على مدار التاريخ .. لم يحدث أن تجمع هذا العدد الكبير من الغزاة، الذين يمثلون أقوى الدول على وجه الأرض، عسكريا واقتصاديا، ضد دولة من الدول، أو قوة من القوى، وطوال هذه المدة الزمنية، مثلما يحدث في أفغانستان .. ومع ذلك، فخلال ما يقارب العشر سنوات عجزت هذه القوى الهائلة، بموازين الناس، عن تحقيق النصر..!
بل إن خسائر التحالف، المكون من أمريكا و حوالي 40 دولة من الحلفاء، تتفاقم... وقوته ومعنوياته تضعف.. ويوشك عقده أن ينفرط.. خوفاً وذعراً من الهزائم والخسائر التي تعاني منها قواته يومياً .. حيث يتوقع أن يصل عدد قتلاه خلال هذا الشهر فقط إلى 100 قتيل !.. وهاهي تصريحات قادة التحالف تتوالي .. فخلال هذا الأسبوع صرح وزير الدفاع البريطاني، وكذا الألماني عن رغبتهم في مغادرة أفغانستان خلال مدة زمنية محددة .. كما أن تصريحات قائد القوات الأمريكية والحلف، التي أقيل بسببها، تعكس حالة التخبط واليأس التي تعيشها هذه القوات..
من جانب آخر، فقد تأثرت دول التحالف اقتصادياً بصورة لم تكن تتوقعها .. فأصبحت فاتورة الحرب مرهقة بدرجة لم تعد تحتمل.. وربما لم تكن هذه الدول لتعاني من الأزمة الاقتصادية العالمية لو لم تكن طرفاً في هذه الحرب.. بل إن هناك من يربط بين الأزمة الاقتصادية العالمية والحروب التي خاضتها أمريكا في العراق وأفغانستان .. بعد أحداث 11 سبتمبر وتفاعلاتها.. ويبدو أن أمريكا بدل أن تربح العراق وأفغانستان قد خسرت قوتها وسيطرتها ومكانتها العالمية، ووصلت ديونها إلى مستويات هائلة، أصبحت تهدد مستقبلها كقوة اقتصادية وسياسية عالمية..
إن من المؤسف حقاً ما يلاحظ من انقلاب المفاهيم، واستمراء الذل وقبول حالة الاستعمار والعدوان على أفغانستان والعراق وغيرها، من قبل كثير من العلماء والمفكرين والمثقفين ورجالات الإعلام .. فضلا عن الحكام ورجال السياسية في العالم الإسلامي .. فأصبح كثير منهم يتعامل مع الاحتلال والاستعمار وكأنه حالة طبيعية، بل ربما ينظر بعضهم إلى الغازي المعتدي على أنه متفضل بجهوده الاستعمارية، التي تفسر على أنها خدمة مشكورة يقدمها المحتل لهذه الشعوب، من أجل تحريرها من الحكومات الدكتاتورية المتخلفة التي تحكمها بزعمهم، و أنه جاء ليضحي بأبنائه من أجل نشر الديمقراطية والعدل والمساواة في هذه المناطق! وربما نسي هؤلاء أن هذا المستعمر نفسه هو أكبر من يحمي دكتاتوريات أخرى في المنطقة، لمجرد أنها موالية له، ومحققة لمصالحة! وهو لا يتحدث عن ضرورة الديمقراطية والحرية إلا عندما يكون على سدة الحكم من يعارضه .. كما في العراق سابقاً، أو أفغانستان، أو السودان..!
وهذا بالطبع لا يعني أن حكومة طالبان كانت حكومة مثالية، فقد كانت هناك انتقادات كثيرة لأسلوبها في الحكم وترتيبها للأولويات، ولكنها، بشهادة الأفغان أنفسهم، كانت أفضل من حكومات الميليشيات والجماعات المتقاتلة، التي حكمت بعد سقوط الحكومة العميلة لروسيا، وهي أفضل، بالتأكيد، من حكومة كرزاي الحالية، التي يشيع فيها الفساد، وازدهرت تحت حكمها زراعة وتجارة المخدرات، بعدما أوشكت حكومة طالبان، قبل الاحتلال الأمريكي، على القضاء على هذه الزراعة.. بشهادة الأمم المتحدة.. بمعنى أن القضية نسبية، فحكومة طالبان يجب أن تقارن بما هو متاح أو ممكن من حكومات لحكم أفغانستان، لا بما يجب أن تكون عليه الحكومات عموماً، أو الحكومة الإسلامية خصوصاً، كما أن هناك حكومات أكثر سوءا وتخلفاً في العالم.. ومع ذلك فالعالم لم يرفضها أو يواجهها .. وخصوصاً في الجمهوريات الإسلامية التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي سابقا.
أعلم أن هناك من سيأتي للتشويش هنا بذرائع دعم الإرهاب.. ولكن ألا يمكن أن نفرق بين ما يمكن الاتفاق عليه مع طالبان وما يمكن الاختلاف حوله .. ولِـمَ يُقبل من حسني مبارك على سبيل المثال أن يجتمع في المساء مع نتنياهو ويأخذه بالأحضان.. ويتبادل معه الابتسامات والصور برغم جرائم إسرائيل وإرهابها!! ثم يتصدر في الصباح اجتماعات دعم القدس ومناصرة القضية الفلسطينية، ولا يستنكر عليه ذلك أحد !! ولِـمَ يُقبل من زعيم آخر أن يستقبل بوش أو أوباما.. أو يحل في ضيافتهم.. ويتبادل معهم الأحاديث الودية والاتفاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية.. برغم أنهم يصدرون في ذات الوقت قرارات القتل في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وغيرها !! كيف يحق لهؤلاء الزعماء إذن الاتفاق والتعاون مع هؤلاء المجرمين في بعض الأمور والاختلاف معهم في غيرها (إن كانوا حقيقة يختلفون) .. ولا يقبل من غيرهم أن يتفق مع طالبان في بعض الجوانب ويختلف معها في قضايا أخرى؟!
إن قبول احتلال أفغانستان أو العراق وتبريره .. وتسويغ التعامل مع المحتل .. يعني أن على من يرى هذا الرأي أن يقبل تكرار هذا السيناريو في بلاده لو احتلت من قبل أي قوة أخرى.. بمعنى أن يقبل الكويتي الاحتلال العراقي، ويقبل الخليجي الاحتلال الإيراني لبعض مناطق الخليج.. فتبرير الاحتلال وقبول التعامل معه هو تربية للعمالة والعملاء..
ولذا فإن هزيمة أمريكا والتحالف الدولي الجائر على أرض أفغانستان تعد ضرورة استراتيجية للأمة الإسلامية، وكل من يحمل في قلبه ذرة ولاء للأمة يفترض أن يسر بذلك، لأن أرض الإسلام ستكون محرمة على الغزاة لو تحققت هذه الهزيمة.. ولن تتجرأ أمريكا.. ولا غيرها، على غزو أي أرض يسكنها من يؤمن بالجهاد والاستشهاد في المستقبل.. وخصوصاً بعد تجاربهم في أفغانستان والعراق والصومال والبوسنة .. ويبقى التحدي الأكبر متمثلا في قدرة طالبان على وحدة الصف، والاستمرار حتى النصر.. ورفض محاولات الاستجداء التي يمارسها المحتل من أجل الحوار والمفاوضات، وما يسمى إدماج عناصر طالبان المعتدلة في العملية السياسية، وهي العملية التي يسعى من خلالها المحتل لحفظ ماء وجهه.. وحفظ مصالح عملائه .. وهو السيناريو الذي تكرر كثيرا في العالم الإسلامي في جميع حروب الاستقلال.. فكانت النتائج أن من طرد من باب الجهاد عاد من نافذة المفاوضات والاتفاقات السياسية.. فخطف ثمرة النصر.. وهو ما أظن أن طالبان أذكى من أن تقع في فخه، أو تكرره بعد كل هذه التضحيات.. فالمعجزة الأفغانية شرف لأي أمة أنجبت مثل هؤلاء .. وجعلت بلادها مقبرة للامبراطوريات على مر التاريخ ..
