هذا الموضوع منقول لكم للاطلاع على حقيقة وصول الاسلام إلى بلاد الهند من مراجع تاريخية قيمة .. وحقيقة قيام جمهورية باكستان ونضال المسلمين في القارة الهندية من البطش الهندوسي والسيخي .. وحقيقة قضية كشمير الأزلية التي زرعها النظام الانجليزي قبل تركه بلاد الهند لخلق فتيل مشتعل دوما بين الهند وباكستان ولضمان عدم استقرار هذه المنطقة ... ومحاولة الرأي العام طمس قضية مسلمي كشمير ووصف مجاهدي كشمير بالانفصاليين والمتمردين بعد زيارة قام بها رئيس الوزراء الهندي منذ سنوات إلى دول الخليج والدول العربية ومحاولة إيهام الإعلام العربي بأن مسلمي كشمير ما هم إلا متمردون على النظام الهندي .. نذكر أن اللجنة الخيرية الاسلامية العالمية قد عرضت فلم في التسعينيات عن انتهاكات الهندوس في كشمير وصلت إلى اغتصاب النساء المسلمات هناك من قبل الجيش الهندوسي ، وحرمان المسملين من أبسط حقوقهم .. وعلى رغم عرض الأمم المتحدة بعمل استفتاء عام لشعب كشمير المسلم وحرية تقرير مصيره بالانضمام إلى الهند أو باكستان ، إلا أن الهند كانت دوما ترفض عمل هذا الاستفتاء لعملمها المسبق بعدم جدوى هذا الاستفتاء لصالحها .. إليكم الحقائق التاريخة عبر هذا السرد راجية أن تلقى استحسانكم ..
قصة الإسلام في الهند
شملت الهند قديمًا: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، والمالديف، وانتشرت فيها الهندوسية والبوذية، وقليل منهم اعتنق النصرانية أو اليهودية. وكان للعرب صلات تِجاريَّة معها، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك "ماليبار" يدعوه إلى الإسلام. ويُرْوَى أن ملك "كدنغلور" زار النبي صلى الله عليه وسلم، كما وصل الدعاة إليها. وفي عهد الراشدين وصلت قوات إلى شمال بومباي، وفي خلافة معاوية أرسل جيشًا إلى السند، فأُرْسِل في خلافة عبد الملك بن مروان محمد بن قاسم لغزوها، فبدأ في فتحها، وكان ذلك بداية انتشار الإسلام فيها، وكاتَبَ عمرُ بن عبد العزيز ملوكَ السند فأسلم بعضهم، وفي عهد هشام بن عبد الملك تم القضاء على الفتن، وفي الخلافة العباسية ظهرت الاضطرابات؛ ففي خلافة هارون الرشيد ولَّى العديد من الولاة على السند حتى وصل عمر الهَبَّاري إلى حكمها فأطاعه الناس، ولما ضعفت الخلافة خضعت للسامانيِّين، ثم جاء محمود الغزنوي ونشر الإسلام حتى أسلم ملك كشمير على يديه، وبعده تناحر الغزنويُّون فتَمَكَّن منهم السلاجقة، ثم التركمان، ثم الْغُوريُّون، ثم المماليك, فحفظوا الهند من هجمات المغول، ثم بدأ حُكْم الخَلْجِيِّين، وجاء في أواخر الدعوة لإعادة الهندوسيَّة، ثم تفكَّكَت الهند إلى ستِّ دُول؛ حتى جاءت أسرة اللوديين فاستعادت سلطنة دِهْلَى مكانتها، ثم ضعف اللوديون، فبدأ حكم المغول وهو يُعْتَبَر الحكم الأخير للمسلمين في الهند, فقرَّب جلال الدين أقوى ملوك المغول إلى جانبه زعماء الهنادكة، فأصبحت مملكته تشمل الهندَ كلَّها، عدا الطرف الجنوبي فكانت تحكمه ممالك بيجابور وكولكنده الإسلاميَّتين، وفيجايانكر الهندوسية، فأراد إنشاء عقيدة تجمع كل الأديان فوقف في وجهه العلماء. وبدأت أطماع البرتغاليين فتمركزوا على ساحل الهند الغربي، ونشط الهولنديُّون، وتحرَّك الفرنسيُّون، ولَحِقَ بهم الإنجليز، فأصدروا مرسومًا مَلَكِيًّا بتكوين شركة تِجاريَّة إنجليزية في الهند، فبدأت بأكشاك صغيرة، ثم جعلوا لها حرسًا من الإنجليز، فتكون الجيش، وبدأ القضاء على الدولة المغولية، فتمَّ الاعتراف بحكم الشركة على البنغال وأوريسة وبهار، وتم بناء مستعْمَرَة تِجاريٍّة في كلكتا، فوقف حاكم (ميسور) في وجههم، فتحالفوا مع المرهتا، إلا أنه استطاع هزيمتهم، فعاهد الفرنسيين، واتَّفق معهم على الدفاع المشتَرَك، فتوفي فجمع الحاكم العامّ للشركة جيوش الشركة والحلفاء، فانتقل الحكم إلى التاج البريطاني.
فبدأت حركات الجهاد الإسلامية، وعَمِل الإنجليز على إثارة النزعات الطائفيَّة، فأُنْشِئ حزب المؤتمر الهندي فأخذ يُنادِي بتخليص الهند من الغرباء، على أن المسلمين هم الغرباء، فظهر "حزب الرابطة الإسلامية"، وأنشئت الصحف المدافعة عن الإسلام، وفي الحرب العالمية الأولى وُعدوا بالاستقلال، فنُكِثَ الوعد، فقامت المذابح للتجمُّعات (السلمية)، وبدأت الاضطرابات، فظهرت الدعوة إلى الديانة "الهندوكية"، وطالب حزب الرابطة باستقلال المسلمين في دولة مستقلَّة في باكستان، بينما رأى آخرون ضرورة المحافظة على الْوَحدة الوطنية من خلال حزب المؤتمر، فظهرت الجماعة الإسلامية وجماعة التبليغ. وفي الحرب العالمية الثانية وُعِدوا بالاستقلال بشروط فرفضها الهنود، ثم أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند، فتكوَّنت الهند وباكستان، وأجبرت الهند حيدر آباد، وجوناغاد، وكشمير- التي قرَّر حكامها المسلمون أن ينضمَّوا إلى باكستان أو الاستقلال- على الانضمام إليها، في حين استقلَّت سيلان ونيبال بوتان، وكوَّنت دُولاً مستقلَّة.
أما كشمير فبدأ النزاع بين الهند وباكستان عليها، وقد استمر الحكم الإسلامي بها قرابة خمسة قرون حكمها السلاطين المستقلون, ثم المغول، ثم الأفغان، ثم حكمها السيخ حيث انتشر الظلم، ثم باع البريطانيون ولاية جامو وكشمير إلى عائلة الدوغرا. ومن ثَمَّ نشأت ثلاث حروب بين الهند وباكستان، فظهرت جماعات الجهاد الكشميري، وبسبب التقسيم قامت المذابح، ورغم ذلك ظلَّ في الهند ما يقرب من 150 مليون مسلم يتحمَّلون الاعتداءات، ويعانون من مشاكل الفقر والتخلُّف التعليمي، وما زالت هناك طائفة تعمل على عودة هذا النور إلى هذه المنطقة من جديد، رغم ما تعانيه من مشاكل.
الهند قبل الإسلام
حضارتنا الإسلامية أنارت بقاع الأرض جميعًا، وامتد ضياؤها إلى كل شبر أشرق فيه نور الإسلام, ومن القصص الرائعة لجلال رسالة الإسلام وعظمة بنائه للحضارة, قصة الإسلام في الهند، تلك البقعة التي ساد فيها الإسلام قرونًا من الزمن، فعاش الناس في أمن وأمان، وعدل وإحسان.
ونبدأ قصتنا بالوقوف على الحدود الجغرافية للهند قديمًا، والتي تمثِّل اليوم عدَّة دُول؛ هي: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، والمالديف، بذلك فإننا نعني بقصة الهند تلك البلاد الشاسعة التي يحدُّها من الشمال سلسلة جبال الهملايا، ومن الغرب جبال هندكوش وسليمان حيث تقع أفغانستان وإيران، ثم تمتدُّ الهند إلى الجنوب في شبه جزيرة يقع بحر العرب في غربها، وخليج البنغال في شرقها، وسيلان في طرفها الجنوبي، ويتَّجه الإقليم الشمالي منها إلى الشرق حتى جبال آسام[1].
وعند استعراضنا لأحوال الهند قبل الإسلام نجد أن الانحطاط الخُلُقي والاجتماعيَّ والعَقَدِيَّ كان السِّمة الظاهرة، وقد ظهر هذا الانحطاط جليًّا من مستهلِّ القرن السادس من الميلاد.
ومن مظاهر هذا الانحطاط كثرة المعبودات والآلهة كثرةً فاحشة، والشهوة الجنسية الجامحة، والتفاوت الطبقي المجحِف، والامتياز الاجتماعي الجائر[2].
فقد وُجِدَتْ في الهند قبل الإسلام مجموعة من الديانات منها الهندوسية أقدم هذه الديانات في الهند، تليها البوذية التي انتشرت قبل الإسلام بنحو خمسمائة سنة، وأعداد قليلة ممن يعتنقون المسيحية واليهودية[3].
ولا يمكننا التحديد الدقيق للاحتكاك الأوَّل بين الهند والعرب، إلاَّ أنَّ الثابت تاريخيًّا أن العرب كانوا على صلة تِجاريَّة بالهند قبل الإسلام؛ حيث وصلت سفنهم على أغلب المدن الهندية؛ بل وذهبوا إلى خليج البنغال، وبلاد الملايو، وجزر إندونيسيا، حتى كوَّنوا لهم جالياتٍ عربية في بعض هذه البلاد[4].
[1] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص2.
[2] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص68 بتصرف.
[3] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص24.
[4] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص60 بتصرف.
كيف دخل الإسلام الهند؟ وعندما ظهر الإسلام أرسل النبي r إلى ملك "ماليبار" في عام (7هـ = 628م) رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام, ويُرْوَى أن "تشيرمان برمال" ملك "كدنغلور" قد زار النبي r، كما وصلت إلى بلاد "ماليبار" جماعة من الدُّعاة المسلمين العرب، على رأسهم مالك بن دينار وشرف بن مالك، ونزلوا في مدينة "كدنغلور"، ثم جابوا جميع أنحاء كيرالا داعِينَ إلى الإسلام وبنوا العديد من المساجد[1].
ومع ازدياد الحركة التِّجاريَّة بين شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الهندية في صدر الإسلام كان للتجار المسلمين الفضل في نشر الإسلام من خلال معاملاتهم بأمانة وصدق مع أهل هذه البلاد, حيث وَجَدَ الإسلام في الهند أرضًا خصبة سهلة، فأصبح في كل ميناء أو مدينة اتَّصل بها المسلمون جماعة اعتنقوا الإسلام، وأقاموا المساجد، وباشروا شعائرهم في حُرِّيَّة تامَّة لمَّا كان للمسلمين والعرب في ذلك الوقت من منزلة عند الحُكَّام باعتبارهم أكبر العوامل في رواج التجارة الهندية التي كانت تدرُّ على هؤلاء الحكام الدخل الوفير[2].
محاولات لفتح الهند في عهد الراشدين
وفي عهد عمر بن الخطاب t بدأ التفكير في فتح هذه البلاد ونشر الإسلام بين ربوعها، فيقول البلاذري: "ولَّى عمر بن الخطاب t عثمانَ بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة 15هـ، فوجَّه أخاه الحكم بن أبي العاص إلى البحرين، ومضى إلى عمان، فأقطع جيشًا إلى " تانه "[3]، فلمَّا رجع الجيش كتب إلى عمر يُعْلِمُه ذلك، فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف، حملت دودًا على عود، وإني أحلف بالله أن لو أُصِيبُوا لأخذتُ من قومِكَ مثلهم. ووجَّه الحكمَ أيضًا إلى " بروص "[4] ووجَّه أخاه المغيرة بن أبي العاص إلى خَوْرِ الدَّيْبُل فظَفِر به[5]، ويبدو من كتاب عمر لعثمان بن أبي العاص أنه كان يخشى على المسلمين من ركوب المجازفة بركوب البحر, رغم حرصه الشديد على نشر الإسلام في كل بقاع الأرض.،
وعندما تولَّى عثمان بن عفان t الخلافة, وولَّى عبدَ الله بن عامر بن كُرَيْزٍ على العراق كتب إليه يأمره أن يوجِّه إلى ثغر الهند مَن يَعْلَمُ عِلْمَهُ، وينصرف إليه بخبره، فوجَّه حُكَيْمَ بن جبلة الْعَبْدِيَّ، فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله عن حال البلاد، فقال: يا أمير المؤمنين، قد عرفتها وخبرتها. فقال: فصِفْهَا لي قال: ماؤها وَشَلٌ[6]، وثمرها دَقَلٌ[7]، ولصُّها بطل، إن قلَّ الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا. فقال له عثمان: أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر. فلم يَغْزُها أَحَدٌ.
وفي خلافة علي بن أبي طالب t توجَّه إلى ذلك الثغر الحارثُ بن مُرَّة العَبْدِيُّ متطوِّعًا بإذن عليٍّ، فظَفِر وأصاب مغنمًا وسبيًا، وقسم في يوم واحد ألف رأس[8].
أما في الخلافة الأموية فقد أرسل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما المهلَّب بن أبي صُفْرَة على رأس جيش عام 44هـ، فغزا منطقة السند, وقاتل قتالاً شديدًا[9].
وكانت كلُّ هذه المحاولات محاولات غير منتظمة، ذلك يرجع إلى انشغال الخلفاء الراشدين بمواجهة أقوى دولتين- في ذلك الوقت- وهما الدولة الفارسية والدولة البيزنطية.
محمد بن القاسم.. فاتح السند
وبدأت المحاولات الفعلية لفتح الهند في خلافة عبد الملك بن مروان (65 - 86هـ)، بعدما ولَّى الحجاجَ بن يوسف الثقفي أمْرَ المشرق، فأرسل إلى السند "مُجَّاعَة بن سِعْرٍ التميمي" عاملاً على ثغر السند فاستطاع فتح بعض المناطق، ووافاه الأجل قبل مرور عام، وفي هذه الأثناء اختَطَف القراصنة الهنودُ بعضَ النساء المسلمات، فطلب الحجاج من ملك السند "داهر" تسليم هذه النساء، ولم يقدر " داهر" ملكُ الهند على استردادهن، وقد استغاثت إحداهن بالحجاج، فلبَّاها.
إلاَّ أن بعضًا من كتب التاريخ تتحدث عن سبب آخر؛ وهو أن جماعة من بني هاشم فرُّوا من ظلم الحجاج متَّجهين للسند، فأرسل إلى ملكها ليردَّهم، لكنه لم يظْفَر بما يريد، وأيًّا كان السبب فقد أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي بعض قوَّاده لهذه البلاد، لكنه فشل في مهمته، فوجَّه ابنَ أخيه محمد بن قاسم الثقفي سنة 92هـ، وقد أظهر مهارة فائقة في مواجهة العدُوِّ، فنزل بالدَّيْبُل[10]، وكان بها صنمًا كبيرًا فهدمه، وهزم عامل "داهر" ثم بنى بها مسجدًا، ثم تابع سيره فأخضع كلَّ البلاد التي تقع تحت سيطرة داهر، ثم خرج داهر لمواجهة الجيش المسلم، وانتهت المعركة بقتله، وبعدها اتَّجه محمد بجيشه نحو الشمال يريد "الرور"، فقاتله أهلها، لكنهم انهزموا في النهاية، فكانت هذه إيذانًا بانتشار الإسلام في الهند[11].
وانتهى دَوْرُ محمد بن القاسم في الهند حين تولَّى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 96هـ عندما عزله واستدعاه.
الأمويون يواصلون الفتوحات
وفي خلافة عمر بن عبد العزيز (99 - 101هـ) انتهج نهجًا مغايِرًا في فتح الهند؛ فقد كتب لملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يُمَلِّكهم بلادهم، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بَلَغَتْهُم، فأسلم "جيشيه بن داهر"، وقد تَسَمَّى ملوك الهند المسلمين بأسماء العرب، وأُبْقِيَ ملوك السند المسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد بن عبد الملك[12].
ونشطت حركة الجهاد في عهد هشام بن عبد الملك (105 - 125هـ)، ومن ثَمَّ كان لها أثرها الإيجابي في توطيد الأوضاع في بلاد السند؛ فقد أرسل هشام بن عبد الملك، الجُنَيْد بن عبد الرحمن المري فقام بإخضاع إقليم السند والكَجَرَات بالطمأنينة والأمن وكان ذلك عام 107هـ، ثم عُيِّن خالد بن عبد الله القسري واليًا على بلاد الهند، فأحيا الجهاد في الهند، وقضى على الفتن، واستقرَّت الأوضاع بفضل سيرته الحسنة، وفي عام 122هـ تولَّى ولاية السند عمرو بن محمد بن القاسم، فكان من أعماله بِناء مدينة المنصورة لتكون حصنًا للمسلمين عند أي هجوم من الأعداء، وكانت لعمرو بن محمد بن القاسم أعمال حميدة، وتمتَّع بمحبة أهل السند لشهرة أبيه فاتح السند[13].
العباسيون يكملون مشوار الفتوحات
وفي بداية الخلافة العباسية تحمَّس الخلفاء لمواصلة الفتح الإسلامي للهند؛ إلا أنَّ هذا الاهتمام كان متفاوتًا من خليفة لآخر تَبَعًا لسيطرته على الدولة.
حيث أرسل السفاح (132 - 136هـ) إلى السند منصور بن جَهْوَر فملكها، ثم ثار فيها عليه، فبعث له موسى بن كعب[14] عام 134هـ، فأخذها منه وفرَّ منصور، واتَّجه إلى الصحراء فمات عطشًا، وبقي موسى بن كعب واليًا على السند حتى تُوُفِّيَ[15].
وعندما جاء المنصور (136 - 158هـ) إلى سُدَّة الحُكْمِ، اهتمَّ بالهند اهتمام أخيه السفاح، إلا أن عُيَيْنَة بن موسى بن كعب قد خلع الطاعة، فأرسل له أبو جعفر المنصور قوَّة بإمرة عمرو بن حفص بن أبي صُفْرَة، فتَمَكَّن عمرو من قهر عُيَيْنة، وتسلَّم ولاية السند والهند، حتى وُلِّي مكانه عام 157هـ هشام بن عمرو التغلبي[16] وتابع عمرو بن جمل الفتوح زمن الخليفة المنصور؛ فقد كان عمرو قائد الجيش الذي فتح "كشمير"، و"المُلْتَان"[17]، وأصبح عمرو بن جمل والي منطقة "نارند"، وكان المسلمون يهدمون الأصنام، ويبنون المساجد، ويُحْسِنون إلى الناس، وقد أحسَّ الناس بفضل الله عليهم مع قيام حكم المسلمين، ولقد استمرَّ حكم المسلمين للسند مدَّة واستقر أمرهم فيها.
وفي عام 174هـ بعث هارون الرشيد (170 - 193هـ) إسحاق بن سليمان الهاشمي فمات، فولَّى مكانه ابنه يوسف بن إسحاق، ثم عزله، وولى طيفور بن عبد الله بن المنصور الحميري، ثم جابر بن الأشعث الطائي، ثم ولَّى الرشيدُ على ثغر السند عام 184هـ بعد أن فشل الذين تولَّوْا هذه المهمَّة داود بن يزيد بن حاتم المهلبي فاستقام الأمر، وبقي حتى تُوُفِّيَ عام 205هـ، وفي عام 240هـ في عهد الخليفة المتوكَّل[18]. وثب على حكم السند عمر بن عبد العزيز الهَبَّاري، وأطاعه الناس فرَضِيَ عنه المتوكِّل، وأقرَّه
[1] عدنان علي رضا النحوي: ملحمة الإسلام في الهند ص36 بتصرف.
[2] عبد المنعم النمر: السابق ص60، وملحمة الإسلام في الهند ص33-43.
[3] تانه: تقع شمال مدينة بومباي على بعد نحو 15 ميلاً، وتقع على بحر العرب.
[4] بروص: تقع شمال مدينة سورت بينها وبين نهر نريدا، وكانت ميناء قديمة، لكنها فقدت أهميتها مع الزمن.
[5] البلاذري: فتوح البلدان، 3/530.
[6]الوشل: القليل، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة وشل 11/725.
[7] الدقل: الرديء، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة دقل 11/246..
[8] البلاذري: فتوح البلدان، 3/531.
[9] السابق نفس الصفحة.
[10] الديبل: مدينة بالقرب من كراتشي، لكنها اندثرت الآن.
[11] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص73-75 بتصرف.
[12] ابن الأثير: الكامل في التاريخ2/386.
[13] السابق، 2/504-505.
[14] موسى بن كعب بن عيينة التميمي: من كبار قواد الدولة العباسية الذين رفعوا عمادها، وقد ولي الهند ومصر، وتوفي عام 141هـ.
[15] محمود شاكر: موسوعة التاريخ الإسلامي، 5/80، 81.
[16] السابق: 5/119 بتصرف.
[17] ملتان: مدينة باكستانية تقع في الجزء الجنوبي من محافظة البنجاب.
[18] السابق: 7/216 بتصرف.
الدولة الغزنويَّة.. وبداية الدول المستقلة كانت الهند كغيرها من الولايات الإسلامية التابعة لسلطان الدولة العباسية، ولما كانت الدولة العباسية في أَوْج عصرها الذهبي (132- 232هـ)، كان نفوذها ممتدًّا على كل الأقاليم والولايات الإسلامية من شرقها لغربها، بما في ذلك ولاية الهند، فكان عمال الدولة خاضعين لسلطان الخليفة العباسي في بغداد، فلما ضعفت شوكة الخلافة العباسية، بدأت الكثير من الدويلات الإسلامية في الظهور، والاستقلال بالحكم- خاصَّة في المناطق المترامية - حيث خضعت الأجزاء المفتوحة من الهند وقتئذٍ لسلطان السامانيِّين من عام 261هـ حتى بَدْء الغزوات الغَزْنَوِيَّة على الهند عام 392هـ. فتَكَوَّنت هناك عدَّة دُول إسلامية.
ومن هذه الدول الدولة الغزنوية (392-582هـ) التي أسسها ناصر الدين سبكتكين في مدينة غزنة[1], حيث امتدَّت فتوحاتها إلى شبه القارة الهندية بَدْءًا من مملكة "جيبال" التي استسلمت خلال حروبها مع "سبكتكين", وتعهَّدت بدفع الجزية له, ثم نَقَضَت العهد، فسار إليها، وألحق بها هزيمة أخرى[2].
وعلى الرغم من حروب سبكتكين في شبه القارة الهندية إلا أنها لا تَعْدُو إلا غزوات مهَّدَت الطريق لابنه محمود الغزنوي، وقد الذي بدأ غزواته للهند عام 392هـ، فالتقى بملكها جيبال، وانتصر عليها انتصارًا ساحقًا، ووقع ملكهم في الأَسْر، ودخلت المملكة تحت راية الإسلام عام 397هـ، واستولى محمود على بيشاور، ثم استسلمت بهندا وذلك في عام 393هـ، وفي عام 395هـ رجع محمود الغزنوي ليغزو الهند فغزا كلاًّ من بهاطية ومُلْتَان، وفي عام 396هـ سار إلى قلعة كواكير، وكان بها ستمائة صنم، فافتتحها وحرَّق أصنامها، وفي عام 402هـ توجَّه محمود لغزو "تهانسير" لما سمع أن الهندوس يتَّخذون فيها صنمًا يعتقدون قِدَمَ وجوده، ويحيطونه بضروب التعظيم والهيبة، وفي عام 406هـ توجَّه محمود الغزنوي إلى كشمير التي أسلم مَلِكُها على يديه.
وفي عام 407 هـ خرج محمود الغزنوي بنفسه وأخضع كل ملوك الشرق حتى وصوله لقنوج، فقد أخذ محمود في زحفه وانتصاراته حتى وصوله واستيلائه على قلعة ميرت، ومترا، وكلجندا، التي كانت تابعة لسلطان دِهْلَى، وفي عام 410هـ أرسل محمود للخليفة العباسي يُبَشِّره بما تمَّ على يديه من فتوحات وإنجازات، فابتهج الخليفة لذلك، وأنعم عليه بالألقاب والخِلَعِ[3].
وبعد وفاة محمود الغزنوي تناحر الغزنويُّون على السلطة، فتمرَّدت البلاد التي فتحوها عليهم، وطمع فيهم من حولهم.
واعتماد السلاطين الغزنويين على قوَّة السيف وحده في المحافظة على ملكهم - دون النظر في الغالب إلى إقامةِ الحكومةِ الإدارةَ على أساس صالح ونظام سليم - قد أدَّى إلى تداعي بناء الدولة كله حين تراخت الأيدي التي كانت تقبض على هذا السيف، هذا إلى جانب تهالك أغلب الحكام ورجال الدولة أنفسهم على حياة البذخ والترف؛ بسبب ما أصابوه من ثروات الهند وكنوزها الطائلة، حتى تَمَكَّن منهم السلاجقة ثم التركمان، وأخيرًا الْغُوريُّون الذين ورثوهم[4].
ولما ضعفت الدولة الغزنوية جاء الغُوريُّون[5] (582-602 هـ) إلى شمال شبه القارة الهندية بعدما استولَوْا على غَزْنَة عام 566هـ، ليحافظوا على أملاك المسلمين فيها، فعَبَرَ محمد الغُورِيُّ شمال شبه القارة الهندية غازِيًا من البنجاب إلى البنغال في فتوحات متعاقبة استمرَّت ثلاثين عامًا، بدأها بغزو المُلْتَان، والاستيلاء عليها من أيدي القرامطة عام 570 هـ، ولكن الهندوس قد جمعوا حشودهم لمواجهة محمد الغوري، فواجهوه عند ترين عام 581هـ، حيث ألحقوا به هزيمة منكرة كاد أن يُقْتَل فيها.
وفي سنة 588هـ كوَّن محمد الغُورِيُّ جيشًا عظيمًا سار به إلى الهند، حيث تقابل الجيشان في نفس الموقع الذي هُزم فيه من قبلُ، وقد كتب له ملك أجمير يُهدِّده ويُنذره بالمصير الذي لَقِيَه من قبلُ، فخادعه، وانتصر عليه انتصارًا ساحقًا.
ثم عَيَّن محمد الغُورِيُّ "قطب الدين أيبك" نائبًا له، ففتح قلعة ميرت وقلعة كول، ودخل دِهْلَى، وضمَّها للبلاد الإسلامية عام 589هـ، وقد توجَّه في نفس العام إلى قنوج فاستولى عليها، وقد دخلت كثير من بلاد الهند الشمالية تحت حكمه في حدود عام 590هـ[6].
قصة الإسلام في الهند
شملت الهند قديمًا: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، والمالديف، وانتشرت فيها الهندوسية والبوذية، وقليل منهم اعتنق النصرانية أو اليهودية. وكان للعرب صلات تِجاريَّة معها، وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملك "ماليبار" يدعوه إلى الإسلام. ويُرْوَى أن ملك "كدنغلور" زار النبي صلى الله عليه وسلم، كما وصل الدعاة إليها. وفي عهد الراشدين وصلت قوات إلى شمال بومباي، وفي خلافة معاوية أرسل جيشًا إلى السند، فأُرْسِل في خلافة عبد الملك بن مروان محمد بن قاسم لغزوها، فبدأ في فتحها، وكان ذلك بداية انتشار الإسلام فيها، وكاتَبَ عمرُ بن عبد العزيز ملوكَ السند فأسلم بعضهم، وفي عهد هشام بن عبد الملك تم القضاء على الفتن، وفي الخلافة العباسية ظهرت الاضطرابات؛ ففي خلافة هارون الرشيد ولَّى العديد من الولاة على السند حتى وصل عمر الهَبَّاري إلى حكمها فأطاعه الناس، ولما ضعفت الخلافة خضعت للسامانيِّين، ثم جاء محمود الغزنوي ونشر الإسلام حتى أسلم ملك كشمير على يديه، وبعده تناحر الغزنويُّون فتَمَكَّن منهم السلاجقة، ثم التركمان، ثم الْغُوريُّون، ثم المماليك, فحفظوا الهند من هجمات المغول، ثم بدأ حُكْم الخَلْجِيِّين، وجاء في أواخر الدعوة لإعادة الهندوسيَّة، ثم تفكَّكَت الهند إلى ستِّ دُول؛ حتى جاءت أسرة اللوديين فاستعادت سلطنة دِهْلَى مكانتها، ثم ضعف اللوديون، فبدأ حكم المغول وهو يُعْتَبَر الحكم الأخير للمسلمين في الهند, فقرَّب جلال الدين أقوى ملوك المغول إلى جانبه زعماء الهنادكة، فأصبحت مملكته تشمل الهندَ كلَّها، عدا الطرف الجنوبي فكانت تحكمه ممالك بيجابور وكولكنده الإسلاميَّتين، وفيجايانكر الهندوسية، فأراد إنشاء عقيدة تجمع كل الأديان فوقف في وجهه العلماء. وبدأت أطماع البرتغاليين فتمركزوا على ساحل الهند الغربي، ونشط الهولنديُّون، وتحرَّك الفرنسيُّون، ولَحِقَ بهم الإنجليز، فأصدروا مرسومًا مَلَكِيًّا بتكوين شركة تِجاريَّة إنجليزية في الهند، فبدأت بأكشاك صغيرة، ثم جعلوا لها حرسًا من الإنجليز، فتكون الجيش، وبدأ القضاء على الدولة المغولية، فتمَّ الاعتراف بحكم الشركة على البنغال وأوريسة وبهار، وتم بناء مستعْمَرَة تِجاريٍّة في كلكتا، فوقف حاكم (ميسور) في وجههم، فتحالفوا مع المرهتا، إلا أنه استطاع هزيمتهم، فعاهد الفرنسيين، واتَّفق معهم على الدفاع المشتَرَك، فتوفي فجمع الحاكم العامّ للشركة جيوش الشركة والحلفاء، فانتقل الحكم إلى التاج البريطاني.
فبدأت حركات الجهاد الإسلامية، وعَمِل الإنجليز على إثارة النزعات الطائفيَّة، فأُنْشِئ حزب المؤتمر الهندي فأخذ يُنادِي بتخليص الهند من الغرباء، على أن المسلمين هم الغرباء، فظهر "حزب الرابطة الإسلامية"، وأنشئت الصحف المدافعة عن الإسلام، وفي الحرب العالمية الأولى وُعدوا بالاستقلال، فنُكِثَ الوعد، فقامت المذابح للتجمُّعات (السلمية)، وبدأت الاضطرابات، فظهرت الدعوة إلى الديانة "الهندوكية"، وطالب حزب الرابطة باستقلال المسلمين في دولة مستقلَّة في باكستان، بينما رأى آخرون ضرورة المحافظة على الْوَحدة الوطنية من خلال حزب المؤتمر، فظهرت الجماعة الإسلامية وجماعة التبليغ. وفي الحرب العالمية الثانية وُعِدوا بالاستقلال بشروط فرفضها الهنود، ثم أصدر البرلمان البريطاني قانون استقلال الهند، فتكوَّنت الهند وباكستان، وأجبرت الهند حيدر آباد، وجوناغاد، وكشمير- التي قرَّر حكامها المسلمون أن ينضمَّوا إلى باكستان أو الاستقلال- على الانضمام إليها، في حين استقلَّت سيلان ونيبال بوتان، وكوَّنت دُولاً مستقلَّة.
أما كشمير فبدأ النزاع بين الهند وباكستان عليها، وقد استمر الحكم الإسلامي بها قرابة خمسة قرون حكمها السلاطين المستقلون, ثم المغول، ثم الأفغان، ثم حكمها السيخ حيث انتشر الظلم، ثم باع البريطانيون ولاية جامو وكشمير إلى عائلة الدوغرا. ومن ثَمَّ نشأت ثلاث حروب بين الهند وباكستان، فظهرت جماعات الجهاد الكشميري، وبسبب التقسيم قامت المذابح، ورغم ذلك ظلَّ في الهند ما يقرب من 150 مليون مسلم يتحمَّلون الاعتداءات، ويعانون من مشاكل الفقر والتخلُّف التعليمي، وما زالت هناك طائفة تعمل على عودة هذا النور إلى هذه المنطقة من جديد، رغم ما تعانيه من مشاكل.
الهند قبل الإسلام
ونبدأ قصتنا بالوقوف على الحدود الجغرافية للهند قديمًا، والتي تمثِّل اليوم عدَّة دُول؛ هي: الهند، وباكستان، وبنجلاديش، وسريلانكا، والمالديف، بذلك فإننا نعني بقصة الهند تلك البلاد الشاسعة التي يحدُّها من الشمال سلسلة جبال الهملايا، ومن الغرب جبال هندكوش وسليمان حيث تقع أفغانستان وإيران، ثم تمتدُّ الهند إلى الجنوب في شبه جزيرة يقع بحر العرب في غربها، وخليج البنغال في شرقها، وسيلان في طرفها الجنوبي، ويتَّجه الإقليم الشمالي منها إلى الشرق حتى جبال آسام[1].
وعند استعراضنا لأحوال الهند قبل الإسلام نجد أن الانحطاط الخُلُقي والاجتماعيَّ والعَقَدِيَّ كان السِّمة الظاهرة، وقد ظهر هذا الانحطاط جليًّا من مستهلِّ القرن السادس من الميلاد.
ومن مظاهر هذا الانحطاط كثرة المعبودات والآلهة كثرةً فاحشة، والشهوة الجنسية الجامحة، والتفاوت الطبقي المجحِف، والامتياز الاجتماعي الجائر[2].
فقد وُجِدَتْ في الهند قبل الإسلام مجموعة من الديانات منها الهندوسية أقدم هذه الديانات في الهند، تليها البوذية التي انتشرت قبل الإسلام بنحو خمسمائة سنة، وأعداد قليلة ممن يعتنقون المسيحية واليهودية[3].
ولا يمكننا التحديد الدقيق للاحتكاك الأوَّل بين الهند والعرب، إلاَّ أنَّ الثابت تاريخيًّا أن العرب كانوا على صلة تِجاريَّة بالهند قبل الإسلام؛ حيث وصلت سفنهم على أغلب المدن الهندية؛ بل وذهبوا إلى خليج البنغال، وبلاد الملايو، وجزر إندونيسيا، حتى كوَّنوا لهم جالياتٍ عربية في بعض هذه البلاد[4].
[1] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص2.
[2] أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص68 بتصرف.
[3] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص24.
[4] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص60 بتصرف.
كيف دخل الإسلام الهند؟ وعندما ظهر الإسلام أرسل النبي r إلى ملك "ماليبار" في عام (7هـ = 628م) رسالة يدعوه فيها إلى الإسلام, ويُرْوَى أن "تشيرمان برمال" ملك "كدنغلور" قد زار النبي r، كما وصلت إلى بلاد "ماليبار" جماعة من الدُّعاة المسلمين العرب، على رأسهم مالك بن دينار وشرف بن مالك، ونزلوا في مدينة "كدنغلور"، ثم جابوا جميع أنحاء كيرالا داعِينَ إلى الإسلام وبنوا العديد من المساجد[1].
ومع ازدياد الحركة التِّجاريَّة بين شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الهندية في صدر الإسلام كان للتجار المسلمين الفضل في نشر الإسلام من خلال معاملاتهم بأمانة وصدق مع أهل هذه البلاد, حيث وَجَدَ الإسلام في الهند أرضًا خصبة سهلة، فأصبح في كل ميناء أو مدينة اتَّصل بها المسلمون جماعة اعتنقوا الإسلام، وأقاموا المساجد، وباشروا شعائرهم في حُرِّيَّة تامَّة لمَّا كان للمسلمين والعرب في ذلك الوقت من منزلة عند الحُكَّام باعتبارهم أكبر العوامل في رواج التجارة الهندية التي كانت تدرُّ على هؤلاء الحكام الدخل الوفير[2].
محاولات لفتح الهند في عهد الراشدين
وفي عهد عمر بن الخطاب t بدأ التفكير في فتح هذه البلاد ونشر الإسلام بين ربوعها، فيقول البلاذري: "ولَّى عمر بن الخطاب t عثمانَ بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة 15هـ، فوجَّه أخاه الحكم بن أبي العاص إلى البحرين، ومضى إلى عمان، فأقطع جيشًا إلى " تانه "[3]، فلمَّا رجع الجيش كتب إلى عمر يُعْلِمُه ذلك، فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف، حملت دودًا على عود، وإني أحلف بالله أن لو أُصِيبُوا لأخذتُ من قومِكَ مثلهم. ووجَّه الحكمَ أيضًا إلى " بروص "[4] ووجَّه أخاه المغيرة بن أبي العاص إلى خَوْرِ الدَّيْبُل فظَفِر به[5]، ويبدو من كتاب عمر لعثمان بن أبي العاص أنه كان يخشى على المسلمين من ركوب المجازفة بركوب البحر, رغم حرصه الشديد على نشر الإسلام في كل بقاع الأرض.،
وعندما تولَّى عثمان بن عفان t الخلافة, وولَّى عبدَ الله بن عامر بن كُرَيْزٍ على العراق كتب إليه يأمره أن يوجِّه إلى ثغر الهند مَن يَعْلَمُ عِلْمَهُ، وينصرف إليه بخبره، فوجَّه حُكَيْمَ بن جبلة الْعَبْدِيَّ، فلما رجع أوفده إلى عثمان، فسأله عن حال البلاد، فقال: يا أمير المؤمنين، قد عرفتها وخبرتها. فقال: فصِفْهَا لي قال: ماؤها وَشَلٌ[6]، وثمرها دَقَلٌ[7]، ولصُّها بطل، إن قلَّ الجيش فيها ضاعوا، وإن كثروا جاعوا. فقال له عثمان: أخابر أم ساجع؟ قال: بل خابر. فلم يَغْزُها أَحَدٌ.
وفي خلافة علي بن أبي طالب t توجَّه إلى ذلك الثغر الحارثُ بن مُرَّة العَبْدِيُّ متطوِّعًا بإذن عليٍّ، فظَفِر وأصاب مغنمًا وسبيًا، وقسم في يوم واحد ألف رأس[8].
أما في الخلافة الأموية فقد أرسل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما المهلَّب بن أبي صُفْرَة على رأس جيش عام 44هـ، فغزا منطقة السند, وقاتل قتالاً شديدًا[9].
وكانت كلُّ هذه المحاولات محاولات غير منتظمة، ذلك يرجع إلى انشغال الخلفاء الراشدين بمواجهة أقوى دولتين- في ذلك الوقت- وهما الدولة الفارسية والدولة البيزنطية.
