محمد عبد المجيد
عضو فعال
أرجو أن يعيد القاريء الكريم العنوان كرَّتيّن أو ثلاث مرّات أو عَشْراً، فأنا أقصد فعلا مسقط وليس أيّانابا القبرصية أو كوستا ديلسول الاسبانية أو هانيا الكريتية أو شرم الشيخ المصرية أو نيس الفرنسية أو أغادير المغربية.
هم يقولون: معذرة فكل الغرف مشغولة في فنادق العاصمة العُمانية البيضاء .. مسقط، أما أنا فأردّ على الاعتذار بالتهنئة لأنني لم أجد إلا بشق الأنفس غرفة خالية في تلك المدينة التي تحتضنك قبل السفر إليها بوقت طويل.
لم تعد سلطنة عمان تبحث عن نفسها سياحيا في ترانزيت المطارات التي تسبقها، وهنا تظهر عبقرية التخطيط السياحي والاعلامي الذي بدا من عدة سنوات مُحَيّرا لمن يتعجل التعريفَ بسلطنة عمان، فاكتشفنا أن العُمانيين كانوا يخططون على نار هادئة، وينتظرون انتصاب الفنادق على طول سواحل العاصمة الجميلة أو على مرأى من روي ومطرح والقرم وغيرها.
سلطنة عمان نجحت في تسويق جمالها دون النزول إلى مسابقة ملكات جمال المدن، ولو كان الفضل ( والفضل لله دائما ) يعود إلى عبقرية الفكر القابوسي مُطْلِق هذه النهضة فإن رجال السلطان قد أصبحوا اليوم أشداء وواثقين في نهج الثورة والنهضة والتطور، وأكثر إيمانا ويقينا بفكر السلطان قابوس بن سعيد.
أستطيع أن أختار ثلة من مواطني العالم العربي، وأنتحي بكل واحد جانبا وأسأله عن رأيه في القيادة، أعني زعيم بلده.
ستأتي الاجابات متراوحة بين الاعجاب والاعتراض وأحيانا الصمت المشوب بالخوف، ما عدا سلطنة عمان.
ولو أغلقتَ غرفة بسبعة أبواب وأسَرَّ إليك المواطن العماني بمشاعره فلن تجد إلا حبا جَمّاَ للسلطان قابوس بن سعيد حتى ولو كان لهذا المواطن تمنيات أكبر، والتمنيات هنا تعني الحراك الوطني في المشاركة بهموم الدولة.
هل سمعتَ عن زعيم دولة تصل به محبته لشعبه لكل شبر فيها حتى أنه يترجل من سيارته ليطلب من صاحب بناية تغيير ألوانها المتضاربة وغير المتناغمة مع لمسات الجمال؟
إنه الفكر الذي جعل من الجولات السلطانية مجلس شورى يتحرك باحثا عن المواطن ولا ينتظر حتى يأتيه القاطن في جوف الصحراء أو في واد بعيد عن القصر والسلطة ورجال الدولة.إذا لم أسمع من رجالي عنك فسآتيك أينما كنت لأنصت إليك!
تلك هي خلجات السلطان قابوس وهو يُحَدّث نفسَه عن حقوق مواطنه في بلد مترامي الأطراف.
ولكن الانبهار بالتجربة العُمانية ينبغي أنْ لا يُنسينا استخدام العين العاشقة والناقدة والتي تخترق المدينة من كل أطرافها لتبحث عما تحتاج إليه من لمسات أو ضروريات لعل صورة العرس المسقطي تكتمل.
شاهدت سائحين أوروبيين في حالة دهشة لم تحجب الفرحة العارمة بالعثور (ربما مصادفة) على منتجع سياحي تراثي عربي ينافس عشرات الجُزر والمدن والأماكن التي تكتظ بها كتالوجات مكاتب السياحة في كل مكان.
قالت لي ربة أسرة نرويجية التقيتها هناك، بأنها لم تجد في كل سفرياتها مكانا أكثر أمنا لبناتها الثلاث الصغار من العاصمة العمانية.
وقال لي شاب كندي بأنه كان يجهل أن هناك جنة في هذا الجزء من العالم العربي رغم أن والده يعمل في عاصمة عربية أخرى.
سلطنة عمان هي الدولة التي أظن أن من حق كل عماني فيها التأكيد على أنه وزير سياحة بدون حقيبة، ووزير إعلام بغير أوامر سامية.
ولكن للأسف الشديد فإن هناك بوادر تشويه هذا العمل الوطني الذي يتكاتف من أجله العمانيون وذلك بوجود عدد كبير من أبناء الجاليات الآسيوية الذين أقلقهم التعمين، فهم يحتلون محال الصرافة ويضعون أسعارا للعملات تجعل السائح أو الزائر يشعر بشبهة الاستغلال. وهم أيضا لا يكترثون للجمال والنظافة والصحة والمظهر وجذب السائحين والزوار خاصة في بعض المقاهي والكافتيريات المتناثرة في الأسواق وقريبا منها، فتعمين محال الصرافة والاستقبال في الفنادق والعمل في المطاعم والمقاهي سيغير تماما تلك الصورة.
ومسقط العروس تحتاج إلى حديقة حيوانات حديثة وكبيرة ومنظّمة فهي التي ستجذب أطفال السائحين خاصة إذا علمنا بأن السائح الأوروبي يتحرك وفقا لرغبات أطفاله. أغلب الظن أن الأمر لن يكون شاقا فالمحميات الطبيعية تستطيع أن تمد حديقة الحيوانات بما لا تقدر عليه أماكن سياحية أخرى. تحتاج مسقط إلى المزيد من الفنادق فهي في الواقع مرشحة لتصبح بعد سنوات قليلة المنافس الأكبر لكل منتجعات السياحة العربية والأوروبية. مدينة ألعاب مائية حديثة وضخمة كما في جزيرة كريت اليونانية، ستضاعف أعداد العائلات والأسر الراغبة في زيارة مسقط..
نظام أكثر سهولة ويسر في الهواتف والانترنيت لا بديل عنه لتيسير أمور السياحة والتجارة والثقافة، ولو أصبح الانترنيت مجانا في كل فنادق العاصمة العمانية، مع التشديد على التطور في شركة الاتصالات العمانية فإن هذا البلد الرائع سيربح أضعاف ما يمكن أن تحققه شركة الاتصالات الهاتفية، والحقيقة أن خدماتها أقل كثيرا من أمنيات السلطان قابوس في تناغم كل مناحي التطور في سرعة منسجمة لئلا يتأخر جانب ويتقدم آخر.
تحتاج مسقط إلى مكتبات كبرى تتناثر كالحدائق في كل مكان، وأظن أن أفضلها هي ( بوردرس ) المتواجدة في ( سيتي سنتر )، وياليت المسؤولين يعملون على الاسراع في تشجيع انشاء مكتبات في كل منطقة.
هل قابلتَ عمانيا لم يكن سفيرا لبلده؟
إن تكن قابلته فقد عثرت على شيء نادر أو سقطة مصادفة، فالعمانيون هم أصحاب تلك النهضة وليسوا مشاهدين من خارجها، وهم ضيوفك وليسوا مضيفيك من شدة الحياء. الغريب أن الاعصار جونو الذي ضرب شواطيء عمان واجه ما لم يواجهه في أي مكان آخر، ويفتخر العمانيون بأنهم كانوا عائلة واحدة، ويزيد الفخر عندما يقصون عليك نبأ البدء في بناء ما دمره الاعصار بعد أقل من ساعتين على هزيمته أمام صلابة العُماني، تلك الصلابة التي صنعها شعب مسالم ومتسامح. إذا غادرت عُمان ولم يعادوك الحنين إليها بعد يوم أو بعض اليوم، فكأنك لم تزرها! ومَنْ منِّا لم يشتاق إليها حتى قبل الوداع؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 13 يناير 2008
هم يقولون: معذرة فكل الغرف مشغولة في فنادق العاصمة العُمانية البيضاء .. مسقط، أما أنا فأردّ على الاعتذار بالتهنئة لأنني لم أجد إلا بشق الأنفس غرفة خالية في تلك المدينة التي تحتضنك قبل السفر إليها بوقت طويل.
