مدائن الأبواب

إنسان

عضو فعال
بعد ساعات من تعطل المركبة التي كانت تقل أربعة من الشباب وبعد يقينهم بعدم جدوى وقوفهم بهذا المكان المقفر إقترح أحمد أن يبدأوا بإيجاد حلول غير إنتظار معجزه تحدث أو مساعده تأتيهم

من المجاهيل الأربعه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً .. خصوصاً وأن أنظارهم في جميع الإتجاهات لا تنبئ بخير .. ولا تدل على وجود كائن حي أو أي حركة تبث الأمل في نفوسم بوجود حياة على هذه الأرض

التي توقفت فيها مركبتهم ..

قرروا المسير وبدأت الإقتراحات تتوالا من هنا .. لا .. من هناك .. بل نعود من حيث أتينا وسنجد أنتفسنا بعد ساعات في آخر منطقه كنا فيها .. وبين هذه وتلك إختلف الأصدقاء

حتى تحدث سلمان قائلاً .. المحطة القادمه تبقى عليها أقل من ساعه وفق معدل المسير بالمركبه .. أي أننا أقرب لها من أي مكان آخر .. لنتجه إليها ونترك إضاعة الوقت .. فقد فاتنا منه الشيء الكثير


ولم يتبقى على الغروب إلا ثلاث ساعات على الأكثر

تنبه الثلاثة الآخرين إلى حديث سلمان .. وكأنهم قد تفاجأوا بوجوده .. !!

لم يتحدث سلمان طوال الرحله البرية التي إقترحها فهد لتتبع الآبار القديمة التي حفرتها السيدة زييدة زوجة هارون الرشيد بعد أن من الله عليها بولدها الأمين

بعد سنين من إنتظار وريث الخلافة .. حمداً وشكراً لله


كان سلمان يرفض في داخله تلك الفكره من الأصل .. ولكنه لم يشأ معارضة أصدقاءه خصوصاً أنهم كانوا متحمسين لتلك الفكره بعد أن شرح لهم فهد طريقة حفر تلك الآبار

والأحداث التي مر بها من حفر تلك الآبار .. مع قليل من ( أسطرة الروايات ) كنوع من التشويق


وكمن كان يريد الخلاص من المأزق الذي هم فيه .. خصوصاً أن لسلمان بين أصحابه إحتراماً وتقديراً لا يحظى بها كثير من أصحابهم كذلك عرف عن سلمان حكمته وترويه عندما الملمات


لذلك كان التسليم بإقتراح سلمان هو سيد الموقف ..

وبعد مسير ساعة ونصف .. وبعد أن أخذ التعب من المسافرين الأربعه كل مأخذ .. رأى أحمد سوراً كبيراً .. في منتصفه باب كبير جداً ونبه أصحابه إلى ذلك السور .....

كان السور يملأ الأفق من بعيد .. لم يعتقدوه سوراً في البداية .. ولكن كانت معالمه تتضح رويداً رويداً حتى تبيت ملامح ذلك السور الذي يتوسطه باب كبير ..

إقترب الشباب الأربعة من السور واتجهوا إلى الباب الكبير .. ووجدو أنه في منتصف ذلك الباب .. بابآخر على الرغم من صغره نسبةً إلى الباب الكبير إلا أنه نسبة لأحجامهم كان كبيراً


حاولوا تحريكه ..

فجأه .. فتح الباب ... وعلى صوت صريره وهو يفتح كان أحمد أول من شاهد ما أذهله ..
 

Rashid

عضو فعال
كأني بإنسان يضرب موعدً مع القدر ..... سماؤك تمطر حروفً ..

بإنتظار أحمد ليذهلنا معه.....
 

إنسان

عضو فعال
كان صرير الباب الخشبي الكبير حاداً ومزعجاً .. تسمر أحمد وهو ينظر إلى الشيخ الجالس على زاوية من الحجر قرب الباب
كان مظهر الشيخ يثير الرعب بلحيته البيضاء الكثه وعصاته التي يتكئ عليها وثيابه التي تدل على أنه ليس من أهل هذا الزمن !!!
بعد أن فتح الباب بالكامل رأى الآخرين ما رآه أحمد وتسمروا جميعهم مثله .. للحظات لم يتحدث أحد فيهم .. بل ظل الجميع يحدق .. ويحدق فقط
حتى الشيخ الكبير كان يبادلهم التحديق .. وفجأه بدأ الشيخ يومئ برأسه يميناً ويساراً كمن يأسف على أمر .. أو جراء حزن ألم به

بدأ الشباب بالدخول من الباب واحداً تلوا الآخر .. وكلما إقترب أحد الشباب من الباب إزداد إيماء الشيخ وإضطربت حركة عصاه في يده .. لتزداد معها حيرة الشباب الأربعه ...!!!!


إكتمل دخول الشباب وأغلق الباب خلفهم فجأه ..

إلتفت الشباب جميعهم في وقت واحد ليروا من أقفل الباب .. لتزداد حيرتهم أكثر وأكثر ..


لم يكن ثمة أحد هناك .. وكأنما الباب قد أقفل من تلقاء نفسه

كان سلمان هذه المره من بادر بالسلام على الشيخ ..

السلام عليكم ....

بعد قليل من الصمت رد الشيخ .. بالسلام على الشباب

وأردف .. لماذا لم تتوقفوا حين رأيتموني أشير لكم بعصاي !!

كان كلام الشيخ .. فصيحاً كأنه من إحدى قبائل العرب قبل الف سنة أو يزيد

وبين خليط من الدهشة والخوف والإرتباك .. من مظهر الشيخ .. ولهجته الفصيحة ..

قال سلمان .. لم نعلم أنك كنت تقصد منعنا من الدخول ..

وأكمل .. ولو أذنت لي .. أين نحن الآن .. وما هي هذه المدينة .. وكمن يرى الأبواب الكثيره المحيطه بهم في كل مكان .. وما هذه الأبواب

.. وهل هناك أحد غيرنا هنا ..

سادت لحظات من الصمت بعد أسئلة سلمان .. زادت من قلق الشباب .. وحيرتهم ..

بعدها نطق الشيخ .. وكأنه صمت دهراً قبل ذلك

هذه مدائن الأبواب ..

وما مدائن الأبواب .. كان أحمد هذه المره من يسأل !!


قال الشيخ بحسرة .. هي مدائن .. الداخل فيها مفقود ... والخارج مولود ..


واستطرد بحزن .. ولم يخرج أحد منها .. منذ وقوفي على هذا الباب !!


ضحك خالد بشكل هستيري على جملة الشيخ الأخيره ..

يا شيخ .. أضحك الله سنك .. وكأننا في أحد الأفلام .. أو القصص الخيالية .. أي مدائن هذه وأي أبواب !!

كلماتك هذه أذهبت النعاس عني .. وقد كنت أغالبه

هنا انتبه الشباب لنظرات الشيخ التي تبدلت فجأه .. وهو يحدق بخالد .. ويحرك عصاه مرةً أخرى

إلتفت بعدها إلى سلمان وقال

عليكم بالدخول إلى أحد هذه الأبواب جميعاً .. والآن قبل أن تفقدوا بعضكم .. !!

رد سلمان بجديه أكثر من صاحبيه السابقين .. وكيف ذلك يا شيخ

رد الشيخ .. لا أستطيع أن أخبركم بأكثر من ذلك ..

إذن نعود من حيث أتينا ... قال أحمد


قال الشيخ .. ليس لكم ذلك .. فالباب الذي دخلتم منه أصبح ضمن أبواب هذه المدينة

إقترب سليمان من الشيخ وأمسك بعصاه وهو ينحني بجانيه كمن يريد أن يسر له بأمر .. وقال

كيف يصبح باب من أبواب المدينة .. وهو أصلاً منها ؟!!

