'جدل' حول تعديل الدستور في الكويت مقالة للأستاذ ناصر العبدلي تستحق القراءة

تخوض الساحة السياسية المحلية في الكويت جدلا شديدا هذه الأيام حول 'فكرة' تعديل الدستور وسط أجواء من التشكيك والإتهامات المتبادلة بين الأطراف المعنية بمغزى هذا التحرك وتوقيته وفيما إذا كان الأمر برمته ليس سوى محاولة للعودة بالبلاد إلى المربع الأول عام 1961 عندما كانت الأسرة الحاكمة تمتلك حق الفصل في كل القضايا الوطنية دون حاجة لإشراك بقية الأطراف.
والجدل حول قضية تعديل الدستور ومدى ملاءمته للإستمرار بعد كل تلك السنوات ليس جديدا على الساحة بل ظل طرحا يتجدد كلما واجهت البلاد مأزقا سياسيا كالذي تمر به اليوم من ضعف في الأداء الحكومي وعدم إستطاعة رئيس الوزراء ناصر المحمد تحقيق أية خطوات في إطار مشروع التنمية خاصة مع وجود فوائض مالية ضخمة وعجزه عن التعامل مع مجلس الأمة، بالإضافة إلى 'فلتان' القطاعات الحكومية المختلفة، وما يتردد عن دعم المحمد نفسه لمؤسسات إعلامية بهدف النيل من مكونات المجتمع الكويتي.
بداية الجدل هذه الأيام يأتي على خلفية إعلان عضو مجلس الأمة الكويتي علي الراشد رغبته في طرح تعديلات على الدستور تشمل أربع مواد دستورية، هي 80، 98، 100 و147، وسيكون التعديل في المادة 80 زيادة عدد الدوائر الإنتخابية إلى ست دوائر بدلا من خمس حاليا ، وأن يمثل كل دائرة 12 نائباً ليصل إجمالي عدد النواب إلى 72، مشيراً إلى أن 'الدائرة السادسة المستحدثة ستكون بين الدائرتين الرابعة والخامسة، كما ستتم زيادة عدد أعضاء الحكومة إلى 24 وزيراً'.
وفيما يتعلق بالمادة 98 ستعدل ليصبح هناك تصويت من النواب على الثقة بالحكومة بعد تقديمها برنامج عملها، وقبل مباشرة أعمالها، كما أن 'التعديل على المادة 100 من الدستور يقضي بأن الاستجواب إذا كان مقدماً إلى وزير فيجب أن يزكى من قبل أربعة نواب بدلا من نائب واحد كما يقضي الدستور الآن، بحيث يصبح المجموع خمسة، وإذا كان مقدماً إلى رئيس الوزراء يزكى من تسعة نواب إضافة بدلا من نائب واحد ليصبح المجموع عشرة، وفي الحالتين يصعد على المنصة نائب واحد فقط'.
كما قررت التعديلات أن طلب عدم التعاون مع رئيس الوزراء يستلزم أن يقدمه 15 نائباً لا 10 نواب كما يجري حاليا، أما التعديل على المادة 147 فجاء بإضافة فقرة جديدة تلزم النائب الذي يقدم اقتراحاً بقانون فيه كلفة مالية أن يوضح باب تغطية الكلفة من الميزانية.
وفي سياق تردد معلومات أن الهجوم الذي تعرض له النائب الراشد بسبب طرحه تعديل تلك المواد الدستورية التي يرى البعض فيها روح الدستور أثار أوساطا حكومية عليا رأت في ضرورة مساندته خطوة لتعزيز المعسكر المؤيد لتعديل الدستور، فكانت تصريحات سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد لجريدة فرانكفورتر إلجماينه الألمانية رافدا في هذا الإتجاه بإنتقاده أداء مجلس الأمة وآثار الجمع بين النظامين البرلماني والرئاسي داخل مواد الدستور، وهو أمر يحدث لأول مرة في الكويت إذ لم يسبق لأي من الأمراء الراحلين أن أنتقدوا الدستور بشكل علني، إلا أن الأمر بحاجة إلى تفكير عميق من جانب الأطراف الأخرى لفهم الحاجة إلى مثل تلك التعديلات بعيدا عن أجواء التشكيك والإتهامات المتبادلة.
تعديل الدستور 'حتمية' لا يمكن الهروب منها وكل تلك المراجعات المستندة على غياب التوقيت المناسب لطرح مثل تلك التعديلات ليست سوى تهرب من الواقع الذي بات بحاجة ماسة لإعادة النظر به خاصة وأن هناك 'تعنتا' في إستخدام المواد الدستورية كالاستجوابات في قضايا لا تستحق أن تستخدم بها مثل تلك المواد كما جرى في قضية رجل الدين الشيعي الفالي، وفي إزالة أماكن العبادة المخالف إنشائها للقوانين البلدية وفي إفتعال المعارك الوهمية مما جعل مثل تلك الآليات مدعاة للسخرية بدلا من كونها آليات معالجة لأوضاع خاطئة. إعادة تنظيم الحياة السياسية تأتي من خلال تعديل مواد الدستور نحو خلق أحزاب وطنية وتداول سلطة وإنشاء غرفة جديدة في مجلس الأمة الحالي تكون منتخبة وفق دوائر إنتخابية أكبر من التي ينتخب من خلالها النواب ولا يتجاوز عددهم ثلث أعضاء مجلس الأمة تنقل لها صلاحيات سمو الأمير برد القوانين والتشريعات ولا أرى أن هناك ضرورة لتعديلات النائب علي الراشد إذا تحققت تعديلات جدية لتنظيم الحياة السياسية وإلا سيستمر الوضع الحالي كما هو.
 
أعلى