عبدالله الفلسطيني
عضو مخضرم
قصة الديك الموهوم
تنبيه : يسمح بدخول ذوي القلوب الضعيفة بل ويحبذ !.
كان يا سادة يا كرام في هذا العصر وفي هذا الأوان كان هناك ديكا ككل الديوك ، لا يميزه عن غيره شيء سوى وهم دخل في نفسه أو أدخله على نفسه بعض حاشيته ، كان ملون الريش وكثيفه ، بلدي الأصل و المنبت ، ذو صياح شجي وصوت ندي ، عندما كان يؤذن للفجر يسمع نداؤه جميع من في القن والمزرعة ومن حولها ، كمثل أي ديك في الدنيا ، لكن لديكنا هذا قصة عجيبة ، فلقد صدق نفسه ....
في أحد الأيام وبعد اعتلائه على سقف القن في بداية "تديـــّــكه " و بعد أذانه في القن صاحت بعض الفروخ والدجاجات فرحة بديكها : (واك كاك كاك) ...... فغرته نفسه ، وظن أن لا قبله ولا بعده ، ثم زاد الطين بلة ووحلا ونتانة أنه في فجر ما في يوم ما – معلش الدواجن لا تؤرخ وغير متفرغة لهذا الترف – قام من نومه جزعا ، إذ ظن أنه قد تأخر عن وقت صياحه ، فاعتلى سطح القن ، فنظر نظرة للسماء ، فلمع نور السيارات على الطريق ، تضيء من قريب وتذهب للبعيد ، فعلم في نفسه أن الفجر لن يتنفس مالم يصيح ، وأن الضياء بحاجة إلى صرخة حتى يسطع ويستضيء ، وأنه لن يسمع في قنه أي ( كاك ) أو ( واك ) مالم يصيح ، فصاح وراح واستراح ، وخرج الضياء باجتياح ، فقرت عينه بنور النهار ، بعدما شقشقت الشمس في شفق أحمر ، وجعل الديك من يومها يمشي ويتبختر .
وهناك حادثة عجيبة مرّ بها الديك زادت من قناعة أنه ( الديك الضرورة ) عندما تسلل قط أهبل في مساء ليلة قمراء ظلماء صافية غائمة ساكنة مرعدة ومكفهرة ، صيفية ماطرة وباردة ، وقد عبأت النجوم السماء فوق الغيوم التي حجبت كل الضياء ، ليحاول أن يلتقط أحد الكتاكيت فتنبهت أم أحدهم لهذا القط الهزيل ، فنقرت بمنقارها رأس القط بعد أن قفزت على ظهره ، فسمع الديك قرقعةً في القن ، فصاح ( كوكو ) ... ولم يثنيها بـ ( كـــــــــــــــــو ) الطويله ، فقط ( كوكو ) فخاف القط من ( الدجاجــــــــة ) وولى مدبرا ولم يعقب ..... وطبعا صار حديث القن فيما بعد كيف أن الديك لمح فقط بـ ( كوكو ) فخاف القط ... فيما الكتاكيت والفروخ والدجاجات تتحدث عن شجاعة هذا الديك الذي قل نظيره في تاريخ العشة التليد .
صورة القط المجرم الذي حاول اقتحام العشة ( كما نشرتها وكالات الأنباء ) ...
ازداد عجب هذا الديك بنفسه وصوته وريشه وقشّه الذي في عشّه داخل خنّه أو قنّه ، وصار الديك يأمر وينهى كما يرى وتحدثه به نفسه ، فلا منقار يسبق منقاره على دود الأرض وحبّه وحصاته ورمله ، ثم إنه لا يسمح أن يعلو صوت فوق صوته أو ينظر فرخ أو صوص إلى دجاجة من دجاجات بيته ، انه الديك الأوحد ، حامي حمى الخن من لصّه ، ذلك القط الذي أنساه الديك طعم لبن أمه ...
صورة الديك المعتمدة رسميا في قن الدجاج .