وما هي أبواب المدينة ؟؟ وأين تقودنا ؟؟ وكيف نخرج منها ؟؟

لن تجد إجابة عندي حتى تجرب بنفسك ذلك .. وتفتح أحد الأبواب

إذن لن نفعل .. رد خالد من وراء سلمان


بل ستفعلون .. .. كان كلام الشيخ قاسياً هذه المره .. وخالطته صيغة أمر

أنا لا أستطيع إخباركم بشئ حتى يقع ..

لو كان لي ذك لحذرتكم من الدخول قبل أن تفعلوا ذلك ..

عليكم بالدخول في أحد الأبواب جميعاً قبل أن تتفرقوا بينها

كان خالد قد إستند على أحد الأبواب القريبة المحيطه بهم .. وقد غالبه النعاس .. بينما كان سليمان وأحمد يجادلون الشيخ

إقترب فهد من خالد .. وجلس بجانبه بصمت ونظر إلى سلمان وخالد متابعاً لما يجري


ربت أحمد على كتف سلمان كمن يريد أن يسر له بأمر .. تبعه سلمان بعد ذلك وتوقفا غير بعيدين من الشيخ وقال أحمد ..

ماذا تقول فيما نحن فيه الآن ؟؟!!

هز سليمان رأسه وهو يقول .. لا أعلم .. حديث الرجل يدل على جنون .. ولكن الرجل ليس كذلك
ألا تراه بكامل قواه العقليه ؟؟

بل هو الجنون بعينه .. هو مجنون يهذي ... لنخرج من حيث أتينا وينتهي الأمر .. قبل أن تغرب الشمس علينا في هذا المكان المجنون كصاحبه

فجأه تنبه أحمد وسلمان لصراخ فهد وهو يحاول إيقاظ خالد ..

إتجها ناحية فهد وخالد .. ولا زال فهد يحرك صاحبه .. وخالد يغط في نوم عميق


إقترب سليمان من خالد وأخذ يهزه من كتفه ويناديه .. وخالد لا يستجيب لمحاولات أصحابه

إلى أن نبه أحمد الجميع وهو يشير بيده .. ناحية الشيخ













كان الشيخ .. يهز رأسه كما فعل أول مره ويحرك عصاه .... !!! ؟؟؟


يتبع​
 

إنسان

عضو فعال
كانت كلمات الشيخ هذه المره أكثر حدةً .. وآمرة أكثر منها ناصحه ..
لقد دخل صاحبكم باب النوم .. وهو ليس من أبواب هذه المدينة .. إن أردتم أن تجتمعوا معه فعليكم بنقله إلى مدينة أخرى ولا تعارضوا هذه المره حتى لا تفقدوا أحداً غيره

أي مدينة وأي نوم .. أنت مجنون لا محالة .. ردد أحمد .. وبإشارة سريعة من سلمان سكت الجميع
إنحنى بعدها سلمان مرة أخرى على الشيخ وقال بلهجة فيها من التوسل الكثير
يا شيخ .. ما الذي وقعنا فيه .. وكيف نخرج من مدينة النحس هذه .. وكيف نوقظ صاحبنا

رفع الشيخ رأسه ووجه كلامه إلى سلمان .. قائلاً

لن أستطيع إخباركم عما بعد هذه الأبواب .. ولكني أرشدكم للخروج من هذه المدينة .. والوصول إلى مدينة النوم .. والتي يجب أن تصلوها قبل الفجر وفيها ستجدون من يرشدكم أي الأبواب ستدخلون لتكونوا سوياً مع صاحبكم الذي نام قبل قليل ..

نفعل يا شيخ بإذن الله فقط أخبرنا كيف نخرج من هنا قال سلمان على عجل ..

قال الشيخ .. سيروا على هذا الطريق الذي يقسم المدينة إلى قسمين ستجدون من يناديكم خلف الأبواب للدخول فيها .. لا تلتفتوا لتلك النداءات .. سيخيل لكم أنكم تعرفونها .. وستنادي بعضكم بإسمه .. من يتبعها لن تجتمعوا معه أبداً فالحذر الحذر من الإستجابة لها .. أكملوا مسيركم حتى تصلوا قنطرة تعبر بكم إلى الجهة الأخرى من المدينة .. بعد القنطرة ستختفي تلك الأصوات وستكونون عندها في الجزء الآخر من المدينة .. وهنا ستواجهون معضلة الظلام ..

ولكن الظلام هنا يا شيخ بدأ .. فكيف سيكون مشكلة هناك بالتحديد وما هي مشكلته ؟؟ كان فهد هذه المره من قاطع الشيخ

قال الشيخ بعصبيةٍ واضحة لا تقاطعوني فليس لديكم من الوقت الكثير ..

الليل ستكون مشكلته مع الأبواب المستترة

قال سلمان .. وكيف ذلك يا شيخ

نظر الشيخ لسلمان وقال .. هناك علامات ترشدكم للطريق لو أتيتموه نهاراً .. أما وقد فرض عليكم المسير ليلاً فقد أضاف ذلك ما أنتم فيه صعوبةً على صعوبة

ولكن من بعد القنطرة يجب عليكم جميعاً أن تعدوا خطواتكم .. حتى الخمسين ..

خمسون خطوة فقط لا تزيد ولا تنقص .. وتكون وفق حركة متساوية ودقيقة .. لن تدركوها جميعكم .. سيكون أحدكم هو الأقرب .. وستختلفون من يكون هو .. وأي خطأ في التقدير سيدخلكم إلى مدينة أخرى

عليكم بحسم أمركم بسرعة قبل أن يباغتكم الفجر عندها لن تلتقوا بصاحبكم النائم وستفقدونه إلى الأبد .. تدخلون بعدها مدينةً أخرى يكون موقفكم فيها أكثر صعوبة ومشقة

وكيف نعلم أننا وصلنا إلى باب مدينة النوم .. بل كيف نميز من يقف على أعتاب الباب ممن يكون بعيداً عنه

قال الشيخ مختتماً كلامه .. ستعلمون عندها من يقف على أعتاب ذلك الباب .. وعليكم التصرف بسرعه .. وكأن الشيخ يتوسم في سلمان فطنة ليست عند غيره من أصحابه بعد أن التفت إليه مباشرةً

يجب عليك التصرف بسرعه وإتخاذ القرار المناسب .. إن علمت مكان الباب .. ولا تتأخر

إحسم أمرك .. فسيتبعك الباقون .. ولن يكون هناك وقت كثير .. فوقت الدخول سيكون نفس الوقت الذي قطعه الذي يقف أما الباب الصحيح .. من القنطرة إلى أعتاب الباب .. فإن تأخرتم عن ذلك فلن يكون هناك باب لمدينة النوم .. وستفقدون صاحبكم .. فإن حدث ذلك فعودوا على الفور هنا .. فلا فائدة من الوقوف هناك .. !!

بقي أمر مهم .. وهو كيفية دخولكم إلى الباب ..

الباب سيكون مواجهاً للإنسان الذي يقف أمامه أياً كانت جهته .. فإذا علمتم مكانه فألقوا صاحبكم جهته .. وإن لم تروه .. ستعتقدون أنكم تلقون صاحبكم إلى الأرض .. وسيزول هذا الإعتقاد سريعاً بمجرد إختفاء صاحبكم .. عندها عليكم بالمضي سريعاً خلفه ..


وبعد ؟؟ قال أحمد بذهول



صمت الشيخ كان المخيم على الموقف بعد ذلك وأطرق رأسه وأخذ يحرك عصاه يمنةً ويسره كما فعل في المرات السابقه
 
أعلى