة عابثة بحاضر الامة ومستقبلها ، وهي اسطع صور اللاعقلانية ،لانها تجعل المستقبل ماثلا في الماضي .فهل يمكن ان نصدق ان اعمى يقود مبصرا ،او ميت يعطي توجيهاته لحي
 
أعلى