الثورات في العالم الثالث - فكرّ بتجرّد - .
الثورات التي تجتاح العالم الثالث ابتداء بايران وتونس ومصر والبحرين واليمن وليبيا وسورية وتستمر الى الجزائر والمغرب والاردن , كلها تدعو الى التأمّل والتفكير بتجرّد , عند اعمال العقل نجد أن القاسم المشترك بينها جميعا هي دفع الظلم الواقع على الشعب من أبسط الأمور الحياتية الى أعقدها , والموقف الذي وجب ان تتخذه مع نفسك قبل انتظار مواقف الآخرين هو أن تقف مع المظلوم ضد الظالم .
المسألة لا تحتاج الى تعقيد والنظر الى اعتبارات تغيّر الفكر والقناعة , المسألة مسألة ظلم واقع على شعوب وجب أن يدفع والموقف الحقيقي بالوقوف الى جانب هذه الشعوب فحتى الحديث - انصر أخاك ظالما أو مظلوما - يعني برد الظالم عن ظلمه وارجاع الحق للمظلوم , لا انه ذريعة لنصرة الظالم بكل شئ .
ان النظر الى الاعتبارات التي صنعها الانسان لنفسه دون النظر الى المسألة بما هي هي , هو ما دفعه الى أن يتخذ مواقف متناقضة بآن واحد , فهو يدافع عن حق الشعب السوري بالمظاهرات بنفس الوقت يرفض حق الشعب البحريني بالمظاهرات وبنفس الوقت تشتد المسألة بتحريم خروج الشعب في السعوديّة !
كذا الحال مع من يدافع عن حق الشعب البحريني بالمظاهرات والمطالبة بحقوقه يرفض حق الشعب السوري بالمظاهرات وبنفس الوقت تشتد المسألة بتحريم خروج الشعب في ايران !
انها الاعتبارات الي صاغها الانسان لنفسه لكي يبرر تناقضاته الآنيّة وبشكل سافر فهو يريد أن يخرج من المأزق الذي وضع نفسه فيه بهذه الاعتبارات ولم ينظر الى المسألة بما هي هي دون رتوش , ولكي نبيّن المسألة بشكل أكبر وجب أن نبيّن هذه الاعتبارات .
انتفاضة الشعب تونسي لم تكن ضمن جدول أولويات العالم الثالث , ان ذهب الرئيس ذهب وان بقي بقي , فليس لتونس دور فاعل وحقيقي يوجب موقف واضح من الحكومات والشعوب تجاه تلك الانتفاضة فكان الموقف العام ( كيفهم ) وللشعب الحق باختيار حكومته , أما في مصر فقد تغيّر الحال لأن مصر تعتبر المؤسس الأول لنظرية ( العروبة ) وهي الدولة الكبرى التي تحمل مشاكل وهموم العالم العربي فهي تتخذ القرارات المتعلقة بالشرق الأوسط , وسقوطها يعني سقوط أقوى نظام عربي بالتالي سوف تنتشر هذه الفوبيا من اسقاط الانظمة العربية واحدة تلو الأخرى ... سقط النظام المصري وبعد أن كان حسني مبارك ذو القلب الحنون صار الحاكم الظالم المستبد بل وأهين أشد اهانة فالاعتبار الذي وضع كان اعتبارا سياسي سلطويا , الأول الخوف من سقوط عميل جيّد موالي للنظام الغربي والثاني خوف السلطات والحكومات من أن يأتي الدور عليها .
أما ليبيا فالجميع يحكم بأن معمر القذافي ( خبل ) بل ( ربيته ناقصة ) وطريق الحوار معه مسدود ولا يوجد نظام عربي ( يمون عليه ) فنبذوه وراء ظهورهم يواجه مصيره بل ذهبوا الى أكثر من هذا ووافقوا على التدخل الاجنبي الغربي لاقتلاعه ونظامه بحجّة أنه يقتل الابرياء من شعبه فالاعتبار الذي وضع أنه مجنون وقاتل .
نأتي للبحرين شعب انتفض وتظاهر سلميا وطالب بحقوقه قوبل من قبل الجميع حكومات وبعض الشعوب بأن هذه الانتفاضة وهذه المظاهرات غير مقبولة على اعتبارات الأول كان سياسيا فالبحرين جزء من شبه الجزيرة العربية وسقوط النظام فيها أو تحولها الى ملكيّة دستورية سوف يجر الويلات على المملكة العربية السعودية , الثاني كان مذهبيا فالمنتفضين أغلبهم شيعة وان كان معهم سنّة لا يهم المهم أن الاغلبية شيعية , ولأنها كذلك فهذه تهمة وسبّة فهؤلاء محرفين للقرآن سابين للصحابة مشركين وغيرها من الاتهامات الباطلة التي عمل عليها السفلة في أمتنا , لهذا يجب قتلهم وقمعهم بكل الوسائل الممكنة مع الأخذ بالاعتبار ( الغطاء الدولي ) لهذه الجرائم .
ثم بعد ذلك اليمن فالرئيس علي عبدالله صالح سلبت منه الشرعيّة بغطاء دولي وخليجي أيضا وشعبي كذلك فمسألة تنحيه مسألة وقت والاعتبار الرئيسي هو عدم توفر الغطاء الدولي له , فقد تنازل عنه من نصّبه كفرعون مصر .
وبعد ذلك سورية والاعتبارات التي وضعت لحق الشعب بالمظاهرات سياسية ومذهبية ودولية , سياسيا الجميع قال أن سورية متحالفة مع ايران والخطر الايراني لا يمكن تخطيه ويجب أن ينفك هذا التحالف مع ايران التي تدعم حزب الله وحماس في مواجهة اسرائيل أما المذهبي فلأن القيادة السورية تظلم الشعب ( السني ) أو بالأحرى الوهابي وهذا غير مقبول أما دوليا فاسرائيل هي الاعتبار الرئيسي من هذا كلّه فسورية تمثّل تهديد للكيان الصهيوني , والصهاينة الانجاس الطفل المدلل للغرب .
أما الأردن والجزائر والمغرب فحتى الآن لم تكتمل الصورة , وننتقل الى ايران فالاعتبارات التي وضعت لسورية هي نفسها لايران , سياسيا ايران دولة معادية للغرب ومذهبية هي شيعية ودوليا الغرب يعتبرها الخطر الأول عليها وعلى أجندتها في الشرق الأوسط .
القاسم المشترك بين جميع الأنظمة التي ذكرناها هي أنها أنظمة ( ظالمة ) لشعوبها !
القاسم المشترك بين المؤيد والمعارض للانتفاضات الشعبيّة ( المذهب ) !
القاسم المشترك بين جميع الشعوب هي أنها ( مظلومة ) !
القاسم المشترك بين جميع التبريرات هي ( الاعتبارات ) !
القاسم المشترك للتخبط في الآراء ( عدم التجرّد ) !
متى ما أردت أن تفكر بتجرد تجد أن الشعوب مظلومة والحكومات ظالمة في دول العالم الثالث نقطة انتهى .
( بلا أي اعتبارات تضعها لنفسك لكي تبرر الظلم وتبرر تناقضاتك النفسيّة ) .