™MaximusQ8
عضو فعال
فترة ليست بالقصيرة تفصل بيني وبين آخر موضوع أو مقال لي في هذا المُنتدى أو غيره مما كان قلمي يجول الإبداع ويصول ويهتف بمقالات نقدية سينمائية بكل حرية وإنسياب،
ففي الحقيقة إنني انسب الفضل لله على منّه وكرمه لي بالصحة والعافية (فـ لله الحمد والشكر والمنّة) في عودتي للكتابة من جديد، وأنا الذي طالما حلمت بأن أنجز ملفات لي قديمة وأراني كل يوم ابتعد عنها شيئاً فـشيئاً حتى كادت أن تكون ذكريات ليس إلاّ!
اعدت المقطع عشرات المرات وفي كل مرة كان ينتابني ذلك الشعور العميق، شيء خارج عن المألوف، شيء تكون على يقين بانه لا يمكن أن يتحقق، فيتحقق أمام عينيك!!
and this is why you should never judge a book by its cover
وهذا هو السبب في أنك لا ينبغي أبداً الحكم على كتاب من غلافه!
حسناً، عزيزي القارئ:-
وكما ذكرت بأن الفضل أولاً يعود لله في كسر تلك العزلة ثم يعود لهذه القروية الأسكوتلندية ذات السبعة وأربعين عاماً!
إنها البائسة التي ابكتني وهي تدبدب بقدميها على خشبة المسرح بوسط (لندن) ترتبك قليلاً، تتذكر كلمة "قرى"، مسكينة تريد أن تصف مدينتها!
ولكنها لم تلبث إلا وصفعات ضرباتها كانت مُدوّية بوجه الفقر والعنوسة ومرارة الزمن والحرمان!
أنها (سوزان بويل) صاحبة الصورة أعلاه، هي امرأة فقيرة من سكوتلندا تبلغ السابعة والأربعين من العمر. قضت السنوات الأخيرة تعتني بأمها المريضة حتى مماتها، الأمر الذي أدخلها في حالة من الكآبة، فهي وحيدة في العالم بعد رحيل والدتها حيث تركتها بائسة في هذه الدنيا الكبيرة بعد أن أصبحت وحيدة في منزل فقير ريفي صغير تقبع بداخله بفقر مدقع كما أنها لم تتزوج يوماً، بل وكما قالت: فإنها لم تتلقى أية قبلة من أحد! ولكنها أردفت قائلة: يا للعار، ولكن هذا ليس بمثابة إعلان!
وأضف على ذلك عزيزي القارئ بأنها عاطلة عن العمل، وتقضي وقت الفراغ في أعمال تبرعية في قريتها والجوار.
سوزان ليست امرأة جميلة، تبدو مسنة وممتلئة القامة في عالم لا يهتم إلا بالرشيقات، يلف خصرها حزام من الساتان الذهبي، شعرها شعث غير مصفف يغزوه الشيب، التبرج لم يعرف طريقاً إلى معالم وجهها، مع حاجبين كثيفين، وشكل لا يمت بصلة إلى الموهبة والغناء، أما الجوارب التي ارتدتها، فلا تبدو ملائمة لفستانها.. ناهيكم على أنها تعاني من اعاقة ذهنية وهي ترهل في الدماغ بسبب نقص الاوكسجين عند الولادة!
فتحدّت (سوزان) كل أنواع وأشكال التحدّي حين خرجت من قريتها الريفية الصغيرة، الهادئة في (بلاكبورن) قاصدة (لندن) تلك المدينة الكبيرة والصاخبة بمشاركة ببرنامج المواهب البريطاني "Britains Got Talent" غير عابئة بحواجز الوهم التي يرسمها الخائفون حول أنفسهم فلا يبرحون مكانهم وهم مكبلين بأثقال الهزيمة النفسية قبل هزيمة الميدان، لم يمنعها عقدها الخامس من أن تبحث لنفسها عن موضع قدم في عالم الأقوياء!!
وبمجرد أن خرجت من وراء الكواليس ومثلت أمام اللجنة والجمهور، بدا الاستهزاء بها واضحاً من الجميع - لجنة وجمهور - وذلك بلا ريب بناءاً على انطباعهم الأول من شكلها!
وعندما سألها (سايمون كويل)، صاحب فكرة البرنامج وبرنامجي "إكس فاكتور" و"أمريكان أيدول" عن عمرها أجابت بصراحة إنها تبلغ 47 عاماً، كانت ردة فعله سلبية للغاية، إذ بدأ بالتأفف لاعتقاده بأنها ستعطل عمل اللجنة وتضيع وقتها ووقت الحضور.
ولم تكن ردة فعل الحضور أفضل حيث بدا التعجب من "جسارتها" واضحاً على أوجه الجميع، مما يمكن تفسيره حرفياً: "ماذا تفعلين هنا؟ هذا المكان ليس لأمثالك!
