يــــــــــــــــوم كئيـــــــــــــب وليـــــــــــــله عصيبــــه
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-
كان يوم امس ثالث يوم من رمضان يوما صعبا وعصيبا جدا وكان يوما كئيبا ، وليلة هذا اليوم هي الاخري ، وكنتيجه حتميه ليوم الامس ، صارت ليله عصيبه ، عانيت خلال الليل الامرين من اضطرابات وبهدله مايعلم فيها الا الله . وهكذا كان يومي وليلتي بين كئيبه واختها عصيبه ، ولاعزاء للراحه والارتياح ، فلاراحه للاحياء .
بعد ان اغلقت الجهاز والنت بالامس وبعد ان ساهمت في كم مشاركه بالمنتدي ، كان وقت صلاة العصر قد بدا ، وذهبت لصلاة العصر في المسجد ، مشيا علي الاقدام ، والمسجد بعيد الي حد ما عن بيتنا ، وكان الجو رطوبه وحارا جدا ، وطوّل الامام علي مااقام الصلاة ، وانا اصلي حسيت بدوخه رهيييبه ، وبالكاد والغصب اتماسك نفسي ، وكنت اشعر بانني ساسقط من طولي ، وكنت اسند نفسي بصعوبه ، وانتهيت من الصلاة وكان الارهاق والتعب والجوع والعطش والدوخه علي السجائر قد بلغت مني مبلغها ، فلقد شعرت بهبوط داخلي شديد .
وعدت الي البيت سيرا علي الاقدام وانا متعب جدا ، والشمس الحاره والرطوبه تلتهب بداخلي اكثر من خارجي ، وتحرق دمي واحشائي اكثر مما تحرق ملابسي وجلدي ، وكأن الشمس صارت تشرق من بطني ومن صدري وليس من السماء البعيده ، وكان العطش شوكا ودبابيس في حلقي ، والعرق كان ينزف مني كنزف جرح دامي في قلب عاشق مهجور او محب مغدور ، ومن شدة الجوع كان هناك جمره جائعه مسعوره حاااره في معدتي ، وحمض الهيدروكلوريك كان كريما سخيا مع معدتي فهو يتفجر بداخلي بغير حساب ، فيزيدني جوعا ولهيبا وحريقا ونيرانا وسعيرا ، وكم كنت احس ان البيت قد صار بعيدا وبعيدا جدا ، وتثاقلت خطواتي عن المشي وكنت اري البيت وقد صار سرابا وخيالا هائما فبيتنا تحول الي حلم في راسي ، وما ان وصلت الي البيت فالقيت نفسي علي الفراش وانكببت عليه كبا ، لاادري اين انا ولاماذا افعل ، وكيف اتخلص من هذا الوضع الشقي وهذا الجوع القاسي والهبوط الشديد ، وكانت معدتي تأكل نفسها بنفسها من شدة الجوع وقسوة عضته فللجوع عضه تغرز انيابها في معدتي وتخربش اظافرها احشائي ، واي عضه ، فما لجوع الا وحش مسعور ضمن ملايين الوحوش في داخل الانسان .
لقد تحول " قولـــــــوني " الي سكة حديد يسير عليها قطار لايأبه لاي انسان ، وكنت اسمع صفيره في عقلي ، وكان صفيره مزعجا الي ابعد حدود ، ومن شدة الجوع فلو انني كنت قد ابتلعت " صبة كونكريت اسمنتيه " لهضمتها ، او لو انني ابتلعت احجار الرصيف لذابت في حلقي كما تذوب لقمة العيش في فم الجائع الولهان ، كان بداخلي نيران جائعه من شدة الجوع ، وكانت احشائي تعربد في ليلة حمراء في بطني لاتحدها حدود ولايسكتها قوه ، فعذاب الجوع الشرس كان امرا قاسيا لامفر منه .
والحقيقه انني استغربت هذا الجوع الشديد المفاجئ ، صحيح انه عند العصر يكون ساعات طويله قد مرت من بداية الامساك ، وهي مده كافيه ليستفحل فيها الجوع الشديد والعطش العنيف خاصة في هذه الاجواء الحاره اللاهبه ، الا انني مااعرفه عن نفسي انني لست من المهتمين بالاكل غالبا ، في الايام العاديه ، وطريقتي بالاكل هي " مشي حالك " ، باي طعام ممكن الحصول عليه .
