نقد المظاهر الدينية الكاذبة " بحد ذاته مباح وليس فيه خلل , لكن المشكلة الحقيقية التي نعاني منها هي " ثقافة التعميم " فالانسان كلما انتقد حالات فرديّة تعمم على الجميع ..
فمن ينتقد المعمم مثلا , تفهم المسألة بشكل أنه يريد الطعن في الشيعة ورموز الشيعة , ينسحب الأمر على من ينتقد صاحب الثوب القصير وأن المسألة انتقاد للسلف ورموز السلف , ولا نستثني أحد من هذه القاعدة الساذجة .
فعندما تنتقد فلان العازمي , يجب عليك بحكم " ثقافة التعميم " أن تقول بعدها أني لا أقصد العوازم بل هم قبيلة محترمة ولها تاريخ و ... و .. و ... الخ .
فثقافة الانتقاد اقترنت بثقافة التعميم لهذا لن يسلم أيّ انسان عندما ينتقد أي معتقد أو فكرة أو شخص , وأساس هذا الفهم هو على نحوين :
الأول : أن من ينتقد يعرف بعداؤه الدائم لهذا الفكر أو المعتقد أو الفرد , الحزب , الانتماء .. ضع المسميات التي تراها ولا شحاحة بالالفاظ .
الثاني : الدخول في نيّة المنتقد , وأنك تقصد كذا وكذا , ومن المعلوم النهي عن الدخول في نوايا البشر .
هذين العاملين أسهما بشكل فعّال في تأصيل ثقافة التعميم , والمشكلة الأكبر هي عدم التفريق بين الدوافع الحقيقيّة لمناقشة بعض الأفكار والمعتقدات والأشخاص .
وكمثال حي على ما نقول هو أنت زميلي ( الجنازة سابقا ) و Goethe حاليا ..
أنت عندما تنتقد الدولة الدينية لأنك ترى فساد من مدعي التدين , وترفض هذا المبدأ بشكل كامل , فتحاسب على أساس أنه ( لك مواضيع سابقة في انتقاد المتدينين ) و ( الدخول في نيّتك أنك علماني كافر متفسّخ تدعو للفجور والعري ) .
وان كانت لك دوافع صحيحة لكنّك سوف تنصّنف بهذا الشكل ( تلقائيا ) , وحل هذه المسألة يكون عن طريق احياء ثقافة النقد المباح الخالي من التعرض لــ ( النيّات ) , لكن كما قلنا أن هذا ممتنع لوجود أطراف تنتهج ( الدخول في النيّات , و معرفة التاريخ لصاحب النقد ) .
وأقرب المسألة أكثر بمثال بسيط ::
ان الصهاينة في هذا العالم يتكلمون عن العدالة والمساواة والحق والخير والحريّة , فلو أردنا أن ننتقدهم نقول أن منهجكم قائم على حرق هذه المفاهيم وحصرها فقط في فئة معيّنة من البشر .
فالانتقاد هنا توجه للصهاينة لشهرتهم بطمس العدالة والمساواة والحق والخير والحريّة للشعب الفلسطيني واحياؤها لأتباع الصهيونية .
أما بالنسبة للانتقاد المختص في الدخول في النيات فهنا حدّث ولا حرج , والمنتدى شاهد على هذا , فمن ينتقد المملكة العربيّة السعوديّة وان كان سنيّ المذهب فانه يصّنف على أنه عدو التوحيد وناصر المشركين ويريد أن يطفئ نور الله , كذلك بالنسبة للشيعي الذي ينتقد الجمهورية الايرانيّة الاسلاميّة , يصنف على أنه عميل للصهاينة وناصبي يحارب أهل البيت وهكذا بالنسبة للحضري الذي ينتقد الحضر أو البدوي الذي ينتقد البدو أو حتى انتقاد كل فئة لأخرى فضلا عن تعميم المسألة على الجميع , فلو انتقد الحضري أحد أفراد القبيلة الفلانيّة تجد أن الاصوات تتعالى بأنه طعن في القبيلة كلّها .
فلا تتوقع أخي الكريم أن يكون الانتقاد في هذا الموضوع بناء على مناقشة فكرة , بل على مناقشة شخص بعيّنه , أو محو شخصيّة هذا الفرد بذريعة أنه ضد الدين وناصر الملحدين .
هذا من جانب من جانب آخر وكرّدة فعل , لو قال انسان بأنه هناك سلبيات وأن من الناس من يستغل الدين لمصالحه الشخصيّة وهذا أمر لا يختلف عليه أحد , بنفس الوقت سوف تواجه بمقولة ( مو بس احنا هم أنته ) ؟!
وان كنت من أنصار العلمانيّة بغض النظر عن تعريفها وعن أيّ علمانية تتكلم , سوف تصنّف في خانة العلمانيين المشركين الملحدين ... وسوف يكون الرد ( هم في علمانيين يستغلون العلمانية لمصالحهم الشخصيّة فلماذا لا تتعرض لعيوب من يستغلون العلمانية وتتعرض لعيوب من يستغلون الدين ؟! ) .
وحقيقة هذا سؤال وجيه أحب أن تجيب عليه أنت كيّ توضح وجهة نظرك بكل بساطة .
تقبل تحياتي