في منطقة القادسيه ، وُلدت وترعرعت حتى سن السادسه عشر .
أتذكر تلك المنطقه بكل حاراتها وشوارعها وحدائقها ..
وبكل زاويه من زواياها لي معها حكايه !
في كل يوم خميس من كل اسبوع وبعد رجوعي من المدرسه ..
كنت أقوم بعمل واجباتي المدرسيه بسرعه فائقه لدرجه انني كنت أنتهي منها قبل موعد الغداء ..
كل ذلك فقط لكي أحظى بفرصه الذهاب مع امي الى الجمعية ..
حيث ذلك المكان الذي لا يخلو من كافه انواع الحلويات والشوكولاتات
ناهيك عن أصناف الناس .. الشيخ والعجوز والشباب والاطفال ونادراً ما كنت ارى سواقاً او خدم بعكس حالنا الان !
كنت دقيقه الملاحظه .. ارى والدتي حفظها الله وهي تقوم بصف الاغراض في عربه التسوق جنباً الى جنب ..
النواشف جنب بعضها والمعلبات فوق بعضها بطريقه مرتبه جدا .. والفاكهه والخضار كانت تضعهم اسفل العربه ..
تعلمت منها الترتيب وعدم شراء مالا حاجه لي به .
في احد الممرات ونحن الاثنتان نتسوق وإذا بجارتنا تلقي التحيه على امي وتمسح بيدها على رأسي وتقول كيف حالك ؟
للعلم كنت في التاسعه من عمري انذاك ..
وإذا بها تدعو امي لتناول الشاي بعد الانتهاء من التسوق ..
شاي ؟؟
وأين ؟ في بيت جارتنا
لا أخفيكم كنت أتمنى ان أتذوق هذا المسمىّ بالشاي خاصه عندما ارى امي تشربه هي وأبي
بعد الغداء مباشره وكنت أتطلع لوريقات النعناع وهي تسبح في الاستكانه بكل اريحيه ..
ناهيك عن منظر الاستكانه والملعقه الصفراء الصغيره التي تصاحبها .
سرحتُ بكل هذا ولم انتبه الا وجارتنا تقول ( جيبي الامورة معك خليها تستانس )
رحبت امي بالفكره وتم الاتفاق على ان نلتقي في الخامسه نكون وقتها قد رجعنا للمنزل ورتبنا الاغراض ،،
وكانت والدتي لا تسمح لي بشرب الشاي .. على حد قولها انه مضر بالصحه ولا يشربه الا الكبار ..
وصلنا لبيت الجاره واحضرت الشاي والاستكانات الملونه .. وبعضا من البسكويت اللذيذ ..
طبعا الجاره وامي اخذا يشربان الشاي ويتسامران وانا انظر اليهما بعين انني اود ايضا ان اشاركهما هذه اللحظه !
لم اتناول شي ..بالرغم من احضار شراب عصير الفيمتو لي .. ولكنني كنت انظر الى الشاي .. وما ادراك مالشاي ؟
شعرت امي بنظراتي وطلبت مني ان اذهب الى فناء المنزل لالعب مع البنات هناك ..
ردت عليها جارتنا وقالت : لا دعيها تجلس معنا لم تعد صغيره حتى تلعب مع الاطفال هناك ..
احببتها جدا هذه المرأه .. وكأنها كانت تقرأ افكاري .. من لحظتها وكلمه ( كبيره ) لم تفارقني !
شعرت في ذلك اليوم بأنني اكبر من سني .. ومعنى هذا انني يجب أن أُعامل معاملة الكبار ..
وان افكر بطريقه سليمه .. وان لا أسكت عن حقي ..
طبعا هنا استغليت الموقف .. وقلت لها : يعني انا كبيره الحين ؟
فقالت : نعم وكلها كم سنه وتتزوجين
هههههه ضحكت والدتي من كل قلبها ولسان حالها يقول : كبرتينا يا جاره وكبرتي عقل البنت !
فأردفتُ قائله : والشاي للكبار صح ؟
فقالت الجاره : صح كلامك .. ولانك كبيره وانتي ضيفتنا اليوم سوف اصب لك استكانه شاي .. وش قلتي ؟
طبعا امي لم تشأ أن تحرج جارتها ولم تكن امي من النوع الذي يوبخ امام الاخرين لذا فأنا احبها جدا فقد استمديت منها كل شي جميل .
ودخلت موسوعه غينيس للشاي الاحمر
اقسم بالله ان له طعماً يشبه شي غير موجود في الوجود
طعماً تذوقته وأنا اقول في نفسي هذا شراب الكبار .. شراب العقلاء ،، شراب الاغنياء ..
ومنذ سن التاسعه وحتى هذه اللحظه والشاي لا يفارقني ..
شاي بالنعناع / شاي بالمراميه / شاي بالزنجبيل / شاي بماء اللقاح واهمهم شاي بالحليب
:وردة: