سعد بن عاقول
عضو فعال
هل قدرنا أن نختار دائماً ما بين (سيئ) و (أسوأ)؟
في أحد المناطق الأفريقية الموغلة في التوحش والإعتقاد بالخرافات والأرواح، كانت هنالك قبيلة تعتقد أن جيشاً من الأرواح الشريرة يحيط بها أينما سارت و من أجل إرضاء هذه الأرواح الشريرة أو على الأقل الإبتعاد عن غضبها كان أبناء هذه القبيلة يضحون بأحد بنات القبيلة ممن لاعيب خلقي فيها أو مايمكن تسميته في عرفهم (البنت الجميلة) كلما أشتدت عليهم المصائب أو القحط. طال الأمد بأبناء هذه القبيلة وهم يضحون ببناتهم، والأرواح الشريرة لم تذهب ولم ترضى ولم تقنع، وكلما قدموا لها بنتاً من بناتهم زادت المصائب، فبدأت أمهات الأطفال المواليد بإحداث عاهة مستديمة في وجه مواليدهم الجدد من الفتيات حتى تضمن عدم إختيارها عندما يحين موعد تقديم القرابين، الأمر الذي جعل جميع فتيات القبيلة من ذوات العاهات والأوجه القبيحة، حينها كان لابد من البدء بتقديم فتيان القبيلة قرابين لأرواح غير موجودة إلا في خيالاتهم وفي باطن إحساسهم بالنقص والخوف والرعب من المجهول، فكانت تلك بداية النهاية الفعلية لتلك القبيلة التي قتلها الجهل والمجهول!
أكثر من أربعين عاماً ونحن نشكل الحكومات ولازلنا نختار أفضل السيئين، بدلاً من أن يكون خيارنا هو أفضل الأفضل وأجود الأجود وأكفأ الأكفاء.
أكثر من أربعين عاماً ونحن لانزال نختار بين صباح الخالد أو خالد الصباح وزيراً للداخلية، وبين هاشم الصالح أو صالح الهاشم وزيراً للمالية.
وأكثر من أربعين عاماً ونحن لانزال نغوص ونغوص في التردي والتخلف والتقهقهر على يد صباح وخالد وهاشم وصالح، ولم نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. فهل قدرنا أن لانختار إلا أفضل السيئيين؟
هل عجزت هذه البلاد الكريمة عن إنجاب من يتحمل المسؤولية فيها؟ أم أنها حصرت في سيئ يختار له سيئين مثله لأن فاقد الشيئ لايعطيه فكيف يعطي من لايستطيع العطاء؟ وكيف يبذل من لا يمتلك ما يكفي للبذل؟ وكيف يجتهد من لايعرف كيف يجتهد؟ وكيف يقدم من لم يقدم شيئاً طوال أربعين عاماً؟
ألم يحن الوقت لكي ننعتق من ذلك القيد الذي يحصر الوزراء في قائمة أفضل من فيها هو أسوأ من تسعين بالمائة من رجال الكويت الأكفاء؟ ألم يحن الوقت لكي ننهي تلك الطريقة العقيمة التي تقوم على أساس من المصالح الضيقة المتبادلة بين من يعين ومن يختار ومن يتم إختياره بعيداً عن مصلحة البلاد ومصلحة من يعيش على ترابها الطاهر؟
تعلن الأسماء الوزارية ويقسم الشيخ الفلاني أبن الأسرة، والتاجر العلاني أبن العائلة، والنائب الحالي أبن القبيلة، والوزير السابق أبن الطائفة، على أن يبذلوا كل جهدهم للدفاع عن هذا الوطن وحماية حقوق أبناءه، وهم قد يكونوا صادقين فيما أقسموا عليه، ولكنها قدراتهم الشخصية التي تمنعهم من ذلك، فكم وزير سجل أسمه في كشف الحكومات وهو لا يملك من المؤهلات سوى ما يحتويه أخر أسمٍ في بطاقة جنسيته! وكم من وزير نقش صورته على صفحات الجرائد مصرحاً بأسم الحكومة وهو لايعرف التفريق بين الكفاءة والفعالية في الإدارة وهو الذي يدير الألاف من البشر والملايين من أموال الشعب! تعلن تلك الأسماء فلانجد فيها إلا أقل السيئيين سوءاً، وفي بعض الحالات أسوأهم أيضاً، لماذا؟ لأن الدائرة التي يتم الإختيار منها دائرة ضيقة مريضة لعبت فيها الأمراض حتى لم يعد هنالك جسدُ سليم فيها، فكيف يمكن لي ولك أن نتوقع شفاءً من مرضى؟! ودواءً لكل أمراضنا الإدارية والسياسية والإقتصادية ممن يحتاجون هم أنفسهم إما إلى الدواء أو الكي؟
