حماية كرسي الرئاسة أوْلى ... أم حماية اقتصاد البلد؟!

ركازي

عضو مخضرم
عدنا - والعوْد ليس دائما أحمد - الى المربع الاول, عدنا على ظهر السفينة نفسها... فما الذي يحدث لنا؟ أهي أقدار أم قلة اقتدار؟!
عدنا كما كنا؟ جدل وجدل, ولا طحين... هذه هي اجواء ازمة المناخ ذاتها, عراك بسيوف صدئة, والكل يريد ان ينتقم من الكل, والكل يريد ان ينال من الكل, والكل في متناول ازمة يشاء الله ان تحدث في ظل حكومة كل ما تخشاه هو ان يمتطي رئيسها منصة الاستجواب, وكأن هناك شيئا او اشياء يراد اخفاؤها... نائب يهدد باستجواب رئيس الوزراء فتفتح له خزائن أسرار مصاريف ديوان سمو رئيس الوزراء, وتسحب جنسيات من اناس نالوها بناء على وثائق ومستندات تثبت أحقيتهم لها, واصبحت هوية لهم وحقهم الشرعي. تسحب هذه الجنسيات في ظاهرة لا نظير لها في العالم كله, والنائب لم يكتف بذلك, حيث رأى ان مصاريف ديوان سمو الرئيس فيها شبهات, وأحيل الموضوع الى ديوان المحاسبة, ومن ثم الى النيابة العامة, ومع ذلك لم تنته طلبات هذا النائب ولن تنتهي, ومن حقه ان يفعل ذلك, ما دام يجد آذانا صاغية لما يفعل ولما يطالب به, ويجد ضعفا في الرد والمقاومة.
الامر لم يعد وقفا على نزعات نيابية فردية, فقد اتسع نطاق الابتزاز السياسي واصبح يشمل ايضا كتلا نيابية بأكملها, احدى هذه الكتل باتت تستحلي الاستجوابات, وتجد فيها بغيتها على مستويات عدة: تمصلح, شعبية, حسابات مستقبلية, اجندة محلية, وربما خارجية - إعلام وافهام, وعين حمراء, وتبدأ الاتصالات والصفقات لثني هذه الكتلة وهي "حدس" - عن مسارها واصرارها على استجواب رئيس الوزراء, لكن "سبق السيف العذل".
كتلة اخرى احترفت — او أدمنت - تقديم الاستجوابات, وهي توظف اسوأ توظيف ما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور من ان مجرد التلويح بالاستجواب يكون في بعض الاحيان كافيا لتراجع الحكومة عن القرار او التوجه الذي تسبب في التفكير باستجوابها, وبالفعل افلحت الكتلة غير مرة في استخدام هذا التكتيك, وفوجئ الكل بالحكومة ترفع امامها "الراية البيضاء" وتسلم لها بكل ما تريد, رغم ان هذه الكتلة - وهي "العمل الشعبي" - تستغل استجواباتها او تهديدها بالاستجواب, لتسديد فواتير سياسية قديمة وجديدة... هذه الكتلة تعلن عن تجهيزها استجوابا لرئيس الوزراء, بل تريد محاكمته, لانها لاترى في قانون الانقاذ الاقتصادي مصلحة للاقتصاد الكويتي, على الرغم من ان هذا القانون أعد اعدادا دقيقا وروعيت فيه كل المحاذير, من قبل رجال اشرفوا على اعداده, وساروا على البيض ولم يتكسر, وباعتراف رئيس اللجنة المالية البرلمانية النائب عبدالواحد العوضي, فان اللجنة استدعت اكثر من 60 خبيرا اقتصاديا رفيع المستوى, لاستمزاج ارائهم في المشروع الحكومي للانقاذ, ولم يشذ منهم احد في التأكيد على اهمية هذا المشروع وجدواه الكبيرة للاقتصاد الكويتي.
لكن كتلة العمل الشعبي التي لم تغير لغة الخطاب الخاصة بها منذ زمن طويل, والتي أسرفت إسرافا لا معنى له في استخدام مصطلحات "الهوامير" و"الحيتان" و"تسعة رهط يفسدون في المدينة", وغير ذلك من المصطلحات التي فقدت اي مضمون لها, مازالت تصر على استخدام تلك الالفاظ والمصطلحات, والمأساة أنها تضرب بكل المبادئ والقوانين الاقتصادية المعمول بها في العالم كله عرض الحائط, وتريد ان تفرض فهمها على الناس, ولانها اعتادت على "نظرية المؤامرة" - على حد تعبير النائب العوضي - فان الكتلة اعدت تفسيرا من عندياتها لقانون الانقاذ, فوصفته بأنه "قانون انقاذ الحيتان", او كما سماه احمد السعدون "الطوفان المالي".
التكتل الشعبي رسم صورة - من خياله وأوهامه - لهذا القانون, وظن انه بذلك قد سل سيفه على بعض الخصوم ومنهم الحيتان, ذلك المصطلح الفج والغوغائي, فهل السيدة مها الغنيم حوت, وهل هي التي تملك "غلوبال"؟ وهل عدنان مسلم حوت, وهل هو الذي يملك دار الاستثمار وحده؟ وهل الشركات المدارة من عائلة الخرافي حيتان؟ وهل هذه العائلة هي التي تملك تلك الشركات؟! هذه مجرد امثلة, وهناك شركات اخرى بالمنوال نفسه, لكن ما في النفس غير ما في النص.. ثم الى متى تحكمنا هذه النظرة البائسة التي لاترى في شركات ومؤسسات القطاع الخاص سوى الفساد والاستغلال, وهي نظرة سقيمة انتهت حتى في قلاع الشيوعية ذاتها, في الصين وروسيا وغيرهما, أليست هذه المؤسسات تصب في النهاية لخير البلد ومصلحته, ألم تحتشد اميركا بكل مؤسساتها لانقاذ شركات ومؤسسات كلها قطاع خاص..؟ و"الشعبي" ايضا يتجاهل بكل اسف قطاع البنوك, وان قانون الانقاذ موجه بالدرجة الاولى لحماية وضمان ودائعه, لتحريك عجلة الاقتصاد في البلد كله.
الاحصاءات تقول ان عدد المساهمين في الشركات المسجلة في البورصة يصل الى 750 ألف مواطن كويتي, بينهم متداولون, وبينهم مساهمون ومستخدمون, ديون هذه الشركات للبنوك الكويتية تصل الى خمسة بلايين دينار, مقابل رهون تراجعت اسعارها بسبب الكارثة الاقتصادية, هذه الديون للبنوك من ودائع المواطنين, ومن ودائع التأمينات الاجتماعية, ومن ودائع الحكومة.
الكارثة اذا ما حلت - قلناها ايام المناخ ونقولها الآن - الكارثة اذا حلت, فان ثمنها باهظ, وأكبر من تسديد الفواتير السياسية بين خصوم السياسة في الكويت, وعلى رئيس الوزراء ان يوقف مسلسل التنازلات, حتى لاتقع الكارثة... عليه ان يوقف هذه التنازلات, فصعوده منصة الاستجواب ليس اهم او اخطر من كارثة ستحل باقتصاد بلدنا, فهل يعقل ان نخسر اقتصاد بلد في سبيل كسب منصب, سيؤدي بنا في النهاية الى التهلكة ايضا؟!
التنازلات الحكومية تنازلات مكشوفة, ليست غايتها حماية اقتصاد البلد, انما غايتها حماية كرسي يمكن ان يعتليه اي احد آخر, و...لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك.


أحمد الجارالله

مقال للاستاذ احمد الجارالله

الكويت فوق كل شي
 
أعلى