لكن .... وآهٍ من لكن هذه ، فتصاريف الأيام ، ومسيرة الأقدار لا تجعل ديكا في الأقنان يهدأ أو ينام ، ففي يوم عادي جدا ، حيث أكل الديك من علف الطعام ، ونقر من نقر من الدجاج والصيصان ، وصاح و لاح و راح ... وإذ .... وإذ ... يلمح بالقرب من قنه ديكا ( روميا وفي رواية حبشي ) وقد نفش ريشه الأسود ، وجعل يتمايل بجسمه وعرفه الكبير المتهدل ببشاعة ، ويبحث عن العلف والطعام والماء كمثل أي داجن دخيل ، فهجم الديك يبتغي طرده ، وصاح بكل ما أوتي من قوة :
( مــــــــه ؟ ...... أيها الديك البشع الأسود الغريب يا وجه البوم و يا لون الغراب أخرج .... كـــــاك .... من أنتم ؟ ) ....
نظر الديك الرومي للديك البلدي قائلا :
أنا الحكيم الرومي يا ديك المزابل ( حقيقة هو ليس حكيم بقدر ما هو لئيم ) ..... فلا تجزع ..... فلن أشاركك دجاجاتك رغم أني أتمنى ذلك ، ورغم أن طعامي يشبه طعامك ، فأنا لا أشكل خطرا على حياتك .
قال ديكنا الموهوم : أنا قاهر القطط منادي الصباح صاحب هذا القن بحق و استحقاق ، فاخرج من منطقتي مذموما مهزوما مشؤوما ، وإلا ......
رد الديك الرومي ( الحبشي ) : يا هذا ... لو شئت لطحنتك طحنا ، فعجنتك عجنا ، ثم إني ماحيك فلا أبقي لك ذكرا أو وزنا .... لكني لن أفعل ، فأنا غير متفرغ إلا للأكل والعلف ، وأما القط فلا يغرك فلو شاء لاقتنصك واقتنص من رعيتك ماشاء .....
ثم قال الديك الرومي لينهي خطبته العصماء كما يقول أي قائل عادي في حالة نزاع ليسجل على خصمه نقطة :
( فلا يقتلك الوهم فإني أراه قاتلك لا محالة) .
تشاءم الديك و نزلت هذه الجملة على ديكنا منزل سوء ونكارة ، واختنقت عند هذا الحد كل كلمة وعبارة ، و على صوت هذه الجملة في دماغة كل فكرة – هذا على افتراض أن الديك يفكر بدماغه كما زعموا - ....
الحاصل ... الديك طأطأ رأسه وعاد إلى قنه وجلس على عشه وهو يرتجف من هذه البشارة ....
صورة الوهم كما تخيلها ديك القن كأبشع واخوف طير يمكن تخيله !!!!
ملاحظة : لن أكمل القصة لأنها حزينة جدا حسبما أعلم ، فلقد تناقلت الاشاعات أن الديك لم يسمع له صوت في الفجر بعد ذلك فلقد صار رهين المحبسين ( العش والقن ) فلا أكل ولا شرب من بعد تلكم المحادثة الشهيرة ، خاف من أن يقتله الوهم كما أخبره الحكيم الرومي ، ومات صريعا بعد ثلاثة أيام من الجوع والعطش والرعب عندما نقره فرخ صوص ( متديّك ) نقرة أو نقرتين بمنقارة و كان حديث عهده بعرفه الأحمر على رأسه ، ويقال أنه لم يقتله ذلك الفرخ ، بل هو عندما رأى الفرخ هذا قد نبت له الريش والعرف اشتد خوفه ومات وهو يهلوس ( أنه الوهم قد كبر ) فمات خوفا .... والأرجح أن القط الأهبل و الديك الرومي قد أوعزا للديك الفرخ الجديد أن تخلص من هذا المريض الموهوم الذي اشتد خوفه فلا عاد يأكل ولا يشرب ولا يتحكم في القن كما يجب لأن وهمه قد قتله .
انتهى الديك والحكاية مستمرة .
تابعونا بقصة شرشبيل في الحلقة القادمة .
وهذه آخر صورة التقطتها عدسة الصحافة العالمية للديك قبل نفوقه !!!