تاريخ متلاطم و متضارب, و لا نعلم بحقيقة الأحداث في امة لم تعتاد التدوين ولا الكتابةولا التسجيل ولا التصوير رغم وجود الأخيرة من1 فجر التاريخ. الفقرة المرفقة طبعا ليست من تأليفي و لا من احد المواقع, كأنني أرى فلما من التآمر والخداع من أجل المال. أتمنى من يفند هذه الروايات
----------------------------
خلافة عثمان
كان عثمان بن عفان رجلاً نزيهاً في نفسه لكنه كان ضعيفاً تجاه أقاربه، لا يرد لهم طلباً. وبمجرد أن اعتلى منصة الخلافة عيّن أقاربه ولاةً على الأمصار وترك لهم الحبل على الغارب، يفعلون ما يشاءون برعاياهم دون خوفٍ من حساب أمير المؤمنين.
فقد عيّن عثمان على الكوفة أخاه من أمه، الوليد بن عقبة. وكان الوليد هذا معروفاً بالفسق وشرب الخمر. يقال أنه صلى بالناس في مسجد الكوفة ذات يوم وهو سكران، فلما انتهى من صلاته قال للناس "أتريدون أن أزيدكم؟" فغضب الناس وهجموا عليه فانتزعوا خاتمه من يده وهو لا يشعر، فجاءوا به إلى عثمان. وهنا بدأت قصة ذات شأن. حيث قال عثمان للرجل الذي أتى بالخاتم "أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟" فأجاب الرجل "معاذ الله، ولكني أشهد أني رأيته يغسلها من جوفه، وأني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل". وكان عثمان يحاول إيجاد العذر لأخيه. فتدخل علي بن أبي طالب وطلب من عثمان أن يعزل الوليد ويحده. واضطر عثمان أن يحضر الوليد إلى المدينة، ورمى بالسوط إلى عليّ ليجلده. فلما أقبل عليّ على الوليد، أخذ الوليد يسبه ويقول له "يا صاحب مكس" فغضب عقيل (أخو عليّ) من هذه التسمية فأخذ يسب الوليد بدوره، وصار الوليد يزوغ من يد علي فأمسك به علي وضرب به الأرض وعلاه بالسوط. فقال عثمان "ليس لك أن تفعل به هذا" فقال علي "بلى. وشر من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يؤخذ منه"14.
وكان عثمان يمنح أقاربه من بيت مال المسلمين دون وجه حق، فقد ذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أم بكر بنت المسوّر عن أبيها أنه قال : قدمت أبل من أبل الصدقة إلى عثمان فوهبها لبعض بني الحكم (من بني أمية) من أقاربه.15
ولما أحتج الناس على ذلك قال لهم عثمان : "لنأخذّن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام". فاعترض عليه عمار بن ياسر قائلاً "أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك". واعترض عليه علي بن أبي طالب أيضاً فقال : "إذن تُمنع ويُحال بينك وبينه"16.
ولأن عثمان كان من أثرياء قريش، حاول حماية الأغنياء الذين طالبهم أناس من أمثال أبي ذر الغفاري بتوزيع أموالهم على الفقراء، وكان أبو ذر يجوب الشوارع صائحاً بالأغنياء أن يوزعوا أموالهم كلها على الفقراء وكان يردد من القرآن : "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم". فنهاه عثمان عن ذلك، لأنه كان يكنز الذهب، كما سنرى لاحقاً، فقال أبو ذر : "أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله"17 وغضب عثمان غضباً شديداً على أبي ذر وقال لمن حوله : "أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذاب، إما أن أضربه أو أقتله، فإنه فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام". فقال علي بن أبي طالب، وكان حاضرا ً: "أشير عليك بما قاله مؤمن آل فرعون : فإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقاً يصيبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب". وقد غضب عثمان من عليّ لجوابه هذا، واتهمه بأنه هو الذي حرّض أبا ذر عليه في سبيل أغراضه الخاصة18. ولما اشتد النزاع بين عثمان وأبي ذر حول كنز الأموال كان كعب الأحبار بجانب عثمان يؤيده و يأتي له بما يدعم رأيه ضد أبي ذر، مما أضطر أبا ذر إلى الهجوم عليه حيث ضربه على رأسه وشجه. فغضب عثمان لذلك غضباً شديداً. كان كعب الأحبار يرى أن الأغنياء عليهم فقط دفع الزكاة19 . وقال عثمان يوماً بحضور أبي ذر وكعب الأحبار : أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار "لا بأس" فقام إليه أبو ذر يقول "يا أبن اليهودي أتعلمنا ديننا".20 نفذ صبر عثمان أخيراً فأمر بنفي أبي ذر إلى الربذة، وأمر بأن لا يشيّعه أحد. والظاهر أن عليّ لم يسمع بهذا المنع، أو لعله سمع به وتغافل عنه، فخرج لتوديع أبي ذر يصحبه ولديه الحسن والحسين وأخوه عقيل وابن أخيه عبد الله بن جعفر، وكان معهم عمار بن ياسر21.
يقال أن عثمان غضب على عمار بن ياسر لتوديعه أبا ذر فأمر بنفيه أيضاً. فجاء علي بن أبي طالب إلى عثمان يلومه في ذلك، فهدده عثمان بنفيه إياه كذلك، عند ذلك جاء نفر من كبار الصحابة فلاموا عثمان وقالوا له : "كلما غضبت على رجل نفيته، فإن هذا أمر لا يسوغ"، فكف عثمان عن عليّ وعن عمار22
وكان لمروان بن الحكم دورٌ كبير في إفساد خلافة عثمان إذ كان مستشاره المقرب وكان يشير عليه بما يفيد بني أمية دون غيرهم. وكان مروان يعتبر أن الحكم أصبح ملكاً لبني أمية لأنهم كانوا أهل عزٍ وسلطان قبل مجئ الإسلام. فغضب المسلمون غير بني أمية على عثمان، وقلّ احترامهم له، وابتدأ بعضهم يهينه علانية. قال محمد بن عمر : وحدثني محمد بن صالح عن عبد الله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الشريد قال : مر عثمان بن عفان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره فقال جبلة لعثمان : "يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك الي حرة النار". ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فانزله عنه23
ويقول أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد قال : كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندى قومه وفي يد جبلة جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم، فقال جبلة : "لمَ تردون على رجل فعل كذا وكذا!!" قال : ثم أقبل على عثمان فقال : "والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه". قال عثمان : "أي بطانة! فوالله اني لأتخير الناس"، فقال : "مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر بن كُريز تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته! منهم من نزل القرآن بدمه، واباح رسول الله دمه"
قال محمد بن عمر : وحدثني ابن أبي الزناد عن موسى بن عُقبة عن أبي حبيبة قال : خطب عثمان الناس في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين، إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتب نتب. فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه - قال ابو حبيبة : فلم أر يوماً أكثر باكيا ولا باكية من يومئذ ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام اليه جهجاه الغفاري فصاح : يا عثمان، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف، ثم نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان : قبحك الله وقبح ما جئت به! قال ابو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإ من الناس، وقام إلي عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار24
وغضب أهل مصر غضباً شديداً على عثمان وعلى واليه بمصر، عمرو بن العاص، فقرر عثمان عزل ابن العاص، واستعمل عبد الله بن أبي سرح، فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه عثمان فقال : "يابن النابغة، ما اسرع ما قمل جُربان جُبتك! إنما عهدك بالعمل عاماً أو أقل. أتطعن عليّ وتأتيني بوجه وتذهب عني باخر! والله لولا أُكلة ما فعلت ذلك". قال : فقال عمرو : "إن كثيراَ مما يقول الناس وينقلون إلي ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك!" فقال عثمان : "والله لقد استعملتك على ظلعك، وكثرة القالة فيك". فقال عمرو : "قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راضى". فقال عثمان : "وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت عليك فأجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفراً في الجاهلية". فقال عمرو : "دع عنك هذا، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وهدانا به، قد رأيت العاص بن وائل ورايت أباك عفان، فوالله للعاص كان أشرف من أبيك". قال : فانكسر عثمان وقال : "ما لنا ولذكر الجاهلية"25
فالخليفة عثمان كان يعلم بما يقول الناس عن عمرو بن العاص وكان يعلم بنواقصه ولكنه رغم ذلك ولاه على مصر ولم يحاول أن يدقق في سلوكه في مصر. كان يكفي أنه عمرو بن العاص وأنه من أشراف بني أمية.
