14- لأنهم يسيرون على طريقة المحققين من أهل العلم:
إن منهج أهل السنة والجماعة معروف مدون في كتب المعتقد، والقاعدة -بفضل الله- تسير على منهج المحققين من علماء أهل السنة، فأهل السنة يرون:
أ- أن التشريع المخالف لتشريع الله أنه كفر بدون تفصيل:قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر} قال الشنقيطي في (أضواء البيان) (7/48):[فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه:{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}، وفي قراءة ابن عامر من السبعة:{وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} بصيغة النهي.
وقال في الإشراك به في عبادته:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، فالأمران سواء] أ.هـ.
وقال أيضاً في (أضواء البيان) (3/259):[وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور:أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم] أ.هـ، والقاعدة تقول بذلك.
ب- الحكم بغير ما أنزل الله عند أهل السنة ينقسم إلى قسمين:
1- الحكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام كفرٌ أكبر.
2- الحكم بغير ما أنزل الله في قضية عين كفر أصغر، في القضية الواحدة ونحوها والقاعدة تقول بذلك.
ج - مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين:
فالقاعدة تعتقد وتعمل باعتقاد أهل السنة بأن ذلك كفر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام العشرة (مجموعة التوحيد) ص24:[الناقض الثامن:مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}] أ.هـ.
هـ- في إقامة الحجة وما تقوم به الحجة، والفرق بين إقامة الحجة وفهم الحجة وإقامة الحجة في المسائل الخفية لا المسائل الظاهرة، واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع:
فالقاعدة تسير على ذلك، ومن كان منصفاً فليقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام أئمة الدعوة، وليعمل مقارنة بينه وبين ما تسير عليه القاعدة اليوم.
فهل القاعدة أسعد بمنهج المحققين؟ أم الذي يرى التفصيل في المشرع، ويرى أن الحكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام والقضايا المعينة سواء؟!! وأنه ليس كفراً إلاّ بالاستحلال؟!! والاستحلال عند بعضهم لا يعرف إلاّ بصريح اللسان؟!!.
هل القاعدة أسعد بمنهج المحققين أم من يقول أن الحكام وقعوا في الكفر ولكن لا يكفرون لعذر الجهل، وأن الحجة لم تبلغهم!! وما علموا أن الحجة لا تشترط في المسائل الظاهرة وإنما في المسائل الخفيَّة كما نقلنا ذلك في هذا الكتاب عن بعض أهل العلم، وما علموا أن قيام الحجة معناه بلوغها أو التمكن من بلوغها، فمن كان كذلك فقد قامت عليه الحجة، كما قال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين ص 99:[حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم، فليس من شرط حجة الله تعالى علم المدعوين بها، ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعاً من قيام حجة الله تعالى عليهم، وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة] أ.هـ.
وقال أيضاً في رسالته (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر):[وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة:فكيف يشترط فيما هو من توابعها؟ بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم، ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه:كان التفريط منهم لا منه] (مجموع الفتاوى) (28/125-126).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:[ما ذكرتم من قول الشيخ كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة، أنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع وقد قامت عليهم، وفهمهم إياها نوع آخر] (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب) ص244.
فهل الحجة بلغت الحكام اليوم أم لا؟ وهل يتمكنون من الوصول إليها أم لا؟ وهل يشترط الحجة في المسائل الظاهرة من تبديل الشريعة وموالاة اليهود والنصارى؟!! وهل يشترط أن يفهموا أن القاعدة على حق؟!! [1]
ولا يشترط أن يفهموا أن القاعدة على حق؛ لأن من اشترط ذلك فهو يشترط فهم الحجة، وقد علمت ما الفرق بين قيام الحجة وفهمها.
فيا أخا الإيمان:عُدْ لما قرره أئمة أهل السنة والجماعة من تأصيل هذه المسائل، وانظر هل تجد القاعدة مخالفة في الأصول أم لا؟ أما مسائل التنزيل فيسع الخلاف فيها، وهنا أحب أن أقف عند أمور وأسألك عنها:
1_ هل تجعل خطأ بعض المخالفين في الأصول مثل الخطأ في التنزيل إذا وجد عند بعض القاعدة؟
2_ قد يقول قائل:إذا كنتم تقولون يسع الخلاف في التنزيل فلماذا القاعدة تشنع على العلماء الذين لا يكفرون الحكام؟ نقول:هذا سؤال جيد ولابد من بيانه، فأقول:إن القاعدة لا تشنع على كل من لم يكفر الحكام، فعندهم الذين لا يكفرون الحكام من العلماء على قسمين:-
أ- عالم بعيد عن سلطانهم، تجرد واجتهد ولم يصل إلى تكفيرهم، ولم يُستخدم كوسيلة لحرب المجاهدين، فهذا يقدر عند القاعدة وله اجتهاده.
ب- عالم لم يكفر الحكام واستُخدم لحرب المجاهدين، ووصفهم بالفئة الضالة ومدح الطواغيت وخذل الأمة الإسلامية، فهذا الذي تحذر منه القاعدة؛ لأن ضرره على الأمة خطير.
القاعدة تسير على طريقة المحققين من أهل العلم، وطريقتهم التبرؤ من الكفر والكافر باستيفاء الشروط وانتفاء الموانع إذا كان المقام يقتضيها، وليس من طريقة المحققين التبرؤ من الكفر وعدم البراءة من الكافر.
ويا من تشنعون على القاعدة في التنزيل:أما قد مر بكم في التاريخ أن العلماء قد أنزلوا أحكام الكفر على من يرونه يستحق ذلك، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:[ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد إتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين، فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين للإسلام، وهي أوضح الواقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى وقتنا هذا، وقال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل:لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشجر إقتداء لمن عبد اللات والعزى].ا.هـ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد26، والمراد منه قوله:[وهم عندي كفار بهذه الأوضاع].
وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان)1/197 في إنكار تعظيم القبور:[وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين أن صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه (مناسك المشاهد)، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام].ا.هـ، وهذا الذي ذكره ابن القيم رجل من المصنفين يقال له ابن المفيد، فقد رأيت ما قال فيه بعينه، فكيف ينكر تكفير المعين؟ وأما كلام سائر أتباع الأئمة في التكفير، فنذكر منه قليلاً من كثير.
[أما كلام الحنفية فكلامهم في هذا من أغلظ الكلام، حتى إنهم يكفرون المعين إذا قال مصيحف أو مسيجد وصلى صلاة بلا وضوء ونحو ذلك.
وقال في (النهر الفائق):واعلم أن الشيخ قاسماً، قال في شرح درر البحار:[إن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً:يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي فلك من الذهب أو الفضة أو الشمع أو الزيت كذا، باطل إجماعاً لوجوه... إلى أن قال:ومنها ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر... إلى أن قال:وقد ابتلى الناس بذلك، لاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي].ا.هـ.
فانظر إلى تصريحه إن هذا كفر، مع قوله أنه يقع من أكثر العوام، وأن أهل العلم قد ابتلوا بما لا قدرة لهم على إزالته.
وقال أبو العباس رحمه الله حدثني ابن الخضيري عن والده الشيخ الخضيري إمام الحنفية في زمانه قال:[كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا:كان كافرا ذكياً]، فهذا إمام الحنفية في زمنه حكى عن فقهاء بخارى جملة كفر ابن سينا، وهو رجل معين منصف يتظاهر بالإسلام.
وأما كلام المالكية في هذا أكثر من أن يحصر، وقد اشتهر عن فقهائهم سرعة الفتوى والقضاء بقتل الرجل عند الكلمة التي لا يفطن لها أكثر الناس، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب (الشفاء) من ذلك طرفاً، ومما ذكر أن من حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر، وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه.
وأما كلام الشافعية، فقال صاحب إعانة الطالبين (4/151):[على كفر من شك في كفر طائفة، كابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد،]. وكل هذا دون ما نحن فيه.
وقال ابن حجر في شرح الأربعين على حديث ابن عباس:["إذا سألت فاسأل الله"، وما معناه إن من دعا غير الله فهو كافر].نقلا عن كتاب البلاغ المبين(1/225)
وصنف في هذا النوع كتابا مستقلاً سماه (الإعلام بقواطع الإسلام) ذكر فيه أنواعاً كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام ويكفر به المعين، وغالبه لا يساوي عشير معشار ما نحن فيه، إلى أن قال:[...فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقيناً ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام، كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم بعث البراء ومعه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، ومثل همه بغزو بني المصطلق لما قيل أنهم منعوا الزكاة، ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين.
ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر على تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}، حل الخمر لبعض الخواص، ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان -رضي الله عنه- على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة الكذاب مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم، ومثل تحريق علي -رضي الله عنه- أصحابه لما غلوا فيه، ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت، ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين، وهلمَّ جرا من وقائع لا تعد ولا تحصى.
ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره:كيف تقاتل بني حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويزكون؟ وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا، وهلم جرا إلى زمن بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة والجماعة، ونصب القضاة والمفتين لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا، لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم، ولم يتوقفوا فيه وهم في زمن ابن الجوزي والموفق.
وصنف ابن الجوزي كتاباً لما أخذت مصر منهم سماه (النصر على مصر) ولم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحداً أنكر شيئاً من ذلك أو استشكله لأجل ادعائهم الملة، أو لأجل قول لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله أنه لا يكفر؛ لأنه يقول لا إله إلا الله، أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الإسلام، هذا لم يُسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين، فإن ظفروا بحرف واحد عن أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه] ا.هـ، من مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ص36 للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وراجعه فهو مهم جداً.
وقد ذكر الشيخ ناصر الفهد -فك الله أسره- أربع عشرة واقعة كفّر فيها العلماء من ظاهر المشركين على المسلمين.
ففكر الإرجاء قام للرد على فكر الخوارج، فقابل البدعة ببدعة، وتوسط أهل السنة بين الخوارج والمرجئة في الإيمان.
فاحذر يا عبد الله أن تصل بك الغيرة على هذا الدين فتحارب التكفير الذي في موضعه وأنت لا تشعر؛ فتهون للناس الكفر فيقعون في بشاعة الكفر وهم يظنونه معصية، واحذر يا عبد الله أن تكون ناشراً لمذهب المرجئة وأنت تظن أنك تنشر مذهب أهل السنة.
قال النضر بن شميل:[دخلت على المأمون قال لي:كيف أصبحت يا نضر؟ قال:قلت:بخير يا أمير المؤمنين. قال:أتدري ما الإرجاء:قلت:ودين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم وينقص من دينهم. قال لي:صدقت] تاريخ مدينة دمشق (33/ 286).
وفي الكنى والأسماء للدولابي (3/260) قال النضر بن شميل:[قال لي المأمون:يا أبا الحسن الإرجاء دين الملوك].
والقاعدة على منهج أهل السنة في أبواب المعتقد، فمنها باب الإيمان وباب الأسماء، والصفات، والقضاء والقدر، والقرآن والصحابة وغيرها.
فهل رأيتم القاعدة تكفر بالذنوب التي دون الكفر؟ أليسوا يعتقدون مثلاً في الزاني والقاتل وغيرهم من أصحاب المعاصي بما يعتقد فيهم أهل السنة؟ أليس من صفات الخوارج أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان؟ والقاعدة اليوم من أكبر الجماعات الجهادية التي تقاتل أهل الأوثان، أليس من صفات الخوارج التحليق؟ والقاعدة عرف كثير منهم بإطالة الشعر.
أ- أن التشريع المخالف لتشريع الله أنه كفر بدون تفصيل:قال الله تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال تعالى:{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر} قال الشنقيطي في (أضواء البيان) (7/48):[فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه:{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}، وفي قراءة ابن عامر من السبعة:{وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} بصيغة النهي.
وقال في الإشراك به في عبادته:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}، فالأمران سواء] أ.هـ.
وقال أيضاً في (أضواء البيان) (3/259):[وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور:أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم] أ.هـ، والقاعدة تقول بذلك.
ب- الحكم بغير ما أنزل الله عند أهل السنة ينقسم إلى قسمين:
1- الحكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام كفرٌ أكبر.
2- الحكم بغير ما أنزل الله في قضية عين كفر أصغر، في القضية الواحدة ونحوها والقاعدة تقول بذلك.
ج - مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين:
فالقاعدة تعتقد وتعمل باعتقاد أهل السنة بأن ذلك كفر، كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ضمن نواقض الإسلام العشرة (مجموعة التوحيد) ص24:[الناقض الثامن:مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}] أ.هـ.