تحت أي مبرر وأي مسوغ وأي تصريف تحصر وزارة الدفاع والداخلية وجميع وزارات السيادة في شخص أو شخصين أو ثلاثة؟ هل خلت البلاد من أبناءها المخلصين؟ إذا كانت البلاد قد خلت من الكفاءات، وهي لم تخلو قطعاً، فهذا دليل على أن إدارتكم للبلاد طوال الأربعون عاماً الماضية كانت فاشلة وسيئة وأدت إلى هذا الفشل الذريع، أما إذا كانت البلاد لم تخلو من الكفاءات، فهل هي أزمة ثقة بينكم وبين المواطن الكويتي من غير أبناء الأسرة؟ هل يمكنكم الخروج والإعتراف علناً بأنكم لاتثقون في أبناء الكويت؟ لا أعتقد، لأسباب سوف أذكرها في مجال آخر. أم أن هذه الوزارات هي نبع الهناء الصافي الذي يدر على صاحبه جاهاً ومالاً وإحتراماً ماكان ليناله لو كان في مكان أو موقع آخر؟ هل عجزتم عن الحصول على الجاه والمال وقبل ذلك كله الإحترام إلا عبر هذا الإحتكار الذي قاد البلاد إلى مهاوي الردى؟ لماذا علينا أن نختار بين أفضل السيئيين من أبنائكم وتحرم الكويت من إستغلالها لكفاءاتها وتهمش قدرات أبناءها؟
إستجواب قدم ضد وزير مالية متواطئ، وإستجواب آخر قدم ضد وزير أوقاف وشؤون إسلامية مختلس، ولو حوسب كل وزير متخاذل أو متواطئ أو مهمل أو فاقد للقدرة في هذه الحكومة لأصبحت الإستجوابات بعدد أعضاء الحكومة بمافيها صاحب ملحمة (كراع المرو)، فهل تريدون إعادة تشكيل الحكومة من جديد بذات الطريقة العقيمة وبنفس الأسلوب الذي أثبت فشله منذ أربعين عاماً وحتى الآن؟ هل تعشقون الفشل إلى هذه الدرجة أم أنكم لاتستطيعون أن تتكاثروا إلا في وسط مناخ مشبع بالفشل وفي وسط عالم يضج بالنكبات والنكسات والكوارث؟ أم أنكم صادقوا النية والعزم ولكن هذه قدراتكم وهذا (ماقدركم الله عليه) ولن يكون في إمكانكم أحسن مما كان؟
سواء كان الجواب هذا أو ذاك، فالأفضل للكويت ولنا ولكم ولجميع محبي هذا البلد أن تعترفوا أولاً بإنعدام الحس الإداري والقدرة على إدارة شؤون البلاد لديكم كأسرة حاكمة وأنه ليس من الضروري كل من يولد صباحياً يمكن له بقدرة قادر ومن دون خبرات أن يكون وزيراً فقط (دع عنك أن يكون وزيراً ناجحاً). لنعترف جميعنا بأننا أضعنا أكثر من أربعون عاماً ونحن نتسائل هل محمد الخالد هو وزير الداخلية أم أحمد الفهد وزير الإعلام؟ وهل بدر اليعقوب هو الوزير القادم أم محمد ضيف الله شرار هو الوزير العائد؟ فجميع من قربتموهم طوال هذه الفترة كانوا أكثر كارثية منكم، ليس لأن الشعب الكويتي غير منجب للكفاءات، بل لأنكم وللأسف لم تقربوا إلا ماسقط من متاع هذا الشعب وتناثر على قارعة طريقه! فأعيدوا النظر في وضعكم وأوضاعكم، وأعيدوا النظر في كيفية إدارتكم لهذه البلاد، فالمخلص من يصدق بالنصيحة، وليس من يسطر القصائد المطولات مرحباً بكم. ولا تتركوا هذا الشعب فريسةً لقرابين الأرواح الشريرة التي لم توجد إلا في خيالات من لايثق في الشعب الكويتي.
كتبه سعد بن عاقول
التعديل الأخير بواسطة المشرف: