العلاقة العكسية بين الرومانسية.. وبين عمر الحياة الزوجية!!(1)

في فترة الخطوبة يستجدي الخاطب خطيبته أن تقبل دعوته لتناول وجبة غداء أو عشاء، أو كأس آيسكريم أو عصير.. بينما تتمنّع الخطيبة على خطيبها وعلى الدعوة، وتلحّ على رفضها، بحجة أنها ليس لديها شهية، أو أنها لا تأكل خارج البيت، فيخبرها بأنها إذا لم تقبل دعوته فإنه سيلقي بنفسه في النيل، فتقبل دعوته خوفاً وحفاظاً على سلامته. في شهر العسل تأكل الزوجة بخجل مفرط، فيضع الزوج اللقمة في فم زوجته، باعتبار أنها سنّة، أو باعتبار أنها سلوك رومانسي. بعد العودة من شهر العسل يطلب الزوج من زوجته - التي يلقّبها بلقب (حبيبتي)- بأن تأكل، لكن دون أن يطعمها بيده، بينما تخبره هي بأنها تأكل مثله، ولا تستحيي منه، لأنه (حبيبها). بعد سنة من الزواج يطلب الزوج من زوجته بلطف: حبيبتي أنا جعان..وين الغداء؟ فتجيبه: معليش حبيبي.. حضّر غداك بنفسك.. أنا مشغولة مع البيبي. بعد مرور سنتين يطلب الزوج من زوجته بلطف – ولكن مجرّد من الألقاب : لو سمحت ممكن تسوّي لي كباية شاي.. لأني تأخرت على مواعيد العمل، فتعتذر له بلطف – أيضاً مجرد من الألقاب: معليش أنا تعبانة.. ممكن تسوّي شايك بنفسك. بعد مضي سبع سنوات على الزواج تعود الزوجة بذاكرتها القهقرى، فتتذكر زوجها الرومانسي في أيام الزواج الأولى، الذي كان يطعمها بيديه، فتذكّره برومانسيته تلك في وجبة غداء أو عشاء يتناولانها سويّا، وتسأله: أين ذهبت تلك الرومانسية، ولماذا لا تطعمني بيديك كما كنت تفعل؟! فيجيبها إجابة جافة صادمة، تجعلها تندم على سؤالها، ويقول: ليه؟! إنت إيديك مشلولة؟! ما تاكلي بنفسك.. ما هو الأكل قدامك!! ويردّد لها المثل الذي كانت تردّده على مسامعنا دوماً أمي الحبيبة، عندما كانت تنادينا لتناول الطعام ونحن صبية صغار، فنتمنّع، لتدللنا وتستجدينا، لكنها كانت تفهم ذلك بفراستها، فكانت تقول لنا: على كيفكم.. (البياكل بضرسه..بينفع نفسه). بعد مرور عشر سنوات على الزواج يدخل الزوج البيت ليلاً، بعد أن غادره صباحاً، ليؤمّن لقمة العيش لأسرته المكوّنة من سبعة أفراد، فيطلب من زوجته – بدون لطف، وبدون ألقاب- بأن تعدّ له وجبة العشاء، فتجيبه الزوجة – بدون لطف، وبدون ألقاب أيضاً- إجابة مقتضبة جافة: أنا ما فاضية. فيسألها: طيب في شنو ممكن آكله؟ فتجيبه: أمشي أفتح التلاجة.. في طبيخ.. ممكن تسوّي معاهو سلطة. بعد انقضاء عشرين عاماً من عمر الحياة الزوجية، يقول الزوج لزوجته( هو نفسه الذي قال لها في فترة الخطوبة أنها إذا لم تقبل دعوته، فإنه سيلقي بنفسه في البحر): أنا شايف اليومين ديل أكلك زايد شوية.. بتاكلي بشراهة.. ممكن تقللي من الأكل شوية.. لأن أسعار السلع زايدة اليومين ديل. فتجيبه الزوجة(هي نفسها التي كانت في فترة الخطوبة ترفض دعوته على العشاء والغداء، بحجة أنها ليس لديها شهية): ما حأقلل من الأكل.. وحآكل زي ما أنا عايزة، والعايز تعملو اعملو. بعد خمسين عاماً على الزواج يكون الزوج قد بلغ من الكبر عتيّا، ويكون قد بلغ الثمانين من عمره، وهي مرحلة الشاعر زهير بن أبي سلمى، الذي ملّ من الحياة ومسؤوليتها وتبعاتها، وسئم تكاليفها، وذلك عندما قال: سئمت تكاليف الحياة ومن يعِشْ.. ثمانين حولاً – لا أبا لك- يسأمِ. بينما تكون الزوجة قد تقدّم بها العمر، وبلغت مرحلة تلك الزوجة التي سئمت من زوجها-ذلك الرجل العظيم الذي ربما كانت كل امرأة تتشرف بأن ترتبط به- وعبّرت عن ذلك بكلّ صراحة.

في البداية احترت وترددت في أن أختار عنواناً مناسباً لهذا الموضوع.. هل أسميه "هل يموت الحب بعد الزواج؟".. أم أسميه "دورة حياة الرومانسية الزوجية!!"، أم أختار له اسم "يوتوبيا الخطوبة..وأرض واقع الزواج!!".. أم أسميه "مدة صلاحية الرومانسية الزوجية".. في نهاية المطاف اخترت له الاسم الذي ترونه أعلى الموضوع "العلاقة العكسية بين الرومانسية..وبين عمر الحياة الزوجية"، وحسب هذا العنوان المختار فإن -في تقديري- ثمة علاقة عكسية بينهما.. فكلما امتد عمر الحياة الزوجية، كلما تناقصت الرومانسية والحب بين الزوجين.

في الأجزاء التالية سنتناول –بإذن الله- الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى قتل الحب بين الزوجين.. وسنتطرق إلى قصة تلك المرأة زوجة الرجل العظيم. وسنذكر قصة ذلك الخاطب الذي عشق خطيبته بجنون، وكتب لها أعذب وأجمل وأرقّ الكلمات، ثم ما لبثت أن ذبلت وردة ذلك الحب وماتت بعد الزواج. وسنتناول قصة ذلك السوداني المدهشة المثيرة للضحك، الذي فقد بوصلة الحب بينه وبين زوجته، ودفعه ذلك الفقد إلى التصرف بالطريقة المدهشة المثيرة التي ذكرنا.

لكن قبل ذلك يجب أن نعرّف الحب بين الزوجين، أو ماهية الحب في الحياة الزوجية. ثمة تعريف استثنائي ومدهش للحب، يمكن أن يصلح لتعريف الحب بين الزوجين، يعرّف الحب بطريقة شاملة وعلمية مدهشة، يمكن أن يقلب كل الموازين، وينسف ويبطل كل النظريات السابقة التي يؤمن بها كثير من الناس عن الحب، مثل أن رجلاً أحبّ امرأة من أول نظرة، أو أن امرأة أحبت رجلاً لأنه أنقذها من مصيبة كانت محدقة وملمّة بها لا محالة، وكان شهماً وشجاعاً في ذلك التصرف والإقدام. دعونا نتناول في الجزء الثاني من هذا الموضوع تعريف الحب الشامل الذي ذكرنا، ونرى هل يتطابق حقاً مع الحب بين الزوجين، ثم نتناول بعد ذلك بقية الموضوعات الأخرى.

تسعدني وتسرني متابعتكم

الكاتب الصحفي / أنور عبد المتعال
 
أعلى