ويبدو لي ان مازاد الشعور بالجوع شدة وحدة ، هو هذا الحنين الداخلي الخفي للشاي وللزجاير ، فانني شعرت بشوق للزجاير لايضاهيه شوق ، كان شوقا مؤلما موجعا لاهبا كلهيب الصيف الحار ، والشوق دائما يعد سببا حتميا وخفيا للحزن وللاكتئاب ، ان شوقي للزجاير مثل شوق الاشجار المسكينه في شوارع الكويت للماء ، ان حالي كان كما هو حال هذه الاشجار المنسيه والمهجوره والمتروكه لرحمة الحراره والرطوبه والعطش الدامي العنيف في شوارعنا الساخنه من اعلاها لادناها ، هذه الاشجار نسيها الناس ولم يرحموها بقطرة ماء ، وانا ايضا فان الزجاير كانت معشوقتي التي هجرتني ونستني لكنني لااستطيع ان انساها ، اشتقت للزجاير كما يشتاق العاشق المشبوب ذو القلب المسعور لانفاس معشوقته ولرائحة هواها ، كان طيف الزجاره ورائحتها النديه تلوح لي كما تلوح رائحة الشواء الحاره والمركزه للبطن اللذي يتضور جوعا ، وكما تشتاق المهجوره لليالي الفراش ورائحته المنعشه وانفاسه المشحونه التي كانت تضوع بها حياتها قبل الهجر الاليم وقبل حلول الحال الكئيب ، وجعل العطش للماء والشوق العنيف للزجاير بداخلي صحراء جافه قاحله مهجوره ، يملؤها الشوك الحاد ، لقد كان جسمي من داخل في حالة قحط تام ، وجفاف مميت ، ولامن قطرة ماء ، ولامن رائحة زجاره واحده ، كان الربع الخالي يسكنني .
ومضي الوقت بطيئا ، وكأنه يحمل علي ظهره أوزار المذنبين وآثام العصاة المعاقبين وذنوب الفاسقين وانتظار الملهوفين وعذاب الصابرين واضطراب الحائرين ، وكآبة المساجين ، واثقال المنهكين ، واحمال الحمالين ، وبعد جهد جهيد ، وعذاب مر و شديد ، واصرار عنيد ، وسير من شدة الجوع علي الحديد ، رفع اذان المغرب ، وماكان ليفعل ، حتي كدت اموت جوعا وعطشا وهبوطا ، وشوقا للزجاير وولد عمها الشاي .
فهجمت علي الاكل هجوما شرسا ، فأكلت وكان الجوع يأكلني والعطش يفترسني ويتوحد بي ، لاعوض عــــــــــــــذابي ولانتقم من هذا الجوع القاتل ولارده خائبا علي عقبيه ، هجمت دون وعي وانتباه ، وصكتني دوخه شديده . وشعور بالحزن عميق ، وشعرت بموجات خفيه من الالم تعتريني لاادري لها سببا ، فغصت قليللا في نفسي لافتش عن سبب احزاني المفاجاه ، فوجدت في اعماقي الخفيه صوره رايتها بالامس لمجاعة المساكين البؤساء التعساء في الصومال ، فزال عني كل شعور بلذة الطعام وشعرت بالشبع ، وفقدت شعور المتعه والقدره علي التلذذ بالطعام ، وبصراحه من اشد العقد النفسيه التي اعانيها ولااعرف سبيلا للخلاص منها ، هي انني اشعر بالذنب الشديييييد والتانيب القاسي وافقد الشعور باللذه والاستمتاع بما امتلكه وبما انعم الله تعالي علي به اذا كان هناك شخص اعرفه محروما من هذا الشئ وغير قادر علي الاستمتاع بما انا مستمتع به ، وهذا الشعور طالما اتعبني وطالما افقدني القدره علي الاستمتاع والتلذذ بما املكه وبما هو من حقي ، وهو شعور مؤلم للغايه ، بل انه يجعلني افقد الشعور بلذة الحياة حتي انني والله لااستطعم ماهوملكي وحقي .
فعلا انها ماساة حقيقيه تحطم النفس وتوجع القلب وتدفع الانسان لان يستسلم للالم المريع والعذاب القبيح والمصير الاسود ، انه عذاب لايطاق ولايحتمل هذا اللذي يعيشه الصوماليين البؤساء ، انهم امام جوع شرس يفترسهم وامام عجز طاغي عن القدره علي الحصول علي الطعام ، انهم جوعي ، انهم يعيشون مأساة الانسان الفرد باجلي صورها وبؤسها وشقائها ، وهذا يعني ان الجوع ياكلهم ويفترسهم ولايرحمهم ، ان لم يجدوا مايأكلونه ، والرحمه ليست ابدا من صفات الجوع فالجوع والرحمه يستحيل ان يلتقيان ، لقد ثار في داخلهم الذئب الجائع الشرس الساكن في اعماق الانسان ، كم هو قاسي ان تعيش لتموت ، وان تعيش تتضور وتموت جوعا ياكلك الجوع ، ولاتجد ماتاكله ، كان الله بعونهم ورحم حالهم ورحمنا جميعا واحسن خاتمتنا .
فمن ذا اللذي يطيق صبرا علي جوع شرس لايرحم ولايجد مايسكت به الصوت المزعج الدامي لهذا الجوع البشع القاسي . انها مأساة الوجود الانساني البائس التعس .
Outsider