عند قراءتي لأولئك اللبراليين وجدت أنَّ الكثير منهم لا يفهم معتقدهم وفكرهم بشكل صحيح , وهم ينقسمون لأقسام :
أولهم : يرى باللبرالية على وجهها الحقيقي وبلا حياء ويصدع بها على الملأ وأما الجميع , وهم قد فهموا اللبرالية فعلاً وليس كغيرهم , وهناك نوعيات كثيرة مثل نوال السعداوي { القائل بأنَّ الله مؤنث فنقول قل هي الله أحد وليس هو , وناقل الكفر ليس بكافر } والبغدادي { القائل لئن أعلم ابني الموسيقى أفضل من أن أعلمه القرآن والرسول فشل في دعوته المكية وكل الدين الإسلامي لا يحتاج لعلماء وعلماؤه مجموعة من المرتزقة } وتركي الحمد القائل { الله وإبليس وجهان لعملة واحدة تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا وناقل الكفر ليس بكافر } وغيره ممن أرى فيهم أكثر شجاعة وأكثر قدرة على طرح أفكارهم بشكل واضح .
ومن الغرابة أنَّ تركي الدخيل سأل البغدادي في جلسة خاصة وصرَّح بهذا الخبر الدخيل على قناة دبي وسمعته بنفسي وقال سائلاً لهُ , لماذا لا تهاجر فأجابه { ما أستطيع } فقال الدخيل , ولما ؟ , فقال البغدادي { ما أستطيع أستغني عن صوت الآذان , وعشت في مدينة أوربية كبعثة دراسية من دون أن أسمع الأذان وكانت فعلاً سنيناً موحشة } .
وأقول هنا { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } .
ثانيهم : فئة تتبنى الفكر على استحياء , لا تصرِّح بنبذ القرآن والإسلام وأوامرهِ , ولكن تقول بتقديم العقل على النص في كل الأمور , مثل قولهم تلك أحكامٌ ليست لوقتنا هذا , بل قديمة , وجمدوا بذلك الدين ليس تصريحاً , بل تعريضاً بقولهم , أحكامٌ غير صالحة لوقتنا هذا .
وثالثهم : فئة يلوون النصوص ويحجرون على أهل العلم تفسير النصوص بأصول التفسير المعروفة , فيقولون مثلاً أنَّ الله يقول { لكم دينكم ولي دين } بمعنى اتركوا المرتد ولا تقتلوه وهذا نص واحد , وكذلك يرون بوحدة الأديان , ويخلطون خلطاً ما أنزل الله بهِ من سلطان , ومن أولئك أصلاً علماء مسلمين مثل الأفغاني وغيره , وكذلك آية الحجاب موجهة لنساء الصحابة وليست في وقتنا هذا , فهم لا يقدمون العقل صراحةً , بل يتألون بالتفسير ويقولون المفسرين رجال لديهم عقول ونحن أيضاً لدينا عقول .
رابعهم : فئة ضائعة لا تعلم أين هي , كالطفل الذي تعطيه علبة فيها حلوى , فيُعجب الطفل بظاهرها وبما فيها ولا يعلم ما غاية الشخص الذي أعطاه وما مُراده ولماذا , ويأخذ هذا الشخص الطفل إلى مكانٍ ما والطفل يجهل هذا المكان ولا يُلقي النظر حتى لطريقه , فنظره لا ينفك أبداً عن الحلوى فرحاً بها , ولا يعلم بتبعات مسيره , وهذا الفئة لعمري ملأت المنتديات والصُحف والمجلات , فتراهم عندما تتباحث معهم فهمهم للبرالية تجدهم يفهمونها بالاختلاط والسفور , ولم يفهمون اللبرالية بأنَّه طرد الحكم الشرعي جملةً وتفصيلا .
الكل يعلم يا أفاضل أنَّ أعتى العلماء علماً ربما لا يُحسن صُنع الشاي , أو حتى لا يعرف أموراً كثيرة تخفى عليه , كلعب الدامة مثلاً أو لعب الشطرنج أو حتى لا يعرف كيف يتكلم ولا يُحسن فن الخطابة , وكلما وجدنا عالم نرى في جنباته صفات النص , فالنص ملازم تلازماً تاماً للإنسان , بل وعلى قول أهل العلم أنَّ الرسل قد ارتكبوا المعاصي .
وكما يقول الشاعر :
إذا لم تستطيع شيئاً فدعهُ ** وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ
فإذا كانت هذه حقيقتنا , فكيف نثق بالمفاهيم الإنسانية التي لا تبرح إلا ويأتي مفهوم آخر يخالف الأول ونظام آخر يخالف سالفهُ !
العقل ليس كل شيء , وأحياناً لا يُنجي الإنسان إلى بر الأمان , انظر مثلاً إبليس عندما أعمل عقله مقابل النص الإلهي الصريح الكامل { قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي } فقال إبليس معتذراً بالقياس العقلي وبعقله وبفكره { أنا خيرٌ منه , خلقتني من نارٍ وخلقته من طين } .
