مجلس من خشب ... د. مبارك الذروة

عزيز نفس

عضو مخضرم
بصراحة حكومتنا لم تتجرأ طرح موضوع خصخصة القطاع العام إلا بعد أن نجحت في خصخصة المجلس عدل!

فقد تم نقل ملكية مجلس الأمة من الشعب أولاً، وتم طرح فكرة (تبديل) الدستور البائسة، وليس تعديله كما نتوهم، تبديله لأنه خالف الشرط الأصيل المتعلق بمزيد من الحريات، فالتعديل ملازم للشرط! الشرط الذي غاب عن النائب علي الراشد، فهو تعديل يدور مع الشرط وجوداً وعدماً.

جاء تبديل الراشد في ظروف مريضة لتشتيت ما تبقى من تماسك نواب الأمة، وقد كانت (العمة) كبيرة جداً فوق رأس النائب المحترم علي الراشد. أليس المجلس الحالي (لقطة) على قولة اخوانا المصريين!

ولكي ترى المشهد كاملاً، عليك أن تربط بين مشروعي مجلس النبلاء... مشروع الخصخصة ومشروع التبديل الدستوري!

هذا مجلس من نوع خاص... مجلس برونزي، ما عليك سوى أن تقوم بحساب عدد التجار الكبار والصغار فيه، ثم ما عليك سوى حساب عدد المشاركين في مجالس الإدارات، ثم ما عليك سوى النظر في وجوه النواب لتميز بين معازيبهم.

إذاً لنعرض صفحاً عن الوقوف أمام تيار المجلس المخصخص، فكل التكهنات السياسية تشير إلى عبور قانون الخصخصة في المداولة الثانية. فالواجب إذاً على المعنيين وضع التعديلات القانونية التي تحفظ حقوق الشعب والانتباه إلى الاختراقات الدستورية والقفز على نصوصها.

معروف أن قانون الخصخصة معمول به في كثير من دول العالم، وهو من قوانين التنمية الحديثة في معاونة القطاع الخاص للحكومة من خلال مفهوم الشراكة الموقتة أو الدائمة. الكثيرون ليس عندهم خوف من الخصخصة كمفهوم اقتصادي إنما الخوف من الاستغلال القانوني لهذا المفهوم، وبيع البلد، ثم ضياع حقوق المواطنين.

فالتجارب السابقة هنا في الكويت تشير إلى عدم مصداقية بعض شركات القطاع الخاص في حفظ حق الموظف، بل هناك تلاعب واضح في توفير فرص العمل والتي تسعى دائماً مشاريع الخصخصة لتحقيقها كأبرز الأهداف التي قامت لأجلها. والتعديل الذي طرأ على القانون في شأن استثناء القطاع النفطي من الخصخصة هو قانون دستوري موجود أصلاً! لكن لوجود حالة الخوف والترقب من تجفيف ينابيع هذا المصدر الأساسي والحيوي للرزق في الكويت وحالة الغليان الشعبي والرأي العام هو الذي فرض استثناءه مرة أخرى وعدم تخصيصه إلا بقانون. المواطن البسيط الذي بح صوته على زيادة المعاش ومطالباته المستمرة على مراقبة أسعار السلع ومنع الجشع التجاري المقيت... هذا المواطن هو الذي يجب أن يراعى في مثل هذه القوانين!

كلنا يعرف أن الشعب مهما تملك من أسهم في الشركات، التي ستمتلك وتلتهم مشاريع الدولة، فإنهم بعد مدة التخصيص سيقومون ببيع ما يملكونه من أسهم. طبعاً تلك الشركات ستنزل من قيمة الأسهم حتى يصل إلى الحضيض وبسعر التراب. وسيبيع الشعب نصيبه «وشيء بلاش ربحه بين»، ثم تقوم تلك الشركات بلم الأسهم المعروضة في السوق كافة حتى تزداد نسب التملك في المشروع، وتكون الغلبة لمجلسها الإداري، والمادة 12 من القانون ستمنحهم ذلك.