هـ- في إقامة الحجة وما تقوم به الحجة، والفرق بين إقامة الحجة وفهم الحجة وإقامة الحجة في المسائل الخفية لا المسائل الظاهرة، واستيفاء الشروط وانتفاء الموانع:
فالقاعدة تسير على ذلك، ومن كان منصفاً فليقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام أئمة الدعوة، وليعمل مقارنة بينه وبين ما تسير عليه القاعدة اليوم.
فهل القاعدة أسعد بمنهج المحققين؟ أم الذي يرى التفصيل في المشرع، ويرى أن الحكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام والقضايا المعينة سواء؟!! وأنه ليس كفراً إلاّ بالاستحلال؟!! والاستحلال عند بعضهم لا يعرف إلاّ بصريح اللسان؟!!.
هل القاعدة أسعد بمنهج المحققين أم من يقول أن الحكام وقعوا في الكفر ولكن لا يكفرون لعذر الجهل، وأن الحجة لم تبلغهم!! وما علموا أن الحجة لا تشترط في المسائل الظاهرة وإنما في المسائل الخفيَّة كما نقلنا ذلك في هذا الكتاب عن بعض أهل العلم، وما علموا أن قيام الحجة معناه بلوغها أو التمكن من بلوغها، فمن كان كذلك فقد قامت عليه الحجة، كما قال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين ص 99:[حجة الله برسله قامت بالتمكن من العلم، فليس من شرط حجة الله تعالى علم المدعوين بها، ولهذا لم يكن إعراض الكفار عن استماع القرآن وتدبره مانعاً من قيام حجة الله تعالى عليهم، وكذلك إعراضهم عن استماع المنقول عن الأنبياء وقراءة الآثار المأثورة عنهم لا يمنع الحجة إذ المكنة حاصلة] أ.هـ.
وقال أيضاً في رسالته (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر):[وإذا أخبر بوقوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منها لم يكن من شرط ذلك أن يصل أمر الآمر ونهي الناهي منها إلى كل مكلف في العالم؛ إذ ليس هذا من شرط تبليغ الرسالة:فكيف يشترط فيما هو من توابعها؟ بل الشرط أن يتمكن المكلفون من وصول ذلك إليهم، ثم إذا فرطوا فلم يسعوا في وصوله إليهم مع قيام فاعله بما يجب عليه:كان التفريط منهم لا منه] (مجموع الفتاوى) (28/125-126).
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:[ما ذكرتم من قول الشيخ كل من جحد كذا وكذا وقامت عليه الحجة، أنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة فهذا من العجب، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً، فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حجة الله هو القرآن، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، وقيام الحجة نوع، وبلوغها نوع وقد قامت عليهم، وفهمهم إياها نوع آخر] (مؤلفات الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب) ص244.
فهل الحجة بلغت الحكام اليوم أم لا؟ وهل يتمكنون من الوصول إليها أم لا؟ وهل يشترط الحجة في المسائل الظاهرة من تبديل الشريعة وموالاة اليهود والنصارى؟!! وهل يشترط أن يفهموا أن القاعدة على حق؟!! [1]
ولا يشترط أن يفهموا أن القاعدة على حق؛ لأن من اشترط ذلك فهو يشترط فهم الحجة، وقد علمت ما الفرق بين قيام الحجة وفهمها.
فيا أخا الإيمان:عُدْ لما قرره أئمة أهل السنة والجماعة من تأصيل هذه المسائل، وانظر هل تجد القاعدة مخالفة في الأصول أم لا؟ أما مسائل التنزيل فيسع الخلاف فيها، وهنا أحب أن أقف عند أمور وأسألك عنها:
1_ هل تجعل خطأ بعض المخالفين في الأصول مثل الخطأ في التنزيل إذا وجد عند بعض القاعدة؟
2_ قد يقول قائل:إذا كنتم تقولون يسع الخلاف في التنزيل فلماذا القاعدة تشنع على العلماء الذين لا يكفرون الحكام؟ نقول:هذا سؤال جيد ولابد من بيانه، فأقول:إن القاعدة لا تشنع على كل من لم يكفر الحكام، فعندهم الذين لا يكفرون الحكام من العلماء على قسمين:-
أ- عالم بعيد عن سلطانهم، تجرد واجتهد ولم يصل إلى تكفيرهم، ولم يُستخدم كوسيلة لحرب المجاهدين، فهذا يقدر عند القاعدة وله اجتهاده.
ب- عالم لم يكفر الحكام واستُخدم لحرب المجاهدين، ووصفهم بالفئة الضالة ومدح الطواغيت وخذل الأمة الإسلامية، فهذا الذي تحذر منه القاعدة؛ لأن ضرره على الأمة خطير.
القاعدة تسير على طريقة المحققين من أهل العلم، وطريقتهم التبرؤ من الكفر والكافر باستيفاء الشروط وانتفاء الموانع إذا كان المقام يقتضيها، وليس من طريقة المحققين التبرؤ من الكفر وعدم البراءة من الكافر.
ويا من تشنعون على القاعدة في التنزيل:أما قد مر بكم في التاريخ أن العلماء قد أنزلوا أحكام الكفر على من يرونه يستحق ذلك، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:[ومن أعظم ما يحل الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمن قصد إتباع الحق، إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم، وفعلهم فيهم ما صح عنهم، وهو أول قتال وقع في الإسلام على من ادعى أنه من المسلمين، فهذه أول وقعة وقعت في الإسلام على هذا النوع أعني المدعين للإسلام، وهي أوضح الواقعات التي وقعت من العلماء عليهم من عصر الصحابة رضي الله عنهم إلى وقتنا هذا، وقال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل:لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور، وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وإلقاء الخرق على الشجر إقتداء لمن عبد اللات والعزى].ا.هـ مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد26، والمراد منه قوله:[وهم عندي كفار بهذه الأوضاع].
وقال ابن القيم في (إغاثة اللهفان)1/197 في إنكار تعظيم القبور:[وقد آل الأمر بهؤلاء المشركين أن صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه (مناسك المشاهد)، ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عباد الأصنام].ا.هـ، وهذا الذي ذكره ابن القيم رجل من المصنفين يقال له ابن المفيد، فقد رأيت ما قال فيه بعينه، فكيف ينكر تكفير المعين؟ وأما كلام سائر أتباع الأئمة في التكفير، فنذكر منه قليلاً من كثير.
[أما كلام الحنفية فكلامهم في هذا من أغلظ الكلام، حتى إنهم يكفرون المعين إذا قال مصيحف أو مسيجد وصلى صلاة بلا وضوء ونحو ذلك.
وقال في (النهر الفائق):واعلم أن الشيخ قاسماً، قال في شرح درر البحار:[إن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً:يا سيدي فلان إن رد غائبي أو عوفي مريضي فلك من الذهب أو الفضة أو الشمع أو الزيت كذا، باطل إجماعاً لوجوه... إلى أن قال:ومنها ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر... إلى أن قال:وقد ابتلى الناس بذلك، لاسيما في مولد الشيخ أحمد البدوي].ا.هـ.
فانظر إلى تصريحه إن هذا كفر، مع قوله أنه يقع من أكثر العوام، وأن أهل العلم قد ابتلوا بما لا قدرة لهم على إزالته.
وقال أبو العباس رحمه الله حدثني ابن الخضيري عن والده الشيخ الخضيري إمام الحنفية في زمانه قال:[كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا:كان كافرا ذكياً]، فهذا إمام الحنفية في زمنه حكى عن فقهاء بخارى جملة كفر ابن سينا، وهو رجل معين منصف يتظاهر بالإسلام.
وأما كلام المالكية في هذا أكثر من أن يحصر، وقد اشتهر عن فقهائهم سرعة الفتوى والقضاء بقتل الرجل عند الكلمة التي لا يفطن لها أكثر الناس، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب (الشفاء) من ذلك طرفاً، ومما ذكر أن من حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر، وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه.
وأما كلام الشافعية، فقال صاحب إعانة الطالبين (4/151):[على كفر من شك في كفر طائفة، كابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد،]. وكل هذا دون ما نحن فيه.
وقال ابن حجر في شرح الأربعين على حديث ابن عباس:["إذا سألت فاسأل الله"، وما معناه إن من دعا غير الله فهو كافر].نقلا عن كتاب البلاغ المبين(1/225)
وصنف في هذا النوع كتابا مستقلاً سماه (الإعلام بقواطع الإسلام) ذكر فيه أنواعاً كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يخرج من الإسلام ويكفر به المعين، وغالبه لا يساوي عشير معشار ما نحن فيه، إلى أن قال:[...فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقيناً ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام، كما ذكر أنه صلى الله عليه وسلم بعث البراء ومعه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله، ومثل همه بغزو بني المصطلق لما قيل أنهم منعوا الزكاة، ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين.
ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر على تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا}، حل الخمر لبعض الخواص، ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان -رضي الله عنه- على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة الكذاب مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم، ومثل تحريق علي -رضي الله عنه- أصحابه لما غلوا فيه، ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن اتبعه مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت، ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين، وهلمَّ جرا من وقائع لا تعد ولا تحصى.
ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره:كيف تقاتل بني حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويزكون؟ وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا، وهلم جرا إلى زمن بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام، وصلاة الجمعة والجماعة، ونصب القضاة والمفتين لما أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا، لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم، ولم يتوقفوا فيه وهم في زمن ابن الجوزي والموفق.
وصنف ابن الجوزي كتاباً لما أخذت مصر منهم سماه (النصر على مصر) ولم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحداً أنكر شيئاً من ذلك أو استشكله لأجل ادعائهم الملة، أو لأجل قول لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام، إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين في هذه الأزمان من إقرارهم أن هذا هو الشرك، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله أنه لا يكفر؛ لأنه يقول لا إله إلا الله، أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الإسلام، هذا لم يُسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين، فإن ظفروا بحرف واحد عن أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه] ا.هـ، من مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد ص36 للشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وراجعه فهو مهم جداً.
وقد ذكر الشيخ ناصر الفهد -فك الله أسره- أربع عشرة واقعة كفّر فيها العلماء من ظاهر المشركين على المسلمين.
ففكر الإرجاء قام للرد على فكر الخوارج، فقابل البدعة ببدعة، وتوسط أهل السنة بين الخوارج والمرجئة في الإيمان.
فاحذر يا عبد الله أن تصل بك الغيرة على هذا الدين فتحارب التكفير الذي في موضعه وأنت لا تشعر؛ فتهون للناس الكفر فيقعون في بشاعة الكفر وهم يظنونه معصية، واحذر يا عبد الله أن تكون ناشراً لمذهب المرجئة وأنت تظن أنك تنشر مذهب أهل السنة.
قال النضر بن شميل:[دخلت على المأمون قال لي:كيف أصبحت يا نضر؟ قال:قلت:بخير يا أمير المؤمنين. قال:أتدري ما الإرجاء:قلت:ودين يوافق الملوك يصيبون به من دنياهم وينقص من دينهم. قال لي:صدقت] تاريخ مدينة دمشق (33/ 286).
وفي الكنى والأسماء للدولابي (3/260) قال النضر بن شميل:[قال لي المأمون:يا أبا الحسن الإرجاء دين الملوك].
والقاعدة على منهج أهل السنة في أبواب المعتقد، فمنها باب الإيمان وباب الأسماء، والصفات، والقضاء والقدر، والقرآن والصحابة وغيرها.
فهل رأيتم القاعدة تكفر بالذنوب التي دون الكفر؟ أليسوا يعتقدون مثلاً في الزاني والقاتل وغيرهم من أصحاب المعاصي بما يعتقد فيهم أهل السنة؟ أليس من صفات الخوارج أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان؟ والقاعدة اليوم من أكبر الجماعات الجهادية التي تقاتل أهل الأوثان، أليس من صفات الخوارج التحليق؟ والقاعدة عرف كثير منهم بإطالة الشعر.
[1]- ومع ذلك هل الحجة لم تبلغهم وهم يتابعون إصدارات المجاهدين وإعلامهم يضج بذكر القاعدة؟ وهل تظن أن الحجة لم تبلغهم وقد اشتعلت الحرب بيننا وبينهم؟ إنهم يعلمون ذلك جيداً حتى أن الرئيس اليمني قال بعد ضرب السفارة الأمريكية في صنعاء: أن هؤلاء -أي المجاهدين- يريدون إقامة خلافة إسلامية ورئيس جهاز الأمن السياسي اليمني يقول لبعض السجناء: نحن حكومة علمانية الذي يريد حكومة إسلامية فليذهب إلى أفغانستان. لقد سمعوا أحد المنشدين ينشد وقالوا له: قصيدتك لن تنفعك!!.