حكاية الغرانيق و الحديث المرسل الذي ينسب الي الرسول عليه الصلاة والسلام في تلك القصة المشورة التي فرح بها اعداء الاسلام ظنا منهم انها وسيلة تساعدهم في الانتقاص من الرسول عليه الصلاة والسلام و لا عجب ان يولع بها اعداء الاسلام فهذه غايتهم.
انما العجب ان يأتي من يصلي على قبلتنا و من هم من ابناء جلدتنا و يتقول على اهل السنة ما لا يصح و ينسب تصحيحها لعلمائنا ناسي قول علمائه في المسألة من قبل.
فقصة الغرانيق مغزاها أن النبي لما قرأ سورة النجم وانتهى إلى قوله تعالى :﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه، ويتمنى أن يأتي به قومه:"تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى"، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، وسرهم ذلك، فلما انتهى إلى السجدة سجد وسجد المسلمون وسجد من في المسجد من المشركين لما سمعوا ذكر آلهتم.
* الغرانيق: هي الأَصنام، وهي في الأصل الذكور من طير الماء، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق سمي به لبياضه. لسان العرب، مادة: غرنق.
قال العلامة القاضي عياض:"فاعلم رحمك الله أن لنا في الكلام على مشكل الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله. والثاني: على تسليمه.
أما المأخذ الأول: فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولَعَ به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولوعون بكل غريب المتلفقون من الصحف كل صحيح وسقيم.(...)
أما المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث ولو صح وقد أعاذنا الله من صحته، ولكنه على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة، منها الغث والسمين".
و قال الشوكاني رحمه الله تعالى:
"و لم يصح شيء من هذا، و لا يثبت بوجه من الوجوه، و مع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه" ثم ذكر بعض الآيات الدالّة على البطلان ثم قال:
"وقال إمام الأئمة ابن خزيمة، إن هذه القصة من وضع الزنادقة".
اما الحديث الصحيح بهذا الشأن فهو ما قد رواه الإمام البخاري في صحيحه (وليس فيه حديث الغرانيق)، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النبي قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا».
خلاصة القول ما قالة شيخ المحدثين الامام الالباني في نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق:
رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة و السلام جملة "تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى" فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه و سلم و ليس ذلك من عادتهم؟
و الجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً:
"و ليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، و إلا لما سجدوا، لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم و خوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: "و أنه أهلك عاداً الأولى (50) و ثمود فما أبقى (51) و قوم نوح من قبل إنهم كانوا هو أظلم و أطغى (52) و المؤتفكة أهوى (53) فغشّاها ما غشّا (54)" إلى آخر الآيات [النجم]. فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، و لعلهم لم يسمعوا قب ذلك مثلها منه صلى الله عليه و سلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير و جمع كثير، و قد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم و لو لم يكن عن إيمان، كافٍ في دفع ما توهَّموه، و لا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه و سلم، فقد نزلت سورة (حم السجده) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ و ثمود (13)" [فصّلت]! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ناشده الرحم و اعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ و قال: "كيف و قد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب" و قد أخرج ذلك البيهقي في "الدلائل" و ابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
و يمكن أن يقال على بعد: إن سجودهم كان لاستشعار مدح آلهتهم، و لايلزم منه ثبوت ذلك الخبر، لجواز أن يكون ذلك الاستشعار من قوله تعالى: "أفرأيتم اللات و العزّى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)" [النجم]، بناء على أن المفعول محذوف و قدّروه حسبما يشتهون، أو على أن المفعول: (ألكم الذكر و له الأنثى (21)" [النجم]. وتوهّموا أن مصب الإنكار فيه كون المذكورات إناثاً، و الحب لشيء يعمي و يُصمّ، و
ليس هذا بأبعد من حملهم "تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى" على المدح حتى سجدوا لذلك آخر السورة، مع وقوعه بين ذمين المانع من حمله على المدح في البين كما لا يخفى على من سلمت عين قلبه من الغين".
"و سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك".
محمد ناصر الدين الألباني
انما العجب ان يأتي من يصلي على قبلتنا و من هم من ابناء جلدتنا و يتقول على اهل السنة ما لا يصح و ينسب تصحيحها لعلمائنا ناسي قول علمائه في المسألة من قبل.
فقصة الغرانيق مغزاها أن النبي لما قرأ سورة النجم وانتهى إلى قوله تعالى :﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ ألقى الشيطان على لسانه، لما كان يحدث به نفسه، ويتمنى أن يأتي به قومه:"تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترتجى"، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، وسرهم ذلك، فلما انتهى إلى السجدة سجد وسجد المسلمون وسجد من في المسجد من المشركين لما سمعوا ذكر آلهتم.