وخرج عمرو بن العاص من عند عثمان وهو محتقد عليه، يأتي علياً مرة فيؤلبه على عثمان ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة فيؤلبه على عثمان، فلما كان حصر عثمان الأول، خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر له يقال له العجلان وهو يقول : العجب ما ينتابنا من ابن عفان.
واستمر غضب الرعية في مصرعلى عثمان، وكان بها محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حُذيفة يحرضان المصريين على الخروج على عثمان. وخرج المصريون في خمسمائة رجل وأظهروا أنهم يريدون العمرة، وسار القوم حتى نزلوا ذا خُشب وجاء الخبر أن القوم يريدون قتل عثمان إن لم ينزع. أتى رسولهم إلي علي ليلاً وإلى طلحة وإلى عمار بن ياسر، فلما رأى عثمان ما رأى، جاء علياً فدخل عليه بيته فقال : يابن عم! إنه ليس لي مترك ولي حق عظيم عليك، وقد جاء ما ترى من هولاء القوم، وإناأاعلم أن لك عند الناس قدراً، وأنهم يسمعون منك، فأنا أحب أن تركب إليهم فتردهم عني، فإني لا أحب أن يدخلوا علي، فان ذلك جرأة منهم علي، وليسمع بذلك غيرهم. فقال علي : علام أردهم؟ قال : على أن أصير إلى ما أشرت به علي ورأيته لي، ولست أخرج من يديك. فقال علي : ذلك كله فعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية، أطعتهم وعصيتني. فقال عثمان : إني أعصيهم وأطيعك. فركب علي إلى أهل مصر فردهم عنه، فانصرفوا راجعين.
وقبل أن يصلوا إلى مصر عثروا على رجلٍ يحمل رسالة من عثمان إلى واليه في مصر يطلب منه قتلهم، فرجعوا وحاصروا منزل عثمان. فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة، فقال : أما بعد أيها الناس، فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي، وسمعت رسول الله يقول : من زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب. فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم. فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان بن الحكم وسعيد بن العاص ونفرا من بني أمية. فقال مروان : والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تُخّوف عليها. وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان : فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحي أن أكلمهم. قال فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال : ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب! شاهت الوجوه! جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم، أرجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا.
فالخلافة وأمارة المؤمنين لم تكن بالنسبة لمروان بن الحكم شورى بين المسلمين، وإنما كانت حقاً لبني أمية وأصبحت مُلكاً في أيديهم، ولذلك قال للمصريين "أجئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!"
وأخيراً، بعد حصار دام فترةً ليست بالقصيرة، دخلوا على عثمان فقتلوه وشغر منصب الخلافة مرة أخرى. ويعتقد بعض المؤرخين أن لبني أمية يداً في مقتل عثمان إذ كان معاوية يعلم أن عثمان كان رجلاً مسناً وأنه لو مات موتاً طبيعياً سوف تتحول الخلافة إلى عليّ بن أبي طالب ويفقد الأمويون حقهم في الخلافة إلى الأبد. فزار معاوية عثمان إبان اشتداد الثورة عليه، ويقال إنه نصح عثمان بأن يقتل علياً وطلحة والزبير زاعماً أنهم سيقتلونه إذا لم يقتلهم. فرفض عثمان هذه النصيحة، عند ذلك قال له معاوية : "أجعل لي الطلب بدمك إن قُتلت". فأجابه عثمان على ذلك26
فعثمان كان ثالث خليفة للمسلمين، وتولى الخلافة بعد موت الرسول بحوالي اثنتي عشر عاماً فقط، ورغم حداثة الإسلام وكثرة الصحابة الذين عاصروا النبي وحفظوا عنه تعاليمه، تآمر عمرو بن العاص مع غيره على عليّ بن أبي طالب ومنحوا الخلافة لعثمان وبني أمية. ولم يحافظ عثمان على أموال المسلمين وحابى أقاربه على حساب الآخرين حتى قال عنه عمار بن ياسر : "لقد كفر عثمان كفرة صلعاء"27.
وقد عاب الناس على عثمان عدة أفعال منها :
1- ضربه لعمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه، لما كان بينه وبين عباس بن عتبة من خلاف2- وضربه لابن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه، لما احتج أبن مسعود على حرق المصاحف
3- وابتدع في جمع القرآن وحرق المصاحف
4- وأجلى أبا ذر إلى الربذة
5- وأخرج أبا الدرداء من الشام
6- رد الحكم بن مروان بعد أن نفاه الرسول إلى الطائف
7- أبطل سنة القصر في الصلاة في السفر
8- ولى أبناء أعمامه وأبناء أخواله على المسلمين، (وأجزل لهم العطاء من بيت المال)
9- أعطى مروان خُمس أفريقية
10- وعلا على درجة رسول الله وقد انحط عنها أبو بكر وعمر
11- لم يحضر بدراً، وانهزم يوم أحد، وغاب عن بيعة الرضوان
12- لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان الذي أعطى السكين لأبي لؤلؤة وحرضه على قتل عمر
13- وكتب كتاباً إلى عامله في مصر ليقتل المصريين بعد أن أتفق معهم على عدة أمور وقت حصاره28
وإذا أخذنا هذه الاتهامات الخطيرة ضد عثمان، نجد المدافعين عنه يأتون بحجج لا تُقنع أحداً، فمثلاً يقول محب الدين الخطيب، محقق كتاب أبن العربي : العواصم من القواصم، في ضرب عمار بن ياسر : "كان بين عمار وعباس بن عُتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب. قلت وهذا ما يفعله ولي الأمر في مثل هذه الأحوال"29.
فأي منطق إسلامي هذا؟ رجلان بالغان عاقلان، اختلفا، فأدبهما خليفة المسلمين بالضرب مثلهم مثل أطفال المدارس.
وعندما احتج بعض الناس على الطريقة التي جمع بها عثمان القرآن، وحرقه للمصاحف الأخرى، قال الإمام أحمد بن حزم : "إن هؤلاء روافض، والروافض ليسوا من المسلمين"30.
ولما فتح عبد الله بن أبي سرح شمال أفريقية، أعطاه الخليفة عثمان خمس الفئ، والقرآن يقول : "واعلموا إنما غنمتم شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"31. وعبد الله بن أبي سرح أخو عثمان في الرضاعة، فهو إذاّ من ذوي القربي، ولكن هذا الخمس من الغنيمة مفروض أن يكون لله وللرسول والمساكين وابن السبيل وذوي القربى. ولكن عثمان أعطاه فقط لذوي القربى. ويقول محب الدين الخطيب : "أما ما زعم الزاعمون من أن عثمان كان يود ذوي قرابته ويعطيهم، فمودته ذوي قرابته من فضائله"32. وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن نصيب "ذوي القربى" لقرابة الإمام، كما ذهب الحسن وأبو ثور، وأن النبي كان يعطي أقاربه بحكم الولاية. فمنذ بداية الدول الإسلامية، استولى الحاكم وأقرباؤه على نصيب الله في الفئ الذي كان من المفروض فيه أن يذهب إلى الفقراء والمساكين.
وأخطر من هذا أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قتل الهرمزان لأنه سمع أن الهرمزان هو الذي أعطى أبا لؤلؤة السكين التي طعن بها عمر بن الخطاب. ورفض عثمان، رغم إصرار عليّ بن أبي طالب، أن يقتص من ابن عمر، لكونه ابن عمر بن الخطاب. فماذا حدث لـ "ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب"33 ؟
----------------------------
خلافة عثمان
كان عثمان بن عفان رجلاً نزيهاً في نفسه لكنه كان ضعيفاً تجاه أقاربه، لا يرد لهم طلباً. وبمجرد أن اعتلى منصة الخلافة عيّن أقاربه ولاةً على الأمصار وترك لهم الحبل على الغارب، يفعلون ما يشاءون برعاياهم دون خوفٍ من حساب أمير المؤمنين.
فقد عيّن عثمان على الكوفة أخاه من أمه، الوليد بن عقبة. وكان الوليد هذا معروفاً بالفسق وشرب الخمر. يقال أنه صلى بالناس في مسجد الكوفة ذات يوم وهو سكران، فلما انتهى من صلاته قال للناس "أتريدون أن أزيدكم؟" فغضب الناس وهجموا عليه فانتزعوا خاتمه من يده وهو لا يشعر، فجاءوا به إلى عثمان. وهنا بدأت قصة ذات شأن. حيث قال عثمان للرجل الذي أتى بالخاتم "أنت رأيت أخي يشرب الخمر؟" فأجاب الرجل "معاذ الله، ولكني أشهد أني رأيته يغسلها من جوفه، وأني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل". وكان عثمان يحاول إيجاد العذر لأخيه. فتدخل علي بن أبي طالب وطلب من عثمان أن يعزل الوليد ويحده. واضطر عثمان أن يحضر الوليد إلى المدينة، ورمى بالسوط إلى عليّ ليجلده. فلما أقبل عليّ على الوليد، أخذ الوليد يسبه ويقول له "يا صاحب مكس" فغضب عقيل (أخو عليّ) من هذه التسمية فأخذ يسب الوليد بدوره، وصار الوليد يزوغ من يد علي فأمسك به علي وضرب به الأرض وعلاه بالسوط. فقال عثمان "ليس لك أن تفعل به هذا" فقال علي "بلى. وشر من هذا إذا فسق ومنع حق الله تعالى أن يؤخذ منه"14.
وكان عثمان يمنح أقاربه من بيت مال المسلمين دون وجه حق، فقد ذكر محمد بن عمر أن عبد الله بن جعفر حدثه عن أم بكر بنت المسوّر عن أبيها أنه قال : قدمت أبل من أبل الصدقة إلى عثمان فوهبها لبعض بني الحكم (من بني أمية) من أقاربه.15
ولما أحتج الناس على ذلك قال لهم عثمان : "لنأخذّن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام". فاعترض عليه عمار بن ياسر قائلاً "أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك". واعترض عليه علي بن أبي طالب أيضاً فقال : "إذن تُمنع ويُحال بينك وبينه"16.
ولأن عثمان كان من أثرياء قريش، حاول حماية الأغنياء الذين طالبهم أناس من أمثال أبي ذر الغفاري بتوزيع أموالهم على الفقراء، وكان أبو ذر يجوب الشوارع صائحاً بالأغنياء أن يوزعوا أموالهم كلها على الفقراء وكان يردد من القرآن : "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم". فنهاه عثمان عن ذلك، لأنه كان يكنز الذهب، كما سنرى لاحقاً، فقال أبو ذر : "أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله"17 وغضب عثمان غضباً شديداً على أبي ذر وقال لمن حوله : "أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذاب، إما أن أضربه أو أقتله، فإنه فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام". فقال علي بن أبي طالب، وكان حاضرا ً: "أشير عليك بما قاله مؤمن آل فرعون : فإن يكن كاذباً فعليه كذبه وإن يكن صادقاً يصيبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب". وقد غضب عثمان من عليّ لجوابه هذا، واتهمه بأنه هو الذي حرّض أبا ذر عليه في سبيل أغراضه الخاصة18. ولما اشتد النزاع بين عثمان وأبي ذر حول كنز الأموال كان كعب الأحبار بجانب عثمان يؤيده و يأتي له بما يدعم رأيه ضد أبي ذر، مما أضطر أبا ذر إلى الهجوم عليه حيث ضربه على رأسه وشجه. فغضب عثمان لذلك غضباً شديداً. كان كعب الأحبار يرى أن الأغنياء عليهم فقط دفع الزكاة19 . وقال عثمان يوماً بحضور أبي ذر وكعب الأحبار : أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار "لا بأس" فقام إليه أبو ذر يقول "يا أبن اليهودي أتعلمنا ديننا".20 نفذ صبر عثمان أخيراً فأمر بنفي أبي ذر إلى الربذة، وأمر بأن لا يشيّعه أحد. والظاهر أن عليّ لم يسمع بهذا المنع، أو لعله سمع به وتغافل عنه، فخرج لتوديع أبي ذر يصحبه ولديه الحسن والحسين وأخوه عقيل وابن أخيه عبد الله بن جعفر، وكان معهم عمار بن ياسر21.
يقال أن عثمان غضب على عمار بن ياسر لتوديعه أبا ذر فأمر بنفيه أيضاً. فجاء علي بن أبي طالب إلى عثمان يلومه في ذلك، فهدده عثمان بنفيه إياه كذلك، عند ذلك جاء نفر من كبار الصحابة فلاموا عثمان وقالوا له : "كلما غضبت على رجل نفيته، فإن هذا أمر لا يسوغ"، فكف عثمان عن عليّ وعن عمار22
وكان لمروان بن الحكم دورٌ كبير في إفساد خلافة عثمان إذ كان مستشاره المقرب وكان يشير عليه بما يفيد بني أمية دون غيرهم. وكان مروان يعتبر أن الحكم أصبح ملكاً لبني أمية لأنهم كانوا أهل عزٍ وسلطان قبل مجئ الإسلام. فغضب المسلمون غير بني أمية على عثمان، وقلّ احترامهم له، وابتدأ بعضهم يهينه علانية. قال محمد بن عمر : وحدثني محمد بن صالح عن عبد الله بن رافع بن نقاخة عن عثمان بن الشريد قال : مر عثمان بن عفان على جبلة بن عمرو الساعدي وهو بفناء داره فقال جبلة لعثمان : "يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك الي حرة النار". ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فانزله عنه23
ويقول أبو بكر بن اسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد قال : كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيئ جبلة بن عمرو الساعدي، مر به عثمان وهو جالس في ندى قومه وفي يد جبلة جامعة، فلما مر عثمان سلم فرد القوم، فقال جبلة : "لمَ تردون على رجل فعل كذا وكذا!!" قال : ثم أقبل على عثمان فقال : "والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه". قال عثمان : "أي بطانة! فوالله اني لأتخير الناس"، فقال : "مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر بن كُريز تخيرته! وعبد الله بن سعد تخيرته! منهم من نزل القرآن بدمه، واباح رسول الله دمه"
قال محمد بن عمر : وحدثني ابن أبي الزناد عن موسى بن عُقبة عن أبي حبيبة قال : خطب عثمان الناس في بعض أيامه فقال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين، إنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتب نتب. فاستقبل عثمان القبلة وشهر يديه - قال ابو حبيبة : فلم أر يوماً أكثر باكيا ولا باكية من يومئذ ثم لما كان بعد ذلك خطب الناس فقام اليه جهجاه الغفاري فصاح : يا عثمان، ألا إن هذه شارف قد جئنا بها، عليها عباءة وجامعة، فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف، ثم نطرحك في جبل الدخان، فقال عثمان : قبحك الله وقبح ما جئت به! قال ابو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلا عن ملإ من الناس، وقام إلي عثمان خيرته وشيعته من بني أمية فحملوه فأدخلوه الدار24
وغضب أهل مصر غضباً شديداً على عثمان وعلى واليه بمصر، عمرو بن العاص، فقرر عثمان عزل ابن العاص، واستعمل عبد الله بن أبي سرح، فلما قدم عمرو بن العاص المدينة جعل يطعن على عثمان، فأرسل إليه عثمان فقال : "يابن النابغة، ما اسرع ما قمل جُربان جُبتك! إنما عهدك بالعمل عاماً أو أقل. أتطعن عليّ وتأتيني بوجه وتذهب عني باخر! والله لولا أُكلة ما فعلت ذلك". قال : فقال عمرو : "إن كثيراَ مما يقول الناس وينقلون إلي ولاتهم باطل، فاتق الله يا أمير المؤمنين في رعيتك!" فقال عثمان : "والله لقد استعملتك على ظلعك، وكثرة القالة فيك". فقال عمرو : "قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راضى". فقال عثمان : "وأنا والله لو آخذتك بما آخذك به عمر لاستقمت، ولكني لنت عليك فأجترأت علي، أما والله لأنا أعز منك نفراً في الجاهلية". فقال عمرو : "دع عنك هذا، فالحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وهدانا به، قد رأيت العاص بن وائل ورايت أباك عفان، فوالله للعاص كان أشرف من أبيك". قال : فانكسر عثمان وقال : "ما لنا ولذكر الجاهلية"25
فالخليفة عثمان كان يعلم بما يقول الناس عن عمرو بن العاص وكان يعلم بنواقصه ولكنه رغم ذلك ولاه على مصر ولم يحاول أن يدقق في سلوكه في مصر. كان يكفي أنه عمرو بن العاص وأنه من أشراف بني أمية.
وخرج عمرو بن العاص من عند عثمان وهو محتقد عليه، يأتي علياً مرة فيؤلبه على عثمان ويأتي الزبير مرة فيؤلبه على عثمان، ويأتي طلحة فيؤلبه على عثمان، فلما كان حصر عثمان الأول، خرج من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها السبع، فنزل في قصر له يقال له العجلان وهو يقول : العجب ما ينتابنا من ابن عفان.
واستمر غضب الرعية في مصرعلى عثمان، وكان بها محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حُذيفة يحرضان المصريين على الخروج على عثمان. وخرج المصريون في خمسمائة رجل وأظهروا أنهم يريدون العمرة، وسار القوم حتى نزلوا ذا خُشب وجاء الخبر أن القوم يريدون قتل عثمان إن لم ينزع. أتى رسولهم إلي علي ليلاً وإلى طلحة وإلى عمار بن ياسر، فلما رأى عثمان ما رأى، جاء علياً فدخل عليه بيته فقال : يابن عم! إنه ليس لي مترك ولي حق عظيم عليك، وقد جاء ما ترى من هولاء القوم، وإناأاعلم أن لك عند الناس قدراً، وأنهم يسمعون منك، فأنا أحب أن تركب إليهم فتردهم عني، فإني لا أحب أن يدخلوا علي، فان ذلك جرأة منهم علي، وليسمع بذلك غيرهم. فقال علي : علام أردهم؟ قال : على أن أصير إلى ما أشرت به علي ورأيته لي، ولست أخرج من يديك. فقال علي : ذلك كله فعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية، أطعتهم وعصيتني. فقال عثمان : إني أعصيهم وأطيعك. فركب علي إلى أهل مصر فردهم عنه، فانصرفوا راجعين.
وقبل أن يصلوا إلى مصر عثروا على رجلٍ يحمل رسالة من عثمان إلى واليه في مصر يطلب منه قتلهم، فرجعوا وحاصروا منزل عثمان. فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة، فقال : أما بعد أيها الناس، فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني وضل عني رشدي، وسمعت رسول الله يقول : من زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه، فمثلي نزع وتاب. فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم. فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان بن الحكم وسعيد بن العاص ونفرا من بني أمية. فقال مروان : والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تُخّوف عليها. وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس. فقال عثمان : فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحي أن أكلمهم. قال فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال : ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب! شاهت الوجوه! جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا! أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم، أرجعوا إلى منازلكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا.
فالخلافة وأمارة المؤمنين لم تكن بالنسبة لمروان بن الحكم شورى بين المسلمين، وإنما كانت حقاً لبني أمية وأصبحت مُلكاً في أيديهم، ولذلك قال للمصريين "أجئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا!"
وأخيراً، بعد حصار دام فترةً ليست بالقصيرة، دخلوا على عثمان فقتلوه وشغر منصب الخلافة مرة أخرى. ويعتقد بعض المؤرخين أن لبني أمية يداً في مقتل عثمان إذ كان معاوية يعلم أن عثمان كان رجلاً مسناً وأنه لو مات موتاً طبيعياً سوف تتحول الخلافة إلى عليّ بن أبي طالب ويفقد الأمويون حقهم في الخلافة إلى الأبد. فزار معاوية عثمان إبان اشتداد الثورة عليه، ويقال إنه نصح عثمان بأن يقتل علياً وطلحة والزبير زاعماً أنهم سيقتلونه إذا لم يقتلهم. فرفض عثمان هذه النصيحة، عند ذلك قال له معاوية : "أجعل لي الطلب بدمك إن قُتلت". فأجابه عثمان على ذلك26
فعثمان كان ثالث خليفة للمسلمين، وتولى الخلافة بعد موت الرسول بحوالي اثنتي عشر عاماً فقط، ورغم حداثة الإسلام وكثرة الصحابة الذين عاصروا النبي وحفظوا عنه تعاليمه، تآمر عمرو بن العاص مع غيره على عليّ بن أبي طالب ومنحوا الخلافة لعثمان وبني أمية. ولم يحافظ عثمان على أموال المسلمين وحابى أقاربه على حساب الآخرين حتى قال عنه عمار بن ياسر : "لقد كفر عثمان كفرة صلعاء"27.
وقد عاب الناس على عثمان عدة أفعال منها :
1- ضربه لعمار بن ياسر حتى فتق أمعاءه، لما كان بينه وبين عباس بن عتبة من خلاف2- وضربه لابن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه، لما احتج أبن مسعود على حرق المصاحف
3- وابتدع في جمع القرآن وحرق المصاحف
4- وأجلى أبا ذر إلى الربذة
5- وأخرج أبا الدرداء من الشام
6- رد الحكم بن مروان بعد أن نفاه الرسول إلى الطائف
7- أبطل سنة القصر في الصلاة في السفر
8- ولى أبناء أعمامه وأبناء أخواله على المسلمين، (وأجزل لهم العطاء من بيت المال)
9- أعطى مروان خُمس أفريقية
10- وعلا على درجة رسول الله وقد انحط عنها أبو بكر وعمر
11- لم يحضر بدراً، وانهزم يوم أحد، وغاب عن بيعة الرضوان
12- لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان الذي أعطى السكين لأبي لؤلؤة وحرضه على قتل عمر
13- وكتب كتاباً إلى عامله في مصر ليقتل المصريين بعد أن أتفق معهم على عدة أمور وقت حصاره28
وإذا أخذنا هذه الاتهامات الخطيرة ضد عثمان، نجد المدافعين عنه يأتون بحجج لا تُقنع أحداً، فمثلاً يقول محب الدين الخطيب، محقق كتاب أبن العربي : العواصم من القواصم، في ضرب عمار بن ياسر : "كان بين عمار وعباس بن عُتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب. قلت وهذا ما يفعله ولي الأمر في مثل هذه الأحوال"29.
فأي منطق إسلامي هذا؟ رجلان بالغان عاقلان، اختلفا، فأدبهما خليفة المسلمين بالضرب مثلهم مثل أطفال المدارس.
وعندما احتج بعض الناس على الطريقة التي جمع بها عثمان القرآن، وحرقه للمصاحف الأخرى، قال الإمام أحمد بن حزم : "إن هؤلاء روافض، والروافض ليسوا من المسلمين"30.
ولما فتح عبد الله بن أبي سرح شمال أفريقية، أعطاه الخليفة عثمان خمس الفئ، والقرآن يقول : "واعلموا إنما غنمتم شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"31. وعبد الله بن أبي سرح أخو عثمان في الرضاعة، فهو إذاّ من ذوي القربي، ولكن هذا الخمس من الغنيمة مفروض أن يكون لله وللرسول والمساكين وابن السبيل وذوي القربى. ولكن عثمان أعطاه فقط لذوي القربى. ويقول محب الدين الخطيب : "أما ما زعم الزاعمون من أن عثمان كان يود ذوي قرابته ويعطيهم، فمودته ذوي قرابته من فضائله"32. وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن نصيب "ذوي القربى" لقرابة الإمام، كما ذهب الحسن وأبو ثور، وأن النبي كان يعطي أقاربه بحكم الولاية. فمنذ بداية الدول الإسلامية، استولى الحاكم وأقرباؤه على نصيب الله في الفئ الذي كان من المفروض فيه أن يذهب إلى الفقراء والمساكين.
وأخطر من هذا أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب قتل الهرمزان لأنه سمع أن الهرمزان هو الذي أعطى أبا لؤلؤة السكين التي طعن بها عمر بن الخطاب. ورفض عثمان، رغم إصرار عليّ بن أبي طالب، أن يقتص من ابن عمر، لكونه ابن عمر بن الخطاب. فماذا حدث لـ "ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب"33 ؟