فهزأ الحاضرون من طريقة وقوفها على المسرح وسذاجتها في الرد على الأسئلة، وهي التي كانت تقول بأنها تحلم أن تصبح مُطربة مُحترفة، بعد أن سُئلت عن ماذا تحلم أن تكون!..
وعندما سألها (سايمون) وكان كعادته لاذعاً، "لِم لَم تصبحين مغنية محترفة حتى الآن؟!
أجابت: لم اتلق الفرصة الملائمة بعد، ولكني آمل أن يتغير ذلك الليلة.
ولكنها لم تأبه لأي ردة فعل قابلتها. وعند سؤالها من قِبل هذا الصّارم (سايمون): من هو مثلك الأعلى في النجاح؟، كان ردها "إيلين بيج - Elaine Paige"-الصورة أعلاه-وهي مُغينة إنجليزية مُخضرمة وعريقة-، مما ضاعف استهزاء الجمهور بضحكات سخرية شديدة حتى أن احدى المشاهدات "قلبت" عيونها وأخرى شفتها لتعبران عن استخفافهما بما سمعتا، والذي زاد الطين بلّة قبل هذا، هو قيامها بهز وركيها عندما سمعت ضحك الجمهور بعدما كشفت عن عمرها وقالت: وهذه احدى الأمور التي تُميّزني!!
وحين سألها عضو لجنة التحكيم (بيرس مورغان): ماذا ستغنين لنا الليلة؟
أجابت: سوف أغني أغنية (حلمت حُلماً - I Dreamed a Dream) لـــــ(البؤسـاء - Les Misérables)! - فتهافتت صرخات الجمهور عالياً!!
وبالمُناسبة عزيزي القارئ:
هذه الأغنية مأخوذة من مسرحية فرنسية أوبرالية ذائعة الصيت في حقبة الثمانينات تعرف بـالـ(بؤساء)، وهي في الأصل مُستندة من رواية تحمل ذات الإسم لــ(فيكتور هوغو) وتعد من أشهر روايات القرن التاسع عشر.
فهذه الأغنية، تُعتبر من أصعب الأغاني على الإطلاق، كونها تحوي كمّاً هائلاً من البُؤس واليأس وبالتالي لابدّ للفنان الذي سيؤديها على أن يتحلىّ بكمٍ كافٍ من المشاعر الفيّاضة والأحاسيس الجيّاشة مما قد تمكّنه من تأديتها على أفضل صورة وأحسن أداء!
ولكن يبدو ان (سوزان) لم تتأثر برَدّة فعل الجمهور، أما لبرائتها وسذاجتها كما يعتقد البعض، أو لثقتها الشديدة بروعة صوتها، حيث قالت قبل الصعود للمنصة بأنها سوف تجعل الجمهور "يرتعش" الليلة.
وفعلاً، ما أن بدأت بالغناء حتى إتسعت عيون الجميع دهشة بالصوت الساحر، وعلت صيحات الجمهور، حتى طغى هتافهم على الموسيقى!!
وثم قاموا على أقدامهم مصفقين لها بحرارة، حتى أن لجنة التحكيم قاموا بالمثل، بل أن (سايمون) "قاسي القلب وحاد اللسان" أمسك برأسه بين يديه وبدت الدهشة على وجهه (وأعتذر لاحقاً، بإعتذار رسمي لها عن أستخفافه بها)، كما أعترف عضو لجنة التحكيم البريطاني (پيرس مورغان) بأنها كانت اكبر مفاجأة له خلال السنوات الثلاث التي قضاها في البرنامج! وبأن الجميع قد ضحكوا منها عندما قالت بأنها تريد أن تصبح مطربة كـ(إيلين بيج) وأما الامرأة الوحيدة في لجنة التحكيم (أماندا هولدن) فقالت بأنها والجميع قد كانوا ضدها وبأنهم استهزأوا بها، وبأنها بمثابة "صرخة يقظة" لها وللجميع، حيث يجب أن يمتنعوا عن الحكم على شخص حسب الشكل الخارجي.
وعندما حان وقت التصويت لكي يتقرر إن كان بإمكان سوزان الانتقال للمرحلة الثانية من المسابقة، حازت على جواب "نعم بالإجماع" من حكّام اللجنة الثلاث.
الأغنية مصحوبة بخاصية الترجمة باللغة العربية (أنصح بسماعها مع خاصية الترجمة)..