لم تعد سلطنة عمان تبحث عن نفسها سياحيا في ترانزيت المطارات التي تسبقها، وهنا تظهر عبقرية التخطيط السياحي والاعلامي الذي بدا من عدة سنوات مُحَيّرا لمن يتعجل التعريفَ بسلطنة عمان، فاكتشفنا أن العُمانيين كانوا يخططون على نار هادئة، وينتظرون انتصاب الفنادق على طول سواحل العاصمة الجميلة أو على مرأى من روي ومطرح والقرم وغيرها.
سلطنة عمان نجحت في تسويق جمالها دون النزول إلى مسابقة ملكات جمال المدن، ولو كان الفضل ( والفضل لله دائما ) يعود إلى عبقرية الفكر القابوسي مُطْلِق هذه النهضة فإن رجال السلطان قد أصبحوا اليوم أشداء وواثقين في نهج الثورة والنهضة والتطور، وأكثر إيمانا ويقينا بفكر السلطان قابوس بن سعيد.
أستطيع أن أختار ثلة من مواطني العالم العربي، وأنتحي بكل واحد جانبا وأسأله عن رأيه في القيادة، أعني زعيم بلده.
ستأتي الاجابات متراوحة بين الاعجاب والاعتراض وأحيانا الصمت المشوب بالخوف، ما عدا سلطنة عمان.
ولو أغلقتَ غرفة بسبعة أبواب وأسَرَّ إليك المواطن العماني بمشاعره فلن تجد إلا حبا جَمّاَ للسلطان قابوس بن سعيد حتى ولو كان لهذا المواطن تمنيات أكبر، والتمنيات هنا تعني الحراك الوطني في المشاركة بهموم الدولة.
هل سمعتَ عن زعيم دولة تصل به محبته لشعبه لكل شبر فيها حتى أنه يترجل من سيارته ليطلب من صاحب بناية تغيير ألوانها المتضاربة وغير المتناغمة مع لمسات الجمال؟
إنه الفكر الذي جعل من الجولات السلطانية مجلس شورى يتحرك باحثا عن المواطن ولا ينتظر حتى يأتيه القاطن في جوف الصحراء أو في واد بعيد عن القصر والسلطة ورجال الدولة.إذا لم أسمع من رجالي عنك فسآتيك أينما كنت لأنصت إليك!
تلك هي خلجات السلطان قابوس وهو يُحَدّث نفسَه عن حقوق مواطنه في بلد مترامي الأطراف.
ولكن الانبهار بالتجربة العُمانية ينبغي أنْ لا يُنسينا استخدام العين العاشقة والناقدة والتي تخترق المدينة من كل أطرافها لتبحث عما تحتاج إليه من لمسات أو ضروريات لعل صورة العرس المسقطي تكتمل.
شاهدت سائحين أوروبيين في حالة دهشة لم تحجب الفرحة العارمة بالعثور (ربما مصادفة) على منتجع سياحي تراثي عربي ينافس عشرات الجُزر والمدن والأماكن التي تكتظ بها كتالوجات مكاتب السياحة في كل مكان.
قالت لي ربة أسرة نرويجية التقيتها هناك، بأنها لم تجد في كل سفرياتها مكانا أكثر أمنا لبناتها الثلاث الصغار من العاصمة العمانية.
وقال لي شاب كندي بأنه كان يجهل أن هناك جنة في هذا الجزء من العالم العربي رغم أن والده يعمل في عاصمة عربية أخرى.
سلطنة عمان هي الدولة التي أظن أن من حق كل عماني فيها التأكيد على أنه وزير سياحة بدون حقيبة، ووزير إعلام بغير أوامر سامية.
ولكن للأسف الشديد فإن هناك بوادر تشويه هذا العمل الوطني الذي يتكاتف من أجله العمانيون وذلك بوجود عدد كبير من أبناء الجاليات الآسيوية الذين أقلقهم التعمين، فهم يحتلون محال الصرافة ويضعون أسعارا للعملات تجعل السائح أو الزائر يشعر بشبهة الاستغلال. وهم أيضا لا يكترثون للجمال والنظافة والصحة والمظهر وجذب السائحين والزوار خاصة في بعض المقاهي والكافتيريات المتناثرة في الأسواق وقريبا منها، فتعمين محال الصرافة والاستقبال في الفنادق والعمل في المطاعم والمقاهي سيغير تماما تلك الصورة.
ومسقط العروس تحتاج إلى حديقة حيوانات حديثة وكبيرة ومنظّمة فهي التي ستجذب أطفال السائحين خاصة إذا علمنا بأن السائح الأوروبي يتحرك وفقا لرغبات أطفاله. أغلب الظن أن الأمر لن يكون شاقا فالمحميات الطبيعية تستطيع أن تمد حديقة الحيوانات بما لا تقدر عليه أماكن سياحية أخرى. تحتاج مسقط إلى المزيد من الفنادق فهي في الواقع مرشحة لتصبح بعد سنوات قليلة المنافس الأكبر لكل منتجعات السياحة العربية والأوروبية. مدينة ألعاب مائية حديثة وضخمة كما في جزيرة كريت اليونانية، ستضاعف أعداد العائلات والأسر الراغبة في زيارة مسقط..
نظام أكثر سهولة ويسر في الهواتف والانترنيت لا بديل عنه لتيسير أمور السياحة والتجارة والثقافة، ولو أصبح الانترنيت مجانا في كل فنادق العاصمة العمانية، مع التشديد على التطور في شركة الاتصالات العمانية فإن هذا البلد الرائع سيربح أضعاف ما يمكن أن تحققه شركة الاتصالات الهاتفية، والحقيقة أن خدماتها أقل كثيرا من أمنيات السلطان قابوس في تناغم كل مناحي التطور في سرعة منسجمة لئلا يتأخر جانب ويتقدم آخر.
تحتاج مسقط إلى مكتبات كبرى تتناثر كالحدائق في كل مكان، وأظن أن أفضلها هي ( بوردرس ) المتواجدة في ( سيتي سنتر )، وياليت المسؤولين يعملون على الاسراع في تشجيع انشاء مكتبات في كل منطقة.
هل قابلتَ عمانيا لم يكن سفيرا لبلده؟
إن تكن قابلته فقد عثرت على شيء نادر أو سقطة مصادفة، فالعمانيون هم أصحاب تلك النهضة وليسوا مشاهدين من خارجها، وهم ضيوفك وليسوا مضيفيك من شدة الحياء. الغريب أن الاعصار جونو الذي ضرب شواطيء عمان واجه ما لم يواجهه في أي مكان آخر، ويفتخر العمانيون بأنهم كانوا عائلة واحدة، ويزيد الفخر عندما يقصون عليك نبأ البدء في بناء ما دمره الاعصار بعد أقل من ساعتين على هزيمته أمام صلابة العُماني، تلك الصلابة التي صنعها شعب مسالم ومتسامح. إذا غادرت عُمان ولم يعادوك الحنين إليها بعد يوم أو بعض اليوم، فكأنك لم تزرها! ومَنْ منِّا لم يشتاق إليها حتى قبل الوداع؟
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو في 13 يناير 2008