استطيع تفهم وقوف اغلبية شيعة الكويت مع ناصر المحمد أو وقوفهم على الحياد بين المعارضة والموالاة , وطبعا هنا اتحدث عن الناس العاديين وبعض الكتاب والناشطين ولا اتحدث عن جماعات التمصلح الديني او المالي او الاجتماعي الطائفي .
فحكومة ناصر المحمد أتت بعد مرحلة الشيخ صباح الاحمد القصيرة في رئاسة الحكومة و التي سبقتها سنوات من التمييز والتضييق والتخوين بالمواطنين الشيعة وهي مرحلة الشيخ سعد رحمه الله في الثمانينيات , و كان ذلك بسبب عقدتي القومية والمذهبية اللتين طغتا على الصراع السوفييتي الامريكي بالمناطق المشرفة على المنطقة النفطية الاكبر بالعالم .
ومن خلال ادوات تلك الدولتين الكبيرتين - كمن اشترك بالحرب العراقية الايرانية , بالاضافة الى من اشترك بالصراع الاستراتيجي في المناطق التابعة للاتحاد السوفييتي الى افغانستان تحت شعار محاربة الاسلام السني للمرض الشيوعي!, وهي مرحلة مريرة جيشت فيها دول المنطقة كل طاقتها , المال والعتاد و بالمجندين ايضا , تلك المرحلة هي التي فرضت واقع طائفي نفض عنه الرماد بعد مئات السنين من اشتعال الفتن الطائفية الاولى , فغذت الكراهية في نفوس المتعصبين وحدثت مناوشات متبادلة عديدة كبعض التفجيرات التي قابلت - او قابلها التعسف السلطوي ضد الشيعة في الخليج بشكل عام .
انتهت الحروب , تفكك الإتحاد السوفييتي وحكم الاسلاميون في افغانستان و انشقوا عن المعسكر الامريكي العربي , وتوقفت ايضا الحرب العراقية الايرانية دون فائز وبخسائر بشرية بيئية اقتصادية هائلة , فإنشق العراق ايضا وتحرر عن الطاعة الامريكية او ربما خدع كما يتصور البعض!, وتحول بقوته الثقيلة التي بات جلوسها دون عمل ينهكه الى الكويت في محاولة للعب دور اكبر على مستوى العالم , فهذا العربي السني كان من المفترض ان يكون سببا في إعادة الصواب لبعض من استمر بعقدة الصراع الطائفي , فما حصل كان من المفترض ان يكون درسا لكل الطائفيين , من ذات المذهب والقومية ويحتل بلد استمر حليف بإسم الجيرة والمذهب والقومية !.
الا ان واقعنا اليوم يبين كيف أن زراعة الطائفية بالعقول قد أدى الى خروجها عن سيطرة من تعامل مع هذا الملف وراهن به متجاوزا التفكير في المخاطر , وبتنا اليوم ندفع الثمن ونسدد تلك الفاتورة بعد ان ازدادت الهوة الطائفية وباتت اسهل المواد للتحكم في الدول والشعوب .
ففي البحرين على سبيل المثال , تم التشكيك بالمتظاهرين وبأنهم تحصلوا على دعم ايراني غير محدود , سألنا عن الدليل واتوا ببعض الصور , سألنا عن شكوى البحرين للامم المتحدة ولم نجد سوى شكوى بسبب قناة العالم !, والى ان اكدت صحة ما اعتقدنا به ماجاء في تقرير بسيوني الحكومي !.
وفي السعودية , وهنا نسمع عن دعم الحركات الثورية في العالم العربي من قبل الثورجية الاسلاميين , وهنا سمعنا ايضا عن المطالبة بما لايمكن تصوره حتى في محاسبة النظام السوري وغيره من الانظمة , دون ان يفسر احد الدعم السعودي الواضح للطاغية اليمني ودون ان يجيب احد عما ان كان للسعودية الحق بالتدخل في الشأن اليمني من خلال عملها على ضمان استبدال صالح برئيس حليف للسعودية !, والامر ذاته في الموضوع التركي السوري , لم يتحدث احد عن طريقة التدخلات التركية التي تهدف الى ضمان بديل حليف يساندها بالتضييق على الاكراد !.
هنا حرية وهناك صم بكم لايرون!!.
وبالنظر للتيار المتعصب الشيعي , سنجد ان السياسة ذاتها وكإنها نسخة طبق الاصل للتشدد السني , فتجد من يدعم الحريات بالعالم وخصوصا بالبحرين يستنكرها في سوريا !, ومن يدعم تحرر الشعوب يصمت امام قمع التظاهرات في العراق ويصمت عن استمرار حالة اللا استقرار الامني !.
هناك حرية وهنا صم بكم لا يرون!!.
