السلف يقرون إن من حكم بغير ما انزل الله فهو طاغوت !!

النذير

عضو ذهبي
بسم الله الرحمن الرحيم

لأن الله قال : { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به } [ سورة النساء:60 ]

قال ابن تيمية - رحمة الله - : و المطاع في معصية الله، والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله، أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله هو طاغوت،
ولهذا سمى من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت. [الفتاوى : 28/200.]

قال ابن القيم - رحمة الله - : الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع،
فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله. [أعلام الموقعين : 1/50.]

قال ابن كثير - رحمة الله - : في تفسير { ألم تر إلى } : والآية أعم من ذلك كله ، فإنها ذامة
لمن عدل عن الكتاب والسنة ، وتحاكموا إلى ما سواهما من الباطل ، وهو المراد بالطاغوت [ تفسير القرآن العظيم 1/347]

قال الإمام ابن جرير الطبري : الطاغوت يعني : الى
من يعظمونه ويصدرون عن قوله ويرضون بحكمه من دون حكم الله . [ تفسير الطبري , 7/189 ]

قال الإمام مجاهد ابن جبر : الطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه. [ تفسير مجاهد , ص284 ]


قال الإمام محمد ابن عبدالوهاب : ( الطواغيت كثر ورؤسهم خمسه ) وذكر منهم (
الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى ) و ( الذي يحكم بغير ما أنزل الله ) [ مجموعة رسائل في التوحيد والإيمان , ص377 ]

قال عبد الرحمن بابطين : الطاغوت ..... ويشمل أيضا : كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله. [الدرر السنية : 2/103.]

قال محمد حامد الفقي : أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله... ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال، وليبطل بها شرائع الله من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت، وواضعوها ومروجوها طواغيت، وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إما قصدا أو عن غير قصد من واضعه، فهو طاغوت[حاشية كتاب فتح المجيد، ص 282] .
http://www.as-ansar.com/vb/newreply.php?do=newreply&p=445474
 

النذير

عضو ذهبي
ملاحظة : يجب التركيز على المكتوب باللون الأحمر في الأسفل لأنها تختص بواقعنا .



قال الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى
في رسالته "تحكيم القوانين":

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.



إنّ من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عزّ وجلّ: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً}[النساء:59]. وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عمن لم يُحَكِّموا النبي صلى الله عليه وسلم، فيما شجر بينهم، نفيا مؤكدا بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. ولم يكتف تعالى وتقدس منهم بمجرد التحكيم للرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، بقوله جل شأنه: {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ}. والحرج: الضيق. بل لا بدّ من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب.

ولم يكتف تعالى أيضا هنا بهذين الأمرين، حتى يضموا إليهما التسليم: وهو كمال الانقياد لحكمه صلى الله عليه وسلم، بحيث يتخلّون هاهنا من أي تعلق للنفس بهذا الشيء، ويسلموا ذلك إلى الحكم الحق أتمّ تسليم، ولهذا أكّد ذلك بالمصدر المؤكّد، وهو قوله جلّ شأنه: {تسليمًا} المبيّن أنه لا يُكتفى هاهنا بالتسليم.. بل لا بدّ من التسليم المطلق وتأمل ما في الآية الأولى، وهي قوله تعالى: {فإنْ تنازعتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً..} . كيف ذكر النّكِرة، وهي قوله: {شيء} في سياق الشرط، وهو قوله جلّ شأنه: {فإنْ تنازعتم} المفيد العمومَ فيما يُتصوّر التنازع فيه جنسا وقدرًا .

ثم تأمل كيف جعل ذلك شرطا في حصول الإيمان بالله واليوم الآخر، بقوله: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} ، ثم قال جل شأنه: {ذلك خيرٌ} . . فشيء يُطلقِ اللهُ عليه أنه خير، لا يتطرّق إليه شرّ أبدا، .بل هو خير محض عاجلا وآجلاً ثم قال: {وأحسنُ تأويلاً} أي: عاقبةً في الدنيا والآخرة، فيفيد أنّ الردَّ إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم عند التنازع شرٌّ محضٌ، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة. عكس ما يقوله المنافقون:{إنْ أَرَدْنا إلا إحْسانًا وتَوْفيقًا} [النساء:62]. وقولهم: {إنّما نحنُ مُصلِحون} [البقرة:11].

ولهذا ردّ اللهُ عليهم قائلا: {ألاَ إنّهم هُمُ المُفْسِدونَ ولكن لا يَشْعُرون}[البقرة:12]. وعكس ما عليه القانونيون من حكمهم على القانون بحاجة العالم (بل ضرورتهم) إلى التحاكم إليه، وهذا سوء ظن صِرْفٍ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحضُ استنقاص لبيان الله ورسوله، والحكم عليه بعدم الكفاية للناس عند التنازع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة إن هذا لازمٌ لهم.

وتأمّل أيضا ما في الآية الثانية من العموم، وذلك في قوله تعالى: {فيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم}، فإنّ اسم الموصول مع صِلته مع صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العمومُ والشمولُ هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القدْر، فلا فرقَ هنا بين نوع ونوع، كما أنّه لا فرق بين القليل والكثير، وقد نفى اللهُ الإيمانَ عن مَن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، من المنافقين، كما قال تعالى: {أَلمْ تَرَ إلى الذينَ يَزْعُمونَ أنّهم آمنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ يُريدونَ أنْ يتحاكموا إلى الطاغوتِ وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهم ضلالا بعيدًا} [النساء:60]
فإنّ قوله عز وجل: {يَزْعُمونَ} تكذيب لهم فيما ادّعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبدٍ أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو: مجاوزة الحدّ فكلُّ مَن حَكَمَ بغير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حاكَمَ إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد حَكَمَ بالطاغوت وحاكم إليه وذلك أنّه مِن حقِّ كل أحدٍ أن يكون حاكمًا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقط، لا بخلافه. كما أنّ من حقِّ كل أحدٍ أن يُحاكِمَ إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.. فمَن حَكَمَ بخلافه أو حاكم إلى خلافه فقد طغى، وجاوز حدّه، حُكْمًا أو تحكيما، فصار بذلك طاغوتا لتجاوزه حده.

وتأمل قوله عز وجل: {وقدْ أُمِروا أنْ يكفُروا به}، تعرف منه معاندة القانونيين، وإرادتهم خلاف مراد الله منهم حول هذا الصدد، فالمراد منهم شرعًا والذي تعبّدوا به هو: الكفر بالطاغوت لا تحكيمه.. {فبدَّل الذينَ ظَلموا قولاَ غيرَ الذي قيلَ لهُم..} [البقرة:59] ثم تأمل قوله: {ويُريدُ الشيطانُ أنْ يُضلّهُم} كيف دلَّ على أنّ ذلك ضلالٌ، وهؤلاء القانونيون يرونه من الهدى، كما دلّت الآية على أنّه من إرادة الشيطان، عكس ما يتصور القانونيون من بُعدهم من الشيطان، وأنّ فيه مصلحة الإنسان، فتكون على زعمهم مرادات الشيطان هي صلاح الإنسان، ومراد الرحمن وما بُعث به سيدُ ولد عدنان معزولا من هذا الوصف، ومُنحىً عن هذا الشأن وقد قال تعالى منكرا على هذا الضرب من الناس، ومقررا ابتغاءهم أحكام الجاهلية، وموضحا أنه لا حُكم أحسن من حُكمه: {أَفَحُكمَ الجاهليةِ يَبْغونَ ومَنْ أحسنُ مِن اللهِ حُكمًا لِقومٍ يُوقِنون}[المائدة:50].

