مشكلتك انك لا تضع البحث كاملا والتوضيح .
وهذا توضيح الكاتب في معنى السجود الذي لم ينقل الاخ كيو .
وقد مرَّ أن السجود هو الخضوع والخشوع والتذلل، وبما ان الخضوع والخشوع والتذلل أعم من السجود، فقد يشتبه الجاهل فيحمل حرمة السجود ـ وهو مفهوم خاص ـ لغير الله عزَّ وجلَّ على حرمة الخضوع لغير الله تعالى، مع أن الله تعالى أمر بتذلل العبد لوالديه في محكم كتابه العزيز فقال تعالى: (
واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) .
كما حث علماء الاَخلاق عند جميع المسلمين ـ اقتداء بجملة من الآثار والاَخبار ـ على التواضع للعلماء والخضوع لهم لا سيّما في مقام التعلّم حتى جعل خضوع الطالب وتذللـه لاستاذه من أوليات آداب التلمذة والتعلّم.
ويكفي في المقام اتفاق العقلاء على ضرورة الخضوع للحق والانقياد له حتى ولو سمع من صبي. فكيف الحال إذن مع انبياء الله عزَّ وجلَّ ورسله وأوليائه الذين هم حجج الله في أرضه على عباده؟ فلا شك في كون الخضوع والتذلل لهم والانصياع لاَوامرهم من موجبات الشرع الحنيف على أن لا يكون ذلك بنحو التأليه وإلاّ فهو من الشرك بالله عزَّوجلَّ.
وأما ما حكاه القرآن من قصة السجود لآدم عليه السلام ونحو ذلك مما سيأتي فلا منافاة بينه وبين ما تقدم من حرمة السجود لغير الله عزَّ وجلَّ، وهذا ما سنوضحه على النحو الآتي:
أولاً: معنى سجود الملائكة لآدم عليه السلام :
سنذكر في بيان معنى السجود لآدم عليه السلام أهم الآراء المطروحة في المقام، ثم نبين القول المختار منها وما يرد على غيره من الاَقوال، وهي:
الرأي الاَول: إنّ سجود الملائكة لآدم عليه السلام هو بمعنى الخضوع والتواضع، وليس بمعنى السجود المعهود، وقد مرّ أن الخضوع للاَنبياء عليهم السلام لا يتنافى مع السجود لله عزَّ وجلَّ، بل هو مما أمر الله تعالى به وحذّر من مخالفته.
وفيه: أن هذا التأويل خلاف الظاهر من اللفظ، فلا يصار إليه من غير قرينة، وإنّ الروايات قد دلت على أنّ ابن آدم إذا سجد لربه ضجر إبليس وبكى، لاَنّه أُمر به فعصى واستكبر فلُعن وأُبعد، وهذه الروايات دالة على سجود الملائكة بهذا المعنى المعهود للسجود لاَنّ المتبادر من السجود وضع الجبهة على الاَرض، ويؤيده قوله تعالى: (
فقعوا لهُ ساجِدِينَ ) حيث امتثل الجميع ـ بالسجود ـ لاَمر الله إلاّ إبليس أبى قال تعالى: (
وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) ، لذلك يضجر إبليس ويبكي من إطاعة ابن آدم للاَمر وعصيانه هو من قبل ، وقد روى أبو بصير عن الاِمام الصادق عليه السلام مايؤيد ذلك، قال: قلت لاَبي عبد الله عليه السلام: سجدت الملائكة لآدم عليه السلام ووضعوا جباههم على الاَرض؟
قال عليه السلام: « نعم تكرمة من الله تعالى » .
الرأي الثاني: إنّ سجود الملائكة كان لله تعالى، وإنما كان آدم قبلةً لهم، كما يقال: صلِّ للقبلة أي إليها. وقد أمر الله الملائكة بالتوجه إلى آدم في سجودهم تكريماً له وتعظيماً لشأنه وهو مانسب إلى أبي علي الجبائي وأبي القاسم البلخي وجماعة .
ويرد عليه ما ورد على سابقه من مخالفته لظاهر اللفظ بل ومنافاته لصريح الآية المباركة (
واسجدُ لمن خلقت طيناً ) (1) فإنّ إبليس إنّما أبى عن السجود بادعاء أنّه أشرف من آدم عليه السلام.
فلو كان السجود لله تعالى، وكان آدم قبلةً محضةً لما كان في احتجاجه الذي سجّله لنا القرآن الكريم معنى، قال تعالى: (
ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلاّ إبليس لم يكن من الساجدين * قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين * قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنّك من الصاغرين ) وهذه الآيات صريحة بإرادة السجود، وليس المتبادر منه هو القبلة.
الرأي الثالث: إنّ السجود لشخص آدم عليه السلام، حيث كان بأمر الله تعالى، فهو في الحقيقة خضوع لله وسجود له لكونه بامره.
وبيان ذلك: أنّ السجود هو الغاية القصوى للتذلل والخضوع، ولذلك قد خصه الله سبحانه بنفسه، ولم يرخّص لعباده أن يسجدوا لغيره.
