الشبهة الخامسة :
كتب أحد الإخوة مقالا بعنوان: "حتى لا تغرق السفينة .. نصائح للمتظاهرين والمعتصمين من الموحدين" ..
حذر فيه من الانخراط في المظاهرات وأورد بعض الشبهات وكان كلامه انطلاقاً من التحذير من ترك الجهاد أو الإنـخراط في الديمقراطية .
وهذا رد على ما جاء في كلامه من شبهات :
الشبهة الأولى : لا يجوز التغيير إلا بالسيف
قال الكاتب :
(فالدين لا يقوم إلا بالسيف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» رواه البخاري، وذلك حين سأله أصحابه أفلا ننابذهم بالسلاح، ويفهم من هذا الحديث أن الطريق للتغيير هو الجهاد، فإن عدمت القدرة على الجهاد وجب الإعداد لها ولا يجوز العدول إلى أسلوب آخر إلا بدليل).
الرد عليها :
من حيث المبدأ فهذا كلام صحيح .. فمنهج القتال ومنهج مدافعة الباطل هو الذي ينشر الله به الحق ويدفع به الباطل ..
لكن التزام هذا المنهج لا يقتضي منع الوسائل الأخف منه إذا كانت مؤدية للغرض في حالة معينة ..
فنحن مطالبون بالتزام هذا المنهج بشكل عام ولا يجوز أن نحيد عنه إلى أي منهج آخر.
لكن بالنسبة للحالات والوقائع الجزئية فنحن مطالبون بسلوك الأسلوب الأقل كلفة والأخف ثمنا تحقيقا لأعظم المفسدتين وتجنبا لأعظم الضررين ..
القتال ليس مقصوداً لذاته، دل على ذلك قوله تعالى : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقوله صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ).
فمقصود القتال هو تحقيق هذه المقاصد الشرعية فإذا أمكن تحقيقها بالوسائل السلمية فلا حرج في استخدامها ما لم تكن ممنوعة في نفسها .
بل إن النصوص الشرعية لم تبح قتل الكافر والمرتد إلا بعد طرق الوسائل السلمية المتمثلة في دعوة الكافر إلى الدخول في الإسلام أو دفع الجزية واستتابة المرتد ثلاثة أيام .
فالقتال إذن ليس غاية وإنما هو وسيلة .
والهدف والغاية هو الذي لا ينبغي العدول عنه بأي حال ..لأنه مقصود لذاته .
أما بالنسبة للوسائل فينبغي استخدم الوسيلة الأنجع في الوصول إلى المقصد وإذا تعددت الوسائل فينبغي تقديم الوسيلة الأقل كلفة.
ولهذا فإن المجاهدين مع وجوب الجهاد عليهم يؤمرون بالكف عن القتال في بعض الحالات الجزئية كما قال تعالى : {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}
ومن ذلك ما حدث من صلح الحديبية مع أنه يعتبر فتحاً للمسلمين .
ومشروعية الهدنة مع الكفار دليل على مشروعية ترك القتال في بعض الأحيان ..
واستخدام الوسائل السلمية ليست إلا صورة من صور ترك القتال .
وفي بعض الأحيان يكون ترك القتال خيراً للمسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) وقال تعالى : {وكفى الله المؤمنين القتال}.
ولو كان القتال واجباً على المجاهد في كل حال لما جاز له الفرار تحيزا ..
فلما جاز الفرار تحيزا-والفرار نقيض القتال- جاز من باب أولى استخدام أي وسيلة غير القتال في لحظة من اللحظات لتحقيق الغرض ما دام استخدامها لا يعني التخلي عن منهج الجهاد .
الذي ندين الله به أن هؤلاء الحكام كفار مرتدون وأن قتالهم واجب بالكتاب والسنة ولكن مشروعية قتالهم لا تقتضي عدم مشروعية مدافعتهم بما هو أخف من ذلك من الوسائل السلمية ..