عقلياً يُقال أنَّ الطين مقابل النار لا مقارنة كمظهرٍ خارجي , فغرَّه مادة الصنع , ولكن عند التمحيص نرى أنَّ الطين يُنبت الكلأ والنبت , ولكن النار تأكله , فالقياس العقلي لا يُنجي وليس هو الأصل والأساس الإنسان , فإذا أحلنا الإنسان إلى العقل في كل الأمور , اختلفت الخلائق ولم تتفق , وإذا أحلناهم إلى نصٍ يثبت لنا أنَّه من عند الله بالبرهان القاطع , ننقذ بذلك الإنسان من جفاء عقله للحقيقة .
مشكلتهم أولئك أنَّ شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون .
هواية الشر:
البعض يهوى الشر هكذا , هوايةً في نفسه لا أكثر , يقول ابن القيم أنَّ الله عندما أهبط آدم إلى الأرض أهبطه لحكمه , ليميز الخبيث من الطيب , وذلك لأنَّ آدم خلقه الله من قيضةٍ قبضها من جميع الأرض , والأرض فيها الطيب والخبيث , والسهل والحزن , والكريم واللئيم , فعلم الله من لا يصلح في مساكنته فأنزل الله آدم ليميز بينهم , وهو أعلم بينهم , لكن لا يظلم ربك شيئاً , فالله يحجهم بأفعالهم وما يجترحون . ( مقتطف من مفتاح دار السعادة المجلد الأول الصفحة العاشرة ) .
فالبعض يهوى الشر من حيث لا يعلم , يهوى خلع الحجاب ويظن أنَّها حرية , ويهوى البعض الخمر ويظن أنَّها حرية وخير , ويهوى البعض الزنا ويظن أنَّها حرية , ويهوى البعض الاختلاط .
وفي ذلك يقول ربنا { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا , الذي ضلَّ سعيهم في الحياةِ الدنيا وهم يحسبون أنَّهم يُسحنون صنعا , أولئك الذين كفروا بآياتِ ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم , فلا نقيم لهم يوم القيامةِ وزناً } .
والله قد أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم لأنَّه يُريد أن { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } , ولكن تأبى بعض النفوس إلا الحط منها وهواية الشر واتباعه .
ويجب أن يكون هناك قادة لتلك النفوس الباغضة للخير والمُحبة للشر , وهناك الكثير من أولئك القوم من يملك الخطابة ويعتلي المنابر خطيباً مفوهاً لا يُشق لهُ غبار ولا ينقطع لهُ حبل في الشر وكما قال ربنا يُشير { ومن الناس من يُعجبك قوله في الحياة الدنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } وكذلك في وصفهم المنافقين { وإن يقولوا تسمع لقولهم } .
فكان بعد ذلك القادة كماركس ولوك وروسو وطه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم هم رؤوس اللبرالية و هم أعلاماً ونبراساً لهم في أفكارهم ومنهجيتهم .
فكانت هذه الفئة هي الفرقة المضادة للدين , فكانت حربهم بمنطق العقل القابل للنقد مقابل النص الإلهي الغير قابل للنقد { ولا يخالف في ذلك إلا كافر , أقصد نقد النص الإلهي }
فكانوا يصرخون بالمادية من ناحية العقيدة والتحرر من الناحية الفكرية , ويكأنَّهم يتحدثون بلسان القرمطي الذي تساءل وهو في بطن مكة يقتل حجاج بيت الله الحرام ويسرق الحجر الأسود ويقول { أين ربكم , أين إلهكم , أنا بالله وبالله أنا , يخلق الخلق وأفنيهم أنا } فهذا لسان حالهم , أين الله !
وهذا القرمطي اتفق معهم في حيثية , وهو رد الدين , إلا أنَّه يقتل ويسفك الدماء , وربما كانت ثورة جمال عبدالناصر على المتدينيين { بغض النظر عن خطأ الاخوان فيها } أكثر توضيحاً من كلامي .
وسؤال من فَهِمَ اللبرالية وشَرِبَ مفهومها على وجه الحقيقة , وأتكلم عن اللبرالية الأصل , لا إله والحياة مادة , وإن سموها بغير اسمها , كماركسية , فالناظر لأسباب نشوئها يعلم أنَّ غاية اللبرالية رد الدين , فنشوؤها سببه التطرف الديني والتحريف النصراني الغالي .
سؤال ليس المقصود منه إثبات وجود الله , بل المقصود منه هو الخروج من الأسر الديني كما يرونه , لقد تمرغ الأوربيون في وحل التحريف والتشدد الكنسي حتى كفروا بكل شيءٍ نصارني , وكفروا بالإنجيل وما جاوره .
