ولا زال بعض الأغرار منهم ؛ يصر على أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدو محارب يجوز استهدافه لمجرد أن شعارها هو معكوس العلم السويسري الذي يحوي صليبا متساوي الأضلاع .. ويزعم أنها هيئة تبشيرية مادامت تحمل هذا الشعار ؛ وعندما نسأله هل يعني هذا أن فروع الهلال الأحمر هي لجان إسلامية دعوية ؟ لا يقر بذلك ويرى أنها مجرد مستشفيات متنقلة لا دخل لها بالدعوة ولا بالدين ، ويمتنع عن وصف اللجنة الدولية للصليب الأحمر بمثل ذلك ، هكذا يقدر الأمور بعض الشباب عندنا ويصرون عليها ؛ ومن ثم يرون شرعية استهدافها ولا يضعون اعتبارا لمن يراجع مقراتها من المستضعفين والمسلمين ، ولا من ينقل بسياراتها وطائراتها من الأطفال والجرحى ونحوهم ..
ولقد حدثني غلام أُسر أبوه في بلد تحول إلى ساحة قتال بعد احتلال الأمريكان له ، وكان الغلام مع أبيه حين اعتقل فسُلم بعد أيام للجنة الدولية للصليب الأحمر لتقوم بدورها بنقله إلى بلده ؛ فأخذ ذلك الغلام يصف لي كيف أقلعت طائرة الصليب الأحمر بطريقة حلزونية عمودية في كبد السماء لفترة وبسرعة فائقه جعلته يُسرّ بذلك ويتذكر المراجيح في حين جُنّ جنون المرافقين له من صعوبة تلك الطريقة في الطيران ومشقّتها؛ ولما استفصلت منه ومن المندوبين عن سبب ذلك ! قيل لي أنه مازال هناك من يطلقون النار على طائرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ويعاملونها كطائرات معادية مع أنها طائرات مدنية صغيرة وليست عسكرية ، وتقل في كثير من الحالات جرحى ونساء وأطفال ومساعدات !!! فيطلقون النار عليها لمجرد أنها تحمل شارة الصليب!! أذكر هذا مع علمي أن استهداف اللجنة وارد من قبل العدو المحتل نفسه بالخطأ أو بالعمد بحجة أنها يتردد عليها مجاهدون كما جرى في أفغانستان ، وقد يفعل ذلك عن عمد أيضا ليلصق بالمجاهدين كما يجري في كثير من العمليات المدبلجة المصنوعة التي تنسب إلى المجاهدين تشويها للجهاد ..
إلا أن التعنت في التعامل مع هذه اللجنة الإغاثية وتشديد النكير على من يدعو إلى تأمين مندوبيها وعدم التعرض لهم بالأذي لا زلنا نسمعه من بعض الشباب .. حتى كفّر أمثالُهم من قَبْل نظام الطالبان أيام حكمهم، وأبطلوا القتال تحت رايتهم لأسباب كان بينها ويا للعجب العجاب سماح الطالبان للجنة الدولية للصليب الأحمر بممارسة أعمال الإغاثة على أراضيها ، وأنا أقول هذا وأعلم ما أقول !!
ولا عجب من هذه الضحالة الفكرية ولا غرابة ؛ فصورتها تتنوع وتتكرر وستبقى تتكرر إن أغلقنا أفواهنا مخافة الإرهاب الفكري الذي يمارسه أبو فلانة وأبوعلانة ممن يتربصون بما نكتب ، متمسحين بدعوى الدفاع عن الجهاد والمجاهدين ، والمجاهدون الصادقون منهم ومن سفه أقوالهم برؤاء وليسوا بحاجة إلى دفاعهم المدعى وتخليطهم المكشوف ، بل سيتمنى كل مجاهد إن اطلع على حال هؤلاء المحامين البطالين لو أنهم كسروا أقلامهم وكفّوا ألسنتهم وانسحبوا بهدوء ،فالجهاد والمجاهدون في غنى عن الدعاوى والأدعياء وحماقاتهم المشوّهة للجهاد والمجاهدين ..
يريدني بعض أولئك الحمقى أن أغلق فمي عن ترهاتهم التي شوهت الجهاد ؛ تحت إرهاب سيوفهم المسلّطة على كتاباتي ليل نهر ترصدها ولا هم لهم ولا شغل إلا ذلك ..
أما لهم شغُلٌ عنّي فيشغلهم أَوَكلهم بي مشغول ومرتهنُ
كأن ذكريَ تسبيحٌ به أُمروا فليس يَغفُلُ عني منهم لَسِنُ
دعهم يعضوا على صُمّ الحصى كمدا من مات من قولتي عندي له كفنُ
يريد أولئك الحمقى أن يُخبّصوا ويتخبّطوا ، ومن ثم يَنسب تخبيصهم وتخبّطهم للجهاد من شاء وكيف شاء ونحن مكتِّفين الأيدي صامتين نتفرج وكأن الأمر لا يعنينا ؛ لا يريدوننا أن نتكلم أو نناصح أو نتبرأ ونبريء التوحيد والجهاد والمجاهدين ، يريدوننا أن نصمت لنفسح المجال لتخليطهم ، ولنترك الفرصة تلو الفرصة للمزاودين على الجهاد والمجاهدين ، الذين يقتنصون الفرص ليشوّهوا الجهاد وليقزّموه ويقبّحوه ويشوّهوه في أعين الخلق من خلال صناعة الموت وصناعة الكذب وصناعة الدجل وأخواتها ..
ولقد حدثني بعض أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر ممن يحفظون للمجاهدين حقهم ، ولا ينسون لهم فضلهم عندما يتفهم أولئك المجاهدون حقيقة عملهم، ولا يتعرضون لهم ..
فحدثني رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في أفغانستان زمن حكم الطالبان عن ذلك ، فقال لي : إن أفغانستان لها مكانة خاصة في قلبي وإني أكن احتراما خاصا للملا عمر ؛ وذكر لي سبب ذلك ، وأنه وقع في أسر بعض قطاع الطرق في زمن الطالبان وتعرض هو ومجموعة من المندوبين للأذى على أيديهم ؛ وكانوا يدّعون أنهم من المجاهدين ، ولا زال يستذكر تلك الساعات الرهيبة التي مرت عليه هو وعشرين من المرافقين له من المندوبين الأوروبيين والأفغان كانوا ضمن قافلة إغاثة ؛ وكيف كان أولئك الخاطفين يؤذونهم ويضربونهم ويتلاعبون بأعصابهم ويرعبونهم بوضع الخناجر على رقابهم لإيهامهم بأنهم على وشك حزها ، وأنهم وضعوا المسدس في رأسه مرات يوهموه أنهم سيقتلونه ثم يضغطون على الزناد وهو ينتظر الموت وإذا بالمسدس فارغ ! وكيف بقوا تحت وطأة هذه المعاناة إلى أن قام مقاتلوا الطالبان بتحريرهم ، وساقوهم إلى حيث كان أمير المؤمنين الملا عمر ، وذكر لي ذلك المندوب وهو نصراني سويسري ؛ أنه إلى اليوم لا ينسى ولن ينسى معاملة الملا عمر الطيبة الحسنة واعتذاره إليهم قائلا : ( أنتم ضيوف ونحن لا نعامل الضيوف هكذا ؛ ومن قام بذلك العمل ليسوا من المجاهدين ) وأنه أمر وزير الصحة بتفقد ما يحتاجونه من الرعاية الصحية بعد تحريرهم ... هذه القصة حدثني بها صاحبها السويسري نفسه قبل شهرين من هذا التاريخ ، معترفا بعرفانه للطالبان والملا عمر بعد سنين من حدوثها .. ولكنها صنائع المعروف لا تنسى .
ولا ننس الصحافية الإنكليزية ( ايفون رايلي ) التي اعتقلها نظام طالبان قبيل القصف الأميركي على أفغانستان بأيام .. فلا زالت إلى اليوم تتحدث في كل مناسبة عن المعاملة الحسنة التي انبهرت بها من قبل حركة طالبان لها مدة الأيام العشرة التي أسرت فيها، هذا رغم جرأتها عليهم وشتمها وتحدّيها لهم وسخريتها منهم ، ورغم البصقة التي بصقتها بعصبية في وجه أحد محاوريها؛ فلا زالت تذكر تلك الصحافية أن كل هذا وغيره من الإهانات والتحدي لم يكن له أثر على رجال الطالبان الذين استمروا في إحسان معاملتها بأدب منقطع النظير مراعاة لكونها امرأة ، وهذا لا شك أنه نادر الصدور في زماننا خصوصا في زمن الحرب ؛ من جيش تجاه شخص من أعدائه جاء متخفيا ويمكن أن يكون جاسوسا لدولته المحاربة بريطانيا والتي وقفت بكل ثقلها مع أمريكا ضد أفغانستان.
تقول ( ايفون رايلي ) : ( حتى عندما اكتشفوا من أول لحظة أنني انكليزية متخفية في لباس أفغانية بعد أن سقطت مني الكاميرا وفضحتني على الحدود ؛ لم يفتشوني شخصيا بل استدعوا امرأة قامت بتفتيشي بعيدا عن أعين الرجال؛ وعندما عرفوا من التحقيق معي أني لست عدوة، وعدوني بإطلاق سراحي، ووعدتهم بدوري أن أقرأ القرآن مصدر الأخلاق الإسلامية. )
تقول ايفون : ( بعد إطلاق سراحي اجتمع مئات الصحافيين ينتظرون قنبلة تصريحاتي ضد الطالبان، فكان جوابي ) : لقد أحسنوا معاملتي) فصدموا وخيّم عليهم الصمت!
ووفيت بوعدي وقرأت ترجمة القرآن، وتعرفت على الإسلام، ثم أسلمت.)
واليوم وبعد إسلامها تمتلك ايفون موقعا على الإنترنت يمكن زيارته على هذا الرابط:
تدافع فيه عن الإسلام والحجاب ، وتنصر المسلمين في غزة وفي كل مكان ، ولا زالت تدافع عن الطالبان وتذكرهم بخير .. وتقول في كل محاضرة أو مناسبة تسنح لها: ( إنني ألقي محاضرتي هذه عليكم باللباس الشرعي الإسلامي الذي أعطاني إياه نظام طالبان في السجن هناك.. وأحمد الله أنني سجنت في نظام طالبان الذي يصفونه بالشرير !! ولم أسجن في معتقل غوانتانامو أو أبوغريب للنظام الأميركي الديمقراطي !! كي لا يغطوا رأسي بكيس ويلبسوني مريولا برتقاليا، ويربطوا رقبتي بحزام ويجروني على الأرض بعد أن يعروني!!( .
الله أكبر .. أرأيتم ماذا تفعل الأخلاق ؟ وماذا يفعل الجهاد حين يؤدى بصورته المشرقة التي ورثناها عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ؟
دولة الطالبان سقطت وخرج أمير المؤمنين من بيته وإمارته على دراجة نارية ، وعاد إلى الجبال مجاهدا كما كان ، وعدنا من حيث بدأنا .. ومع ذلك فقد ترك الملا عمر وترك نظامه أعطر ذكر وأجمل سمعة وأبهى صورة ، لا زال يتحدث عنها أبناء الغرب بصدق واختيار ومن القلب ..
فيما لا يزال يَنهش أعراض الطالبان والمجاهدين ، بأخبث الألسنة في بلادنا من يُدفع لهم ليبيعوا دينهم وذممهم وضمائرهم ؛ مشوّهين بذلك خلاصة أهل الزمان وخيرة أهل العصر ..
لله درهم ولله در جهادهم وأخلاقهم ..
ولي حنّة في كل وقت إليكم ولا حنّة الصادي إلى البارد العذب
***
إيهٍ أحاديث نعمان وساكنه إن الحديث عن الأحباب أسمار
أفتش الريح عنكم كلما نفحت من نحو أرضكم مسكا ومعطار
تقول تلك الإنجليزية حفظها الله ؛ ولا بد أن نكرر كلامها ونكرره ونكرره ولتسمع الدنيا كلها : ( إنني ألقي محاضرتي هذه عليكم باللباس الشرعي الإسلامي الذي أعطاني إياه نظام طالبان في السجن هناك.. وأحمد الله أنني سجنت في نظام طالبان الذي يصفونه بالشرير، ولم أسجن في معتقل غوانتانامو أو أبوغريب للنظام الأميركي الديمقراطي !! كي لا يغطوا رأسي بكيس ويلبسوني مريولا برتقاليا، ويربطوا رقبتي بحزام ويجروني على الأرض بعد أن يعروني!!( .
ذلك كله دون أدنى شك من حكمة أولئك المجاهدين في التعامل مع غير المقاتلين ؛ وهو يصب في رصيد الجهاد والمجاهدين ؛ ويلقّن العالم كله دروسا في الأخلاق ، ويعرّف الدنيا كلها بحقيقة الجهاد وصورته المشرقة التي يسعى في تشويهها بحقد وخبث وإصرار طواغيت الشرق والغرب وإعلامهم ومشايخهم وأذنابهم ..
فياليتني حذاءا لأمير المؤمنين يدوس بي رؤوس الكفر ، حين يجاهد على هدي المصطفى ، تحت راية التوحيد ..(1)
وكتب
الشيخ أبو محمد المقدسي
غرة رجب 1430
من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام