اخي الكريم بارك الله فيكم , لـ نجعل الحوار هنا هادف ونتمنى الإصلاح للجميع ..
صاحب الموضوع اتمنى ان تفكر معي , لأنك حقيقة فاهم الدين غلط عكس ما انا فاهمه !!
أعلم بأنك تنظر العلاقة بين الدِّين والسياسة علاقة التضاد والتصادم، وأن الدِّين شيء، والسياسة خصم له، وأنهما لا يلتقيان..
فمصدرهما مختلف، وطبيعتهما مختلفة، وغايتهما مختلفة. فالدِّين من الله، والسياسة من الإنسان. والدِّين نقاء واستقامة وطهر، والسياسة خبث والتواء وغدر. والدين غايته الآخرة، والسياسة غايتها الدنيا. فينبغي أن يترك الدِّين لأهله، وتترك السياسة لأهلها.
وكذلك تنكر فكرة الشمول والتكامل في الإسلام، الذي تبناه كل الدعاة والمُصلحين الإسلاميين في عصرنا..
اخي الكريم هل تعرف علي عبد الرازق: الذي يتحدث ويقول بأنه لا يجد دليلا على أن الإسلام يدعو إلى تأسيس دولة أو إقامة حكومة. وأنه ليس إلا دعوة دينية خالصة، لا صلة لها بالمُلك الذي هو من أمور الدنيا، المضادة للدين..
تريدون الدين عقيدة بلا شريعة، وعبادة بلا معاملة، ودينا بلا دنيا، ودعوة بلا دولة، وحقا بلا قوة.
ونحن هنا سنبين الأدلة على أن (إقامة الدولة) من صميم الإسلام، وأن القول بخلاف ذلك، إنما هو قول مُحْدث، لم يعرفه المسلمون خلال تاريخهم الطويل
أما نحن على حين يعتبر الإسلاميون على اختلاف مذاهبهم ومدارسهم أن الإسلام: عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دين وسياسة، دعوة ودولة..
والإسلاميون يرون: أن الدولة في الإسلام: فريضة وضرورة. فريضة دينية، وضرورة حيوية.
ولم يعرف المسلمون طوال تاريخهم الطويل هذا الانفصال أو الفصام بين الدِّين والدنيا، أو بين الدِّين والسياسة، أو بين الدِّين والدولة.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جامعا للسلطتين: الدِّينيـة والدنيويـة، ولهذا قسم الفقهاء تصرفاته بوصفه نبيا مبلغا عن الله، وبوصفه قاضيا يفصل بين الناس، وبوصفه إماما يتصرف في قضايا الأمة
وكذلك كان الخلفاء الراشدون والأُمويون والعباسيون والعثمانيون وغيرهم، إلى أن ألغيت الخلافة في سنة 1924م.
ورأينا العلماء يعرفون الخلافة بأنها: النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حراسة الدِّين وسياسة الدنيا به.
ورأينا كل خليفة أو أمير أو سلطان طوال التاريخ الإسلامي: يرى نفسه مسؤولا عن التمكين للدين في الأرض، والدفاع عنه. وهذا ما قرَّره القرآن بجلاء، حين قال:
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر
[الحج:41]، ولهذا كان هؤلاء الخلفاء والسلاطين يُبايَعون من الأمة على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله.
أما نصوص الإسلام، فحسبنا منها آيتان من سورة النساء
:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
[النساء:59،58].
فالخطاب في الآية الأولى للولاة والحكام: أن يراعوا الأمانات ويحكموا بالعدل، فإن إضاعة الأمانة والعدل نذير بهلاك الأمة وخراب الديار. ففي الصحيح:
"إذا ضُيِّعَتِ الأمانة فانتظر الساعة"
والخطاب في الآية الثانية للرعية المؤمنين: أن يطيعوا
وَأُولِي الْأَمْرِ
بشرط أن يكونوا (منهم) وجعل هذه الطاعة بعد طاعة الله وطاعة الرسول، وأمر عند التنازع "بمعنى انك تتنازع مع حاكم الدولة ولا خلاف في ذلك" برد الخلاف إلى الله ورسوله، أي الكتاب والسنة. وهذا يفترض أن يكون للمسلمين دولة تُهَيْمِن وتُطاع، وإلا لكان هذا الأمر عبثا ..
فالحق أن الدولة الإسلامية: دولة مدنية، ككل الدول المدنية، لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية.
ومعنى (مدنية الدولة): أنها تقوم على أساس اختيار القوي الأمين، المؤهل للقيادة، الجامع لشروطها، يختاره بكل حرية: أهل الحل والعقد، كما تقوم على البيعة العامة من الأمة، وعلى وجوب الشورى بعد ذلك، ونزول الأمير أو الإمام على رأي الأمة، أو مجلس شوراها، كما تقوم كذلك على مسؤولية الحاكم أمام الأمة، وحق كل فرد في الرعية أن ينصح له، ويشير عليه، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر. بل يعتبر الإسلام ذلك فرض كفاية على الأمة، وقد يصبح فرض عين على المسلم، إذا قدر عليه، وعجز غيره عنه، أو تقاعس عن أدائه .
إن الإمام أو الحاكم في الإسلام مجرد فرد عادي من الناس، ليس له عصمة ولا قداسة. وكما قال الخليفة الأول: إني وليت عليكم ولست بخيركم
. وكما قال عمر بن عبد العزيز: إنما أنا واحد منكم، غير أن الله تعالى جعلني أثقلكم حملا
.
هذا الحاكم في الإسلام مقيد غير مطلق، هناك شريعة تحكمه، وقيم توجهه، وأحكام تقيده، وهي أحكام لم يضعها هو ولا حزبه أو حاشيته، بل وضعها له ولغيره من المكلَّفين: رب الناس، مَلِك الناس، إله الناس. ولا يستطيع هو ولا غيره من الناس أن يلغوا هذه الأحكام، ولا أن يُجمِّدوها. ولا أن يأخذوا منها ويدعوا بأهوائهم.
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً
[الأحزاب:36].
وهناك أمة هي التي اختارت هذا الحاكم، وهي التي تحاسبه، وتقومه إذا اعوج، وتعزله إذا أصر على عوجه، ومن حق أي فرد فيها أن يرفض طاعته إذا أمر بأمر فيه معصية بيّنة لله تعالى. بل من واجبه أن يفعل ذلك، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي الحديث الصحيح المتفق عليه
: "السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، والقرآن الكريم حين ذكر بيعة النساء للنبي، وفيها طاعة النبي وعدم معصيته: قيد ذلك بقوله:
وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ
[الممتحنة:12]. هذا وهو المعصوم المؤيد بالوحي، فغيره أولى أن تكون طاعته مقيدة.
ولم نر أحدا من الخلفاء في تاريخ الإسلام، أضفى على نفسه، أو أضفى عليه المسلمون: نوعا من القداسة، بحيث لا ينقد ولا يُقَوَّم، ولا يؤمر ولا ينهى.
بل تراهم جرَّأوا الناس على أن ينصحوهم ويقوّموهم، كما قال أبو بكر في أول خطبة له: إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني. أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
وكان عمر يقول: مرحبا بالناصح أبد الدهر. مرحبا بالناصح غدوا وعشيا وقال قولته المعروفة: من رأى منكم في اعوجاجا فليقومني.
أتمثل هذه الدولة -وهذا منهاجها، وهؤلاء أفرادها- دولة دينية تحكم بالحق الإلهي؟ أم هي دولة يحكمها بشر غير معصومين، تقيدهم شريعة الله، وتراقبهم الأمة، وتحاسبهم، وتعتبرهم أجراء عندها
والدولة الإسلامية أقرب ما تكون إلى إلى جوهر الديمقراطية..
ونعني بالديقراطية في هذا المقام: الديمقراطية السياسية. أما الديمقراطية الاقتصادية، فتعني (الرأسمالية) بما لها من أنياب ومخالب، فإننا نتحفظ عليها. وكذلك الديمقراطية الاجتماعية التي تعني (الليبرالية) بما يُحمّلونها من حرية مطلقة، فإننا كذلك نتحفظ عليها.
إن الرأسمالية (القارونية) مرفوضة عندنا، لأنها تقوم على فكرة الرأسمالي الذي يقول عن ماله:
إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي
[القصص:78]، أو كما قال قوم شعيب له:
أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ
[هود:87]، والفكرة الإسلامية أن الإنسان مستخلف في مال الله،
وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ
[الحديد:7]، وأن المالك الحقيقي للمال هو الله، والغني أمين على هذا المال، وكيل عن مالكه الحقيقي، فملكيته مقيدة، عليها تكاليف وواجبات، وتقيدها قيود في الاستهلاك والتنمية والتوزيع والتبادل. وتفرض عليها الزكاة التي عدت من أركان الإسلام، كما يُمنع المالك من الربا والاحتكار والغش والغبن والسرف والترف والكنز وغيرها.
وبهذه الوصايا والقوانين وأمثالها، نقلّم أظفار أخطار الرأسمالية، حتى نحقق العدالة الاجتماعية، ونرعى الفئات الضعيفة في المجتمع من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ونعمل على حسن توزيع المال
كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ
[الحشر:7].
والليبرالية التي تعني (الحرية المطلقة) مرفوضة أيضا عندنا، فليس في الوجود كله حرية مطلقة، كل حرية في الدنيا لها قيود تحدها، من هذه القيود: حقوق الآخرين، ومنها: حق الفرد نفسه، ومنها: قيود دينية تتعلَّق بحق الله سبحانه، ومنها: قيود أخلاقية.
إن البواخر في المحيطات الواسعة مقيدة في سيرها بخطوط معروفة، تحددها الخارطة و(البوصلة). ومثل ذلك الطائرات في جو السماء، لا تذهب يمنة ويسرة، كما يشاء قائدها، بل له خط سير يجب أن يتبعه ولا يحيد عنه.
الذي يعنينا من الديمقراطية هو الجانب السياسي منها، وجوهره أن تختار الشعوب من يحكمها ويقود مسيرتها، ولا يفرض عليها حاكم يقودها رغم أنفها. وهو ما قرَّره الإسلام عن طريق الأمر بالشورى والبيعة، وذم الفراعنة والجبابرة، واختيار القوي الأمين، الحفيظ العليم، والأمر باتِّباع السواد الأعظم، وأن يد الله مع الجماعة، وقول الرسول لأبي بكر وعمر: "لو اتفقتما على رأي ما خالفتكما"، إذ سيكون صوتان أمام واحد.
ومن حق كل امرئ في الشعب أن ينصح للحاكم، ويأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، مراعيا الأدب الواجب في ذلك. وأن يطيعه في المعروف، ويرفض الطاعة في المعصية المجمع عليها، أي المعصية الصريحة البينة، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والذي يهمنا اقتباسه من الديمقراطية هو ضماناتها وآلياتها التي تمنع أن تزيف وتروج على الناس بالباطل. فكم من بلاد تحسب على الديمقراطية، والاستبداد يغمرها من قرنها إلى قدمها، وكم من رئيس يحصل على (99%) تسعة وتسعين في المائة، وهو مكروه كل الكراهية من شعبه.
إن أسلوب الانتخابات والترجيح بأغلبية الأصوات، الذي انتهت إليه الديمقراطية هو آلية صحيحة في الجملة، وإن لم تَخْل من عيوب، لكنها أسلم وأمثل من غيرها. ويجب الحرص عليها وحراستها من الكذابين والمنافقين والمُدلِّسين.
أما دعوى بعض المتدينين: أن الديمقراطية تعارض حكم الله، لأنها حكم الشعب، فنقول لهم: إن المراد بحكم الشعب هنا: أنه ضد حكم الفرد المطلق، أي حكم الديكتاتور، وليس معناها أنها ضد حكم الله، لأن حديثنا عن الديمقراطية في المجتمع المسلم، وهو الذي يحتكم إلى شريعة الله
ولا يعيب الديمقراطية أنها من اجتهادات البشر، فليس كل ما جاء عن البشر مذموما، كيف وقد أمرنا الله أن نُعمِل عقولنا، فنفكِّر وننظر، ونتدبَّر ونعتبر، ونجتهد ونستنبط؟ ولكن يُنظَر في هذا الاجتهاد: أهو مناقض لما جاء من عند الله أم لا يتعارض معه، بل يمشي في ضوئه؟ وقد رأينا الديمقراطية تجسِّد مبادئ الشورى، والنصيحة في الدِّين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والصبر، وإقامة العدل، ورفع الظلم، وتحقيق المصالح ودفع المفاسد
نحن نريد ديمقراطية المجتمع المسلم، والأمة المسلمة، بحيث تراعي هذه الديمقراطية عقائد هذا المجتمع وقِيمه وأسسه الدِّينية والثقافية والأخلاقية، فهي من الثوابت التي لا تقبل التطور ولا التغيير بالتصويت عليها..
في النهاية أتمنى اخي الكريم ان تتمتع و تتفكر في ما كتبت وشكرا لكم