(سبق لي أن نشرت موضوع هنا عن خاصية ترجمة المقاطع باليوتيوب)
للإستزادة من هنا : إليكم ترجمة المقاطع في اليوتيوب!
http://www.youtube.com/watch?v=62acLDrj70Q&feature=channel_page
وقد أذهلني ما فعلته (سوزان بويل) وهي تمشي بعد أن أنهت غنائها، مشت بعدما أذهلت الجميع ، مشت بثقة سرمدية، نحو الكواليس مرة أخرى، تخطو غير منتظرة رأي الحكّام أو هتاف استحسان الجمهور..!!
فسبحان الله الذي يحرم من جهة ويبسط رزقه من جهة أخرى لمن شاء من عباده أو على نفس العبد كــ(سوزان)، ويبدو -وهو أعلم- سبحانه أنه يريد أن يكافئ سوزان على معاناتها وعلى إخلاصها لأمها وتبرعها لمجتمعها.
فقد هزّت الجميع ببساطتها وبصوتها القوي، بمرحها وابتسامتها الساحرة وقصة حياتها الصعبة التي عصرت قلوب الملايين!
بل من مفارقات الأمر أن المطربة العالمية المشهورة (إيلين بيج) قد أعلنت بأنه سيسرها جداً أن تغني "دويتو – أغنية ثنائية" مع سوزان!
وفعلاً أدّت (سوزان بويل) أغنية ثنائية مع (إيلين بيج) في أواخر عام 2009!
http://www.youtube.com/watch?v=tNMwzaM2pFc
وبادائها المذهل وصوتها القوي تمكّنت أن تحول السخرية من مظهرها ولكنتها الاسكتلندية الثقيلة إلى اعجاب لا حدود له، وجذبت المغنية المغمورة بصوتها أكثر من أحد عشر مليون زائر على موقع اليوتيوب الالكتروني لتصبح بين ليلة وضحاها من أشهر المغنيات عالمياً بل أصبحت أشهر من الرئيس الأمريكي في بريطانيا وفقاً لآخر أستبيان حصل في هذا الشأن.
ثمّ بعد ذلك تاولت النجاحات والتوفيق من الله الغفور الرحيم، الكريم على عباده وإن كانوا غافلين عنه أو مُشريك به... فــ هو الغفورُ الرّحيم "سبحانه" الذي لا ينسى أحداً.
بعد أن حضت على المركز الأول في ذلك البرنامج سالف الذكر وحصلت على مبلع 100 ألف جنيه أسترليني.
وبعد عام أي عام 2010.. طرحت أول ألبوم لها والتي أسمته بــ( The Gift) أي ( هبة ) والذي تصدر المراكز الأولى وحقق مبيعات قياسية في بريطانيا وأمريكا حيث بلغ (مليون) نسخة في أول أسبوع له مما أصبح الألبوم الأكثر مُبيعاً في التأريخ بل أن موقع الأمازون (amazon.com) للتجارة الإلكترونية لم يتلقى طلبات مسبقة لشراء ألبوم منذ تأسيس الموقع قبل 14 عاماً، كما حصل مع هذا الألبوم!..
كما تصدر قائمة المبيعات أيضا في أستراليا وأيرلندا، وقد تصدر فيما بعد وأحتل الصدارة في كل من كندا ونيوزيلندا.
مما جعلها تدخل بكل جدارة قائمة (غينيس) للأرقام القياسية..
أضغط هنا: سوزان بويل تدخل موسوعة غينيس!!
وفي عام 2011، قدّمت الحكومة البريطانية منزلاً فخماً لها مؤلف من 5 غرف نوم، وثمنه يفوق الـــ(460) ألف دولار أمريكي في غرب مدينة لوثيان الأسكوتلندية الغربية الراقية التي تقع جنوبي مصب نهر فورث!
وبعد هذا النجاح المُبهر والصّارخ، تحدثت عنها كافة الصحف والمجلات العالمية وطرحت لها أفلام وثائقية وكُتب عن حياتها الشخصية وسيرتها الذاتية، وأستضافتها البرامج والقنوات الفضائية العالمية ولعلّ أشهرهم برنامجي (لاري كنغ) و (أوبرا ونفري).. وعند سؤال الأول لها أثناء الأستضافة: جزمت بتمسكها بهيئتها الراهنة حيث لم تتبرج وكانت عادية جداً!
مما جعل (لاري كنع) يُردف قائلاً: لماذا؟..
أجابت: "ولماذا عليّ التغيير؟.. التغيير الوحيد هو أنني لن أكون وحيدة من الآن فصاعداً.. أنا متيقنة من ذلك."
بل حتى أن متحف الشمع البريطاني الشهير (مدام توسو) جعل لها تمثالاً يقف بجانب بقية تماثيل المشاهير والأغنياء والرؤساء الذين لهم بصمة واضحة في العالم كل على حسب شهرة مجاله ومكانته العالمية.