غير أنّ السجود لغير الله إذا كان بأمر من الله تعالى كان في الحقيقة عبادة له وتقرباً إليه ؛ لاَنّه امتثال لاَمره، وانقياد لحكمه، وإن كان في الصورة تذللاً للمخلوق.
ومن أجل ذلك يصحّ عقاب المتمرّد على هذا الاَمر، ولا يُسمع اعتذاره بأنّه لا يتذلل للمخلوق، ولا يخضع لغير الخالق حتى لو كان يأمره.
وهذا الرأي هو الصحيح المختار:
وقد روي هذا المعنى عن أهل البيت عليهم السلام في جملة من الاَخبار، نذكر منها ما روي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنّه قال: « قال إبليس: ربِّ اعفني من السجود لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب، ولا نبي مرسل. فقال الله: لا حاجة لي إلى عبادتك، إنّما اُريد أن اُعبد من حيث أُريد، لا من حيث تريد، فأبى أن يسجد... » .
وهذا الحديث صريح بكون السجود لآدم هو عبادة لله عزَّ وجلَّ ؛ لاَنّه كان بأمره تعالى.
وروي أيضاً عن الاِمام الصادق عليه السلام عندما سأله زنديق: أفيصلح السجود لغير الله؟ قال الاِمام عليه السلام:« لا » قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام؟ فقال الاِمام عليه السلام: « إنّ من سجد بأمر الله فقد سجد لله، فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله » .
ثانياً: معنى السجود ليوسف عليه السلام :
وأما عن سجود آل يعقوب ليوسف الصديق عليه السلام كما صرّح به القرآن الكريم وهو يقصّ لنا أحسن القصص بقوله تعالى: (
ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجدا وقال يا أبتِ هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقاً )
فلا ينافي أيضاً ما تقرر في محلّه من حرمة السجود لغير الله عزَّ وجلَّ ؛ لاَنّه في الواقع كان إعظاماً وشكراً لله عزَّ وجلَّ على ما أنعم عليهم من نعمة السلامة واجتماع الشمل، ولم يكن سجود عبادة ليوسف عليه السلام، فهذا ما يأباه كل من عرف مقام الاَنبياء ومنزلتهم ودعوتهم الناس إلى نبذ الشرك والاعتقاد بالتوحيد الخالص.
نعم، فقد كان من بين اولئك الساجدين نبي الله يعقوب عليه السلام، وهو ممن أخلص لله في كلِّ شيء ولم يبث شكواه إلاّ لله قال تعالى: ( وإنّه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
وتفسير السجود بهذا المعنى الذي ينسجم مع اُصول العقيدة الاِسلامية من حرمة السجود لغير الله، هو ما أثبتته مدرسة أهل البيت عليهم السلام كما يدلُّ عليه جملة من الروايات، نكتفي بالاشارة إلى بعضها:
عن أبي بصير، عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «... فلما دخلوا على يوسف في دار الملك اعتنق أباه فقبّله وبكى... ثم دخل منزله فادّهن واكتحل ولبس ثياب العزّة والملك ثم رجع إليهم ـ أو خرج إليهم ـ فلمّا رأوه سجدوا له جميعاً اعظاماً وشكراً لله، فعند ذلك قال: ( يا أبتِ هذا تأويل رؤياي قد جعلها ربي حقاً ) » إلى أن قال: ( بيني وبين اخوتي ) قال: ولم يكن يوسف في تلك العشرين سنة يدهن ولا يكتحل ولا يتطيّب ولا يضحك، ولا يمسّ النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله، جمع بينه وبين يعقوب واخوته .
وعن موسى بن محمد بن علي بن موسى، سأل الاِمام علي بن محمد الهادي عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: ( ورفع أبويه على العرش وخرّوا له سجداً) أسجد يعقوب وولده ليوسف وهم أنبياء؟...
فقال عليه السلام: « وأما سجود يعقوب وولده ليوسف، فإنّ السجود لم يكن ليوسف، كما أن السجود من الملائكة لآدم لم يكن لآدم، إنّما كان منهم طاعة لله وتحية لآدم، فسجد يعقوب وولده شكراً لله باجتماع شملهم، ألم ترَ أنه يقول في شكره في ذلك الوقت ( ربِّ قد آتيتني من الملك وعلّمتني من تأويل الاحاديث..) » .
وروي عن الاِمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى: ( وخرّوا لهُ سجدّاً ) قال عليه السلام: « كان سجودهم ذلك عبادة لله » .
ونخلص من ذلك كلّه إلى اختصاص السجود بالله تعالى وحده، وإنّ ماأتى به الملائكة لآدم عليه السلام وكذا ما فعله يعقوب عليه السلام وولده ليوسف الصديق عليه السلام فإنّما ذلك كلّه سجود لله تعالى، وطاعة له وائتمار بأمره سبحانه ومحبة لآدم وفضيلة له عليه السلام وكذا تحية ليوسف وتكرمة له عليه السلام ليس إلاّ.
وهذا التوضيح الكامل للكتاب .