شاهر المطيري
عضو بلاتيني
معركة القصير: دهاليز الدبلوماسية الدولية ومستقبل الثورة
2013-6-2 | د. بشير زين العابدين
د. بشير زين العابدين / باحث سوري
* الكتائب المقاتلة كمهدد للأمن الإقليمي:
شابت أجواء التوتر اجتماعاً سرياً جمع ضباطاً سوريين منشقين مع مسؤولين بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) نتيجة سوء فهم بسيط:
فقد كان ضباط الجيش الحر قد أعدوا قائمة بالأسلحة والذخيرة وأدوات الاتصال التي تتطلبها عملية إحكام السيطرة على المحافظات الجنوبية ومواجهة النظام في دمشق؛ لكنهم فوجئوا بأن المسؤولين الأمريكيين لم يعيروا اهتماماً كبيراً لمعركة المصير! بل كان اهتمام ضباط الاستخبارات الأمريكية منصباً على جمع معلومات عن الكتائب الإسلامية التي صنفت على أنها "متشددة"، وعن أعداد مقاتليها وأماكن تواجدها، ولم يلتفتوا إلى ما أتى السوريون لمناقشته.
شابت أجواء التوتر اجتماعاً سرياً جمع ضباطاً سوريين منشقين مع مسؤولين بوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) نتيجة سوء فهم بسيط:
فقد كان ضباط الجيش الحر قد أعدوا قائمة بالأسلحة والذخيرة وأدوات الاتصال التي تتطلبها عملية إحكام السيطرة على المحافظات الجنوبية ومواجهة النظام في دمشق؛ لكنهم فوجئوا بأن المسؤولين الأمريكيين لم يعيروا اهتماماً كبيراً لمعركة المصير! بل كان اهتمام ضباط الاستخبارات الأمريكية منصباً على جمع معلومات عن الكتائب الإسلامية التي صنفت على أنها "متشددة"، وعن أعداد مقاتليها وأماكن تواجدها، ولم يلتفتوا إلى ما أتى السوريون لمناقشته.
ونقل الكاتب البريطاني "فيل ساندز" عن أحد الضباط السوريين قوله: إن الاجتماع انحرف عن موضوعه بصورة مفاجئة عندما عرض الأمريكيون خططاً لشن ضربات جوية بطائرات دون طيار ضد مواقع للكتائب "المتطرفة" في سوريا، ثم سألوا الوفد السوري عن مدى استعدادهم لتوفير معلومات تساعد على تحديد الشخصيات القيادية والمواقع التي سيستهدفها قسم العمليات الخاصة، وعن إمكانية المساهمة في تلك العمليات ميدانياً، وأردف رئيس الوفد الأمريكي قائلاً: "يمكننا تدريب ثلاثين من رجالكم كل شهر لمساعدتنا في قتال الكتائب المتطرفة"!
ويذكر الضابط السوري أن لسانه قد انعقد من الدهشة إثر ذلك العرض الغريب، ثم تدارك نفسه قائلاً: "لكن اهتمامنا ينصب في الفترة الحالية على توحيد صفوفنا للقضاء على نظام الأسد"!
فأجابه الضابط الأمريكي: "لن أكذب عليك؛ إننا نتجه في الوقت الحالي لقتال الكتائب المتشددة والقضاء عليها، ويمكننا بعد ذلك أن نتحدث عن محاربة جيش الأسد، يتعين علينا تصفية هذه العناصر المتطرفة، وسنقوم بالعمل منفردين إن لم تساعدونا في هذه المهمة"!
لا يتوقف التقرير عند سرد هذه الحقائق المثيرة للاستغراب؛ بل ينقل كاتب التقرير عن الضباط السوريين قولهم: إن أغلب الاجتماعات التي يعقدونها مع أجهزة الاستخبارات الأوروبية تركز على الكتائب "المتطرفة"، ولا يعير ممثلو هذه الأجهزة اهتماماً كبيراً لمطالب الجيش الحر، ولا يبدون الاكتراث لمقترحاتهم حول: آليات حماية المدنيين، ومنع الشبيحة من ارتكاب المجازر، ووقف القصف العشوائي للمدن الآهلة بالسكان، وقال أحد ضباط الجيش الحر: "كلما اجتمعنا معهم يطلبون المزيد من المعلومات حول جبهة النصرة، يبدو أن هذا هو الأمر الوحيد الذي يهمهم في كل لقاء، لقد أصبح جمع المعلومات عن الكتائب المتطرفة أثمن بضاعة يمكن تقديمها للفت انتباه الاستخبارات الغربية إلينا".
لا شك في أن هناك عدد محدود من الضباط الذين انشقوا عن النظام بحثاً عن دور أكبر في مرحلة ما بعد بشار، ولذلك فإنهم يرفضون الانضمام للثورة، ويعملون بالتنسيق مع الاستخبارات الغربية في جمع المعلومات ضد قوى الثورة التي لا تنسجم مع توجهاتهم؛ إلا أن هذا لا ينطبق على معظم الضباط المنشقين؛ إذ إن أجهزة الاستخبارات الغربية تشتكي من عدم تعاون قيادة الجيش الحر معه في: "محاربة الإرهاب".
ونظراً لانعدام التوافق في الأهداف وتحديد الأولويات؛ فإن الضباط السوريين الذين التقاهم "فيل ساندز" قد أكدوا له أنهم فقدوا الأمل من الحصول دعم الدول الغربية التي لا تقدم سوى التصريحات والوعود، وبأن إستراتيجيتهم العسكرية تهدف إلى: تطوير تقنيات التصنيع المحلي، والحصول على الأسلحة النوعية من السوق السوداء، وأضاف أحدهم: "بات واضحاً لدينا أن حكومات الغرب لا تخوض المعركة التي نخوضها نحن؛ السوريون يقاتلون من أجل نيل حريتهم، بينما تريد الدول الغربية منا أن نقاتل بعضنا، ولا تكترث بسفك المزيد من دماء السوريين".
وقد دفعت حالة ضعف التعاون بين الإدارة الأمريكية وعموم القوى الثورية في سوريا إلى محاولة واشنطن تحقيق إستراتيجيتها من خلال البحث عن نقاط الالتقاء مع موسكو؛ حيث يبدي الروس تفهماً أكبر للحساسيات الغربية؛ ففي اللقاء الذي جمع كيري ولافروف بموسكو (7 مايو 2013) كانت مشكلة القضاء على "الجماعات المتطرفة" في سوريا أحد أهم النقاط التي توافق عليها الجانبان، وأقر كيري بأنه يتفق مع رؤى موسكو في مواجهة هذه الجماعات.
وبعد مرور أسبوع على اجتماع الاستخبارات الأمريكية مع ضباط الجيش الحر؛ عُقد اجتماع آخر في منتجع "سوتشي" بالبحر الأسود بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واستمر الحديث بينهما مدة ثلاث ساعات حول مخاطر الأزمة السورية وسبل احتوائها، حيث طلب بوتين من ضيفه أن يعمل على استخدام نفوذ تل أبيب في واشنطن لإقناع الإدارة الأمريكية بعدم جدوى محاولة الإطاحة ببشار أسد، وضرورة عدم تسليح المعارضة، مؤكداً أن موسكو معنية في الوقت الحالي بتدمير البنى التحتية للجماعات المسلحة التي تمثل خطورة على مصالح كل من موسكو وتل أبيب والدول الغربية على حد تعبيره.
وألمح بوتين إلى أنه أخبر وزير الخارجية الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني في لقاءات سابقة أن الهدف من العمليات العسكرية الحالية في سوريا هو القضاء على عدو مشترك، وأنهم كانوا متفهمين لضرورة حسم هذه المواجهات قبل مؤتمر "جنيف 2" المزمع عقده في شهر يونيو.
ثم دار الحديث في الاجتماع -الذي حضره كذلك رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (Aviv Kochavi) وقائد القوات الروسية الخاصة (Mikhail Fradkov)- حول تفاصيل عمليات استنزاف "الجماعات المتطرفة" والقضاء على قياداتها، وهي الخطة التي لا تختلف من حيث المضمون عن الخطط التي كان موظفو الاستخبارات الأمريكية يعملون عليها من قبل.
فقد نشر "مايكل مالوف"، وهو عضو سابق في القوات الخاصة الروسية تقريراً (في 29 مايو 2013) تحدث فيه عن طبيعة العمليات التي أوكلت إلى القوات الخاصة الروسية عقب اجتماع كيري-لافروف، مؤكداً أن الاستخبارات الروسية قد أوفدت إلى دمشق فرقة مهام خاصة يطلق عليها: (Zaslon) أي "الظل"، وهي قوة "كوماندوز" أسست عام 1998 للقيام بمهمات خاصة خارج البلاد كاستهداف مواقع إستراتيجية والاغتيال وتحرير الرهائن، ولا تتبع لقيادة الجيش أو القوات الخاصة بل تعمل تحت إمرة الاستخبارات الروسية.
وأشار "مالكوف" إلى أن المهمات الخاصة المتعلقة بحماية الخبراء وأعضاء البعثة الدبلوماسية في دمشق وتأمين الأسلحة النوعية والمنظومات الصاروخية قد أوكلت بالفعل إلى فرقة أخرى من القوات الروسية الخاصة التابعة لمشاة البحرية، وبناء على ذلك فإنه رجح أن يكون الهدف من إرسال فرقة (Zaslon) في الأيام الماضية هو القيام بمهام قتالية نوعية بالتزامن مع المعارك الدائرة في القصير، خاصة وأن قائد هذه القوة (Mikhail Fradkov) قد زار دمشق قبل بدء العمليات لمساعدة النظام في تحديد الأهداف النوعية وطرق استهدافها، وبناء على ذلك فقد استنتج "مالكوف" أن المهمة التي تقوم بها فرقة "الظل" في الوقت الحالي هي: "استهداف قادة جبهة النصرة وغيرهم من قادة الكتائب الإسلامية السنية في البلاد".