http://almokhtsar.com/cms.php?action=show&id=4844
بل إن خسائر التحالف، المكون من أمريكا و حوالي 40 دولة من الحلفاء، تتفاقم... وقوته ومعنوياته تضعف.. ويوشك عقده أن ينفرط.. خوفاً وذعراً من الهزائم والخسائر التي تعاني منها قواته يومياً .. حيث يتوقع أن يصل عدد قتلاه خلال هذا الشهر فقط إلى 100 قتيل !.. وهاهي تصريحات قادة التحالف تتوالي .. فخلال هذا الأسبوع صرح وزير الدفاع البريطاني، وكذا الألماني عن رغبتهم في مغادرة أفغانستان خلال مدة زمنية محددة .. كما أن تصريحات قائد القوات الأمريكية والحلف، التي أقيل بسببها، تعكس حالة التخبط واليأس التي تعيشها هذه القوات..
من جانب آخر، فقد تأثرت دول التحالف اقتصادياً بصورة لم تكن تتوقعها .. فأصبحت فاتورة الحرب مرهقة بدرجة لم تعد تحتمل.. وربما لم تكن هذه الدول لتعاني من الأزمة الاقتصادية العالمية لو لم تكن طرفاً في هذه الحرب.. بل إن هناك من يربط بين الأزمة الاقتصادية العالمية والحروب التي خاضتها أمريكا في العراق وأفغانستان .. بعد أحداث 11 سبتمبر وتفاعلاتها.. ويبدو أن أمريكا بدل أن تربح العراق وأفغانستان قد خسرت قوتها وسيطرتها ومكانتها العالمية، ووصلت ديونها إلى مستويات هائلة، أصبحت تهدد مستقبلها كقوة اقتصادية وسياسية عالمية..
إن من المؤسف حقاً ما يلاحظ من انقلاب المفاهيم، واستمراء الذل وقبول حالة الاستعمار والعدوان على أفغانستان والعراق وغيرها، من قبل كثير من العلماء والمفكرين والمثقفين ورجالات الإعلام .. فضلا عن الحكام ورجال السياسية في العالم الإسلامي .. فأصبح كثير منهم يتعامل مع الاحتلال والاستعمار وكأنه حالة طبيعية، بل ربما ينظر بعضهم إلى الغازي المعتدي على أنه متفضل بجهوده الاستعمارية، التي تفسر على أنها خدمة مشكورة يقدمها المحتل لهذه الشعوب، من أجل تحريرها من الحكومات الدكتاتورية المتخلفة التي تحكمها بزعمهم، و أنه جاء ليضحي بأبنائه من أجل نشر الديمقراطية والعدل والمساواة في هذه المناطق! وربما نسي هؤلاء أن هذا المستعمر نفسه هو أكبر من يحمي دكتاتوريات أخرى في المنطقة، لمجرد أنها موالية له، ومحققة لمصالحة! وهو لا يتحدث عن ضرورة الديمقراطية والحرية إلا عندما يكون على سدة الحكم من يعارضه .. كما في العراق سابقاً، أو أفغانستان، أو السودان..!
وهذا بالطبع لا يعني أن حكومة طالبان كانت حكومة مثالية، فقد كانت هناك انتقادات كثيرة لأسلوبها في الحكم وترتيبها للأولويات، ولكنها، بشهادة الأفغان أنفسهم، كانت أفضل من حكومات الميليشيات والجماعات المتقاتلة، التي حكمت بعد سقوط الحكومة العميلة لروسيا، وهي أفضل، بالتأكيد، من حكومة كرزاي الحالية، التي يشيع فيها الفساد، وازدهرت تحت حكمها زراعة وتجارة المخدرات، بعدما أوشكت حكومة طالبان، قبل الاحتلال الأمريكي، على القضاء على هذه الزراعة.. بشهادة الأمم المتحدة.. بمعنى أن القضية نسبية، فحكومة طالبان يجب أن تقارن بما هو متاح أو ممكن من حكومات لحكم أفغانستان، لا بما يجب أن تكون عليه الحكومات عموماً، أو الحكومة الإسلامية خصوصاً، كما أن هناك حكومات أكثر سوءا وتخلفاً في العالم.. ومع ذلك فالعالم لم يرفضها أو يواجهها .. وخصوصاً في الجمهوريات الإسلامية التي كانت تتبع الاتحاد السوفييتي سابقا.
