أي مستقبل ينتظر باكستان

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
الدكتور محمد الرميحي يتساءل عن مستقبل باكستان ؟في مقالته في جريدة أوان





أمس استقال الرئيس الباكستاني برويز مشرّف، بعد أن خاض معركة طويلة، خاصة في السنوات الأخيرة من حكمه، ضد مناوئيه السياسيين، حيث كان معظم سنوات حكمه، منذ تزعم انقلاباً عسكرياً في أكتوبر 1999 حتى تقديم استقالته أمس، يحاول أن يضعفهم. وكانت علامات خسارته للمعركة الأبرز عودة شخصين من منفى قسري هما من أكبر معارضيه، الراحلة بينظير بوتو، والرئيس الذي أطاحه مشرف نفسه، نواز شريف.
قاد الثنائي، المتخاصم في السابق والمتحالف لاحقاً، معاً معركة الإطاحة بالرئيس، الذي اتّصف بالحنكة في المناورة، ومن خلال انتخابات عامة لم يعمل لها كما يجب، في السنوات التسع التي أمضاها مشرّف الرجل الأول في باكستان.
باكستان ليست بعيدة عن المنطقة العربية الممتدة من موريتانيا حتى الخليج، وهي المحاذية لأفغانستان، وتربطها حدود مشتركة مع إيران. كل هذا الإقليم يضجّ بالمشكلات السياسية المعقّدة التي تؤثر في باكستان وتتأثر بما يجري فيها، وهي كدولة لم تستطع أن تُسيّر شؤونها من دون اضطرابات منذ استقلالها وانفصالها عن الهند، مرّت بانقلابات متكررة، كما لم ينجُ بعض رؤسائها؛ إما من الاغتيال أو الشنق. برويز نفسه تعرّض لأكثر من سبع محاولات للقضاء على حياته، كما وصفها هو نفسه في كتاب أصدره، فأشار إلى أنه مثل القطط بسبعة أرواح، ولكن تبيّن أنه حتى القطط يمكن أن تقع.
أحد أسباب تعوّق الديمقراطية في باكستان التي كتب عنها كثيراً، هي قسمتها في شرائح اجتماعية كبرى، بينها قسمان كبيران لا يلتقيان في حد أدنى من التوافق، هما إقليم السند وإقليم البنجاب، وهما إقليمان في باكستان الحديثة لم يتوافقا مع البنغال، الإقليم الثالث الذي شكّل باكستان الكبرى عشية الاستقلال، لكن بعد حرب أهلية انفصل ليكون بنغلادش، في أوائل السبعينيات من القرن الماضي.
باكستان في السنوات الأخيرة وجدت نفسها تخوض عدداً من الحروب، فبعد استنزاف طويل مع جارتها الهند حول إقليم كشمير، وجدت نفسها في حرب سمّيت «الحرب ضد الإرهاب» سواء كانت في الجوار الأفغاني، أم في الداخل، مع القبائل المناهضة للدولة من منظور ديني. حاول مشرّف أن يقاتل العدو بنفس السمّ، فألّف بين عدد من الأحزاب الإسلامية الصغيرة ما سمّي «متحدة مجلس العمل» بتحالف مع جناح منشق عن الرابطة الإسلامية كان تابعا للرئيس نواز شريف. إلا أن لعبة مقاتلة العدو بنفس الترياق ما لبثت أن عادت بالسلب على مشرّف، فقد حققت تلك التيارات ما تصبو إليه من سياسيات من خلال نفوذه، من دون مد يد العون إلى الرئيس عندما احتاج للعون.
كان على مشرّف بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 أن يخوض حرباً ضد الإرهاب، أي أن يقلل من حماسه لأهمية كشمير لدى الباكستانيين، ومن عدائه لجارته الهند، وأن يصعّد في الوقت نفسه حربه ضد القبائل الباكستانية المتعاطفة مع طالبان أو المناوئة للولايات المتحدة، وفي الوقت ذاته يخضع للمطالب الأميركية بعودة الديمقراطية. الحصيف مشرّف وقع بين فكّي رحى لا ترحم، فلم يحقق ما يرغب الحليف به كلياً، وخسر الأهل في نفس الوقت.
طبيعي لم يكن بالمقدور الاستمرار في هذا النهج من دون تقديم الكثير من التنازلات. فالهند تتطور اقتصادياً، وتتخلف باكستان، والهند تستقر سياسياً وتضطرب باكستان، الحرب على الإرهاب وصلت شرارتها إلى الداخل الباكستاني من دون أن يلوح في الأفق أي انتصار ضدها، الأعداء يتكاثرون والأصدقاء يتوارون.
في النهاية وجد الرئيس، الطامح إلى باكستان قوية يسودها إسلام معتدل ويتناغم سكانها المئة والخمسون مليون نسمة، وجد نفسه أمام الجدار الصلد، إما التنازل عن السلطة وإما مصير -ربما- علي بوتو أو ضياء الحق أو حتى بينظير. الحصيف مشرّف ضرب الضربة الأخيرة، يعرف أنه في بيئة سياسية خطرة، فقرر أن يخرج منها بالاستقالة.
القضية الكؤود هي أن التناقضات الباكستانية الداخلية العميقة سوف تستمر، ومع أخبار تدفّق كثير من محاربي القاعدة إلى التخوم الباكستانية، وفي دولة لديها مخزون نووي، وقبائل متصارعة ونسيج اجتماعي ممزق وتعثر تاريخي في ممارسة اللعبة الديمقراطية.. أيُّ مستقبل ينتظر باكستان غير أن نسمع بأن دولة فاشلة أخرى التحقت بالقائمة المكتظّة بأسماء دول الإقليم؟
 

السلطاني

عضو مخضرم
32 منع اقتصار مساهمات أحد أعضاء منتدى الشبكة الوطنية الكويتية على النقل. دون إبداء وجهة نظره في النص المنقول.

مغلق.
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى