خبراء الحوادث.. والأسئلة المحيّرة
هل تعد أسئلة ذوي الفتيات السّت مشروعة، أم مجرد مبالغة؟
توجّهت (البحرين اليوم) بالسؤال لأحد خبراء الحوادث، وممّن استرعى الحادث انتباهه آنذاك، فأكد أن أسلوب تضرّر السيارة كان غريباً بالنسبة لسيارةٍ اصطدمت بحائط، وهو مايؤكده أيضا الشاب أشرف.
الخبير أوضح أنّ اصطدام سيارة بالحائط يعني أن التضرّر يجب أن يكون من مقدمة السيارة حتى مؤخرتها، بينما يتضح بمعاينة الصور أن تضرر السيارة جاء من الأعلى، وهو ما يفسّره الخبير بأن سيارة الفتيات قد تكون اصطدمت بشئ أعلى من مستواها! حيث لا يمكن أن يكون سبب التضرر حائطا مستويا وثابتا!
وهذه العلامة التي تفتح الطريق إلى اصطدام مركبة عسكرية خليفية بسيارة الفتيات، وفي ظروف شبيهة بالمطاردة، والتسبّب في قتلهن، سواء من خلال الاصطدام أو عبر وسائل أخرى من التصفية، حيث لا يُعقل أن يمتن جميعاً، مرة واحدة، وفي حادث واحد!
في هذا السّياق، يُعيد أشرف الأسئلة المحيّرة التي طالما شغلته: “كيف تتضرّر مقدمة السيارة نتيجة الاصطدام بجدار مستوٍ دون أن تتضرر لوحتها؟! وأين ذهب ماء السيارة وزيتها، وموقع الحادث نظيف من أية آثار؟ ولِمَ العجلة بتسليمنا للجثث، وإزاحة السيارة في حادثٍ غامض، لازلنا نتساءل حوله؟ ألم يكن جديرا بالجهات المختصة أن تتريّث في كلّ ذلك حتى تطمئن لحقيقة وتفاصيل الحادث الذي أودى بحياة ست مواطنات؟!”.
تفريق المواسين.. وبتهديد السلاح
لم تكن وفاة الفتيات شأنا خاصا بعوائلهن، بل تداعت كلّ البحرين لمواساة أهلهن وأنفسهن بهذا الفقد المؤلم لستّ زهرات، وخاصة مع الشك الابتدائي الذي ارتسم أمام الجميع بوجود جريمة مدبّرة من الخليفيين الذين نصبوا الموت في كلّ مكان منذ اندلاع الثورة. اجتمع الناسُ، وبشكل عفوي في اليوم التالي من الحادث، في موقعه المزعوم، إلاّ أن دوريات الداخلية الخليفية ومنتسبيها،فرّقوا الناسَ من هناك قسراً، وتحت تهديد السلاح! وبعد يوم أو يومين من تفريق المتعاطفين الذين زرعوا عند الحائط -الذي يُفترض أن يكون المتَّهم الرئيسي في التّسبب بموت الفتيات - شموعا وأزهارا، وُجِد الموقع محروقا بأيدي مجهولين!
كلّ ذلك كان، ولازال، يثير الريبة في نفوس كثيرين ممّن لم يُصدّقوا الرواية الرسمية.
الشّاب أشرف، وبعد انتهاء مراسم دفن وفاتحة الفتيات، ذهب إلى موقعٍ قريبٍ من مكان الحادث، وحيث كان يعتاد شباب المنطقة على التّسامر فيه كلّ ليلة، حاملا أسئلته لهم. وقد أكدوا له أنهم، وقبل السّاعة العاشرة من مساء تلك الليلة، وهو الوقت التقريبي لحصول الحادث، كانوا يتواجدون في موقعهم، إلا أنهم، ورغم قربهم هناك، لم يسمعوا أو يروا الحادث، حيث فوجئوا بدوريات الأمن والشرطة وهي تُطوّق المكانَ، وتُبعد الناسَ عنه!
ما سرّ الدّوريّة الأمنيّة المتضرّرة في ليلة الحادثة؟
الأمر الغريب الآخر الذي لازال الشاب أشرف يتساءل بشأنه، هو انتشار صور لسيارة شرطة من نوع “جيب”،وشاعت في ذات الليلة بينما كانت تحملها رافعة إثر تضرّر مقدمتها مما يبدو أنه حادث، متسائلا: هل يمكن أن تكون تلك السيارة أمرا منفصلا عن حادث الفتيات؟ أم أن هناك رابطا؟ ولماذا جرى التغطية عليه؟!
كان من الممكن أن يُحلّ الأمر، وتُكشف الحقيقة، فيما لو جرى تحقيق شفّاف واضح ومعلن حول حقيقة موت ست فتيات في حادث سيارة على طريق غير مأهول، يت الدخول إليه عبر انحناءٍ يمنع السيارات من أنْ تُسرع بقدر ما تريد، طريق قريب من أحياء سكنية لم يسمع أو يرى أحدٌ من ساكنيها ما يُذكر في تلك الليلة!
ثلاثة سنين عبرت فوق كومة من الأسئلة والشكوك، فَقدت فيها أربع أسر بحرانية ستّاً من بناتهن الواعدات المتميزات، إلا أنهم، وحتى هذه اللحظة، لايعرفون حقيقة “الحادثة“ التي تسبّبت بفقدان فلذات أكبادهم، وهم حتى اليوم يعيشيون حرقة الفقْد المغموس بطعم الحيرة والشك؟
الحادث الذي كان متزامناً مع ذكرى الثورة الأولى، فبراير 2012، وقعَ في ظل استهداف ممنهج لكلّ منْ ينتمي لقرى أو جهات شيعية أومعارضة، ومنها قرى أولئك الفتيات الست؟ فهل يمكن أن يكون موتهن منفصلا عن حملات الاستهداف تلك؟ وهل يمكن أن ترتاح القلوب لمجرّد بيانٍ صدرَ من الجهات المعنيّة بعد حادثٍ غامض، مباشرةً، دون تفصيل لحيثياته، أو دعوة عامة لكلّ منْ اقترب من ذلك الشارع حينها ليأمن على نفسه، ويشهد بما يمكن أن يراه، وأيا كان ما رآه؟!
رحم الله كلّ روح مظلومة رحلت عند جبّار منتقم عادل.
رحم الله زهرات الوطن التي غيّبها الموت على حين غرة، وهو حق لا مناص منه. إلا أن الفقد لا ينسجم مع الغموض، ولا يتحول معه إلى قبول وإذعان.. فمتى تتعرف تلك العوائل حقيقة ما جرى على بناتهن، اللاتي عشن طفولتهن وصباهن معا.. ثم ذهبن حاملات سرّ موتهن معا أيضا!
الدكتور سعيد الشهابي
جريمة لا تغتفر: الزهرات الست.. شهيدات منسيات
القيادي في حركة أحرار البحرين، سعيد الشهابي، لا يتردّد في اعتبار ما حدث يوم ٢٥ فبراير ٢٠١٢م؛
بأنه حادث مفتعل، مشيراً إلى الوقائع التي تؤكد أن الفتيات تمت ملاحقتهن من قبل دوريات خليفيّة بحسب الشهابي.
ويضيف الشهابي بأن هذا الحكم تدعمه المعطيات المختلفة التي أحاطت الحادثة، بما في ذلك أن بعضا من الفتيات هن ناشطات في الحراك الشعبي، وهو ما يتعزّز مع الإشارات الواضحة التي صدرت من أوساط قريبة من السلطات الخليفيّة، وهي تتهم الفتيات ب”المشاركة في الشغب” و”التخابر مع جهات أجنبية”. وهو ما يُعزّز الإخفاء المتعمّد من قِبل السلطات لمجريات الحادثة، والذي يضع رواية السلطة في دائرة الرفض المطلق، ولاسيما مع تهافت هذه الرواية وتصادمها مع مكوّنات مسرّح الحادثة المزعومة.