وتشير المصادر إلى أن نتنياهو خرج من الاجتماع مطمئناً وهو يحمل في جعبته ضمانات روسية بعدم تهديد أمن تل أبيب خلال المعارك الدائرة في محافظات: درعا وحمص ودمشق وريفها، وألمح مصدر مقرب من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أنه لم تجر العادة بالتزام إسرائيل الصمت تجاه عمليات يشنها جيش النظام السوري وميليشيات "حزب الله" في مناطق متاخمة لحدودها، لكنها تغض الطرف عن المعارك الدائرة مما يؤكد وجود ضمانات مسبقة.
وتشير المصادر إلى أن نتنياهو خرج من الاجتماع مطمئناً وهو يحمل في جعبته ضمانات روسية بعدم تهديد أمن تل أبيب خلال المعارك الدائرة في محافظات: درعا وحمص ودمشق وريفها، وألمح مصدر مقرب من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إلى أنه لم تجر العادة بالتزام إسرائيل الصمت تجاه عمليات يشنها جيش النظام السوري وميليشيات "حزب الله" في مناطق متاخمة لحدودها، لكنها تغض الطرف عن المعارك الدائرة مما يؤكد وجود ضمانات مسبقة.
وكان قائد البحرية الروسي الأدميرال (Viktor Chirkov) قد أعلن يوم الأحد 12 مايو عن تشكيل قوة دائمة للإشراف على عمليات البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وإيفاد ست سفن حربية وغواصات النووية لهذا الغرض.
لكن مصادر أمنية تؤكد أن الهدف الحقيقي لوجود هذه القوات هو ترسيخ التعاون الاستخباراتي بين روسيا وإيران والميليشيات التابعة لها في عملياتها ضد كتائب المعارضة غربي البلاد، وذلك لمنع وصول قوى المعارضة إلى المناطق الساحلية وبسط سيطرتهم عليها، وأكدت مصادر غربية أن الطائرة الروسية التي حطت في مطار اللاذقية مؤخراً بدعوى توصيل مساعدات إنسانية ومعونات غذائية يوم الأربعاء 29 مايو، كانت تحمل في حقيقة الأمر 60 طناً من المعدات العسكرية والذخيرة التي يتم استخدامها حالياً ضد الثوار في معركة القصير.
كما أشار تقرير جديد لمعهد الحرب إلى أن الاستخبارات الغربية قد رصدت 117 رحلة جوية سيرتها شركات طيران إيرانية هي: (Yas Air) (Iran Air) و(Mahan Air) من روسيا إلى مطارات سورية عبر الأجواء العراقية، وكانت تحمل على متنها: ذخيرة، وتقنيات صاروخية، وقطع غيارات طائرات مروحية مقاتلة من طراز (Mi-25)، بالإضافة إلى نحو 200 طن من الأوراق النقدية السورية التي طبعت في روسيا وشحنت إلى دمشق في عدة دفعات.
في هذه الأثناء كان حسن نصر الله قد وضع مع قائد فيلق القدس في طهران اللمسات الأخيرة لعملية عسكرية شاملة تهدف إلى إعادة التوازن لنظام بشار، حيث تعهد اللواء قاسم سليماني بفتح أربع جبهات في: دمشق، وريفها، وحمص، وحوران، ونشر عشرة آلاف مقاتل من ميليشيات: "عصائب الحق" و"حزب الله العراق"، و"حزب الله" اللبناني.
ثم أوكلت مهمة تحويل الإستراتيجية الروسية-الإيرانية إلى نبؤات دينية ولطميات بكائية إلى الحمقى من أتباع ولاية الفقيه في لبنان والعراق، حيث شرع ملالي هذه الميليشيات في التحريض على قتال السوريين بهدف: حماية المقامات الدينية، والتمهيد لظهور المهدي، ومواجهة أعداء آل البيت!
ولم يخرج حسن نصر الله عن هذا الإطار في خطابه الذي ختمه بوعد أزلي لأتباعه بالنصر، مؤكداً في الوقت ذاته لإسرائيل والدول الغربية أن عمليات ميليشياته الطائفية لا تتجاوز مهمة القضاء على "التكفيريين" الذين يهددون الأمن الإقليمي!
ولم يخرج حسن نصر الله عن هذا الإطار في خطابه الذي ختمه بوعد أزلي لأتباعه بالنصر، مؤكداً في الوقت ذاته لإسرائيل والدول الغربية أن عمليات ميليشياته الطائفية لا تتجاوز مهمة القضاء على "التكفيريين" الذين يهددون الأمن الإقليمي!