رحلة الى دار القرار

$المحنك$

عضو فعال
الحمدلله وكفى،وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى....اما بعد:

فأنه مهما عاش الانسان في هذه الحياة ومهما طال به البقاء بها،ومهما استمتع بشهواتها وملذاتها،فأن المصير واحد والنهاية محتومة،ولابد لكل انسان من نهاية،وهذه النهاية هي((الموت))الذي لامفر منه،قال تعالى....( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )آل عمران:185

وقال الشاعر:
كل ابن وان طالت سلامته
يوماً على آلة حدباء محمول
...............................


.................................................................
انه لابد من يوم ترجع فيه الخلائق الى الله جل وعلا ليحاسبهم على ما عملوا في هذه الدنيا قال تعالى...""وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ"البقرة281
يوم طالما نسيناه ويوم هو آخر الايام،يوم تغص فيه الحناجر،فلا يوم بعده ولا يوم مثله،انه اليوم العظيم،يوم كتبه الله على كل صغير وكبير،وكل جليل وحقير،انه اليوم المشهود واللقاء الموعود.
.......................................................

................................................
ثم انه قبل هذا اليوم لحظة ينتقل فيها الانسان من دار الغرور الى دار السرور او دار الشرور،كل بحسب عمله،تلك اللحظة التي يلقي فيها الانسان آخر النظرات على الابناء والبنات والاخوان والاخوات، يلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا،وتبدو على وجهه معالم السكرات،وتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات.
......................................


..........................
انها اللحظة التي يعرف الانسان فيها حقارة هذه الدنيا،انها اللحظة التي يحس الانسان فيها بالحسرة والالم على كل لحظة فرط فيها في جنب الله تعالى،فهو يناديه رباه رباه:(رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ )المؤمنون100،99
....................

.................................
انها اللحظة الحاسمة والساعة القاصمة التي يدنو فيها ملك الموت لكي ينادي،فياليت شعري هل ينادي نداء النعيم او نداء الجحيم.؟!!
....................

...................
اخواني ان الغربة الحقيقية انما هي غربة اللحد والكفن،فهل تذكرت انطراحك على الفراش،واذا بأيدي الاهل تقلبك،فاشتد نزعك وصار الموت يجذبك من كل عرق ثم اسلمت الروح الى بارئها، والتفت الساق بالساق،ثم قدموك بعد ذلك ليصلى عليك،ثم انزلوك في القبر وحيدا فريدا،ولا ام تقيم معك،ولا اب يرافقك،ولا اخ يؤنسك.

.........................
.........................
وهناك يحس المرء بدار الغربة ومنازل رهيبة عجيبة،وفي لحظة واحدة ينتقل العبد الى دار الهوان الى دار النعيم المقيم ان كان ممن تاب وآمن وعمل صالحا،او ينتقل الى دار الجحيم والعذاب الاليم ان كان ممن اساء العمل وعصى المولى جل وعلا.
.................................

...................................
لقد طويت صفحات الغرور، وبدا للعبد هول البعث والنشور،مضت الملهيات والمغريات وبقيت التبعات فلا اله الا الله من ساعة تطوى فيها صحيفة المرء اما على الحسنات او على السيئات،ويحس بقلب منقطع من الالم والحسرة على ايام غفل فيها كثيرا عن الله واليوم الاخر،فها هي الدنيا بما فيها قد انتهت وانقضت ايامها سريعا،وها هو الان يستقبل معالم الجد امام عينيه،ويسلم روحه لباريها،وينتقل الى الدار الاخرة بما فيها من الاهوال العظيمة،في لحظة واحدة اصبح كأنه لم يك شيئا مذكورا فلا اله الا الله من ساعة ينزل فيها الانسان اول منازل الاخرة،ويستقبل الحياة الجديدة،فأما عيشة سعيدة،او عيشة نكيدة والعياذ بالله.
...................................


..........................................
ولا اله الا الله من دار تقارب سكانها،وتفاوت عمارها،فقبر يتقلب في النعيم والرضوان المقيم،وقبر في دركات الجحيم والعذاب الاليم،فهو ينادي ولكن لا مجيب،وهو يستعطف ولكن لا مستجيب.
.............................

ثم يأتي بعد ذلك اللقاء الموعود واليوم المشهود،اليوم تتبدل فيه الارض غير الارض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار،يوم لاتغنى مولى عن مولى شيئا ولاهم ينصرون،وصاح الصائح بصيحته فخرج الموتى من تلك القبور الى ربهم حفاة عراة غرلا،فلا انساب،ولا احساب،ولا جاه ولا مال..((فأذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون101فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون102ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم في حهنم خالدون103 تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون))المؤمنون101_104
...................................