محمد بن القاسم.. فاتح السند
وبدأت المحاولات الفعلية لفتح الهند في خلافة عبد الملك بن مروان (65 - 86هـ)، بعدما ولَّى الحجاجَ بن يوسف الثقفي أمْرَ المشرق، فأرسل إلى السند "مُجَّاعَة بن سِعْرٍ التميمي" عاملاً على ثغر السند فاستطاع فتح بعض المناطق، ووافاه الأجل قبل مرور عام، وفي هذه الأثناء اختَطَف القراصنة الهنودُ بعضَ النساء المسلمات، فطلب الحجاج من ملك السند "داهر" تسليم هذه النساء، ولم يقدر " داهر" ملكُ الهند على استردادهن، وقد استغاثت إحداهن بالحجاج، فلبَّاها.
إلاَّ أن بعضًا من كتب التاريخ تتحدث عن سبب آخر؛ وهو أن جماعة من بني هاشم فرُّوا من ظلم الحجاج متَّجهين للسند، فأرسل إلى ملكها ليردَّهم، لكنه لم يظْفَر بما يريد، وأيًّا كان السبب فقد أرسل الحجاج بن يوسف الثقفي بعض قوَّاده لهذه البلاد، لكنه فشل في مهمته، فوجَّه ابنَ أخيه محمد بن قاسم الثقفي سنة 92هـ، وقد أظهر مهارة فائقة في مواجهة العدُوِّ، فنزل بالدَّيْبُل[10]، وكان بها صنمًا كبيرًا فهدمه، وهزم عامل "داهر" ثم بنى بها مسجدًا، ثم تابع سيره فأخضع كلَّ البلاد التي تقع تحت سيطرة داهر، ثم خرج داهر لمواجهة الجيش المسلم، وانتهت المعركة بقتله، وبعدها اتَّجه محمد بجيشه نحو الشمال يريد "الرور"، فقاتله أهلها، لكنهم انهزموا في النهاية، فكانت هذه إيذانًا بانتشار الإسلام في الهند[11].
وانتهى دَوْرُ محمد بن القاسم في الهند حين تولَّى سليمان بن عبد الملك الخلافة سنة 96هـ عندما عزله واستدعاه.
الأمويون يواصلون الفتوحات
وفي خلافة عمر بن عبد العزيز (99 - 101هـ) انتهج نهجًا مغايِرًا في فتح الهند؛ فقد كتب لملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يُمَلِّكهم بلادهم، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بَلَغَتْهُم، فأسلم "جيشيه بن داهر"، وقد تَسَمَّى ملوك الهند المسلمين بأسماء العرب، وأُبْقِيَ ملوك السند المسلمين على بلادهم أيام عمر ويزيد بن عبد الملك[12].
ونشطت حركة الجهاد في عهد هشام بن عبد الملك (105 - 125هـ)، ومن ثَمَّ كان لها أثرها الإيجابي في توطيد الأوضاع في بلاد السند؛ فقد أرسل هشام بن عبد الملك، الجُنَيْد بن عبد الرحمن المري فقام بإخضاع إقليم السند والكَجَرَات بالطمأنينة والأمن وكان ذلك عام 107هـ، ثم عُيِّن خالد بن عبد الله القسري واليًا على بلاد الهند، فأحيا الجهاد في الهند، وقضى على الفتن، واستقرَّت الأوضاع بفضل سيرته الحسنة، وفي عام 122هـ تولَّى ولاية السند عمرو بن محمد بن القاسم، فكان من أعماله بِناء مدينة المنصورة لتكون حصنًا للمسلمين عند أي هجوم من الأعداء، وكانت لعمرو بن محمد بن القاسم أعمال حميدة، وتمتَّع بمحبة أهل السند لشهرة أبيه فاتح السند[13].
العباسيون يكملون مشوار الفتوحات
وفي بداية الخلافة العباسية تحمَّس الخلفاء لمواصلة الفتح الإسلامي للهند؛ إلا أنَّ هذا الاهتمام كان متفاوتًا من خليفة لآخر تَبَعًا لسيطرته على الدولة.
حيث أرسل السفاح (132 - 136هـ) إلى السند منصور بن جَهْوَر فملكها، ثم ثار فيها عليه، فبعث له موسى بن كعب[14] عام 134هـ، فأخذها منه وفرَّ منصور، واتَّجه إلى الصحراء فمات عطشًا، وبقي موسى بن كعب واليًا على السند حتى تُوُفِّيَ[15].
وعندما جاء المنصور (136 - 158هـ) إلى سُدَّة الحُكْمِ، اهتمَّ بالهند اهتمام أخيه السفاح، إلا أن عُيَيْنَة بن موسى بن كعب قد خلع الطاعة، فأرسل له أبو جعفر المنصور قوَّة بإمرة عمرو بن حفص بن أبي صُفْرَة، فتَمَكَّن عمرو من قهر عُيَيْنة، وتسلَّم ولاية السند والهند، حتى وُلِّي مكانه عام 157هـ هشام بن عمرو التغلبي[16] وتابع عمرو بن جمل الفتوح زمن الخليفة المنصور؛ فقد كان عمرو قائد الجيش الذي فتح "كشمير"، و"المُلْتَان"[17]، وأصبح عمرو بن جمل والي منطقة "نارند"، وكان المسلمون يهدمون الأصنام، ويبنون المساجد، ويُحْسِنون إلى الناس، وقد أحسَّ الناس بفضل الله عليهم مع قيام حكم المسلمين، ولقد استمرَّ حكم المسلمين للسند مدَّة واستقر أمرهم فيها.
وفي عام 174هـ بعث هارون الرشيد (170 - 193هـ) إسحاق بن سليمان الهاشمي فمات، فولَّى مكانه ابنه يوسف بن إسحاق، ثم عزله، وولى طيفور بن عبد الله بن المنصور الحميري، ثم جابر بن الأشعث الطائي، ثم ولَّى الرشيدُ على ثغر السند عام 184هـ بعد أن فشل الذين تولَّوْا هذه المهمَّة داود بن يزيد بن حاتم المهلبي فاستقام الأمر، وبقي حتى تُوُفِّيَ عام 205هـ، وفي عام 240هـ في عهد الخليفة المتوكَّل[18]. وثب على حكم السند عمر بن عبد العزيز الهَبَّاري، وأطاعه الناس فرَضِيَ عنه المتوكِّل، وأقرَّه
[1] عدنان علي رضا النحوي: ملحمة الإسلام في الهند ص36 بتصرف.
[2] عبد المنعم النمر: السابق ص60، وملحمة الإسلام في الهند ص33-43.
[3] تانه: تقع شمال مدينة بومباي على بعد نحو 15 ميلاً، وتقع على بحر العرب.
[4] بروص: تقع شمال مدينة سورت بينها وبين نهر نريدا، وكانت ميناء قديمة، لكنها فقدت أهميتها مع الزمن.
[5] البلاذري: فتوح البلدان، 3/530.
