المرأة وقضيتها

Fernas

عضو مميز
المرأة وقضيتها​



تتعدد التساؤلات من جانب الرجال، والمطالبات من جانب النساء، حول الحقوق المهدورة والمسلوبة للمرأة. ولا يختلف في تلك المطالبات من النساء شعب من الشعوب على وجه هذه البسيطة، وإنما تختلف النوعية. فمطالبات النساء في الولايات المتحدة الأمريكية قد تأخذ شكل الإعتراض على التمييز في الأجور ومبدأ تكافئ الفرص، ولكن عندنا قد تأخذ شكل المطالبة بالحقوق الإنتخابية والوظائف العامة ومناصب الولاية. وهذه تفاصيل لقضية من المؤكد أن لها جذور تاريخية وعقائدية دار حولها المجتمع والناس حتى ألِفوها وأصبحت أعرافاً وقوانين يتم، في أغلبها، إلصاقها بالمصدر الإلهي وبالحكمة السمائية.

وبسبب هذا التزوير، أي إلصاق هذه الأعراف والمفاهيم بالمصدر الإلهي، يكون المعارضين لحقوق المرأة هم، في الأغلب الأعم، ممن يحاولون أن يتكلموا بإسم الرب جل وعلى. هم من المنصبين أنفسهم قسراً وكلاء للأنبياء والمشرع. والعجيب أنهم يتفننون في إثبات دونية المرأة وبإسلوب ظاهره الكرامة والتشريف وباطنه الإهانة والتهميش. فنجد التركيز على حجم عقل المرأة بالنسبة إلى عقل الرجل كوسيلة لإثبات "نقصان العقل" وبمعناه الفكري. ونجد التركيز على العاطفة، وكأن الرجال مجردون تماماً منها، كوسيلة لإثبات عدم أهليتها للولايات العامة وحديث "ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة". وقضية إنفاق الرجل على المرأة كسبب لقوامة الرجل. وعلى الخروج من المنزل كسبب للرذيلة والإنحلال.

ولذلك عندما يتكلم أحد هؤلاء معارضاً لهذه الحقوق يتم التركيز بصفة مبدئية على خروج المرأة من المنزل. ولكن عندما تسأل هذا المعترض تجد، وياللغرابة، أن والدته وجميع أخواته بلا إستثناء وزوجته وجميع بناته وجميع بنات عائلته، ممن قربن أو بعدن، هن جميعاً من العاملات في وزارات الدولة ومؤسساتها وبعضهن في المؤسسات والشركات الخاصة ممن لا يرجعن منازلهن إلا عصراً أو قريبٌ من وقت المغرب. وهن جميعاً ممن يقدن سياراتهن بمفردهن. والأدهى أنه حينما يتقدم ممن يطلب أيديهن للزواج يتم الإشتراط على هذا الرجل بألا يجبرهن على ترك العمل. وعندما يتم التركيز على حجم عقل المرأة وعدم فلاحها في الولايات العامة وتطرح أنت سؤالاً مباشراً عن كيفية عجز كل رجال العرب والمسلمين عن هزيمة دولة كانت تقودها غولدا مائير، لا تجد جواباً إلا التذمر والمكابرة. وأما إنفاق الرجل على المرأة، وكما في مجتمعنا الآن، لا تخلو أسرة من إمرأة عاملة وتشارك أهلها أو زوجها في الصرف والإنفاق. بل في بعض الأحيان مقدار ما تنفقه المرأة يفوق ما ينفقه الرجل. فأين يجب أن نفرق بين المبدأ والتطبيق هنا ومن وجهة نظر هؤلاء؟

وحتى تتضح هذه الصورة "الفقهية"، إن صحت هذه التسمية، سوف أنقل من كتاب أحد أذكياء الإسلام والمؤثرين في سياقه العام الإمام أبي حامد الغزالي وكتابه "إحياء علوم الدين". هذا النقل سوف يوضح تلك النظرة إلى المرأة والتي عاشت معها قروناً طويلة:

"قال عمر رضي الله عنه: خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة. وقد قيل:شاوروهن وخالفوهن. وقد قال عليه السلام: "تعس عبد الزوجة"، وإنما قال ذلك لأنه إذا أطاعها في هواها فهو عبدها وقد تعس، فإن الله مَلّكهُ المرأة فملكها نفسه فقد عكس الأمر وقلب القضية وأطاع الشيطان لما قال: "ولآمرنهم فليغيرن خلق الله"، إذ حَقُّ الرجل أن يكون متبوعاً لا تابعاً. وقد سمى الله الرجال قوامين على النساء وسمى الزوج سيداً، فقال تعالى: "وألفيا سيدها لدى الباب"، فإذا إنقلب السيد مُسَخّراً فقد بدل نعمة الله كفراً.

قال الشافعي رضي الله عنه: ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك: المرأة والخادم والنبطي. أراد به إن محضت الإكرام ولم تمزج غلظك بلينك وفظاظتك برفقك.

وعلى الجملة فبالعدل قامت السموات والأرض،فكل ما جاوز حده إنقلب على ضده، فينبغي أن تسلك سبيل الاقتصاد في المخالفة والموافقة وتتبع الحق في جميع ذلك لتسلم من شرهن، فإن كيدهن عظيم وشرهن فاش، والغالب عليهن سوء الخلق وركاكة العقل، ولا يعتدل ذلك منهن إلا بنوع لطف ممزوج بسياسة.

وقال عليه السلام: "مثل المرأة الصالحة في النساء كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب"، والأعصم يعني الأبيض البطن.