فمشروعية الوسيلة الأثقل تقتضي مشروعية الوسيلة الأخف من باب أحرى والعكس غير صحيح .
مثال ذلك لو أنا تمكنا من إزاحة هذه الأنظمة عن طريق استمالة أتباعها والمقربين منها بالمال حتى ينقلبوا عليها لما كان في ذلك حرج شرعي أو مناقضة لمنهج القتال .
الشبهة الثانية : حرمة المظاهرات لأنها من إفرازات الديمقراطية
قال الكاتب :
(ولادليل نعلمه يجيز الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية من الدخول في اللعبة الديمقراطية سواء عن طريق البرلمانات أوالمظاهرات والاعتصامات أو الإضرابات أو غيرها من إنتانات الديمقراطية) .
وقال :
(فالدين لن يقوم عن طريق الديمقراطية وإفرازاتها كالبرلمانات والاعتصامات والمظاهرات، ومن حسنت بدايته حسنت نهايته).
الرد عليها :
أولا :
المظاهرات هي اجتماع الناس من أجل المطالبة بحقوقها وهذه ليست من إفراز الديمقراطية فقط بل هي قضية تتكرر في كل زمان ومكان بمختلف الأشكال والألوان .
وكلام الكاتب فيه تسوية بين الشرك الممنوع والتظاهر المشروع، فالدخول في الديمقراطية يعني بصفة عملية الاحتكام إلى الشعب، أما المظاهرات فلا تعني أكثر من الاجتماع من أجل مطالبة السلطة بأداء حق الرعية كما قلنا .
والنصوص الشرعية دالة على مشروعية هذه المطالبة وليس هناك وسيلة محددة لها يتعين اتخاذها دون غيرها فالعرف والواقع هو الذي يحدد ذلك .
ثانيا :
ليس صحيحاً أن التظاهرات والاعتصامات جزء من النظام الديمقراطي، فهذا النظام يتمثل في مجموعة من الإجراءات منها : التعددية الحزبية، والتداول على السلطة، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاحتكام للدستور العلماني الذي يعلن أن الشعب هو مصدر السلطة، ويجعل الحكم للأغلبية، ويعطي للبرلمانيين حق التشريع .
وكون هذه الدساتير الديمقراطية تنص على السماح بحرية التظاهر فلا يعني ذلك أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي، فهذه الدساتير تنص على أشياء أخرى كثيرة مثل حرية التعبير وحرية التملك ومع ذلك فهذه أمور مباحة في الأصل ولو لم توجد الديمقراطية .
ثالثا :
إذا قبلنا-جدلاً- أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي فهذا لا يعني بالضرورة عدم مشروعيتها، إذ لا ينبغي أن نحرِّم من هذه الديمقراطية إلا ما كان مشتملا على وصف محظور.
الشبهة الثالثة : المظاهرات ذريعة لترسيخ المنهج الديمقراطي في نفوس الناس
قال الكاتب :
(ومن هذه المناهج التي أفرزتها الديمقراطية مناهج التغيير، كالمظاهرات والاعتصامات وما يسمى بالعصيان المدني، وهذه الأوضاع كلها ولدتمن رحم الكفر والديمقراطية، فالمنكر في نظرها ما أنكرته الديمقراطية أي ماخالفها، والمعروف هو ما أقره الكفر أي الديمقراطية، فإن تحكيم القرآن فينظر الديمقراطية منكر وجريمة لا تغتفر، إذاً فالمظاهرات ترسخ فكرة الديمقراطية وتدعمها، كما قالت (هيلاري كلينتون) :
" إن ما يحصل في الدول العربية من التغيير عن طريق المظاهرات والاعتصامات يخدمنا في محاربةالقاعدة وذلك بما ترسخه هذه الاعتصامات والمظاهرات في عقول الناس إنها سبيل ناجع للتغيير بدل العنف "، نعم؛ صدقت وهي كذوبة، إن هذه المناهجوضعت أساسا لتكون بديلا عن العنف أو ما يسمى في دين الإسلام بالجهاد والتغيير باليد وهما لضرب المشروع الجهادي وتغيير مسار الحركات والجماعاتالجهادية، فتأمل ما قلته لك، ولا تتردد بالكفر بالديمقراطية وإفرازاتها)