[6]الوشل: القليل، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة وشل 11/725.
[7] الدقل: الرديء، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة دقل 11/246..
[8] البلاذري: فتوح البلدان، 3/531.
[9] السابق نفس الصفحة.
[10] الديبل: مدينة بالقرب من كراتشي، لكنها اندثرت الآن.
[11] عبد المنعم النمر: تاريخ الإسلام في الهند ص73-75 بتصرف.
[12] ابن الأثير: الكامل في التاريخ2/386.
[13] السابق، 2/504-505.
[14] موسى بن كعب بن عيينة التميمي: من كبار قواد الدولة العباسية الذين رفعوا عمادها، وقد ولي الهند ومصر، وتوفي عام 141هـ.
[15] محمود شاكر: موسوعة التاريخ الإسلامي، 5/80، 81.
[16] السابق: 5/119 بتصرف.
[17] ملتان: مدينة باكستانية تقع في الجزء الجنوبي من محافظة البنجاب.
[18] السابق: 7/216 بتصرف.
الدولة الغزنويَّة.. وبداية الدول المستقلة كانت الهند كغيرها من الولايات الإسلامية التابعة لسلطان الدولة العباسية، ولما كانت الدولة العباسية في أَوْج عصرها الذهبي (132- 232هـ)، كان نفوذها ممتدًّا على كل الأقاليم والولايات الإسلامية من شرقها لغربها، بما في ذلك ولاية الهند، فكان عمال الدولة خاضعين لسلطان الخليفة العباسي في بغداد، فلما ضعفت شوكة الخلافة العباسية، بدأت الكثير من الدويلات الإسلامية في الظهور، والاستقلال بالحكم- خاصَّة في المناطق المترامية - حيث خضعت الأجزاء المفتوحة من الهند وقتئذٍ لسلطان السامانيِّين من عام 261هـ حتى بَدْء الغزوات الغَزْنَوِيَّة على الهند عام 392هـ. فتَكَوَّنت هناك عدَّة دُول إسلامية.
ومن هذه الدول الدولة الغزنوية (392-582هـ) التي أسسها ناصر الدين سبكتكين في مدينة غزنة[1], حيث امتدَّت فتوحاتها إلى شبه القارة الهندية بَدْءًا من مملكة "جيبال" التي استسلمت خلال حروبها مع "سبكتكين", وتعهَّدت بدفع الجزية له, ثم نَقَضَت العهد، فسار إليها، وألحق بها هزيمة أخرى[2].
وعلى الرغم من حروب سبكتكين في شبه القارة الهندية إلا أنها لا تَعْدُو إلا غزوات مهَّدَت الطريق لابنه محمود الغزنوي، وقد الذي بدأ غزواته للهند عام 392هـ، فالتقى بملكها جيبال، وانتصر عليها انتصارًا ساحقًا، ووقع ملكهم في الأَسْر، ودخلت المملكة تحت راية الإسلام عام 397هـ، واستولى محمود على بيشاور، ثم استسلمت بهندا وذلك في عام 393هـ، وفي عام 395هـ رجع محمود الغزنوي ليغزو الهند فغزا كلاًّ من بهاطية ومُلْتَان، وفي عام 396هـ سار إلى قلعة كواكير، وكان بها ستمائة صنم، فافتتحها وحرَّق أصنامها، وفي عام 402هـ توجَّه محمود لغزو "تهانسير" لما سمع أن الهندوس يتَّخذون فيها صنمًا يعتقدون قِدَمَ وجوده، ويحيطونه بضروب التعظيم والهيبة، وفي عام 406هـ توجَّه محمود الغزنوي إلى كشمير التي أسلم مَلِكُها على يديه.
وفي عام 407 هـ خرج محمود الغزنوي بنفسه وأخضع كل ملوك الشرق حتى وصوله لقنوج، فقد أخذ محمود في زحفه وانتصاراته حتى وصوله واستيلائه على قلعة ميرت، ومترا، وكلجندا، التي كانت تابعة لسلطان دِهْلَى، وفي عام 410هـ أرسل محمود للخليفة العباسي يُبَشِّره بما تمَّ على يديه من فتوحات وإنجازات، فابتهج الخليفة لذلك، وأنعم عليه بالألقاب والخِلَعِ[3].
وبعد وفاة محمود الغزنوي تناحر الغزنويُّون على السلطة، فتمرَّدت البلاد التي فتحوها عليهم، وطمع فيهم من حولهم.
واعتماد السلاطين الغزنويين على قوَّة السيف وحده في المحافظة على ملكهم - دون النظر في الغالب إلى إقامةِ الحكومةِ الإدارةَ على أساس صالح ونظام سليم - قد أدَّى إلى تداعي بناء الدولة كله حين تراخت الأيدي التي كانت تقبض على هذا السيف، هذا إلى جانب تهالك أغلب الحكام ورجال الدولة أنفسهم على حياة البذخ والترف؛ بسبب ما أصابوه من ثروات الهند وكنوزها الطائلة، حتى تَمَكَّن منهم السلاجقة ثم التركمان، وأخيرًا الْغُوريُّون الذين ورثوهم[4].
ولما ضعفت الدولة الغزنوية جاء الغُوريُّون[5] (582-602 هـ) إلى شمال شبه القارة الهندية بعدما استولَوْا على غَزْنَة عام 566هـ، ليحافظوا على أملاك المسلمين فيها، فعَبَرَ محمد الغُورِيُّ شمال شبه القارة الهندية غازِيًا من البنجاب إلى البنغال في فتوحات متعاقبة استمرَّت ثلاثين عامًا، بدأها بغزو المُلْتَان، والاستيلاء عليها من أيدي القرامطة عام 570 هـ، ولكن الهندوس قد جمعوا حشودهم لمواجهة محمد الغوري، فواجهوه عند ترين عام 581هـ، حيث ألحقوا به هزيمة منكرة كاد أن يُقْتَل فيها.
وفي سنة 588هـ كوَّن محمد الغُورِيُّ جيشًا عظيمًا سار به إلى الهند، حيث تقابل الجيشان في نفس الموقع الذي هُزم فيه من قبلُ، وقد كتب له ملك أجمير يُهدِّده ويُنذره بالمصير الذي لَقِيَه من قبلُ، فخادعه، وانتصر عليه انتصارًا ساحقًا.
ثم عَيَّن محمد الغُورِيُّ "قطب الدين أيبك" نائبًا له، ففتح قلعة ميرت وقلعة كول، ودخل دِهْلَى، وضمَّها للبلاد الإسلامية عام 589هـ، وقد توجَّه في نفس العام إلى قنوج فاستولى عليها، وقد دخلت كثير من بلاد الهند الشمالية تحت حكمه في حدود عام 590هـ[6].