لنقرأ مايقوله الرائع احمد الديين
التيارات الفكرية والسياسية الكويتية (1 من 5) / أزمة التيار التقدمي!
بقلم الأستاذ / أحمد الديين
مقالاتي خلال هذا الاسبوع ستتركز حول التيارات الفكرية والسياسية الكويتية، ولا اقصد التنظيمات والتجمعات وحدها فحسب، من حيث تكوينها، ومسارها التاريخي، وواقعها الراهن، وما تواجهه من تحديات؛ وتعانيه من أزمات، وآفاق تطورها واستحقاقاته... وسأبدأ بتيار التقدم والحداثة بتنويعاته الليبرالية، والقومية، واليسارية، وأُعقِبَه بالتيار الإسلامي والمحافظ بتلاوينه الإخوانية، والسلفية، والشيعية، والمحافظة الاجتماعية.
على أمل أن تكون هذه المقالات محفزاً للتفكير والحوار بين أصحاب الرأي من مختلف هذه التيارات، بهدف الفهم والتفهّم والتفاهم: فهم الذات والواقع...وتفهّم الآخر والمستجدات...والتفاهم حول ما يمكن أن يكون أرضية مشتركة للعمل الوطني، بما يعود بالنفع على مجتمعنا...وما هذه إلا محاولة قد تصيب أو تخطئ، أو بالأحرى قد تصيب وتخطئ معاً!
لا يستطيع أحد أن ينكر الدور التاريخي الإيجابي لتيار التقدم والتحديث في المجتمع الكويتي، الذي برز منذ بدايات القرن العشرين، وكانت قاعدته الاجتماعية الأساسية تتمثل في
النخبة التجارية والفئات المستنيرة، التي يعود إليها الفضل في التصدي الشجاع لاستبداد الحكم العشائري عهود ما قبل الاستقلال والدستور، ومجابهة الواقع الاجتماعي بقيوده وتقاليده البالية، ومحاولة النهوض بالحالة الثقافية البائسة والمتخلفة، وكذلك ما قامت به من دور رائد في إطلاق المبادرات من أجل تأسيس التعليم النظامي، وإرسال البعثات إلى الخارج، وتعليم البنات، واستحداث نظام البلدية، وتطوير الإدارة والخدمات العامة، وقيام المجالس المنتخبة، والمشاركة الشعبية، ووضع ثلاث وثائق دستورية للبلاد: وثيقة شورى 1921، وقانون صلاحية المجلس في 1938، ودستور 1962، وتحديث التشريعات والقوانين والنظام القضائي، والانفتاح على العالم الحديث... وما خاضته من معارك متعددة سواءً داخل الحكم، مع الحكم وضده، أو في إطار المجتمع ضد تيار التقليد والجمود داخل المجتمع الكويتي، أو في مجابهتهما معاً، وذلك في مختلف هذه القضايا والمحاور.ولكن المسار الصاعد لتيار التقدم والتحديث في المجتمع الكويتي توقف، وأخذ يراوح مكانه أو يتراجع، منذ منتصف ستينيات القرن العشرين بعدما واجه ثلاثة تحولات سلبية كبرى:
أولها: التحولات السلبية، التي طرأت على المجتمع الكويتي عموماً، وكذلك على واقع الطبقة البرجوزاية والوسطى خصوصاً، جراء الطبيعة الريعية للاقتصاد، وسيطرة الحكم على المورد الاقتصادي الأساسي، والاتكال المتزايد على الانفاق الحكومي المتعاظم، وتكريس دولة الرعاية، وتنامي الفئات الطفيلية والاستحواذية، وسيادة القيم السلبية للمجتمع الاستهلاكي، والتدخل في تكوين المجتمع الكويتي، وتكريس النزعات المناطقية والفئوية والقبلية والطائفية.
وثانيها: تخلي الحكم عن ذلك التوافق التاريخي الرائع، الذي تحقق في عهد المغفور له الشيخ عبداللّه السالم بين «مشروع الحكم» ومشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة، الذي يمثله دستور 1962، وكانت البداية المؤسفة إسقاط حكومة ديسمبر 1964، التي كان قوامها الأساسي
يتشكل من النخبة التجارية، ثم تزوير انتخابات 25 يناير 1967، وبعدها الانقلابان الأول والثاني على الدستور في العامين 1976 و1986، وما رافقهما وتبعهما من تحالفات سياسية واجتماعية مستجدة، واستهداف مقصود ومتعمد للقوى الحيّة داخل المجتمع الكويتي والعمل على محاصرتها وتهميشها وإضعافها!
وبرز التحول السلبي الثالث على المستوى الفكري والسياسي والمزاج أو الميل الجماهيري بعد هزيمة حرب يونيو 1967، التي كشفت عمق أزمة نظم الحكم «التقدمية» غير الديموقراطية خصوصاً في مصر عبدالناصر، وأزمة الحركة القومية، والبروز الوقتي للبديل اليساري الناشئ حينذاك ثم استهدافه وضربه، وانطلاقة البديل الإسلامي المسماة بـ «الصحوة»، ومحاولات المعسكر الغربي فترة الحرب الباردة استغلال التوجه الإسلامي لعزل التيار التقدمي بتلاوينه اليسارية والقومية، واستهداف أفكاره وقيمه ومبادئه.
وجراء تلك التحولات الثلاثة اهتزت الأرضية الاقتصادية والاجتماعية والأسس السياسية والفكرية لتيار التقدم والتحديث في المجتمع الكويتي وضعف نفوذه وتقلص امتداده الجماهيري، وبدأت تبرز ملامح أزمته... وللحديث صلة...
المصدر الرأي العام
02/09/2006
التيارات الفكرية والسياسية الكويتية (2 من 5) / أزمة الاتجاهين القومي واليساري!
بقلم الأستاذ / أحمد الديين
برز الاتجاه القومي كأحد مكونات تيار التقدم والتحديث في المجتمع الكويتي منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك في إطار نمو الحركة القومية العربية خصوصاً في بلدان المشرق العربي...حيث تكشف الوثائق المنشورة في كتاب الاستاذ شفيق جحا الحركة العربية السرية (جماعة الكتاب الأحمر) 1935- 1945 مشاركة عدد من الشخصيات الكويتية من أفراد
النخبة التجارية والمثقفين المستنيرين في تلك الحركة، وكان بعضهم مساهماً بارزاً في حركة مجلس الأمة التشريعي في العامين 1938 و1939.
ولاحقاً تشكّل في الكويت فرع ناشط لحركة القوميين العرب، بقيادة الدكتور أحمد الخطيب والأستاذ جاسم القطامي، وكان يمثل القوة الأساسية للحركة الوطنية الكويتية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين
بالتحالف مع النخبة التجارية المستنيرة، التي كان يتزعمها القطب الوطني التاريخي المرحوم عبدالعزيز الصقر، وكان ذلك التحالف القوة الدافعة في اتجاه التحديث، والإصلاح، والمطالبة بالمشاركة الشعبية فترة ما قبل الاستقلال والدستور، وبعدها حتى تزوير انتخابات 1967.
ولم يكن «البعث» كتنظيم قومي ذا دور مؤثّر في الحياة السياسية الكويتية، بل كان ضعيفاً ومحدود التأثير خصوصاً في الخمسينيات والستينيات، ولعلّه برز بعض الشيء خلال الثمانينيات تحت تأثير النزعة القومية المناصرة للحرب العراقية الإيرانية، مع ملاحظة أنّ هناك قوميين عارضوها...وأياً كان الأمر فإنّه يُسجل لزعيم هذا التوجه المرحوم فيصل الصانع عضو مجلس الأمة الأسبق موقفه الوطني المشهود في عدم التعاون مع السلطة المحتلة فترة الغزو، حيث دفع حياته هو وعدد من أفراد أسرته ثمناً لذلك الموقف الشجاع.
أما الاتجاه اليساري، فرغم أنّه بدأ تحركه منذ عقد الخمسينيات، إلا أنّه تعرض حينذاك إلى هجمة قوية تحت تأثير الدعاية المناهضة للشيوعية واليسار، التي ساهم فيها الاتجاه القومي، مما حدّ من وجوده ونشاطه... ولاحقاً ارتبط الظهور الفعلي للاتجاه اليساري في الكويت ببروز الاتجاه اليساري الجديد في المنطقة العربية بعد هزيمة حرب يونيو 1967، حيث اتخذ الاتجاه اليساري الكويتي في بادئ الأمر نزعة مؤيدة للاتجاه السائد في صفوف اليسار العربي والعالمي حينذاك الداعي إلى «العنف الثوري»، إلا أنّه منذ بداية السبعينيات تخلى عن ذلك النهج واتخذ اتجاهاً تقدمياً يسارياً متعاطفاً مع الاتحاد السوفياتي، وتركّز نشاطه في صفوف النقابات العمالية والطلبة عبر تنظيمي «اتحاد الشعب»، و«حركة التقدميين الديموقراطيين»، التي كانت تنظيماً قومياً تقدمياً ذا نزعة يسارية.
وعلى المستوى الفكري والسياسي، شكّلت هزيمة يونيو من العام 1967 ضربة قوية شديدة للاتجاه القومي في الكويت، وما أعقبها بعد ذلك من تداعيات: أزمة النظم الحاكمة «التقدمية» غير الديموقراطية، والانشقاق داخل حركة القوميين العرب ثم تصفية وجودها كتنظيم على الصعيد القومي...أما الضربة القاصمة، التي تعرض لها الاتجاه القومي العربي، فتمثلت في جريمة غزو نظام صدام الكويت واحتلالها تحت دعاوى «قومية» كاذبة!
في حين شكّل سقوط الاتحاد السوفياتي وبلدان المعسكر الاشتراكي السابق الضربة القاصمة، التي تعرض لها الاتجاه اليساري.
وعلى الصعيد المحلي، جاءت الأوضاع، التي نشأت خلال الانقلاب الأول على الدستور في العام 1976 لتمثل نقطة انعطاف حادة أدت إلى اختلال موازين القوى السياسية المحلية، حيث استهدف الحكم التيار التقدمي بمختلف توجهاته، وسعى من أجل عزله وتهميشه، سواءً عبر استغلاله بعض مكونات التوجه الإسلامي، أو تأجيجه النزعات القبلية الطائفية، وكذلك إفساده النظام الانتخابي، مما أدى إلى إضعاف المعارضة التقدمية.
وأمام هذه الضربات، التي تعرض لها الاتجاهان القومي واليساري في الكويت، بدأ التحول العام، خصوصاً بعد التحرير، نحو الاتجاه الليبرالي.
وللحديث صلة...
المصدر الرأي العام
03/09/2006
ركزوا على المقالة القادمة فهي الاجمل
التيارات الفكرية والسياسية الكويتية (3 من 5) الاتجاه «الليبرالي» فرضية أم واقع؟!
بعد التحرير، وفي محاولة لتجاوز أزمة الاتجاهين القومي واليساري، وجد العديد من أفراد النخب الثقافية والسياسية الكويتية من المنتمين إلى هذين الاتجاهين في الليبرالية ملجأ بديلاً، خصوصاً أنّ الليبرالية برزت كفكرة «منتصرة» بعد سقوط الاتحاد السوفياتي!
والملاحظة الأساسية أنّ كثيرين، في الكويت، ممَنْ انتقلوا فعلاً أو ادعوا الانتقال من مواقعهم القومية واليسارية السابقة إلى الاتجاه الليبرالي، أو مَنْ يُطلق عليهم هذا الوصف، لم يكونوا مطلعين بشكل كافٍ على الليبرالية كاتجاه فكري، واقتصادي، وسياسي، وتطورها التاريخي، وتناقضاتها... إذ كان انتقالهم سريعاً من دون نقد جاد ومعمّق لأفكارهم القومية أو اليسارية السابقة، التي تخلوا عنها، وإن لم يكونوا جميعهم قد تخلوا عنها، حيث اكتفى معظمهم بالتبرؤ الساذج منها وترديد الشعارات السطحية المناقضة لها، ولم يتفحصوا بدقة الاتجاه الفكري الجديد، الذي انتقلوا إليه، أو ادعو انتقالهم له، أو اتهِموا بذلك، وقليل منهم ربما قرأ عنه أو حوله، خصوصاً أنّ الليبرالية مصطلح ملتبس بعض الشيء عندما نتناولها من مداخل مختلفة فلسفية، أو اقتصادية، أو سياسية، وإن كانت بشكل عام تتركز حول فكرة التحرر... حيث اهتمت في البداية وفقاً لمفهومها التقليدي بتحرير التجارة «دَعه يمر... دَعه يعمل»... ولاحقاً انتقلت إلى المجال السياسي حيث قُرنت الليبرالية بالديموقراطية، وهما ليستا كذلك تماماً... ناهيك عما شهده الاتجاه الليبرالي في العالم من تغيرات في مواقفه الاقتصادية – الاجتماعية، فبينما كان الليبراليون يؤيدون سابقاً دولة الرفاه والحقوق النقابية، فإنهم منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين اتخذوا مواقف تدعو إلى تقليص ضمانات دولة الرفاه وتقييد النقابات، وأصبح الميل السائد ضمن الاتجاه الليبرالي هو الميل «الليبرالي الجديد» الداعي إلى: تعظيم الأرباح مع التخلي عن المسؤولية الاجتماعية لرأس المال، وإطلاق المنافسة من دون قيود أو حدود أو حماية، والخصخصة، وتصفية دور الدولة، والتحلل من الهوية والثقافة الوطنية!