* الغرانيق: هي الأَصنام، وهي في الأصل الذكور من طير الماء، واحدها غِرْنَوْق وغِرْنَيْق سمي به لبياضه. لسان العرب، مادة: غرنق.
قال العلامة القاضي عياض:"فاعلم رحمك الله أن لنا في الكلام على مشكل الحديث مأخذين: أحدهما: في توهين أصله. والثاني: على تسليمه.
أما المأخذ الأول: فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولَعَ به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولوعون بكل غريب المتلفقون من الصحف كل صحيح وسقيم.(...)
أما المأخذ الثاني: فهو مبني على تسليم الحديث ولو صح وقد أعاذنا الله من صحته، ولكنه على كل حال فقد أجاب عن ذلك أئمة المسلمين بأجوبة، منها الغث والسمين".
و قال الشوكاني رحمه الله تعالى:
"و لم يصح شيء من هذا، و لا يثبت بوجه من الوجوه، و مع عدم صحته، بل بطلانه فقد دفعه المحققون بكتاب الله سبحانه" ثم ذكر بعض الآيات الدالّة على البطلان ثم قال:
"وقال إمام الأئمة ابن خزيمة، إن هذه القصة من وضع الزنادقة".
اما الحديث الصحيح بهذا الشأن فهو ما قد رواه الإمام البخاري في صحيحه (وليس فيه حديث الغرانيق)، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النبي قَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِىَ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاَّ سَجَدَ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إِلَى وَجْهِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا».
خلاصة القول ما قالة شيخ المحدثين الامام الالباني في نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق:
رب سائل يقول: إذا ثبت بطلان إلقاء الشيطان على لسانه عليه الصلاة و السلام جملة "تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى" فَلِمَ إذن سجد المشركين معه صلى الله عليه و سلم و ليس ذلك من عادتهم؟
و الجواب ما قاله المحقق الآلوسي بعد سطور من كلامه الذي نقلته آنفاً:
"و ليس لأحد أن يقول: إن سجود المشركين يدل على أنه كان في السورة ما ظاهره مدح آلهتهم، و إلا لما سجدوا، لأننا نقول: يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم و خوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: "و أنه أهلك عاداً الأولى (50) و ثمود فما أبقى (51) و قوم نوح من قبل إنهم كانوا هو أظلم و أطغى (52) و المؤتفكة أهوى (53) فغشّاها ما غشّا (54)" إلى آخر الآيات [النجم]. فاستشعروا نزول مثل ذلك بهم، و لعلهم لم يسمعوا قب ذلك مثلها منه صلى الله عليه و سلم، وهو قائم بين يديْ ربه سبحانه في مقام خطير و جمع كثير، و قد ظنّوا من ترتيب الأمر بالسجود على ما تقدم أن سجودهم و لو لم يكن عن إيمان، كافٍ في دفع ما توهَّموه، و لا تستبعد خوفهم من سماع مثل ذلك منه صلى الله عليه و سلم، فقد نزلت سورة (حم السجده) بعد ذلك كما جاء مصرّحا به في حديث عن ابن عباس. ذكره السيوطي في أول "الإتقان" فلما سمع عُتبة بن ربيعة قوله تعالى فيها: "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ و ثمود (13)" [فصّلت]! أمسك على فم رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ناشده الرحم و اعتذر لقومه حين ظنوا به أنه صبأ و قال: "كيف و قد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب؟ فخفت أن ينزل بكم عذاب" و قد أخرج ذلك البيهقي في "الدلائل" و ابن عساكر في حديث طويل عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
و يمكن أن يقال على بعد: إن سجودهم كان لاستشعار مدح آلهتهم، و لايلزم منه ثبوت ذلك الخبر، لجواز أن يكون ذلك الاستشعار من قوله تعالى: "أفرأيتم اللات و العزّى (19) و مناة الثالثة الأخرى (20)" [النجم]، بناء على أن المفعول محذوف و قدّروه حسبما يشتهون، أو على أن المفعول: (ألكم الذكر و له الأنثى (21)" [النجم]. وتوهّموا أن مصب الإنكار فيه كون المذكورات إناثاً، و الحب لشيء يعمي و يُصمّ، و
ليس هذا بأبعد من حملهم "تلك الغرانيق العلى و إن شفاعتهن لترتجى" على المدح حتى سجدوا لذلك آخر السورة، مع وقوعه بين ذمين المانع من حمله على المدح في البين كما لا يخفى على من سلمت عين قلبه من الغين".
"و سبحانك اللهم و بحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك و أتوب إليك".
محمد ناصر الدين الألباني