والجدير بالذكر:
أن (سوزان بويل) بعد أصبحت نجمة عالمية وشهرتها فاقت كل التوقعات بفضل صوتها الرائع ومشاركتها في شتى وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية، نقلت إلى مستشفى (برايوري) في شمال (لندن) للأمراض النفسية في الأشهر الماضية بسبب حالة الإرهاق التي تعاني منه.
وقال اخصائي علم النفس الدكتور (غيلين ويلسون) لهيئة الإذاعة البريطانية الــ(BBC): "إن ما تواجهه سوزان هو الشهرة المفاجئة لشخص منحدر من أصول اجتماعية بسيطة جداً، إلا أن أجواءها الحقيقية البسيطة هي التي تقدم لها العون العاطفي والحب، أما الشهرة هذه فتجيء إليك بخليط من الإعجاب والكره في أجواء غير طبيعية من إنتاج وسائل الإعلام"!
وأضاف الدكتور (ويلسون): "أنها ستواجه الكثير من المتاعب في المحافظة على جذورها الأصلية والتي تشكل هويتها الأساسية، وستكون محاطة بأشخاص يريدون جزءا من نجاحها، ولهذا ستجد صعوبة في إيجاد أناس تثق بهم".
"كلمات الأغنية بالإنجليزي مع ترجمة عربية"
I Dreamed a Dream, Les Miserable
لقد حلمت حلماً، البؤساء
I dreamed a dream in time gone by
When hope was high
And life worth living
I dreamed that love would never die
I dreamed that God would be forgiving
لقد حلمت حلماً في وقت ولّى، عندما كان الأمل كبيراً
والحياة جديرة بالعيش، حلمت بأن الحب لن يموت أبداً
وحلمت بأن الله سيكون غفوراً
Then I was young and unafraid
When dreams were made and used
And wasted
There was no ransom to be paid
No song unsung
No wine untasted
كنت وقتئذ شابةً وعديمة الخوف
وقت كانت الأحلام تصنع وتستعمل
وتبذر، لم تكن هنالك فدية يتوجب دفعها
ولا أغنية لم تغنىّ، ولا نبيذ لم يتذوّق
But the tigers come at night
With their voices soft as thunder
As they tear your hopes apart
As they turn your dreams to shame
ولكن النمور تأتي في الظلام، بأصواتها الخافتة كالرعد
لِتمزّق الآمال إرباً، وتحوّل الأحلام إلى عار
And still I dream he'll come to me
And we will live our lives together
But there are dreams that cannot be
And there are storms
We cannot weather
ولا زلت أحلم بأنه سيأتي إليَّ، وسوف نعيش حياتنا سوية
ولكن هنالك أحلاماً لن تتحقق
وهنالك عواصف لن نتمكن من الصمود أمامها...
I had a dream my life would be
So different from this hell I'm living
So different now from what it seems
Now life has killed
The dream I dreamed
لقد كان لدي حلم بأن حياتي ستكون
مختلفة جداً عن الجحيم الذي أعيشه
مختلفة جداً عمّا تبدو عليه الآن
إن الحياة قد قتلت الحلم الذي حلمته
وقبل الخِتام أعزائي القرّاء..
أن الإصرار على كسر التحديات هي الهمّة الممزوجة بالصّبر والكفاح حتى يظفر المرء بالنجاح المُنتظر عاجلاً أم آجلاً..
إنه بذاته: تحدي السخرية، تحدي التهميش، تحدي الإنطباعات السريعة، تحدي المظهرية الزائفة..
تحدي الشكل والهندام، تحدي اللكنة واللهجة، تحدي الفقر والحرمان!!
وقفة:-
فقد جاءت رسالة (سوزان بويل) في وقت رأيت فيه من حولي "أصدقاء" يجيدون الحلم ولا يدركون أن أول خطوات تحقيقه هو الإستيقاظ من النوم،
فلا تجد لأحدهم طاقة أو صبر على شيء، يطلب أحدهم النصيحة وهو يريدها وفق هواه فإذا لم تجامله في نصيحتك خرج من عندك وكأنه لم يلقاك!
وتمر الأيام والشهور لتلقاه وهو يُمارس رياضته العظيمة "الجلوس في الديوانية والسّخط على الفقر والحظ العاثر"..!
وقد يعود من جديد طالباً النصيحة غير مدرك كم يخسر بتعاقب الليل والنهار دون أن يعمل فيهما كما يعملان فيه!
الحقيقة أحبتي،
أن الفارق الرئيسي بين "سوزان بويل" وهؤلاء الأصدقاء هو فرق همة وروح رفضت العجز رغم قربها من مرحلته العمرية وكُسالى في عنفوان شبابهم على المعاش!!
وخِتاماً..
أن تضيء شمعة صغيرة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام!
وتقبلوا أفضل و أرق تحيّة من مُحدثكم،
™MaximusQ8
فـــ تحيّاتي لكم جميعاً..