وقال :
(إن الشرع إذا حرم الشيء حرم ما يفضي عليه وسد أمامه الأبواب والطرق، وهذا الذي أقوله ليس ضربا من الخيال بل هو الفقه كل الفقه، وهوالمسمى بفقه سد باب الذريعة ...فكذلك لا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر في معصية الله، وبيانذلك أن الشريعة أباحت للمؤمنين أن يقوموا بإنكار المنكر فرادى أو جماعات بأي طريقة يزول بها المنكر، فلو احتشدوا في مكان حتى يزول المنكر فيما يشبه الاعتصام لجاز شرعا، ولو خرجوا مخوفين ومهددين لأصحاب المنكر في ما يشبه المظاهرات لجاز أيضا، لكن لما ترسخ في أذهان الناس أن هذه هي من ممارسات الديمقراطية وأنها من أصول دينها في التغيير وأن ممارسيها يوصفون بالديمقراطيين، حَرُمَ أن ينكر المنكر بهذه الطريقة للذريعة المفضية إلى الشرك، خصوصا وأن أعظم شرك في هذا الزمان هو شرك الديمقراطية، ودعوة التوحيد قائمة على منابذته، فلا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نلبس على الناس أمر دينهم بهذه الممارسات، لأن الصورة في ظاهرها تبدوا للناس اعتصاما ومظاهرة وترسيخا للديمقراطية وإضفاء للصبغة الشرعية عليها، والمرء قد يكون فتنة لغيره وهو لا يدري، لا سيما إذا كان محسوبا من أهل العلم والدعوة أو كان من المجاهدين، ففي الوقت الذي يكون يبلغ فيه دعوة الله بين أنصاره أو ممن يسمعونه وقد يكونون بالمئات أو الألوف يكون في نفس الوقت يضل الملايين ممن يشاهدونه على شاشات الإعلام فصوته يصل إلى أنصاره وأفعاله تصل إلى الناس على شكل دعوة لممارسة الديمقراطية والاحتجاج السلمي .
وهذا أمر متحقق، لمشابهتهه في الهدي الظاهر للديمقراطيين بغض النظر إلى الذي يدعوا إليه المتظاهرون،)
وقال :
(وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وَفَهِمَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صورة الاعتصامات والمظاهرات إنما هو ذريعة إلى ترسيخ مناهج الديمقراطية وفتوى عملية من قبل الموحدين بجوازها،)
الرد عليها :
وأما زعم الكاتب بأن المظاهرات تؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية فهذا يعني أنه لم يعد يتحدث عن حرمتها لذاتها وإنما لما يترتب عليها من مفسدة وعندئذ فلا بد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة فنحن نرى بأن مساعدة هذه المظاهرات في إزاحة هذه الأنظمة مصلحة محققة أما ترسيخها للديمقراطية فهي مفسدة مظنونة ولا ينبغي إلغاء هذه المصلحة المحققة من أجل تجنب مفسدة مظنونة .
ثم إن هذه المفسدة يمكن تجنبها عن طريق دعوة الناس إلى اعتزال الديمقراطية وبيان ما فيها من محذورات شرعية .
بل إن هذه المظاهرات قد تكون وسيلة في محاربة الديمقراطية وذلك أن هذه الأنظمة التي تطبق الديمقراطية هي الحاجز الذي يمنعنا من تبليغ الدعوة للناس وتحذيرهم من الديمقراطية، وبسقوط هذا الحاجز يمكن أن نحارب الديمقراطية بكل حرية .
وبهذا الاعتبار تكون المظاهرات وسيلة للقضاء على الديمقراطية لا ترسيخا لها .
كتب أحد الإخوة مقالا بعنوان: "حتى لا تغرق السفينة .. نصائح للمتظاهرين والمعتصمين من الموحدين" ..
