الآية الثانية هي قوله تعالى (( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) [البقرة/124]
يحاول الموسوي من خلال هذه الآية أن يثبت أن هناك عهد وميثاق خاص لبعض الناس دون سائر البشر - يقصد الأئمة المعصومة عند الشيعة - وأن هذا الميثاق لابد فيه من عصمة لأن الآية أخرجت الظالمين من بين هؤلاء ...
والآية الكريمة كما هو واضح تخاطب إبراهيم عليه السلام وذريته الذي لم ينقطع فيهم وحي السماء بعد ,فالأنبياء كانوا من ذرية إبراهيم عليه السلام وهذا يكفي في جعلها خارج كلامنا لأننا متفقين على أن الوحي بالنبوة قد انقطع من السماء ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم , فلماذا يحاول أن يحتج بها الشيعة ؟!
لو كانت الإمامة فرعا لكانت هذه الآية في أفضل حالاتها تصلح أن تكون متشابهة في هذا الباب , وأما وأنها أصل وركن عندهم , فهي طبعا آية متشابهة تحمل أكثر من معنى كما وضح الشيعة أنفسهم , ولكن لنأتي عليها بهدوء نحاول أن نفهم عقلية الشيعة في الإستدلال من المتشابه.
هل الظلم المقصود في الآية هو مجرد المعصية أو الخطأ ؟
معذرة إن بدأت من آخر الآية قبل أولها , لأن مبحث العصمة عند الشيعة له موضوع ملاصق لمسألة الأئمة , ولأن بدون العصمة ينهار كل شيء على هذه العقيدة الشاذة المخالفة للمسلمين , فهل فعلا الظلم هنا معناه العصمة من الذنوب والخطايا من الصغر إلى الكبر كما يفسر ذلك الشيعة ويعرفونها , أم أنه يجوز أن يكون غير المعصوم ظالم لنفسه على الأقل وأن هذا الظلم لا يمنع من كون إماما يقتدي به لأن الطبيعة البشرية غالبة على الإنسان مهما كان , إلا العصمة في جانب التشريع كما بينا.
ولقد أثبتنا في مبحث آية الإصطفاء أن الظالم لنفسه والمقتصد وكلاهما على نفس المنزلة في الجنة , ولهم فيها جزاءً كبيرا , فإذا كانوا أهل ميثاق الله تعالى ليسوا من أهل الجنة فمن يكونوا إذا .
وفي القرآن الكريم يحكي لنا ربنا سبحانه أن الأخطاء تقع من الجميع لأنهم بشر , سواء كانوا أنبياء أم غيرهم وأما العصمة فهي في جانب التشريع والتبليغ فقط , وتعالى إلى آيات محكمات كريمات توضح لنا أن الظلم هنا لا يقصد به مجرد الذنب أو المعصية
قال تعالى (( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)) [آل عمران/33] , وهذه الآية التي احتج بها الموسوي نفسه تظهر بطلان ما يحاولون أن يذهبوا إليه من إرساء عقيدة الإمامة على المفهوم الشيعي لعدة أسباب
1- أن الآية الكريمة تتحدث عن اصطفاء معين على العالمين , فما دخل علي رضي الله عنه أو أبناءه أو الأثنى عشر في هذه الآية , فهذه الآية لا تصلح أن تكون في حقهم نص متشابه لأنها بعيدة كل البعض عن أي معنى يتبناه الشيعة الإمامية .
آدم عليه السلام
2- أن هؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى في آية الإصطفاء على العالمين , قد أثبت القرآن الكريم أنهم ظلموا أنفسهم بالوقوع في بعض المخالفات لأنهم بشر ويعتريهم ما يعتري البشر من خطأ أو سهو أو نسيان , لأنهم غير معصومين إلا في داخل دائرة التبليغ والتشريع كما أظهر القرآن الكريم , والأمثلة على ذلك
قال تعالى ( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ))[طه/121، 122] , فهذه الآيات تثبت أن آدم عليه السلام وقع في معصية أكل الشجرة , وكان ذلك نتيجة نسيانه كما أوضحت الآية الأخرى (( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ))[طه/115] , فهذه الآيات تُثبت أن آدم عليه السلام نسي وأخطأ بأكله من الشجرة وهو وزوجه , وعلى الرغم من ذلك فقد اصطفاه الله تعالى.