وهناك ملاحظة طريفة تسترعي الانتباه، وهي أنّ «الليبراليين» الكويتيين، في معظمهم، لم يطلقوا يوماً هذه التسمية على أنفسهم، كما لم يطلقوها على تجمعاتهم وكتلتهم النيابية، وإنما هي تسمية أطلقها عليهم منافسوهم وخصومهم، أو اسبغتها عليهم الصحافة، وربما كان هذا إقرارا مسبقاً وصحيحاً بأنّ معظمهم ليس ليبرالياً ولم يَدَّعِ ذلك أصلاً، أو هي محاولة تجنب الملابسات، التي يحملها هذا المصطلح اللاتيني الأصل!
وفي الوثائق الأساسية للتنظيمات القائمة، وعلى أرض الواقع والممارسة السياسية، نلاحظ أنّ هناك من جهة فارقاً بين الميل العام لدى «التجمع الوطني الديموقراطي»، الذي ينحو إلى «الليبرالية الجديدة»، وبين «المنبر الديموقراطي»، الذي لا يزال في وثائقه البرنامجية يتمسك بتوجهاته التقدمية العامة، ولا يقر تماماً التوجه «الليبرالي الجديد» خصوصاً في الميدان الاقتصادي – الاجتماعي، كما نلاحظ من جهة أخرى أنّ بعض قياديي «المنبر الديموقراطي» ونشطائه يحمل ميولاً «ليبرالية جديدة»، وهذا ما انعكس على الخطاب السياسي والبرلماني للمنبر فترة من الوقت، وذلك على خلاف توجهات وثائقه البرنامجية والطبيعة الشعبية لقواعده الاجتماعية تاريخياً، بحيث أصبح الأمر مادة للصراع الداخلي منذ نهاية العام 2000 مع «التيار الشعبي» داخل المنبر في الموقف تجاه قضايا الخصخصة، والرسوم على الخدمات، وحقول الشمال، وقانون التأمينات الاجتماعية، والمنظور الإسكاني، أولوية الإصلاح الاقتصادي، وكلفته الاجتماعية!
وتبقى أخيراً ملاحظة جديرة بالتوقف أمامها وهي أنّ الخطاب السياسي الانتخابي لمرشحي المنبر، وتحديداً خطاب مرشحَيه الأستاذين عبداللّه النيباري ومحمد عبداللّه العبدالجادر في المعركة الانتخابية الأخيرة اتسم بشكل عام بالنفس الشعبي التقدمي، وهذه قد تكون بداية «عودة الوعي» أو «عودة الروح» إلى «المنبر الديموقراطي»... أما «التجمع الوطني الديموقراطي» فلم يكن له حضور واضح في الآونة الأخيرة، وإن كان في الغالب لا يزال محافظاً على توجهاته «الليبرالية الجديدة» ولكن من دون أن يسميها كذلك!
وللحديث صلة...
المصدر الرأي العام
04/09/2006
ائطع دراعي اذا كان احد المتلبرلييين فهم حاجة من كلام الرائع استاذنا الكبير احمد الديين.........ونفس ماقلنا مجموعات ضغط مصلحجية نابعة من الطبقة البرجوازية لا اقل ولا اكثر
همسة في اذن الاستاذ احمد الديين...........طلقهم بالثلاث!!!!
ودمتم