البَطّة السوداء والهيئة العامة للشباب والرياضة

zaman

عضو ذهبي
البَطّة السوداء والهيئة العامة للشباب والرياضة

عندما كنّا صغاراً نسمع قصة البطة التي يغطي جسمها ريش أسود إذ فكرت أن تمشي مع أخوتها في سرب من البط الأبيض. ولكن هذا الحال لم يستمر بسبب تمايز اللون بينها وبين مثيلاتها في السرب، فسرعان ما اتخذت البطة الأم قراراً بإبعاد هذا العنصر الشاذ. ولكن إخلاص تلك السوداء لأخواتها لم يمنعها من ملازمة سربهم ولو من بعيد، وكانت بين الحين والآخر تخدم أخواتها البيض ولو دون علم الأم. حتى كان ذات يوم الذي تعرض فيه أحد البط الأبيض لخطر قاتل ولم تكن الأم على مقربة منهم، مما حدا بالبطة السوداء التدخل وصد الأخطار عن أحبائها وتفعيل نزعة الإخلاص فيها تجاه من تحب. حينها أنتبهت الأم بأن قرارها كان في جائراً لأنه مبني على معيار هزيل في حين أن الواقع أثبت بأن المعيار الأصيل هنا هو الإخلاص والحب والتفاني المتلازمان بفطرة هذا المخلوق الأسود.

لا أدري لماذا أتذكر هذه القصة بحذافيرها كلمّا أسمع ترشيحاً جديداً لتولي منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام للهيئة العامة للشباب والرياضة. ولا أبالغ إن قلت بأن سبب قرار طرد البطة السوداء كان واضحاً ولو أنه خطأ، أما السبب في إبعاد اسم محدد من الترشيح لتولي هذا المنصب غير مفهوم إطلاقاً خصوصاً وإن هذا العنصر هو من أبناء الهيئة وممن عملوا فيها وتدرجوا بوظائفها بكل إخلاص وحب وتفاني متلازمان وطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقه.

قد سبق وعرضنا وصفاً للعوائق التي تقف أمام المدير العام الجديد للهيئة، ويمكن للأخوة القراء الرجوع لتلك الأوصاف في إحدى مقالاتنا السابقة. أمّا اليوم نسلط الضوء من زاوية جديدة على التحديات السياسية المرتبطة بالرياضة من جانب والمحاصصات الغير قانونية من جانب آخر.

كان أمامنا في الهيئة العامة للشباب والرياضة خبرة سابقة من تغليب الهوى على القانون بما يتماشى ورغبة أحد الأقطاب السياسية حيث تم ترجمة ذلك فعلياً بحل مجلس إدارة أحد الأندية الرياضية الشاملة الأمر الذي نتج عنه لاحقاً فوز قائمة هذا القطب السياسي. إذاً الصفقات تبرم شاء من شاء واعترض من اعترض وهو واقع لا مفر منه. ومن جانب آخر، فإن المدير العام الجديد ورئيس مجلس الإدارة المرقب هو على موعد مع صراع أيسره أن يعتريه القلق وقلة النوم لأنه سوف يواجه بكل تأكيد مجتمعين منقسمين متضادين. فإذا كان هذا الرجل الإصلاحي القادم مؤمن بمبدأ الديمقراطية إذا عليه أن ينصاع لرغبة الأكثرية التي تتكتل أمامه وأمام من رشحه لهذا المنصب، وأمّا إذا كان لديه إصلاح مبرمج سابقاً فهو على موعد مع حالة غليان رياضي منقطع النظير، ولا أبالغ إذ قلت بأن الرجل أمام قرارات صعبة قد توصله لحل مجالس العديد من الأندية والهيئات الرياضية والدعوة لانتخابات جديدة، ثم حل ثم انتخابات، وهكذا حتى يلقى من رشحه بخفي حنين.

لست هنا أهوّل أو أضخم الأمور، ولكن بواقعية أشرح ما أتوقع من سابق خبرة نستفيد منها ولا نتمنى عودتها. السبب فيما ذكرت هو أن هذا المرشح الجديد القادم للهيئة سوف يأتي من بوابة الإصلاح، إذا هو لا يمكنه أن يكون مستقلاً أبداً لأنه أمام أهداف يجب أن يحققها نزولاً عند رغبة الإصلاحيين. وعندها سوف يصدق ما توقعناه سالفاً. المهم في الأمر بأن الذريعة المطروحة هنا بأن انصياع هذه الأغلبية لمطالب الإصلاح سوف يأتي ولو بعد حين، وهذا ما لا أتوقعه إطلاقاً خصوصاً في ضوء التظليل الممارس في إطلاق التهم والتهم المضادة، إذ بات كل طرف يشعر بالغبن والظلم فيما يطلقه الطرق الآخر، وعليه فإن دائرة الصراع سوف تستمر وتتسع يوماً بعد يوم.

أنا لا أدعي عصمة أي طرف في هذا الصراع، وبالوقت نفسه لا أفترض نزاهة الإصلاح الرياضي المزعوم بإطلاقه أو بشاعة الوضع الحالي بإطلاقه أيضاً. فالحكمة جانبت أحد الأطراف وأمّا الطرف الآخر فقد غفل وتراخى في إظهار أدلة براءته للجمهور. وهذا تأكيد آخر على أن الصراع لن يهدأ في ظل ممارسات الترشيح والترشيح المضاد.

نعود من حيث بدأنا، فلو فكرت البطة السوداء بأن حتمية التمايز الحاصل بينها وبين مثيلاتها هو باطل لآمنت بأن هذا التمايز لا بد له من يوم وينكشف ويتعرى أمام صاحب القرار. وما الفطرة لدى البطة الأم في إحكام عقلها للعدول عن قرارها لاحقاً إلاّ شاهد إثبات بأن مصير الإخلاص والتفاني بالعمل لا بد أن يعلو أمام نزوات ورغبات لا تعدوان كونهما من الشكليات المفبركة. وعندها تصبح البطة السوداء هي المحبوبة والمقربة من الأم.
 
أعلى