...................................
انه اليوم الذي يجمع الله فيه الاولين والاخرين،انه اليوم الذي تتبدد عنده الاوهام والاحلام،انه اليوم الذي تنشر فيه الدواوين وتنصب فيه الموازين،انه اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه،واليوم الذي يود المجرم لو يفتدي فيه من العذاب ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه.
.................................
...............................
يامن تعصي الله،تصور نفسك وأنت واقف بين الخلائق ثم نودي باسمك:أين فلان ابن فلان؟هلم الى العرض على الله،فقمت ترتعد فرائصك،وتضطرب قدماك وجميع جوارحك من شدة الخوف،قد تغير لونك،وحل بك الهم والغم والقلق ما الله به عليم.
.....................................

....................................
وتصور وقوفك بين يدي بديع السموات والارض،وقلبك مملوء من الرعب،وطرفك خائف،وأنت خاشع ذليل،قد امسكت صحيفة عملك بيدك،فيها الدقيق والجليل،فقرأتها بلسان كليل،وقلب منكسر،وداخلك الخجل والحياء من الله الذي لم يزل اليك محسناً وعليك ساترا.فبالله عليك، بأي لسان تجيبه حين يسألك عن قبيح فعلك وعظيم جرمك.؟وبأي قدم تقف غدا بين يديه.؟وبأي طرف تنظر اليه.؟وبأي قلب تحتمل كلامه العظيم الجليل،ومساءلته وتوبيخه.؟
...............................

.........................
وكيف بك اذا ذكرك مخالفتك له،وركوبك معاصيه،وقلة اهتمامك بنهيه ونظره اليك،وقلة اكتراثك في الدنيا بطاعته.؟!
.........................
ماذا تقول اذا قال لك: ياعبدي،ما اجللتني،اما استحييت مني.؟!استخففت بنظري اليك.؟! الم احسن اليك.؟! الم انعم عليك.؟! ما غرك بي.؟
.........................

.....................
تذكر اهل الصالحات حين يخرجون من قبورهم وقد ابيضت وحوههم بأثار الحسنات،خرجوا بذلك الاثر العظيم من الله الكريم،وما عظم المقام عليهم،تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.......تذكر عندما يقول الرب تبارك وتعالى بحقهم:ياملائكتي،خذوا بعبادي الى جنات النعيم،خذوهم الى الرضوان العظيم،فأصبحوا بحمد الله في عيشة راضية،وفتحت لهم الجنان،وطاف حولهم الحور والولدان،وذهب عنهم النكد والنصب،وزال العناء والتعب.
............................

..................
وتذكر في المقابل تلك النفس الظالمة المعرضة عن منهج الله تعالى العاصية له،عندما يقول تبارك وتعالى بحقها:يا ملائكتي ،خذوه فغلوه،ثم الجحيم صلوه،فقد اشتد،غضبي على من قل حياؤه مني،فوقفت تكل النفس الاثمة الظالمة على نار تلظى وجحيم تغيظ وتزفر،وقد تمنت تلك النفس ان لو رجعت الى الدنيا لتتوب الى الله وتعمل صالحا، لكن هيهات هيهات ان ترجع،فكبكبت على رأسها وجبينها،وهوت في تلك المهاوي المظلمة،وتقلبت بين دركات الجحيم،والحسرات والزفرات...فلا اله الا الله ما اعظم الفرق بين هؤلاء واولئك،بين من كان في النعيم،ومن كان في الجحيم.. وصدق الله تعالى اذ يقول... إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ))الانفطار14،13
.......................

..................
يامن تقرأ هذا الكلام قف قليلا وحاسب نفسك كثيرا :
فأن كنت ممن يسارع في الطاعات والقربات ويتجنب المعاصي والمخالفات فاحمد الله على ذلك،واسأله الثبات حتى الممات،وهنيئا والله لك ما انت مقدم عليه بأذن الله.
.............
.......................
وان كنت غير ذلك فتب الى الله وارجع الى الهدى،ولا داعي للعناد والاصرار على المعاصي التي ستعرضك لعذاب الله،فأنك والله لاعجز من ان تطيق شيئا من هذا العذاب،ان الجبال الشم الراسيات لو سيرت بالنار لذابت من شدة حرها.! فأين انت ايها الانسان الضعيف من تلك الجبال.؟انك تصبر على الجوع والعطش،وتصبر على الضر وعلى التكاليف،لكن والله الذي لا اله الا هو لاصبر لك على النار.......الا فأنقذ نفسك من النار ما دمت في زمن الامهال قبل ان تندم ولات الساعة مندم،واعلم ان الصبر عن محارم الله في هذه الدنيا أيسر والله بكثير من الصبر على عذابه يوم القيامة.
.................

.......................

واعلم رحمنا الله وأياك ان طريق الاستقامة والالتزام ليس فيه تعقيد وكبت حرية كما يظنه البعض،بل ان طريق الاستقامة والالتزام كله سعادة،كله لذة،كله راحة،كله طمأنينة،وماذا يريد الانسان في هذه الحياة غير ذلك.؟!أما حياة المعصية والاثام فكلها قلق ونكد وحسرة في الدنيا،ثم عذاب وهوان في الاخرة.
.............
فجرب ياأخي هذا الطريق من الان ولا تتردد،فأني والله لك من الناصحين،وعليك من المشفقين.
................
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...والحمدلله رب العالمين
 
أعلى