فتأمل هذه الآية الكريمة وكيف دلّت على أنّ قِسمة الحكم ثنائية، وأنّه ليس بعد حكم الله تعالى إلاّ حُكم الجاهلية، شاءوا أمْ أبوا، بل هم أسوأ منهم حالاً، وأكذب منهم مقالاً، ذلك أنّ أهل الجاهلية لا تناقُضَ لديهم حول هذا الصدد وأما القانونيون فمتناقضون، حيث يزعمون الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ويناقضون ويريدون أنْ يتّخذوا بين ذلك سبيلاً، وقد قال الله تعالى في أمثال هؤلاء: {أُولئكَ هُمُ الكافرونَ حَقَّا وأَعْتدنا للكافرينَ عذابًا مُهينًا}[النساء:151]، ثم انظر كيف ردّت هذه الآية الكريمة على القانونيين ما زعموه من حُسن زبالة أذهانهم، ونحاتة أفكارهم، بقوله عزّ وجلّ:{ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقوْمٍ يُوقِنون}.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: "ينكر اللهُ على من خرج من حكم الله المُحْكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شرّ، وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهكم وأهوائهم، وكما يحكم به التتارُ من السياسات الملكية المأخوذة عن مَلِكهم "جنكيز خان" الذي وضع لهم كتابًا مجموعًا من أحكامٍ قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية، والنصرانية، والملة الإسلامية، وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بَنيهِ شرعا مُتّبعا يقدِّمونها على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافرٌ يجب قتاله حتى يرجعَ إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحَكِّم سواه في قليل ولا كثير. قال تعالى: {أَفَحُكْمَ الجاهليةِ يَبْغون}، أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون {ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يوقِنونَ}، أي: ومن أعدل من الله في حكمه، لِمَن عَقَل عن الله شرعه وآمن به وأيقن، وعلِم أنّ الله أحكمُ الحاكمين، وأرحمُ بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء". (انتهى قول الحافظ ابن كثير).

وقد قال عزّ شأنه قبل ذلك مخاطبا نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم: {وأَنِ احْكُمْ بَيْنهُم بما أنزل اللهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءهُم عَمّا جاءَك مِن الحقّ}، وقال تعالى: {وأنِ احْكُمْ بَيْنهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ واحْذَرْهُم أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إليك..} [المائدة:49]، وقال تعالى مُخيرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، بين الحُكم بين اليهود والإعراض عنهم إنْ جاءُوه لذلك: {فَإنْ جاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم أوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وإنْ تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وإنْ حَكَمْتَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالقِسْطِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطينَ} [المائدة:42]، والقسط هو: العدل ولا عدل حقا إلاّ حُكم الله ورسوله، والحكم بخلافه هو الجور، والظلم، والضلال، والكفر، والفسوق، ولهذا قال تعالى بعد ذلك: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظالِمُون} [المائدة:45]، {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقون} [المائدة:47].

فانظر كيف سجّل تعالى على الحاكمين بغير ما أنزل اللهُ الكفرَ والظلمَ والفسوقَ، ومِن الممتنع أنْ يُسمِّي اللهُ سبحانه الحاكمَ بغير ما أنزل اللهُ كافرًا ولا يكون كافرًا، بل كافرٌ مطلقًا، إمّا كفر عمل وإما كفر اعتقاد، وما جاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير هذه الآية من رواية طاووس وغيره يدلُّ أنّ الحاكم بغير ما أنزل اللهُ كافرٌ إمّا كفرُ اعتقادٍ ناقلٌ عن الملّة، وإمّا كفرُ عملٍ لا ينقلُ عن الملّة.

أمّا الأول: وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع،

أحدها: أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ الله ورسوله وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس، واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحودُ ما أنزل اللهُ من الحُكم الشرعي، وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإنّ الأصول المتقررة المتّفق عليها بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه، أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، قطعيًّا، فإنّه كافرًا الكفرَ الناقل عن الملّة.

الثاني: أنْ لا يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله كونَ حُكم اللهِ ورسولِهِ حقًّا، لكن اعتقد أنّ حُكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنُ من حُكمه، وأتمّ وأشمل... لما يحتاجه الناسُ من الحُكم بينهم عند التنازع، إمّا مُطلقا أو بالنسبة إلى ما استجدّ من الحوادث، التي نشأت عن تطوّر الزمان وتغير الأحوال، وهذا أيضًا لا ريب أنه كافرٌ، لتفضيله أحكامَ المخلوقين التي هي محضُ زبالةِ الأذهان، وصرْفُ حُثالة الأفكار، على حُكم الحكيم الحميد وحُكمُ اللهِ ورسولِه لا يختلف في ذاته باختلاف الأزمان، وتطور الأحوال، وتجدّد الحوادث، فإنّه ما من قضية كائنة ما كانت إلاّ وحُكمها في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، نصًّا أو ظاهرًا أو استنباطًا أو غير ذلك، عَلِمَ ذلك مَن علمه، وجَهِلَه مَن جهله وليس معنى ما ذكره العلماء من تغيّر الفتوى بتغير الأحوال ما ظنّه مَن قلَّ نصيبُه أو عدم من معرفة مدارك الأحكام وعِلَلها، حيث ظنّوا أنّ معنى ذلك بحسب ما يُلائم إرادتهم الشهوانية البهيمية، وأغراضهم الدنيوية وتصوّراتهم الخاطئة ولهذا تجدُهم يحامون عليها، ويجعلون النصوص تابعة لها منقادة إليها، مهما أمكنهم فيحرفون لذلك الكَلِم عن مواضعه.

وحينئذٍ معنى تغيُّر الفتوى بتغير الأحوال والأزمان مراد العلماء منه: "ما كان مُستصحبه فيه الأصول الشرعية، والعلل المرعية، والمصالح التي جِنْسُها مرادٌ لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أنّ أرباب القوانين الوضعية عن ذلك بمعزل، وأنهم لا يقولون إلاّ على ما يلائم مراداتهم، كائنة ما كانت، والواقع أصدقُ شاهدٍ.

الثالث: أنْ لا يعتقد كونَه أحسن من حُكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين الذين قبله، في كونه كافرًا الكفرَ الناقل عن الملّة، لما يقتضيه ذلك من تسوية المخلوق بالخالق والمناقضة والمعاندة لقوله عزّ وجلّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء..} [الشورى:11]. ونحوها من الآيات الكريمة، الدالّة على تفرُّدِ الربّ بالكمال، وتنزيهه عن ممثالة المخلوقين، في الذات والصفات والأفعال والحُكم بين الناس فيما يتنازعون فيه.

الرابع: أنْ لا يعتقد كون حُكم الحاكم بغير ما أنزل الله مماثلاً لحكم الله ورسوله، فضلاً عن أنْ يعتقدَ كونه أحسن منه، لكن اعتقد جواز الحُكم بما يخالف حُكم الله ورسوله، فهذا كالذي قبله يصدُقُ عليه ما يصدق عليه، لاعتقاده جوازَ ما علم بالنصوص الصحيحة الصريحة القاطعة تحريمه.

الخامس: وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقّة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعدادا وإمدادا وإرصادا وتأصيلا، وتفريعا وتشكيلا وتنويعا، وحكما وإلزاما، ومراجع ومستندات. فكما أنّ للمحاكم الشرعية مراجعَ مستمدّات، مرجعها كلُّها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجعٌ، هي: القانون المُلفّق من شرائعَ شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.

فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحةُ الأبواب، والناس إليها أسرابٌ إثْر أسراب، يحكُمُ حُكّامُها بينهم بما يخالف حُكم السُنّة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتُلزمهم به، وتُقِرُّهم عليه، وتُحتِّمُه عليهم.. فأيُّ كُفر فوق هذا الكفر، وأيُّ مناقضة للشهادة بأنّ محمدًا رسولُ اللهِ بعد هذه المناقضة.

وذِكْرُ أدلّة جميع ما قدّمنا على وجه البسْطِ معلومةٌ معروفة، لا يحتمل ذكرها في هذا الموضوع. فيا معشر العُقلاء، ويا جماعات الأذكياء وأولي النهى كيف ترضون أنْ تجري عليكم أحكامُ أمثالكم، وأفكارُ أشباهكم، أو مَن هم دونكم، مِمّن يجوز عليهم الخطأ، بل خطأهم أكثرُ من صوابهم بكثير، بل لا صواب في حُكمهم إلاّ ما هو مُستمدٌّ من حُكم اللهِ ورسولهِ، نصًّا أو استنباطًا، تَدَعونهم يحكمون في أنفسكم ودمائكم وأبشاركم، وأعراضكم وفي أهاليكم من أزواجكم وذراريكم، وفي أموالكم وسائر حقوقكم؟؟

ويتركون ويرفضون أن يحكموا فيكم بحُكم الله ورسوله، الذي لا يتطرّق إليه الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ..وخُضوع الناس ورضوخهم لحكم ربِّهم خضوعٌ ورضوخٌ لِحُكم مَنْ خلقهم تعالى ليعبدوه فكما لا يسجدُ الخلقُ إلاّ للهِ، ولا يعبدونَ إلاّ إياه ولا يعبدون المخلوق، فكذلك يجب أن لا يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلاّ لحُكم الحكيم العليم الحميد، الرؤوف الرحيم، دون حُكم المخلوق، الظلوم الجهول، الذي أهلكته الشكوكُ والشهواتُ والشبهات، واستولت على قلوبهم الغفلة والقسوة والظلمات فيجب على العُقلاء أن يربئوا بنفوسهم عنه، لما فيه من الاستعباد لهم، والتحكم فيهم بالأهواء والأغراض، والأغلاط والأخطاء، فضلاً عن كونه كفرًا بنصِّ قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44].


السادس: ما يحكُم به كثيرٌ من رؤساء العشائر، والقبائل من البوادي ونحوهم، من حكايات آبائهم وأجدادهم، وعاداتهم التي يسمُّونها "سلومهم"، يتوارثون ذلك منهم، ويحكمون به ويحُضُّون على التحاكم إليه عند النزاع، بقاء على أحكام الجاهلية، وإعراضًا ورغبةً عن حُكم الله ورسوله، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله .

وأمّا القسم الثاني من قسمي كُفر الحاكم بما أنزل الله، وهو الذي لا يُخرجُ من الملة فقد تقدّم أنّ تفسير ابن عباس، رضي الله عنهما، لقول الله عزّ وجلّ: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرون} [المائدة:44]، قد شمل ذلك القسم، وذلك في قوله ـ رضي الله عنه ـ في الآية: "كُفر دون كفر"، وقوله أيضًا: "ليس بالكفر الذي تذهبون إليه" وذلك أنْ تَحْمِلَهُ شهوتُه وهواهُ على الحُكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أنّ حُكم الله ورسوله هو الحقّ، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى وهذا وإنْ لم يُخرِجْه كُفْرُه عن الملّة، فإنه معصية عُظمى أكبرُ من الكبائر، كالزنا وشُرب ..الخمر، والسّرِقة واليمين الغموس، وغيرها فإنّ معصية ً سمّاها اللهُ في كتابه كفرًا، أعظمُ من معصية لم يُسمِّها كُفرًا نسأل الله أنْ يجمع المسلمين على التحاكم إلى كتابه، انقيادا ورضاءً، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه.

تمّت الرسالة ولله الحمد.

 