حذر فيه من الانخراط في المظاهرات وأورد بعض الشبهات وكان كلامه انطلاقاً من التحذير من ترك الجهاد أو الإنـخراط في الديمقراطية .
وهذا رد على ما جاء في كلامه من شبهات :
الشبهة الأولى : لا يجوز التغيير إلا بالسيف
قال الكاتب :
(فالدين لا يقوم إلا بالسيف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ» رواه البخاري، وذلك حين سأله أصحابه أفلا ننابذهم بالسلاح، ويفهم من هذا الحديث أن الطريق للتغيير هو الجهاد، فإن عدمت القدرة على الجهاد وجب الإعداد لها ولا يجوز العدول إلى أسلوب آخر إلا بدليل).
الرد عليها :
من حيث المبدأ فهذا كلام صحيح .. فمنهج القتال ومنهج مدافعة الباطل هو الذي ينشر الله به الحق ويدفع به الباطل ..
لكن التزام هذا المنهج لا يقتضي منع الوسائل الأخف منه إذا كانت مؤدية للغرض في حالة معينة ..
فنحن مطالبون بالتزام هذا المنهج بشكل عام ولا يجوز أن نحيد عنه إلى أي منهج آخر.
لكن بالنسبة للحالات والوقائع الجزئية فنحن مطالبون بسلوك الأسلوب الأقل كلفة والأخف ثمنا تحقيقا لأعظم المفسدتين وتجنبا لأعظم الضررين ..
القتال ليس مقصوداً لذاته، دل على ذلك قوله تعالى : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } وقوله صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ).
فمقصود القتال هو تحقيق هذه المقاصد الشرعية فإذا أمكن تحقيقها بالوسائل السلمية فلا حرج في استخدامها ما لم تكن ممنوعة في نفسها .
بل إن النصوص الشرعية لم تبح قتل الكافر والمرتد إلا بعد طرق الوسائل السلمية المتمثلة في دعوة الكافر إلى الدخول في الإسلام أو دفع الجزية واستتابة المرتد ثلاثة أيام .
فالقتال إذن ليس غاية وإنما هو وسيلة .
والهدف والغاية هو الذي لا ينبغي العدول عنه بأي حال ..لأنه مقصود لذاته .
أما بالنسبة للوسائل فينبغي استخدم الوسيلة الأنجع في الوصول إلى المقصد وإذا تعددت الوسائل فينبغي تقديم الوسيلة الأقل كلفة.
ولهذا فإن المجاهدين مع وجوب الجهاد عليهم يؤمرون بالكف عن القتال في بعض الحالات الجزئية كما قال تعالى : {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}
ومن ذلك ما حدث من صلح الحديبية مع أنه يعتبر فتحاً للمسلمين .
ومشروعية الهدنة مع الكفار دليل على مشروعية ترك القتال في بعض الأحيان ..
واستخدام الوسائل السلمية ليست إلا صورة من صور ترك القتال .
وفي بعض الأحيان يكون ترك القتال خيراً للمسلمين؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا) وقال تعالى : {وكفى الله المؤمنين القتال}.
ولو كان القتال واجباً على المجاهد في كل حال لما جاز له الفرار تحيزا ..
فلما جاز الفرار تحيزا-والفرار نقيض القتال- جاز من باب أولى استخدام أي وسيلة غير القتال في لحظة من اللحظات لتحقيق الغرض ما دام استخدامها لا يعني التخلي عن منهج الجهاد .
الذي ندين الله به أن هؤلاء الحكام كفار مرتدون وأن قتالهم واجب بالكتاب والسنة ولكن مشروعية قتالهم لا تقتضي عدم مشروعية مدافعتهم بما هو أخف من ذلك من الوسائل السلمية ..
فمشروعية الوسيلة الأثقل تقتضي مشروعية الوسيلة الأخف من باب أحرى والعكس غير صحيح .
مثال ذلك لو أنا تمكنا من إزاحة هذه الأنظمة عن طريق استمالة أتباعها والمقربين منها بالمال حتى ينقلبوا عليها لما كان في ذلك حرج شرعي أو مناقضة لمنهج القتال .
الشبهة الثانية : حرمة المظاهرات لأنها من إفرازات الديمقراطية
قال الكاتب :
(ولادليل نعلمه يجيز الذي تفعله بعض الجماعات الإسلامية لاستئناف الحياة الإسلامية من الدخول في اللعبة الديمقراطية سواء عن طريق البرلمانات أوالمظاهرات والاعتصامات أو الإضرابات أو غيرها من إنتانات الديمقراطية) .
وقال :
(فالدين لن يقوم عن طريق الديمقراطية وإفرازاتها كالبرلمانات والاعتصامات والمظاهرات، ومن حسنت بدايته حسنت نهايته).
الرد عليها :
أولا :
المظاهرات هي اجتماع الناس من أجل المطالبة بحقوقها وهذه ليست من إفراز الديمقراطية فقط بل هي قضية تتكرر في كل زمان ومكان بمختلف الأشكال والألوان .
وكلام الكاتب فيه تسوية بين الشرك الممنوع والتظاهر المشروع، فالدخول في الديمقراطية يعني بصفة عملية الاحتكام إلى الشعب، أما المظاهرات فلا تعني أكثر من الاجتماع من أجل مطالبة السلطة بأداء حق الرعية كما قلنا .
والنصوص الشرعية دالة على مشروعية هذه المطالبة وليس هناك وسيلة محددة لها يتعين اتخاذها دون غيرها فالعرف والواقع هو الذي يحدد ذلك .
ثانيا :
ليس صحيحاً أن التظاهرات والاعتصامات جزء من النظام الديمقراطي، فهذا النظام يتمثل في مجموعة من الإجراءات منها : التعددية الحزبية، والتداول على السلطة، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والاحتكام للدستور العلماني الذي يعلن أن الشعب هو مصدر السلطة، ويجعل الحكم للأغلبية، ويعطي للبرلمانيين حق التشريع .
وكون هذه الدساتير الديمقراطية تنص على السماح بحرية التظاهر فلا يعني ذلك أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي، فهذه الدساتير تنص على أشياء أخرى كثيرة مثل حرية التعبير وحرية التملك ومع ذلك فهذه أمور مباحة في الأصل ولو لم توجد الديمقراطية .
ثالثا :
إذا قبلنا-جدلاً- أن المظاهرات جزء من النظام الديمقراطي فهذا لا يعني بالضرورة عدم مشروعيتها، إذ لا ينبغي أن نحرِّم من هذه الديمقراطية إلا ما كان مشتملا على وصف محظور.
الشبهة الثالثة : المظاهرات ذريعة لترسيخ المنهج الديمقراطي في نفوس الناس
قال الكاتب :
(ومن هذه المناهج التي أفرزتها الديمقراطية مناهج التغيير، كالمظاهرات والاعتصامات وما يسمى بالعصيان المدني، وهذه الأوضاع كلها ولدتمن رحم الكفر والديمقراطية، فالمنكر في نظرها ما أنكرته الديمقراطية أي ماخالفها، والمعروف هو ما أقره الكفر أي الديمقراطية، فإن تحكيم القرآن فينظر الديمقراطية منكر وجريمة لا تغتفر، إذاً فالمظاهرات ترسخ فكرة الديمقراطية وتدعمها، كما قالت (هيلاري كلينتون) :
" إن ما يحصل في الدول العربية من التغيير عن طريق المظاهرات والاعتصامات يخدمنا في محاربةالقاعدة وذلك بما ترسخه هذه الاعتصامات والمظاهرات في عقول الناس إنها سبيل ناجع للتغيير بدل العنف "، نعم؛ صدقت وهي كذوبة، إن هذه المناهجوضعت أساسا لتكون بديلا عن العنف أو ما يسمى في دين الإسلام بالجهاد والتغيير باليد وهما لضرب المشروع الجهادي وتغيير مسار الحركات والجماعاتالجهادية، فتأمل ما قلته لك، ولا تتردد بالكفر بالديمقراطية وإفرازاتها)