وهذا يعني أنه غير معصوم في كل الجوانب كما تدعي الشيعة الإمامية , لأن القرآن أثبت خلاف ذلك من نسيان وعصيان وخطأ , بل إن القرآن الكريم ذكر دعاءه ودعاء زوجته لطلب التوبة من الله تعالى , فقال تعالى (( فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ))[الأعراف/23]
فهنا القرآن الكريم يثبت مرة أخرى أنهما ظلما نفسيهما بهذه المعصية , وعلى الرغم من ذلك فإنه من أهل الإصطفاء وأهل ميثاق الله تعالى , وهذا ينفي كونه معصوما على الرغم من كونه إماما , ومن هنا فاستدلال الشيعة بهذه الآية يبطل مذهبهم بالكامل
موسى عليه السلام
3- موسى عليه السلام ,وهو أحد أفضل الأنبياء والرسل وأحد الخمسة أولي العزم الذي قال الله تعالى فيه حقهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم (( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ))[الأحقاف/35] , والذي يتناقض الشيعة حوله وحوله هارون عليهما السلام , ذاك الرجل العظيم والنبي الكريم والرسول الكليم كلمه الله تعالى , وأنزل عليه التوراة , قد وضع في خطأ القتل كما حكى القرآن , ولما أراد أن يتوب قال كما حكى القرآن الكريم أيضا (( قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) [القصص/16] , فعلى الرغم من كونه واحد من أفضل الناس والبشر قاطبة إلا أن القرآن أثبت أنه تاب إلى الله تعالى بعدما قتل هذا الإنسان , وأثبت القرآن الكريم عليه هذا المعنى ( ظلمت نفسي ) ومع ذلك فقد كان إماما وقدوة ونبيا ورسولا واختاره الله تعالى حتى بعد هذا الظلم الذي وقع فيه عليه السلام , طبعا بعدما تاب وأناب ورجع إلى ربه سبحانه.
فهذه الآيات القرآنية وغيرها لتدل بصيرح العبارة على أن أفضل الناس وهم الأنبياء والرسل قد وقع منهم أمور وصفها القرآن بأنها ظلم , وعلى الرغم من ذلك فإن الله تعالى اصطفاهم واختارهم لتحمل أعظم أمانة وهي أمانة التبليغ والرسالة وتعليم الناس الصواب من الخطأ , والفرق بين التوحيد والشرك , شريعة الرحمن وعبادة الشيطان , فلا يلزم من كونهم أئمة وأنبياء ورسل أن يكونوا معصومين في كل جوانب أمورهم وحياتهم والدليل قد سبق من كتاب الله تعالى , وهناك غيرها كثير ولكن هذه فقط لمنع الإطالة.
ومن هنا فإن محاولة الإستدلال على عصمة الأنبياء ثم محاولة التفرع منها على وجود أئمة ليسوا بأنبياء أو أوصياء معصومين لم يرد ذكرهم في كتاب الله تعالى , ثم بعد ذلك محاولة الإستدلال على كونهم أهل الدين ويلزم الإعتقاد بعصمتهم !! وإمامتهم !! , وأن من خالف هذا الإعتقاد فليس من الإسلام في شيء !! محاولة ضعيفة لا تفلح , فهي ضعيف في ضعيف في ضعيف , ولو ثبتت حتى عصمة الأنبياء لما استطاعت الشيعة أن تثبت وجود أوصياء أصلا ومن هنا فكلامهم حول هذه الآية واعتمادهم عليها لمحاولة إرساء تلك العقيدة الشاذة المخالفة للمسلمين , محاولة فاشلة وقد ظهر فشلها من كتاب الله تعالى قبل غيره , فالحمد لله أن جعل الحجة في كلامه.
إذا ما معنى الظلم الذي يمنع صاحبه من أن يرتفع إلى مقام النبوة أو القدوة؟؟؟ هذا ما أضعه بعد ذلك إن شاء تعالى
يتبع حتى يظهر الموسوي