البريكي2020
عضو فعال
حياة في «الإرادة»..!
أحمد مبارك البريكي
Twitter: @ahmad_alburaiki
دعوة للمبيت في ساحة فرشتها وهندستها الحكومة ليتجمّع فيها معارضوها ويلتحفوا مواد الدستور على حد تعبيرهم، يصرخون ويشطحون ثم يصرحون بكل (قواة عين) بأن رئيس الحكومة لن يكون صباحياً بعد الآن بل من الشعب الكويتي، وكأن آل صباح من شعوب المايا أو الماساي وليسوا قطعة من هذا الشعب وهذه الأرض، ثمّ ينتهي الليل المزدحم بالصراخ ويبدو النهار فتظهر الأشياء، ويسير كل منهم في طريقه الذي ينتهي مرّة أخرى في ساحة الإرادة، فيصرّحون مرة ثانية ويصرخون ويشطحون إلى أن ينتهي الليل ويسيرون مرّة أخرى إلى الطريق المؤدي مرّة ومرات إلى ساحة الإرادة ويظل الوضع كما هو عليه..!
التجمعات وإعلاء الصوت يراها البعض ظاهرة صحيّة، ولا نختلف بشكل كبير معهم بسبب كونها إحدى قنوات التعبير، والكويت بلد مؤمنة بحرية التعبير وإبداء الآراء، ليس في من يتولون شؤونها فقط وإنما في صفوف الشعب الذي تنفّس الديمقراطية وعاش بها ولها، لكن هناك (لكن) كبيرة تراود المتبصرين في الوضع الراهن للبلد، وهناك أشياء تغيب وأخرى حاضرة نراها رأي العين، فتثير الريبة والتساؤل الممهور بعلامة الاستفهام والتعجب، منها كثافة هذه الاعتصامات ومدى مناسبة مواقيتها وما هي خلف أكمتها من أجندات؟ ربما هذه الاستفهامات لا يعيها جيدا صادقو الوطنية و(الفازعون) للكويت، وهم كُثر الذين حرّكتهم غيرتهم على وطنهم بعد أن شدّ انتباههم هذه الشعارات التي لها بريق العزّة والثورة على الظلام المصطنع..!
يتزامن الخروج (بالشارع) في الشارع، مع وجود قنوات مؤسسية ومحاكم دستورية وهيئات تنظم الاعتراض والتظلم، وقنوات إعلامية حرّة تقول ما تريد دون حجر عقلي، ويصاحب هذا الخروج أيضا إدخال البلد في مناوشات وتجاذبات ضد دول محيطة، وربما تكون دولا حليفة لها مواقف جيدة مع قضايانا، كدولة الإمارات العربية وقطر والبحرين وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، ويزيد الغرابة غرابة أن محدثي هذه الصراعات الخارجية هم أنفسهم قياديّو هذه الاحتجاجات الداخلية، هناك بالتأكيد شيء يلوح في الأفق وهو شيء سيئ..!
أغلبية 2012 التي اختطّت في بدايتها خطا إصلاحيا معقولا بدأت بالانكماش ليتسرب من أطرافها جموع المؤيدين السابقين، هذا لأنها جعلت قضاياها معروضة في مزاد العناد فقط، ولا تترك خيوطا للرجوع والنقاش والإقناع بالاقتناع، حتى وصلت برمي تهم الخطأ على كل من يبدي رأيا لا يعجبها، ليستهدفوا أخيرا بعض رجال الدين الذين رأوا أن اعتصامهم لا مسوغ شرعيا له، ناهيك عن أن أهل الكويت لم يعرفوا هذه الجرعة الزائدة من التهييج الصارخ والنزول في حشد لأمور سياسية بحتة يختص بها أهل شأن السلطات في البلد، بما فيهم أعضاء الأمة المنتخبون، بعد أن أوصلتهم أصوات الشعب ليعالجوها نيابة عنهم وبعيدا عنهم.
ساحة الإرادة صارت روتينا كويتيا حيا للتعبير، وهو شيء مطلوب وجميل إن كان رواده من الباحثين عن نبرة صوت عاقلة، وإن كنت أمني النفس بأن تكون هذه الساحة الحرّة لكل الأمور وليست قاصرة على السياسية منها فقط، فهناك قضايا الفكر والإبداع والتظاهرات الثقافية والقضايا الاجتماعية والاقتصادية وشؤون الرياضة التي قبعنا في قاعها منذ أزل العصور الذهبية..!