يتطابق ذلك مع العديد من الشهادات التي أكّدت وجود دوريّة خليفيّة كانت تلاحق الفتيات.
ومن المعروف أن الدوريات الخليفيّة عادةً ما تقود بسرعةٍ جنونيّة، وهي لا تلتزم بقواعد المرور، ورُصدت العديد من الحوادث بسبب ذلك، ولم يتم تسجيل تقارير بشأنها
ومن هذا القبيل شهادة قُدّمت إلى (البحرين اليوم) من احدى الضحايا، وهي سيدة بحرانية أفادت بأنها كانت تقود سيارتها بمعية طفلها البالغ من العمر سنتين، والذي كان جالساً في المقعد الخلفي من السيارة، قالت بأنها بعد عبورها أحد الشّوارع الرئيسية، وكانت الإشارة الضوئية “خضراء” اصطدمت بها سيارة “جيب” تابعة للشرطة الخليفية من الخلف، ما أدّى إلى وقوع أضرار بالغة في مؤخرة السيارة، وقد قدّر الله أن السيدة وابنها لم يُصيبهم أذى.
اللافت أن السيدة طلبت استدعاء سيارة الإسعاف، إلا أن الشرطة رفضت ذلك في البداية، ولكنهم رضخوا بعد حصول مشادة كلامية معها. وتضيف السيدة بأن سائق جيب الشرطة كان إماراتيّا، وقد سُجّل التقرير المروري ضدها، وتم تغريمها ١٠٠٠ دينار.
أحد المتابعين لجريمة الفتيات السّت يُعلق على هذه الحادثة بالإشارة إلى أن تغريم السيدة البحرانية، ورفض استدعاء الإسعاف في البداية، فضلاً عن تسجيل الخطأ ضدّ السيدة، رغم أنها ضحية لتهور الشرطة الخليفية، “يوحي بأن الحادث لو نتج عنه أضرار جسيمة، مثل الموت أو ما شابه، لكان في طي الكتمان، ولأخفيت الدلائل الخاصة به”. ومن المؤكد، يضيف المعلق، بأن الخليفيين لن يترددوا في تصفية السيدة في حال وقوع أضرار بليغة لا تطيق الشرطة تحمّلها، ولن يكون الأمر مرتبطا “بالضرورة بوجود نشاط سياسي أم لا بالنسبة للسيدة، وإنما الهدف هو إخفاء جريمة تورّطت فيها الشرطة”، ولكن النتيجة ستكون، في حال تمت، هو أن جريمة وقعت، وعملية اغتيال منظّمة.
وبحسب تجارب السنوات الماضية، فإن القوات الخليفية ليست مضطرة لتقديم ذرائع معينة لتبرير اعتداءاتها، أو المضايقات التي تُمارسها ضد المواطنين، والتي تنتهي بنتائج “غير متوقعة”، مثل القتل، وهو ما يُلاحظ في جرائم عديدة تكشف ضلوع المخابرات الخليفية فيها، من قبيل تصفية العلامة السيد أحمد الغريفي، واغتيال عباس الشاخوري، ومهدي عبد الرحمن، وحوادث قتل أخرى وفي ظروف مختلفة.
إنّ خيوط الجريمة في قضية الفتيات السّت تبدو واضحة، وبمعزل عن وجود نشاط سياسيّ أو ميداني لبعضهن. ومع تغييب التحقيق المستقل عمداً، وعلامات الشّك التي أحاطت بمسرح “الجريمة”، فإنه لا بنبغي التردّد في اعتبار ما حصل لهن “عملية اغتيال”، بل هي من أخطر عمليات الاغتيال الممنهج الذي جرى في السنوات الأخيرة، وذلك بلحاظ العدد الكبير من الضحايا، وظروف الثورة التي تزامنت الجريمة.