النذير

عضو ذهبي
وقال الشيخ سليمان بن سمحان رحمه الله في الدرر (10/506-511) تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه كلمات في بيان الطاغوت، ووجوب اجتنابه، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ، فبين تعالى أن المستمسك بالعروة الوثقى، هو الذي يكفر بالطاغوت؛ وقدم الكفر به على الإيمان بالله، لأنه قد يدعي المدعي أنه يؤمن بالله، وهو لا يجتنب الطاغوت، وتكون دعواه كاذبة.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}2، فأخبر أن جميع المرسلين قد بعثوا باجتناب الطاغوت، فمن لم يجتنبه فهو مخالف لجميع المرسلين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى} . ففي هذه الآيات من الحجج على وجوب اجتنابه وجوه كثيرة؛ والمراد من اجتنابه هو بغضه، وعداوته بالقلب، وسبه وتقبيحه باللسان، وإزالته باليد عند القدرة، ومفارقته، فمن ادعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق.
وأما حقيقته والمراد به، فقد تعددت عبارات السلف عنه، وأحسن ما قيل فيه، كلام ابن القيم رحمه الله تعالى، حيث قال: الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه، غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه في غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله؛ فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها، وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم ممن أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعته ومتابعة رسوله، إلى طاعة الطاغوت ومتابعته، انتهى.
وحاصله: أن الطاغوت ثلاثة أنواع: طاغوت حكم، وطاغوت عبادة، وطاغوت طاعة ومتابعة؛ والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم، فإن كثيرا من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم، ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة، كقولهم شرع عجمان، وشرع قحطان، وغير ذلك، وهذا هو الطاغوت بعينه، الذي أمر الله باجتنابه.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاجه، وابن كثير في تفسيره: أن من فعل ذلك فهو كافر بالله، زاد ابن كثير: يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله.
قال شيخ الإسلام: ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر; ومن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر؛ فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل؛
وقد يكون العدل في دينها، ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام، يحكمون بعاداتهم التي لم ينْزلها الله، كسوالف البوادي، وكأوامر المطاعين في عشائرهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به، دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر.
فإن كثيرا من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية، التي يأمر بها المطاعون في عشائرهم؛ فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله، فهم كفار، انتهى.
وفيه بيان كفر الحاكم نفسه، والمتحاكمين على الوجه الذي ذكره، وكذا من لم يعتقد وجوب ما أنزل الله، وإن لم يكن حاكما ولا متحاكما، فتأمله; ذكره عند قوله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
وقال ابن كثير، رحمه الله، في قوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}؛ ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى، المشتمل على كل خير وعدل، الناهي عن كل شر، إلى ما سواه من الآراء والأهواء، والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالات، وكما يحكم به التتار من السياسات، المأخوذة من جنكسخان الذي وضع لهم كتابا مجموعا من أحكام، اقتبسها من شرائع شتى، من الملة الإسلامية، وفيه كثير من الأحكام أخذها عن مجرد نظره، فصار في بنيه يقدمونه على الحكم بالكتاب والسنة؛ ومن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في كثير ولا قليل، انتهى.
وما ذكرناه من عادات البوادي، التي تسمى "شرع الرفاقة" هو من هذا الجنس، من فعله فهو كافر، يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير.
وقد قال الله تعالى: ** أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} الآيات إلى قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً} .
قال الشعبي: "كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، ولا يميل في الحكم. وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، ويميلون في الحكم. ثم اتفقا على أنهما يأتيان كاهنا في جهينة، فيتحاكمان إليه، فنَزلت {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية"؛
وقيل نزلت في "رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف; ثم بعد ذلك ترافعا إلى عمر بن الخطاب، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم، فضربه بالسيف فقتله، فنزلت الآية".
وهكذا ينبغي أن يفعل بالمتحاكمين إلى الطواغيت؛ فإذا كان هذا الخليفة الراشد، قد قتل هذا الرجل، بمجرد طلبه التحاكم إلى الطاغوت، فمن هذا عادته التي هو عليها، ولا يرضى لنفسه وأمثاله سواها، أحق وأولى أن يقتل، لردته عن الإسلام، وعموم فساده في الأرض.
فإنه لا صلاح للخليقة، إلا بأن يكون الله معبودها، والإسلام دينها، ومحمد نبيها الذي تتبعه، وتتحاكم إلى شريعته، ومتى عدم ذلك عظم فسادها، وظهر خرابها.
فقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} 1 الآية، بيان بأن من زعم الإيمان بالله وبرسوله، وهو يحكم غير شريعة الإسلام، فهو كاذب منافق، ضال عن الصراط المستقيم، كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} 2، فأقسم بنفسه: أن الخلق لا يؤمنون، حتى يحكموا الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النِّزاع؛ فإذا حكم انتفى الحرج باطنا، وحصل التسليم الكامل ظاهرا؛ فمن لم يحصل منه ذلك فالإيمان منتف عنه.
وقد تظاهرت الأدلة الشرعية، بالدلالة على ذلك، فذم الله في كتابه من أعرض عن حكم رسوله، قال الله تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
واعلم: أنه ما دعا داع إلى حق، إلا كان للشيطان شبهة عنده، يصد بها الناس عنه، ومن ذلك أنه إذا قيل لأهل الطاغوت: ارجعوا إلى حكم الله ورسوله، واتركوا أحكام الطواغيت، قالوا: إنا لا نفعل ذلك إلا خوفا من أن يقتل بعضنا بعضا، فإني إذا لم أوافق صاحبي، على التحاكم إلى "شرع الرفاقة" قتلني أو قتلته.
فالجواب أن نقول: يظهر فساد هذه الشبهة الشيطانية، بتقرير ثلاثة مقامات:
المقام الأول: أن الفساد الواقع في الأرض، من قتل النفوس، ونهب الأموال، إنما هو بسبب إضاعة أوامر الله، وارتكاب نواهيه، كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} 2، المفسرون من السلف (البر) أهل العمود من البوادي، (والبحر) أهل القرى.
أخبر تعالى: أن ظهور الفساد في البادية والحاضرة، سببه أعمالهم؛ فلو أنهم عبدوا ربهم، وحكموا نبيهم، لصلحت أحوالهم، ونمت أموالهم وأنفسهم، كما قال تعالى: ** وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .
فأخبر: أن الرحمة في هذا القرآن، فمن اكتفى به عن أحكام الباطل، فهو المرحوم، ومن أعرض عنه إلى غيره، فهو الخاسر؛ فإذا أعرض الناس عن كتاب ربهم، وحكموا غير نبيهم، عاقبهم الله بأن يعادي بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، كما قال تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} .
ولكن لما عاد الإسلام غريبا كما بدأ، صار الجاهلون به، يعتقدون ما هو سبب الرحمة، سبب العذاب، وما هو سبب الألفة والجماعة، سبب الفرقة والاختلاف، وما يحقن الدماء سببا لسفكها، كالذين قال الله فيهم: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} .
وكذلك الذين قالوا لأتباع الرسل: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} فمن اعتقد أن تحكيم شريعة الإسلام، يفضي إلى القتال والمخالفة، وأنه لا يحصل الاجتماع والألفة، إلا على حكم الطاغوت، فهو كافر عدو لله ولجميع الرسل؛ فإن هذا حقيقة ما عليه كفار قريش، الذين يعتقدون أن الصواب ما عليه آباؤهم، دون ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
المقام الثاني: أن يقال: إذا عرفت أن التحاكم إلى الطاغوت كفر، فقد ذكر الله في كتابه أن الكفر أكبر من القتل، قال: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} ، وقال: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} ، والفتنة: هي الكفر; فلو اقتتلت البادية والحاضرة، حتى يذهبوا، لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتا، يحكم بخلاف شريعة الإسلام، التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم.
المقام الثالث: أن نقول: إذا كان هذا التحاكم كفرا، والنّزاع إنما يكون لأجل الدنيا، فكيف يجوز لك أن تكفر لأجل ذلك؟ فإنه لا يؤمن الإنسان، حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وحتى يكون الرسول أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

