في مدخل الحمراء ...كان لقاؤنا ...
إن الكتابة الشعرية مخاطرة يمارسها أكثر المغامرين جرأة في العالم، وعندما تكون هذه الكتابة شعراً على شعر - كما هو التخميس- فسوف تكون الجرأة أضعافاً مضاعفة، والمزالق أكثر وروداً.. لكنها تحمل روحاً مختلفة، روح يسعى صاحبها إلى الديمومة والخلود بما يمارسه من نفث الحياة في نص عبر ضمن قاعدته المعرفية في عالم التناص وانقضى أجله كما يظن الكثيرون.
والتخميس في الشعر هو أن يأخذ الشاعر بيتاً لسواه فيجعل صدره بعد ثلاثة أشطر ملائمة له في الوزن والقافية أي يجعله عجز بيت ثان، ثم يأتي بعجز ذلك البيت فيحصل على خمسة أشطر، ومن هنا جاءت التسمية بالتخميس.
وباقتراب حثيث من مخمسة للدكتور محمد صبيان الجهني الشاعر والأستاذ المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، صاحب أنشطة أدبية واجتماعية متنوعة، وله عدد من القصائد المنشورة في الصحف. وتجده بلغته القادمة كفارس من وسط الصحراء العنترية ذات الوجه الأسمر والملامح الأصيلة، أقول تجده يخضع هذه اللغة بلطف أحيانا وباسترحام أحيانا أخرى لتكون أكثر تناسبا مع لغة نزار قباني التي لا يخفى على القارئ عذوبتها وحداثتها، وهنا تكمن البراعة الحقيقية!! فالشاعر يغير وجه النص النزاري من حيث لا يدري ليحوله عن دائرة الغزل والرقة إلى دائرة الفروسية والحب العربي للماضي والتاريخ والحضارة الإسلامية العريقة مع بقاء عذوبة الغزل ورقة الإحساس..
الكاتبة : رانية الشريف العرضاوي / بتصرف واختصار
قلت : دعونا ضيوفي الكرام ...نستمتع ...بمقطوعة نزار (مع تحفظ على نهجه عموما) ثم نقرأ مخمسة الجهني ....
في مدخل " الحمراء " كان لقاؤنا..
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان.. في حجريهما
تتوالد الأبعاد من أبعاد
هل أنت إسبانية؟ .. ساءلتها
قالت: وفي غرناطة ميلادي
غرناطة! وصحت قرون سبعة
في تينك العينين.. بعد رقاد
وأمية .. راياتها مرفوعة
وجيادها موصولة بجياد
ما أغرب التاريخ.. كيف أعادني
لحفيدة سمراء.. من أحفادي
وجه دمشقي .. رأيت خلاله
أجفان بلقيس .. وجيد سعاد
ورأيت منزلنا القديم .. وحجرة
كانت بها أمي تمد وسادي
والياسمينة، رصعت بنجومها
والبركة الذهبية الإنشاد
***
ودمشق .. أين تكون؟ قلت : ترينها
في شعرك المنساب نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختزنا شموس بلادي
في طيب " جنات العريف " ومائها
في الفل ، في الريحان، في الكباد
سارت معي .. والشعر يلهث خلفها
كسنابل تركت بغير حصاد
يتألق القرط الطويل بجيدها
مثل الشموع بليلة الميلاد
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريخ .. كوم رماد
الزخرفات أكاد أسمع نبضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت : هنا الحمراء.. زهو جدودنا
فأقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها!! ومسحت جرحا نازفا
ومسحت جرحا ثانيا بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهم أجدادي
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلا يسمى " طارق بن زياد "
==========
=====
==
=
يتبع .......