وفي وصية لقمان لابنه: يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل الشيب، واتق شرار النساء فإنهن لا يدعون إلى خير، وكن من خيارهن على حذر.

وقد زبر عمر رضي الله عنه امرأته لما راجعته وقال: "ما أنت إلا لعبة في جانب البيت إن كانت لنا إليك حاجة وإلا جلست كما أنت".

فإذن فيهن شر وفيهن ضعف. فالسياسة والخشونة علاج الشر، والمطايبة والرحمة علاج الضعف، فالطبيب الحاذق هو الذي يقدر العلاج بقدر الداء، فلينظر الرجل أولاً إلى أخلاقها بالتجربة ثم ليعاملها بما يصلحها كما يقتضيه حالها".

إنتهى النقل مختصراً


هو أمر يدعو للدهشة عند التأمل ولا شك.

ولكن كل هذا هو تفاصيل القضية. إذ لابد لها من أساس إرتكزت عليه هذه النظرة وتلك المفاهيم. فما هي على الحقيقة قضية المرأة الأساسية؟

المرأة، كإنسان، تتعدد جوانب النظرة لها من التقديس والإلوهية إلى التحقير والمهانة. وإذا تركنا جانباً التاريخ الوثني وركزنا على التاريخ "التوحيدي" للرسالات السماوية، إن صح هذا التعبير، فإننا سوف نصاب بالدهشة لهذا التهميش، المهين في أغلب الأحيان، للمرأة.

فبداية من خلق المرأة من ضلع آدم "الأعوج"، ثم الخطيئة الأولى ومسؤولية الشيطان والمرأة في خروج آدم من الجنة، ثم قتل قابيل لهابيل ولعنته الأبدية وبسبب إمرأة، وأسفار التوراة وأحكامها في المرأة والتي تعاملت معها كـ "نجاسة" في أغلب حالاتها، ثم قصر التراتيب الدينية على الرجل في الديانة اليهودية ولا زالت في الأديان الثلاثة إلا بعض المحاولات الحديثة في المسيحية، ثم تلك النظرة للخطيئة الأولى في المسيحية وعلاقة المرأة بها، وتلك القيمة التي أضفاها المسيحيون على الإمتناع عن "الجنس" كطريق للفضيلة كما يمثلها السيد المسيح، وغواية الشيطان "للبشر" بواسطة النساء مع ما في هذا المفهوم من تناقض مضحك بائس إلا إذا فرضنا أن "البشر" هم الرجال فقط، ومروراً بالإسلام و إنهن "ناقصات عقل ودين" ولا يقطع الصلاة إلا "المرأة والحمار والكلب" وتفسير كلمة "السفهاء" الواردة بالقرآن الكريم على أنها تشمل المرأة، وقصص عمر بن الخطاب وغلظته على النساء حتى إشتكت إحدى أمهات المؤمنين منه للنبي، ومروراً بقول علي بن أبي طالب عن المرأة بأنها "شرٌ لابد منه"، ونهاية بإبن باز وقوله (وأنا أستغفر الله من نقلي قوله هنا ومساواته بمن سبق، ولكن للضرورة أحكام): "لابد وأن يكون في خُلُق المرأة شيء من العوج".

كل هذا "التراث"، إن شئنا تسميته كذلك، هو من يتحكم بآراء المجتمع الذكوري في المرأة. وهو في الحقيقة ما تواجهه المرأة كقضية. فليست القضية هي قضية أعراف ومفاهيم، بل في الحقيقة هي قضية أعراف ومفاهيم تم طلائها وتحصينها بل وتزيفها بإسم الدين. والدين منه براء ولا شك.

ولذلك فإن الإعتراض على حقوق المرأة وإنسانيتها يتم دائماً بإسم الدين. ولكن من يفعل ذلك يتناسون بأن أول من إعترض على هذا الخلط البائس المشين هي أم المؤمنين السيدة عائشة: " أعدلتمونا بالكلب والحمار؟!!!" وذلك عندما بلغها قول من قال عن النبي (ص) عن قطع الصلاة. هذا الرفض، هذه الثورة الخفية، ذلك الحِجاج العقلاني والذي مارسته السيدة عائشة مراراً مع من نقل الحديث النبوي هو من غاب عن من بعدها من الرجال والنساء. وقبل السيدة عائشة كانت أم المؤمنين السيدة أم سلمة وحقوق المرأة في زمانها. هذه السيدة الجليلة هي أول إمرأة في التاريخ كانت تطالب بحقوق واضحة للمرأة ومن نبي موحى إليه.

إذن قضية المرأة الأساسية هي مواجهة هذه النصوص بالدرجة الأولى بالتفنيد أو الشرح أما لبيان عدم ثبوتها أو نقصان دلالتها أو لوضع السبب الخاص بالنص ومحدوديته في إطاره الصحيح كمدخل لرفض عموم اللفظ والتركيز على خصوص السبب، وأخيراً بالحجاج العقلاني المباشر والذي مارسته السيدة عائشة مرات ومرات ضد من نقل الحديث النبوي من دون إدراك التناقض الواضح البيّن بين العقل والنقل. بهذا فقط تستطيع المرأة في هذا المجتمع الشرقي أن تطرح قضيتها وتأمل في تغيير المفاهيم المرتكزة منذ أجيال وأجيال في عقول هذه المجتمعات. وأنا أعتقد، على الأقل في وقتنا الحاضر، أن لا سبيل غير ذلك.

هذه المواقف هي الغائبة الآن، وتلك القضية هي الأساس فيما تواجهه المرأة.


فرناس
 
أعلى