وقال :
(إن الشرع إذا حرم الشيء حرم ما يفضي عليه وسد أمامه الأبواب والطرق، وهذا الذي أقوله ليس ضربا من الخيال بل هو الفقه كل الفقه، وهوالمسمى بفقه سد باب الذريعة ...فكذلك لا أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر في معصية الله، وبيانذلك أن الشريعة أباحت للمؤمنين أن يقوموا بإنكار المنكر فرادى أو جماعات بأي طريقة يزول بها المنكر، فلو احتشدوا في مكان حتى يزول المنكر فيما يشبه الاعتصام لجاز شرعا، ولو خرجوا مخوفين ومهددين لأصحاب المنكر في ما يشبه المظاهرات لجاز أيضا، لكن لما ترسخ في أذهان الناس أن هذه هي من ممارسات الديمقراطية وأنها من أصول دينها في التغيير وأن ممارسيها يوصفون بالديمقراطيين، حَرُمَ أن ينكر المنكر بهذه الطريقة للذريعة المفضية إلى الشرك، خصوصا وأن أعظم شرك في هذا الزمان هو شرك الديمقراطية، ودعوة التوحيد قائمة على منابذته، فلا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نلبس على الناس أمر دينهم بهذه الممارسات، لأن الصورة في ظاهرها تبدوا للناس اعتصاما ومظاهرة وترسيخا للديمقراطية وإضفاء للصبغة الشرعية عليها، والمرء قد يكون فتنة لغيره وهو لا يدري، لا سيما إذا كان محسوبا من أهل العلم والدعوة أو كان من المجاهدين، ففي الوقت الذي يكون يبلغ فيه دعوة الله بين أنصاره أو ممن يسمعونه وقد يكونون بالمئات أو الألوف يكون في نفس الوقت يضل الملايين ممن يشاهدونه على شاشات الإعلام فصوته يصل إلى أنصاره وأفعاله تصل إلى الناس على شكل دعوة لممارسة الديمقراطية والاحتجاج السلمي .
وهذا أمر متحقق، لمشابهتهه في الهدي الظاهر للديمقراطيين بغض النظر إلى الذي يدعوا إليه المتظاهرون،)
وقال :
(وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وَفَهِمَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صورة الاعتصامات والمظاهرات إنما هو ذريعة إلى ترسيخ مناهج الديمقراطية وفتوى عملية من قبل الموحدين بجوازها،)
الرد عليها :
وأما زعم الكاتب بأن المظاهرات تؤدي إلى ترسيخ الديمقراطية فهذا يعني أنه لم يعد يتحدث عن حرمتها لذاتها وإنما لما يترتب عليها من مفسدة وعندئذ فلا بد من الموازنة بين المصلحة والمفسدة فنحن نرى بأن مساعدة هذه المظاهرات في إزاحة هذه الأنظمة مصلحة محققة أما ترسيخها للديمقراطية فهي مفسدة مظنونة ولا ينبغي إلغاء هذه المصلحة المحققة من أجل تجنب مفسدة مظنونة .
ثم إن هذه المفسدة يمكن تجنبها عن طريق دعوة الناس إلى اعتزال الديمقراطية وبيان ما فيها من محذورات شرعية .
بل إن هذه المظاهرات قد تكون وسيلة في محاربة الديمقراطية وذلك أن هذه الأنظمة التي تطبق الديمقراطية هي الحاجز الذي يمنعنا من تبليغ الدعوة للناس وتحذيرهم من الديمقراطية، وبسقوط هذا الحاجز يمكن أن نحارب الديمقراطية بكل حرية .
وبهذا الاعتبار تكون المظاهرات وسيلة للقضاء على الديمقراطية لا ترسيخا لها .
***