في كتاب تاريخ أخلاق أوربا مقتطفات منها { أن الرهاب ماكاريوس نام في مستنقع الطين ليقرص جسمه الذباب السام وهو عاري لمدة ستة أشهر } ! { والراهب يوسيبيس كان يحمل قنطارين من حديد وأقام ثلاثة أعوام في بئر نزح } .
{ وأنَّ بعض الرهبان لا يكتسون دائماً وإنما يستترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم , ويسكن بعضهم في مغارات السباع , وكان أتقاهم أبعدهم عن الطهارة , وهم يعدون طهارة الجسم منافية للتدين والزهد , ويتأثمون من غسل الأعضاء }
{ وأنَّ بعض الرهبان لا يكتسون دائماً وإنما يستترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم , ويسكن بعضهم في مغارات السباع , وكان أتقاهم أبعدهم عن الطهارة , وهم يعدون طهارة الجسم منافية للتدين والزهد , ويتأثمون من غسل الأعضاء }
يقول الراهب اتهينس { إن الراهب أنتوني لم يقترف اثم غسل الوجه أبداً , وكان الراهب ابراهام لم يمس وجهه الماء ولا رجله خمسين سنة } .
هذا حال الرهبانية عندهم , ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم , فما ظنك بردة الفعل الأوربية بالله عليك , كيف سيفعل العالم الأوربي المثقف تجاه أولئك الذين دينهم باطل ومنهجهم كما قرأتهم أخي القارئ قبل قليل .
ثم بدأ الرهبان والقساوسة قتل العلماء المعارضين لهم مثل غاليليو وبرونوا أيضاً , عشرات الآلاف من المثقفين والعلماء , فبدأت رحلة رفض الدين على جثث القتلى .
فرفضوا الدين , وورَّثوا هذا الرفض إلى الشرق الإسلامي , فأنجبت كتبهم أسماءً لامعة في عالم الكفر والإلحاد ورفض الدين والشبه وزخارف القول والكذب والزيف واتباع المادية وتقديمها .
عاش العالم الأوربي في خزينة المال والمادة , يلهث وراء المادة والمادية المشاهدة للعيان ورفض الآخرة الغائبة الغير مشاهدة واستبعاد ما نُقل من صور عنها و التي لا يشهد عليها العقل لتقديس العقل أكثر من تقديس القساوسة لعيسى وأمه .
والغريب أنَّ العقل صدَّق أنَّ هناك شمساً وأرض وقمرٍ وكواكبٍ في نسقٍ كوني لو اختل هلك الكون بأسره ! فالذي أنشأ من عدم وأبدع في الصنع أليس بقادر على ما نُقل وعلى ما بين دفتي القرآن , بلى .
ووصف الصحفي المشهور jhon gunther جون في كتابه { داخل أوربا } حالهم بلا رتوش وعلى طبيعته فقال { إن الإنجليز إنما يعبدون بنك إنجليترا ستة أيام في الأسبوع , ويتجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة !!!!!!! } .
تركوا هذا الشر المستطير في عقول أبنائنا , ولا زال أبناؤنا يئنون , ونهايك عن خذلانهم لأنفسهم وخبث بعضهم وضعف الآخر وجهل الأخير , المعلوم أنَّ هذا الفكر ليس له رواجاً , ولكنَّه مزعج , وإزعاجه غير مزعج , ولكنَّه يسبب الحزن , فإنِّي حزينٌ عليهم , وقد استمروا في الخطأ والطريق الخطأ حتى فقدوا حسهم الإيماني , فقدوا جمال يقينهم بالله الذي مبعثه العقل والمنطق , عبارة الكل يتفق عليها ( الله عرفناه بالعقل ) بل واتفق عليها حتى علماء الطبيعة منذ عشرات السنين بأنَّ هذا الكون أحدثه مُحدثٍ لهُ وهي ذات الله التي أحدثت هذا الكون وأنشاته من عدم .
بل وسلَّم بذلك حتى إبليس { قال ربِّ أنظرني } فإبليس أعلم منهم , بل وحتى فرعون آمن بالذي آمنت بهِ بنو إسرائيل , على الرغم من قوله { أنا ربكم الأعلى } .
أرى أنَّهم قد ظلموا عقولهم بهذا الجحود , والذي قال بهِ , قال بهِ بحجة أنَّه عاقل , ولزمه في ذلك الجنون الصُراح .
في الختام , هناك محاضر مسموعة جميلة تجدها في أي تسجيلات سلفية للعلامة وزير الأوقاف السعودي صالح آل الشيخ , وفيه يُثبت أنَّ كلمة فكر إسلامي خطأ , , فكلمة فكر مأخوذة من الفرك , وأنَّنا نحن أهل القبلة نأخذ الأمور بالأدلة الشرعية الثابتة , فلا يوجد فكر إسلامي , إنما كتاب وسنة وآثار عن الصحابة الذي أرسل إليهم محمد وفهموا مقالاته .
كاتبه / عبدالله بن خدعان المطيري