الحكومة ستقوم ببيع المشاريع الرابحة أما الخسرانة والمتهالكة فستصفيها وتقوم ببيع أصولها... ألا يخيف المواطن ذلك، وما المقصود سوى خدمات المرافق العامة ثم مشاريع الدولة الكبرى!

أرجو ألا يحاول أحد إقناعنا بأن هناك مراقبة على عمليات التوظيف، وأن المواطن سيستفيد من ذلك. كلنا يعرف أن توظيف العمالة الكويتية في القطاع الخاص يتسم بالضبابية والغموض. لقد أفسد القطاع الخاص سوق العمل وأصبح هناك سوق للتوظيف الوهمي الذي ضاعت معه قيم العدالة وحرمة المال العام. وكل ما هنالك هو أسماء موظفين وهميين.

ما الذي يضمن حقوق المواطن في التوظيف بالقطاع الخاص، وتحت رقابة من، وما مصيره إذا تم تطفيشه من العمل بسبب حجم العمل، أو لوائحه الصارمة، أو غضب المعازيب الجدد؟

سيعود الموظف الغلبان إلى الحكومة بنص القانون، وتقوم الحكومة برعايته مرة أخرى. يعني لو تفنش نصف الموظفين من القطاع الخاص بعد أعوام من التخصيص، وعودتهم تائبين منيبين إلى الحكومة... ماذا يعني هذا؟ يعني أن هناك ردة حقيقية من الخصخصة إلى الحوكمة!

ستقوم الحكومة بضم عيالها من جديد. لكن بعد ماذا... بعد خراب مالطا، بعد بيع الدولة والمشاريع والقطاع الخدمي... الكهرباء، والمواصلات، والماء، ثم التعليم، والصحة، و... ثم يكون علينا أن ننتظر ثلاثين عاماً أخرى حتى تأتي نكسة، أو أزمة مناخ، وتقوم الحكومة بشراء أسهم الشركات بعد دمارها وهلاكها لتقوم الحكومة ببنائها من جديد على حساب المال العام! نقول هذا في ظل غياب قانون للضريبة، ولن ينفعنا السهم الذهبي ما دام هناك تهرب حقيقي من الضرائب... نعم واسألوا رجال المالية فعندهم الخبر اليقين!

صدقوني الشعب الكويتي لا يحسد أحداً، ولا يريد سوى أن يطمئن على مستقبل أبنائه تعليمياً، وصحياً، ووظيفياً، والمستقبل، والأعمار بيد الله.

هل يُعقل أن يمر قانون التخصيص بهذا السرعة الماراثونية مع خطورته ولا يوجد متسع لطرح قانون الذمة المالية، أو حماية المستهلك، أو حتى حقوق العاملين في القطاع الخاص، وهل يعقل أن يستمر إلى الآن مجموعة من النواب تحت قبة التشريع والرقابة وهم في الوقت ذاته يديرون مجالس إدارات لشركات، ومؤسسات، أو أعضاء مجالس إدارات وشركات، هل يعقل أن تتم مناقشة ديوان الخدمة المدنية لعشرات الكوادر والمزايا المالية لموظفي الدولة بطريق سلق البيض، وهل يجوز أن يساوى بين محامي الفتوى والتشريع بالقضاة تحت مسمى الهيئة القضائية... وهل الخصم مثل الحكم؟

د. مبارك الذروة - الراي
--------------


لامست الواقع والحقيقة يا دكتور

وأتمنى منك ومن كل رجل شريف وصاحب قلم بأن يدعم حملة الدكتور عبيد الوسمى (لن أبيع وطني)

نحتاجكم وبشكل كبير جدا في هذه المرحلة

لقد خذلنا أغلبية النواب ولن نعول عليهم كثيرا لأننا نعرف تمسكهم في الكرسي وحبهم للمصلحة

شكرا دكتور

 
أعلى