فلو ذهبت دنياك كلها، لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها، ولو اضطرك مضطر وخيرك، بين أن تحاكم إلى الطاغوت، أو تبذل دنياك، لوجب عليك البذل، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت; والله أعلم، وصلى الله على محمد، وآله وسلم تسليما كثيرا.

 

النذير

عضو ذهبي
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
عن الطاغوت في ثاني صفحة من مجموعة التوحيد مع أن الرسالة أسمها "رسالة في معنى الطاغوت" وذلك قوله رحمه الله :



"الطاغوت عام، فكل ما عُبد من دون الله ورضي بالعبادة فهو طاغوت، من معبود أو متبوع أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاغوت، والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة،

الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله...
والثاني: الحاكم الجائر المغيّر لأحكام الله...
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله...
الرابع : الذي يَدَّعي علم الغيب من دون الله...
الخامس: الذي يُعبد من دون الله وهو راضٍ بالعبادة "





ثم نقل عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قوله في رسالة الأصول الثلاثة



"والطواغيت كثيرون، رؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعاالناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله"


 

النذير

عضو ذهبي
الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم عليه في حاشية الرسالة حيث قال :


" كمن يحكم بقوانين الجاهلية والقوانين الدولية بل جميع من حكم بغير ما أنزل الله سواء بالقوانين أو بشيء مخترع وهو ليس من الشرع ... فهو طاغوت من أكبر الطواغيت"

 

النذير

عضو ذهبي
وكلام العلامة الشيخ حمد بن عتيق عن نواقض الإسلام في نفس المجموعة في رسالة بيان النجاة والفكاك
حيث قال

الناقض الرابع عشر :
" التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم"

ثم ذكر كلام ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى {أفحكم الجاهلية يبغون} وقال:

" ومثل هؤلاء ما وقع فيه عامة البوادي ومن شابههم من تحكيم عادات آبائهم وما وضعه أوائلهم من الموضوعات الملعونة التي يُسَمُّونها شرع الرِّفاقة، يقدمونها على كتاب الله وسنة رسوله، ومن فعل ذلك فإنه كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله"

 
أعلى