مقال: الثقافة المعرفية والثقافة الممارسة

مقال جميل يتحدث عن التفريق بين الممارسة المعرفية والثقافة الممارسة..
أرجو استمتاعكم به..
بين الثقافة المعرفية والثقافة الممارسة

يستخدم لفظ "الثقافة" في مصطلحين دارجين على ألسنة عموم الناس، الأول بمخلصه المعرفة والمعلومات، فيقال: إنسان مثقف، أي ذو معرفة واطلاع معلوماتي. والثاني بملخصه هو الممارسات الاجتماعية المستقرة في المجتمع بما في ذلك المأكل والمشرب وأنماط المناسبات الاجتماعية وسلوكيات أفراد المجتمع مع بعضهم البعض...إلخ. وهنا لا أحاول إيجاد تعريف مانع جامع لهذا المعنى الأخير من الثقافة، فقد تحدث عنه علماء الاجتماع، وإنما هدفي تقريب ما أعنيه في مقالي هذا.
ومن خلال ما تقدم فإن لدينا معنيين متغايرين للثقافة نستخدمهما في حديثنا وكتاباتنا، إلا أنه يحدث لبس في استخدام أحدهما محل الآخر عندما يكون لدى بعضنا مصلحة في ذلك، وقد يكون ذلك رغبة في تجاوز عللنا بالقفز على الواقع، إما قفزاً إلى التاريخ المنصرم، أو قفزاً إلى المعرفة المجردة، وفيما يأتي بيان ذلك.
لو تأملنا الصدق كقيمة إنسانية ومدى ما يعبره في ثقافة المسلمين.
ولو تأملنا الالتزام بالوعد في ثقافة المسلمين.
ولو تأملنا أداء الحقوق دون مماطلة في ثقافة المسلمين.
ولو نظرنا في النظافة العامة لطريق الناس ومحل تنزههم وتجمعهم في ثقافة المسلمين.
لوجدنا أنها لا تقع موقعاً يجعلها جزءاً من ثقافة المسلمين، وأعني هنا الثقافة الممارسة لا الثقافة المعرفية التي سيتضح معناهما مع إتمام هذا المقال.
ولنلاحظ من جهة أخرى ذلك المشهد المتكرر؛ فحينما نمتدح مظهراً من المظاهر الأخلاقية أو الإنسانية أو السلوكية لدى غير المسلمين فإنه ينبري أحدنا للرد بأن لدينا في إسلامنا وثقافتنا ذلك الخُلق أو تلك القيمة وبمعانٍ أكثر عمقاً.
وهنا يجب التنبه إلى أن مدحنا لليابانيين _مثلاً_ في دقتهم في الالتزام بمواعيدهم، وإتقانهم أداء أعمالهم. ليس مدحاً لثقافة تراثية معرفية، وإنما لممارسة بشرية.
وحينما نقول أن الإنسان الغربي يحترم حق الإنسان الآخر الذي يعيش معه، يظهر ذلك حتى في وقوفهم لشراء سلعة من محل تجزئة. فهو رصد لمظهرٍ وسلوكٍ ممارس مشاهد، وليس معلوماتٌ مجردةٌ مسطرةٌ في الكتب والكراريس.
وعندما نتحدث عن مستوى نظافة الأماكن العامة والطرقات في سنغافورة. فنحن نتحدث عن ممارسة ومظهر مشاهد للعيان، وليس تراثاً سنغافورياً يحتوي على ما يحثُّ على هذا السلوك.
وعلى النقيض إليك هذه الأمثلة..
نشاهد تحذيراً في ثقافة الإسلام السلوكية والاجتماعية عن السرف، إلا أنك تجده سلوكاً ممارساً لدينا ودون حرج إلا تأنيب ضمير مرده الثقافة المعرفية.
وتجد في الثقاقة الإسلامية السلوكية حثاً على إكرام الجار والعناية بجواره، إلا أنك تجد لدى الكثيرين عزوفاً عن هذا المعنى ليس بمجرد التواصل بل يصل إلى الإيذاء المادي في بعض الأحيان فضلاً عن الإيذاء المعنوي.
وعليه فإن الثقافة السلوكية والاجتماعية لدى المسلمين، ليست دائماً هي الثقافة السلوكية والاجتماعية في الإسلام، وحينها نقول – آسفين- أن السرف ثقافة لدى المسلمين، وأن الإخلال بالموعد وإخلافه ثقافة مسلمين، وعدم احترام حقوق الآخرين ثقافة لدى المسلمين، ونعني بذلك حتما الثقافة الممارسة لا الثقافة المعرفية.
لذا فلنهون من امتداح ثقافتنا "المعرفية" عند الحديث عن الثقافة "الممارسة" لدى الآخرين، ولنتأمل في الأخيرة لنقومها.



*عبدالإله الظاهري
 
أعلى