أعلم أن هناك من سيأتي للتشويش هنا بذرائع دعم الإرهاب.. ولكن ألا يمكن أن نفرق بين ما يمكن الاتفاق عليه مع طالبان وما يمكن الاختلاف حوله .. ولِـمَ يُقبل من حسني مبارك على سبيل المثال أن يجتمع في المساء مع نتنياهو ويأخذه بالأحضان.. ويتبادل معه الابتسامات والصور برغم جرائم إسرائيل وإرهابها!! ثم يتصدر في الصباح اجتماعات دعم القدس ومناصرة القضية الفلسطينية، ولا يستنكر عليه ذلك أحد !! ولِـمَ يُقبل من زعيم آخر أن يستقبل بوش أو أوباما.. أو يحل في ضيافتهم.. ويتبادل معهم الأحاديث الودية والاتفاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية.. برغم أنهم يصدرون في ذات الوقت قرارات القتل في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال وغيرها !! كيف يحق لهؤلاء الزعماء إذن الاتفاق والتعاون مع هؤلاء المجرمين في بعض الأمور والاختلاف معهم في غيرها (إن كانوا حقيقة يختلفون) .. ولا يقبل من غيرهم أن يتفق مع طالبان في بعض الجوانب ويختلف معها في قضايا أخرى؟!
إن قبول احتلال أفغانستان أو العراق وتبريره .. وتسويغ التعامل مع المحتل .. يعني أن على من يرى هذا الرأي أن يقبل تكرار هذا السيناريو في بلاده لو احتلت من قبل أي قوة أخرى.. بمعنى أن يقبل الكويتي الاحتلال العراقي، ويقبل الخليجي الاحتلال الإيراني لبعض مناطق الخليج.. فتبرير الاحتلال وقبول التعامل معه هو تربية للعمالة والعملاء..
ولذا فإن هزيمة أمريكا والتحالف الدولي الجائر على أرض أفغانستان تعد ضرورة استراتيجية للأمة الإسلامية، وكل من يحمل في قلبه ذرة ولاء للأمة يفترض أن يسر بذلك، لأن أرض الإسلام ستكون محرمة على الغزاة لو تحققت هذه الهزيمة.. ولن تتجرأ أمريكا.. ولا غيرها، على غزو أي أرض يسكنها من يؤمن بالجهاد والاستشهاد في المستقبل.. وخصوصاً بعد تجاربهم في أفغانستان والعراق والصومال والبوسنة .. ويبقى التحدي الأكبر متمثلا في قدرة طالبان على وحدة الصف، والاستمرار حتى النصر.. ورفض محاولات الاستجداء التي يمارسها المحتل من أجل الحوار والمفاوضات، وما يسمى إدماج عناصر طالبان المعتدلة في العملية السياسية، وهي العملية التي يسعى من خلالها المحتل لحفظ ماء وجهه.. وحفظ مصالح عملائه .. وهو السيناريو الذي تكرر كثيرا في العالم الإسلامي في جميع حروب الاستقلال.. فكانت النتائج أن من طرد من باب الجهاد عاد من نافذة المفاوضات والاتفاقات السياسية.. فخطف ثمرة النصر.. وهو ما أظن أن طالبان أذكى من أن تقع في فخه، أو تكرره بعد كل هذه التضحيات.. فالمعجزة الأفغانية شرف لأي أمة أنجبت مثل هؤلاء .. وجعلت بلادها مقبرة للامبراطوريات على مر التاريخ ..
http://almokhtsar.com/cms.php?action=show&id=4844