هذا التاريخ وكل هذه التجارب المريرة , جميعها تراكم لسنوات طويلة , ولم يصمد امامها سوى التحالف على الجبهة الفلسطينية بين حماس السنية وحزب الله الشيعي , المهم .. ان هذه التراكمات قد أدت الى فرض واقع سياسي أعوج بالديمقراطية الكويتية , فهنا الطائفية باتت أمر طبيعي ويعد على انه احد اشكال الاختلاف في وجهات النظر وهذا غير صحيح طبعا , ولكن شيوع هذه القناعة قد ادخلنا في متاهات الطائفية , فالوزارات والهيئات وادارات الدولة باتت مقسمة حسب كل طرف وما حققه من مكاسب , وباتت هذه المكاسب تبحث عن الغطاء البرلماني الرقابي لها , الى ان ترأس ناصر المحمد رئاسة الحكومة وتحالف مع الاقلية في البرلمان - ممثلي القوى الشيعية وبقية النواب من المرتزقة , ليحقق اغلبية يسوقها الاعلام على انها توافق يهدف الى مواجهة قوى طائفية وقبلية .
ولاحظ هنا أن هذا التسويق يتحدث عن طائفيو وقبليو المعارضة ولم يتحدث عن قبليو وطائفيو الرئيس !!.
هذا التسويق كاد ان يفوت التيار الوطني كما فات العديد من المواطنين الشيعة , حتى ان بداية كتلة العمل الوطني لم تكن موفقة ومخيبة للآمال وتحديدا في استجواب وزير الداخلية او في الموقف من طرح الثقة بالرئيس على خلفية فضيحتي الشيكات والمصروفات , ولم تكن هناك مشاركة للتيار الوطني في حملة ارحل الاولى الا عبر اجتهاد اثنين من ناشطيها هما الاستاذ عبدالله النيباري والاخ خالد الفضالة , بالاضافة الى بعض الشباب المؤيد , بالاضافة الى بعض الشباب الشيعة الذين كان لهم الدور الابرز في الحملة وهذه الحقيقة أعلقها للتاريخ فوق كلمة ارحل , قبل ان يخيب ظنهم بالمعارضة وخصوصا بعد كل من قضية طرد الفالي قبل ان يصدر عليه حكم بالادانة - حكم عليه بالبراءه بالمناسبة! , وبعد موقف المعارضين من الثورة الشعبية البحرينية واتهامهم للشيعة هناك بالعمالة لايران ومساندتهم للتحرك العسكري لدرع الجزيرة لدعم الحكم ورئيس الحكومة هناك بل واستجواب رئيس الحكومة هنا بسبب الفريق الطبي وبسبب تأخر تقديم المساندة العسكرية للطاغية البحريني !!.
وهذا ما اعاد الى الاذهان تجربة شيعة الكويت المريرة مع التعصب السني , ولذلك لم يكن هناك مفر من دعم رئيس الحكومة تحسبا لتغيير قد يؤدي الى اختيار شخص يتحالف مع القوى السنية المتعصبة ويعيد تجربة الطغيان الديكتاتوري وممارساته ضد الشيعة و على حساب حقوقهم الانسانية والدينية و الدستورية والقانونية .
وامام هذه الحقيقة , فإنني اثمن تعالي الكثير من الشيعة على الجراح ودعمهم بالرغم من هذه المخاطر لحركة المعارضة , وطبعا تمثلت الرمزية بمواقف النائب الرائع حسن جوهر , كما أنني اراعي موقف المحايدين من المواطنين الشيعة , بل واتفهم حتى من اضطر لدعم الرئيس السابق خوفا من المستقبل المجهول !.
إن هذه الرسالة تهدف الى اعادة شئ من الثقة للتعايش الوطني , ليكون اساس اعادة بناء كامل الثقة المفقودة من خلال خطوات مطلوب من المعارضة اتخاذها على الاقل ان لم يكن للناس فليكن لتحقيق رقم اكبر بالبرلمان بالمستقبل , وتبدأ هذه الخطوات من خلال الاعلان عن خطوات تؤدي الى المزيد من التحرر من التعصب المذهبي لمراعاة الاختلاف المذهبي بين المواطنين , لتكون اساس الانطلاق نحو حوار مفتوح مع الفاعلين المقربين على الاقل من المواطنين الشيعة او من لم يعرف عنهم التورط بفساد الرئيس , وحتى نتخلص من مشكلة استقطابات السلطة المبنية على الاختلاف الطائفي الذي يستحيل علاجه على الطريقة الدينية وهي اساس قناعتي بأن استئصال التمذهب من النظام السياسي هو الحل الوحيد لهذه المشكلة التاريخية العقائدية .